ثقافات

الذكرى الخامسة لرحيل المفكر القصيمي(8)شهادات من أصدقاء ومقربين

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
&
المفكر الراحل عبد الله القصيميالتقت إيلاف بالعديد من أصدقاء المفكر السعودي الراحل عبدالله القصيمي وهم الذين التقوا به إما في مصر أو بيروت أثناء إقامته هناك. كما التقت "إيلاف" بأبنائه وبمسؤولة قسم رعاية كبار السن في مستشفى فلسطين، وقد تحدثوا عن ذكرياتهم ولقاءاتهم مع القصيمي، فكانت هذه الشهادات، التي تنشر لأول مرة :
الأستاذ إبراهيم عبدالرحمن، محامي مصري
تعرف الاستاذ ابراهيم عبد الرحمن على القصيمي منذُ أن كان طالباً في الثانوية، وصحبة لمدة خمسين عاماً تقريباً، وهو من أشد الناس معرفة بالقصيمي، ويعتزم على إصدار كتاب بعنوان"خمسون عاماً في صحبة القصيمي"& تحدث حديثاً مطولاً لـ" إيلاف" نوجزه& فيما يلي: (تعرفت على القصيمي في حوالي عام 1950 وكان للقائي معه قصة، وهي أنه عندما كنتُ في سن الفوران العقلي، كانت الأسئلة التي أطرحها على أقاربي لا تنقطع، وكان لي خال متدين جداً، أقلقت باله أسئلتي تلك، وكان يسمع المحامي ابراهيم عبد الرحمنعن القصيمي الذي كان موجوداً لدينا في مدينة حلوان بعد انتقاله من القاهرة، فأخذ بي خالي إلى القصيمي عسى أن يجد لديه ما يساهم في حل أسئلتي التي كنت أطرحها بكل جرأة، ذهبنا إلى الأستاذ عبد الله الذي كان يسكن في شارع رياض باشا مع شارع محمد سيد أحمد، وكان مشهوراً في حلوان على أنه طالب علم أزهري، رحب بنا الشيخ واحترم تساؤلاتي وشجعني على التفكير والبحث بما يشبع العقل، على عكس ما وجدته من المشائخ الذي ذهبت إليهم وطلبوا لي الهداية!!
العبادة ليست سببا للنجاح وانما العمل والدراسة
لقد كان استقباله وتشجيعه لي الأثر الكبير في أن تدوم العلاقة بيني وبينه نحو 50 سنة، لم أفارقه حتى واريته الثرى في مثواه الأخير، وذكر المحامي إبراهيم موقفاً حدث له في شبابه، وهو أنه نشأ نشأة دينية وكان متديناً مواظباً على واجباته الدينية، إلا أنه لم يكن طالباً جاداً، بل كان يهتم بالنشاط اللاصفي، ولم يكن يعطي المذاكرة حقها، يقول: كنتُ أعول على أن الله سينصرني في اختباراتي، ولقد كانت هذه الاتكالية تسود مجتمعات المتدينين، وعندما أخبرت الشيخ عبد الله، قال: هذا غير صحيح، إذ أن المحك في الحياة هي الأسباب التي تعطيها أنت للحياة، فالعبادة ليست سبباً للنجاح في الحياة الدنيا، إنها علاقة بينك وبين ربك، في العمل والدراسة لا بد أن تعطي أسباب النجاح، كان هذا كلام القصيمي على عكس ما كان يقوله لي المتدينون عندما أشكو عليهم اخفاقي أحياناً فهم يقولون: لا بد أن تزيد من الطاعة، إذا كنت تريد النجاح، ولكني وجدت كلام الشيخ عبدالله أبلغ وأقرب إلى الواقع وهو الصحيح الذي ثبت لي فيما بعد.
عمل نسخة كربونية من الكتاب قبل ارساله الى الطبع
وكان المحامي إبراهيم عبد الرحمن هو الذي يقوم بكتابة ونسخ كتب القصيمي عندما كان طالباً في الحقوق، يقول الأستاذ إبراهيم(كنت أقوم بعمل نسختين من كتبه، لأنه لا يستطيع أن يدفع بكتابه إلى أي مكتبة لنسخه، فكنت أحتفظ بالصورة الكربونية، أما المنسوخة فيأخذها الأستاذ محمد أحمد نعمان إلى بيروت لطباعتها، أما الأصل فتبقى عن الشيخ عبدالله، وتبقى العملية سراً كاملاً حتى صدور الكتاب، وذكر المحامي إبراهيم أن القصيمي كان محاوراً من الطراز الأول، وكان يحاور كل من يقابله بالشارع، كما يحاور ويناقش أصحاب المحلات الذين يذهب إليهم لشراء حاجاته الشخصية، وعندما كنتُ أذهب معه إلى ندوة الأديب السعودي عبدالله عبدالجبار، الذي كان مقيماً في القاهرة آنذاك، كنا في الغالب نصل متأخرين لكثرة مناقشات وحوارات الأستاذ عبدالله لكل من قابلنا!!وذكر المحامي إبراهيم أنهما كانا يذهبان باستمرار مشياً على الأقدام من سكن القصيمي في المنيل، بعد عودته من حلوان، إلى مقهى الفيشاوي في حي الحسين، ثم إلى قهوة السكرية بعد ذلك، ويذكر المحامي أن القصيمي كان معجباً بالشاعر المتنبي كشاعر، لكنه كان يحترم المعاني في أشعار بشار بن برد وأبي العلاء المعري، ويضيف: أن القصيمي كان في منتهى التواضع وعلى جانب كبير من الخلق.
رجل يقدس الصداقة
وقال أن القصيمي كإنسان شيء لا يصدقه عقل، وكان يحترم أصدقائه، وذكر من تواضعه وبساطته أن أغلب رواد ندوته الأسبوعية كانوا من محدودي الثقافة، ومن البسطاء الطيبين، وكان ترحيبه بأصدقائه لا حدود له وكان يقدس الصداقة بشكل غريب جداً، وذكر المحامي لذلك مثالاً في عبدالحميد الغربلي، الذي كان يعمل إماماً للجامع، كان من محدودي الثقافة وكان القصيمي يبالغ في إكرامه وتقديره، وكان يسميه" الإمام" وكان يحترم الفقير والغبي ويشفق عليهم، لأنه لا حول لهم ولا طول فيما حصل لهم، وكان مع أصدقائه ورواد ندوته يستفز عقولهم بأسئلته ولا يستفز الضعف البشري لديهم، إنما يخاطب العقول، ولا يتطاول على أحد ولا يتناول سيرته الشخصية أو ذاته إذا رد على أحد من معارضيه .. ويذكر المحامي أن القصيمي كان لا يستمع إلا لفيروز ... ) .
اللواء عبدالله جزيلان
مفجر ثورة 1962 ونائب رئيس الجمهورية اليمنية سابقا
والسيد عبد الله جزيلان، أحد أبرز أصدقاء القصيمي، وأحد الحضور الرسميين لندوته الأسبوعية، تحدث إلى" إيلاف" بحديث مطول عن القصيمي، نوجزه فيما يلي: (تعرفت على الشيخ عبدالله القصيمي في عام 1948 عندما كنتُ طالباً في البعثة اليمينة في مصر، وكانت معرفتي به عن طريق الشيخ سيف عقلان، الذي أخذ بي إليه ذات مرة في الحديقة اليابانية في حلوان، وعندما تم اللقاء رحّب بنا الشيخ عبدالله أشد الترحيب وبدأ يطرح علينا أسئلة في الثقافة العامة كانت أعلى من مستوانا، ثم تكررت هذه اللقاءات مع الشيخ القصيمي وكنا نسعد بها لأنها كانت تثير قضايا الفكر وتفتح الذهن، ثم حصلت على نسخة من كتابه"هذي هي الأغلال"
قراءة الكتب المترجمة واحترام الشخص بغض النظر عن جنسه وبلده
وقرأت الكتاب بشغف شديد، حيثُ تناول فيه قضايا هامة، منها قضية المرأة، ويذكر اللواء جزيلان أنه حدث له موقف بعد أن قرأ الكتاب عام 1949 إذ كان بعد ذلك في امتحان مادة التعبير وكانت أسئلة الاختبار أن تكتب عن موضوعين، هما المرأة أو شم النسيم! أمسك اللواء جزيلان بالقلم وكتب أربع صفحات عن المرأة هي خلاصة ما قرأه في كتاب الأغلال، يقول اللواء جزيلان: رفض مدرس المادة كل ما كتبت، إذ كان رأيه أن مكان المرأة هو البيت!!.
يذكر اللواء جزيلان أنه كان يحضر ندوته الأسبوعية، وقد لازمه حتى توفي، وذكر أنه كان يستفز أصدقاءه في ندوته الأسبوعية، وكان محاوراً لا يشق له غبار، وذكر جزيلان أن الشعراوي ومصطفى محمود كانوا يخشون مناظرته ومحاورته، وذكر جزيلان أن من أبرز صفات القصيمي الهدوء والحلم مع من كانوا يردون عليه، وكان يحترم الشخص الذي أمامه بغض النظر عن جنسه وقطره، وذكر أنه كان يمشي يومياً في المنيل، وكان يقضي حاجاته من السوق بنفسه، وكانت نصيحته لنا أن نكثر من قراءة الكتب المترجمة) .
الأستاذ حسن السحولي، سفير الجمهورية اليمنية السابق في مصر،
والاستاذ السحولي كان قد تعرف على القصيمي أيام دراسته في القاهرة ثم صحبه بعد ذلك، إلى أن توفي القصيمي، تحدث سعادة السفير اليمني بحديث مطول لـ" إيلاف" كان منه قوله (القصيمي شخصية مفكرة كبيرة جداً تعرفت عليه أولاً من خلال مقالة نشرها في مجلة" الأحد" التي يصدرها رياض طه في بيروت، إذ كتب القصيمي مقالة ذاك تحت عنوان " احذروا عصر الأبطال" ومعلوم من كان يقصد القصيمي في مقالته تلك! حسن السحوليكنت وقتها في السجن وكان عبد الناصر يمثل لنا آمال الأمة العربية ووحدتها! وكانت مجلة الأحد تدخل إلى السجن سراً، فكتبت من داخل السجن مقالة رداً على القصيمي وأرسلتها إلى المجلة عن طريق عدن، ولا أدري بعد ذلك هل نشرت أم لا؟ إلا انه في عام 1961 خرجتُ من السجن ووصلت مصر، واستقبلني في المطار الزعيم اليمني أحمد محمد نعمان وابنه الأستاذ محمد نعمان، وكانوا وقتها مشكلين جبهة وطنية ضد الحكم في اليمن، أخذني الأستاذ أحمد نعمان إلى منزل القصيمي، وعرفني عليه، ثم سألته بقوة قائلاً له: هل أنت الذي تحارب الأبطال؟! فسألني: هل أنت الذي كتبت رداً علي في مجلة "الأحد" وأبدى إعجابه بالمقال وقال: أن رياض طه رفض نشر المقال، ولكني رجوته أن ينشره، فشدني بأسلوبه وجلست أمامه استمع إلى كلماته، فعرفت المستوى الفكري الجبار بالنسبة إلى مستوانا المتواضع!
الثورة ليست الحل بل العقل والعلم يطوران الشعوب
تكررت بعد ذلك الزيارات وتكونت العلاقة وكنا نكن له كل التقدير والاحترام والحب، والحقيقة أن الشخص بهرني بأسلوبه، وكان يقدم لنا نحن اليمنيون النصائح تجاه اليمن، كان يرفض اتجاه الأحرار اليمنيون في قضية مؤامرة قتل الإمام أحمد، وقال لنا: أذهبوا إلى الإمام وتفاهموا معه وحاولوا أن تكسبوه لصفكم حتى لا تقعوا فيما وقع فيه الآخرون، وقال: الثورة ليست هي الحل! العقل والعلم هما اللذان يطوران الشعوب ويحولانها من التخلف إلى التقدم، وذكر السفير أن علاقته بدأت من عام 1961 وحتى وفاته إذ شارك في مراسم تشييع الجنازة ودفنها.
يذكر سعادة السفير أن القصيمي كان على مستوى كبير من عزة النفس وكبريائها، وذكر لذلك موقفاً، قال فيه : بعد الثورة عام 1962 عدت إلى اليمن وعينت مديراً لمكتب رئيس الجمهورية عبدالله السلال، كتبت رسالة بخط يدي ووقعها رئيس الجمهورية السلال، وهي موجهة إلى السفير اليمني في القاهرة الأستاذ أحمد احمد باشا، ومضمونها الاتصال بالقصيمي ومنحه جواز سفر دبلوماسي يمني، وصرف مبلغ شهري قدره 100 جنيه مصري، وكان وقتها مبلغاً كبيراً، وتسهيل مهمة وصول القصيمي إلى اليمن! في الوقت الذي يريد، وكنت حامل الرسالة الذي جاء بها من اليمن، ذهبت مع أحمد نعمان إلى القصيمي وأعطاه الرسالة وقرأها، فقال: هذا الخط ليس غريباً علي! لمن هو؟ فقال نعمان: خط حسن السحولي، فقال القصيمي: شكراً، شكراً وأخذ الورقة وأدخلها في جيبه، وقال: أعطوني فرصة للتفكير وسأقول رأيي بعد ذلك! ولقد كانت إمكانيات القصيمي آنذاك ضعيفة جداً وعلى الرغم من ذلك رفض العرض وقال: رجاءً اسدلوا الستار عن الموضوع، يكفيني هذا أن هناك من يفكر فيني!
كلموني حتى تخف آلامي
ويضيف سعادة السفير قائلاً: ظل القصيمي يحتفظ بهذه الرسالة حتى قبل وفاته بشهرين عندما أطلعني عليها وقال: هذا وسام أعتز به يا حسن، ويقول السفير: ان القصيمي كان رقيق المشاعر وعندما نغيب عن الاتصال به ليوم أو يومين يتصل علينا يسأل عن السبب في تأخرنا بالحضور أو الاتصال به وكان يقول: كلموني أبدا حتى يخف الألم! وكان يهديني كل كتبه عند صدورها، وعلى الرغم من كبر سنه إلا انه يتطور ويتجدد ويعطي أكثر وأكثر، كان لا يمل ولا يكل بل يكتب باستمرار، وقال : بيني وبينه مجموعة من الرسائل المتبادلة أتمنى أن أخرجها في كتاب! وقال كان يحب الناس ولا يحمل في نفسه الحق على أحد، وكان كثير التألم إذا شاهد أحداً يتألم أو يشكو من أوجاع الزمان وظروفه! وكان لا يرفض الأشخاص الذين لا يقتنعون بما يقول، بل يقدرهم ويدعوهم ويحترمهم، ويضيف السفير أنه في مرضه الأخير حاولت مع المحامي إبراهيم عبدالرحمن أن نقنعه بالسفر على بريطانيا للعلاج إلا انه رفض، وبالمناسبة فالمحامي إبراهيم عبد الرحمن هو الشخص الملازم للقصيمي وأقرب الناس إليه خلال 50 سنة وأكثرهم وفاءً ووداً له إلى اليوم هذا، ويضيف السفير أننا حاولنا أن نقنعه بممرضة تساعده في منزله إلا أنه رفض ذلك! وذكر السفير السحولي موقفاً طريفاً، يقول: كانت زوجتي بالمستشفى ذات مرة، ووضعت طفلة توفاها الله في الحال، فكتب القصيمي رسالة لي قال فيها " مشاكل الناس تخرج صارخةً يا أستاذ حسن، أما مشكلتك فقد خرجت ميتة!!" وذكر السفير أن القصيمي لم يكن يدعو إلى رفض الدين إطلاقاً كما يقول البعض عنه.
&
غدا الجزء الثاني من الشهادات

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف