جريدة الجرائد

نديم نحاس : الحرب الأميركية الأخرى

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
واخيرا، انتصرت الولايات المتحدة وحلفاؤها من قوات التحالف الشمالي في حرب افغانستان، ولنقل انها على وشك الانتصار لنكون اقرب الى الدقة، باستثناء ربما الازمة الاقتصادية التي تحيط بخناقها التي هي ربما من مخلفات احداث 11 سبتمبر الماضي.
ورغم الغموض الذي يحيط بنيات واشنطن ومخططاتها بعد انتهائها من افغانستان في ما يدعى بحربها ضد الارهاب الذي قد يطال دولا اخرى، الا انها تخوض في المقابل حربا اخرى خاسرة في مدنها وازقتها الداخلية، وقد فشلت جميع الجهود لتحقيق اي نصر فيها، ولو كان شكليا.
انها حرب المخدرات والسموم البيضاء التي تجتاح المدن الاميركية بقوة وعنف وتترك آثارها المدمرة على الاسرة والمجتمع، وحتى على الوضع الاقتصادي ايضا.
ومع ذلك فان المسألة الخطيرة هذه لم ترد كقضية اساسية في الحملات الانتخابية لكل من الرئيس جورج بوش ومنافسه آل جور قبل عام تقريبا، وهنا وجه المفارقة. فقد كان بامكان الرئيس بوش انه يعلن ان مستويات الادمان قد انخفضت اجمالا رغم ان ثلث المراهقين الاميركيين ما زالوا يتورطون في المخدرات بشكل او بآخر.
وحتى لو كان انخفاض معدلات الادمان صحيحا، فان اللجوء الى المخدرات القوية جدا بات امرا شائعا.
ففي العام 1990 وحده شرع اكثر من مليون اميركي باستخدام "الكراك" وهو من انقى انواع الكوكايين واخطرها، في الوقت الذي بدأ 1.2 مليون آخرون بتعاطي الهيروين.
والخطير في الامر ان التفشي السريع للادمان كان بين القطاعات المعرضة اكثر من غيرها للقلاقل واعمال الشغب، مثل الفقراء والعاطلين عن العمل والمضطربين عاطفيا وعقليا والشباب الهائم على وجهه دون هدف واضح، واولئك الذين يعانون من مشاكل اجتماعية حادة.
وكل ذلك يولد المزيد من الغضب والنقمة والعنف وعدم الاستقرار.
ورغم ان المخدرات ليست السبب الوحيد لمثل هذه المشاكل الاجتماعية، فانه يتعذر حل اي منها قبل القضاء على هذه الافة بشكل جذري.
والقضاء عليها واحراز النصر النهائي في هذه الحرب الطويلة لا يتم عن طريق القضاء وحده على حقول الكوكا في بوليفيا وكولومبيا والبيرو ومحاربة مزارعيها ومهربيها وكارتلاتها، بل يجب ان يتم اولا في المدارس الاميركية، وفي ازقة المدن الضيقة.
ان الولايات المتحدة اولى ان تشن حربا شعواء على كارتلات المخدرات في بلدان اميركا اللاتينية هذه بدلا من حربها على الدول الاخرى تحت شعار محاربة الارهاب، لان الضرر الذي تتلقاه منها ومن السموم التي تصدرها هي افتك بكثير من تفجير عدة بنايات، او موت عدة الوف. اذ ان ضحايا المخدرات يعدون بالملايين. فقد اعلن المعهد القومي للادوية والعقاقير انه يقف عاجزا تجاه ستة ملايين من المدمنين، هم في اشد الحاجة للعلاج الشامل والطويل. لكن الميزانيات المخصصة لذلك وهي بحدود 13 مليار دولار هذا العام تقريبا لا تكفي لتأمين ولو جزء بسيط من برامج العلاج.
والنتيجة طبعا ستكون بحجم الكارثة، لعل انتشار الجريمة والايدز بمعدلات سريعة بعض وجوهها، اما الوجه الآخر فقد يكون نوعا من الحروب الاهلية، كما حصل في لوس انجليس مثلا في العام 1992، لكن المرة المقبلة ستكون على نطاق اوسع بكثير.(الشرق الأوسط اللندنية)

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف