جريدة الجرائد

أكثر اللاعبين غموضاً في حرب لبنان يروي قصته . حبيقة : خسرت وقررت الهجرة الي البرازيل لكن اتصالاً من خدام أعادني الي اللعبة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
كتب غسان شربل& :في إحدي الجلسات بدا إيلي حبيقة متعباً وشبه يائس، علي رغم حرصه الدائم علي صورة الشاب القوي البارع. سألته إن كان صدره يتسع لأسئلة مزعجة فردّ مبتسماً ومبدياً الاستعداد. قلت له كيف تستطيع ان تنام بعد كل الذي فعلته؟ وجاء الجواب: ليست هناك حروب نظيفة خصوصاً الحروب الأهلية. اذا كنت مجرماً فالبلد في عهدة مجموعة مجرمين. غيري ارتكب ايضاً ما ارتكبت. امروا بالقصف العشوائي والخطف والتصفيات. ضلعوا في الفساد وما هو اخطر منه. انا تركزت الحملات عليّ. لو كتبت قصة الحرب بانصاف لظهرت ادوار الآخرين أيضاً. للأسف انها الحرب. القذارة جزء منها حتي ولو دخلها المرء صاحب قضية .
وأضاف: صحيح انني اليوم رئيس حزب ونائب ووزير. لكن للمسألة وجهها الآخر. عشت وسط الأخطار والتهديدات واتخذت قرارات صعبة وخطيرة. خرجت علي قبيلتي لمصلحتها ومصلحة الوطن فلم تفهمني. وخرجت الي الشركاء في الوطن فلم يقدروا ما فعلت. ما يؤلمني هو ان منطق المزرعة يترسخ وكل فريق ينهش جزءاً مما تبقي من الدولة. تعرف بعد سقوط الاتفاق الثلاثي فكرت جدياً في الذهاب الي البرازيل لكن سامح الله الرئيس رفيق الحريري طلب رقم أبو جمال (عبدالحليم خدام) فتغيرت وجهة الاحداث وعدت الي اللعبة .
ابتسمت لدي سماعي الرواية فسارع بظرفه الي القول: يبدو انك تقول في نفسك ليتك ذهبت. اطمئن لن أذهب الي أي مكان. قد يكون القدر رسم مصيري منذ اطلقت الرصاصة الأولي علي رغم قناعتي ان مصير الرجال والشعوب تصنعه الارادات .
روي حبيقة قصة الاتفاق الثلاثي الذي وقعه في دمشق مع رئيس حركة أمل نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والذي اسقطه الدكتور سمير جعجع في عملية عسكرية في 15 كانون الثاني (يناير) 1986. وتسلط رواية حبيقة الضوء علي ادوار مهمة لعبها في الثمانينات كل من رفيق الحريري الذي كان يعد نفسه لتسلم مفاتيح الجمهورية في التسعينات فضلاً عن لاعبين آخرين مثل العماد ميشال عون ورئيس حزب الكتائب كريم بقرادوني والنائب اللواء سامي الخطيب والنائب جان عبيد والوزير السابق ميشال سماحة فضلاً عن لاعب بارز هو الرئيس أمين الجميل الذي اصطدم علي مراحل بسائر اللاعبـين المـسرعين والمتسرعـين .وهـنا نص الحلـقة الثانــية:
وافقت علي مغادرة المجلس الحربي فماذا حصل هل طلبوا الاموال والمعلومات؟
- كان ارشيف جهاز الامن ضخماً جداً فاتلفناه وكنا اتخذنا قبل فترة احتياطات لضمان عدم حصولهم عليه وذلك حرصاً علي سلامة من كانوا علي علاقة معنا. صورنا نسخة عن الارشيف ووضعناها في مكان آمن. عندما وصلت قوة الجيش كنا اتلفنا كل شيء. كنت محتاراً فأنا لا استطيع اخذ القوات بالقوة الي السلم. واثارت حملات التخوين شعوراً بالقرف لدي. صار همي سلامة المجموعة التي كانت معي. ونحن نغادر قال كثير من الشباب: لماذا نغادر ولا يزال لدينا ثلاثة آلاف شاب في الاشرفية، كل المشكلة بالنسبة الينا هي الاوتوستراد الذي يفصل بين موقعنا والاشرفية. المهم ان نصل الي الاشرفية ثم ننطلق منها. وكنت اجيبهم: لماذا نفعل ذلك؟ هل نخوض حرب جسور جديدة بين جسر الواطي وجسر الكرنتينا ونقيم خطوط تماس جديدة؟ لا اريد التسبب في وضع شبيه بالذي كان قائماً بين الكتائب والاحرار. وتوجهنا الي وزارة الدفاع تواكبنا عناصر من الجيش.
في وزارة الدفاع
عندما كنت في وزارة الدفاع بدأ الصراع علي من سيتسلم القوات . زارني بقرادوني وقال لي هناك مشكلة الصندوق الوطني والاموال موجودة لدي بول عريس فاجبته: انا سأغادر وانت تري من يغادر معي وهؤلاء كلهم من القوات وحين اغادر افعلوا ما تريدون. قال: أليس من الافضل ان تقوموا بعملية تسلم وتسليم وتحويل الحسابات قلت: بول سيبقي يومين او ثلاثة لانهاء العملية ثم يقرر ماذا سيفعل وهل يبقي ام يذهب؟ قال: سمير لا يضع فيتو علي احد ولكن هناك بضعة اشخاص ازعجوه ومن الافضل الا يبقوا.
هل اصر علي مغادرة اسعد الشفتري؟
- لا، كان يريد جهاز الامن لكنه كان منزعجاً من بعض القيادات العسكرية التي وقفت ضده. قلت لكريم: لا استطيع المناقشة وبالي مشغول، زوجتي وابني محاصران في ادما. قال: انا اذهب وآتي بهما. ذهب كريم وعاد بهما. عدنا وجلسنا وسألته: بكرا شو، انا ساغادر وانتم الغيتم الاتفاق الثلاثي ولكن ماذا ستفعلون؟ اجاب: انا قرفان، اقدم سمير علي خطوة انتحارية وسيأخذنا وسيأخذ المسيحيين الي الهلاك، انا سأجمع اغراضي واسافر. هذا البلد لم يعد يطاق. المحاولة الجدية الوحيدة هي التي قمتَ بها ولن ينفع شيء بعدها.
تنازعتني افكار كثيرة. حاولنا طي صفحة الحرب واقامة السلام لكننا لم ننجح. في هذه الاحوال يفكر المرء في مصيره ومصير رفاقه ورحت افكر في المستقبل ايضاً فيما كان الشباب ينقلون الي شكاواهم. هذا لا يعرف شيئاً عن زوجته وذاك لا يعرف شيئاً عن امه. سقط الكثير من القتلي والرقم كان بالمئات. سقط قتلي علي مداخل مكتبي.
كنا في&15 كانون الثاني (يناير) وسبق ذلك التاريخ اسبوع من الازمات. وفي رأس السنة كان الصندوق قد دفع الرواتب وهو لم يكن في الواقع مثل صندوق جورج انطون لاحقاً ففي ايامنا كانت الجبايات خجولة. بول عريس اخذ معه الي فرنسا حوالي 800 الف دولار اي اننا انقذنا من الحسابات نحو مليون دولار. يومذاك ظهرت شائعات أننا اخذنا 200 مليون دولار والحقيقة هي مليون دولار بالكاد كانت كافية لثلاثة اشهر اذ غادر معنا نحو 200 شاب.
ألم توقع اي ورقة؟
- لا. في اليرزة زارني فريق آخر من القوات يمثله فؤاد ابو ناضر (القائد السابق لـ القوات ) وطلب مني عدم تسليم الاموال الي سمير فقلت لهم: سأترك البقرة في الارض وليستول عليها من يستولي. وهنا اريد ان اكشف حقيقة هي انني غادرت البلد ولم اكن انوي العودة. اعتبرت انني فعلت كل ما استطيع ولم انجح.
ساعة الحريري
التقيت ميشال عون في الوزارة فقال عندنا مشكلة: جبهة الدوار مهددة وجبهة سوق الغرب ولا عسكر هناك. جاء شباب وطلبوا مني التوجه الي الاشرفية او الحازمية فلم اوافق لانني لم اكن راغباً في قتال بلا افق يتسبب في سقوط المزيد من الضحايا. صباحاً سافرت الي قبرص في طائرة هليكوبتر ومنها الي باريس. التقيت هناك رفيق الحريري فسألني عما حصل وقال: هل تريد اي مساعدة؟ فقلت: نعم، هل يمكنك مساعدة الشباب علي الاقامة لفترة قصيرة في انتظار ان يتدبروا امرهم؟ وتجاوب فعلاً.
وهل كان دفع لـ القوات قبل التوقيع لتشجيعها علي خيار السلام؟
- لم يدفع بهذه الصورة. كان لدي مشروع وهو تغيير الصبغة العسكرية لـ القوات وتحويلها مؤسسة انتاجية. كان لدي مشروع طموح. اشترينا قطعة ارض كبيرة في طرزيا (قضاء جبيل) واردنا ان نشيد هناك بيوتاً للمقاتلين الراغبين في التحول إلي العمل الزراعي. وكنت طلبت من المسؤول عن سلاح المدرعات ان يدرس ماذا نستطيع ان نفعل بالمدرعات، هل نبيع الدبابات ونشتري جرارات زراعية ام يمكننا تحويلها الي جرارات. هنا اتصلت برفيق الحريري وتستطيع القول انه كانت للاتصال علاقة بـ الاتفاق الثلاثي كما تستطيع القول ان لا علاقة له بذلك. وقلت له اننا نحتاج الي مليون ومئتي الف دولار لتشييد 65 مسكناً في طرزيا. فرد: انا جاهز. وسأل الحريري: هل ستعمرون ثكنة؟ فأجبت: لا انها بيوت سكنية ونحن نحاول تحويل الآلة العسكرية الي آلة اقتصادية. وتجاوب الحريري. وبعد خروجنا توجه شبان الي ايطاليا وسواها من البلدان وبقي نحو 52 شاباً فدبر لهم الحريري مكاناً للاقامة في باريس. اما زوجتي وابني وزوجة اخي وابنه وزوجة أسعد شفتري وابنه وزوجة أحد الرفاق وأولاده الثلاثة والمجموع اربع نساء مع اولادهن فقد اعطاهم شقة في باريس ثم اقاموا في فيلا له في سويسرا نحو سبعة اشهر.
اتصال من خدام
امضيت اربعة ايام في باريس. وخلال زيارة للحريري كنا نتحدث فيها عن الاوضاع قال لي اتصل ابو جمال (عبدالحليم خدام) ويحب ان يتحدث اليك. فقلت: انا خسرت المعركة. فقال: يريد ان يقول لك الحمد لله علي السلامة. طلب الحريري ابو جمال وتحدثنا فقال لي: ما بدنا نشوفك؟ فقلت: انا خسرت المعركة ولم اعد مسؤولاً عن القوات ، انا صرت ما حدا. فقال: في الصداقة ليس هناك ما حدا، انت وضعت يدك في يدنا فتفضل لنقول لك الحمد لله علي السلامة ثم سافر. وهناك بعض الاشياء نريد ان نخبرك اياها وقد لا تكون علي علم بها.
في هذه الاثناء كان ميشال المر لحق بنا الي باريس فبحثت معه في الموضوع وسألني عن رأيي فقلت: نذهب في زيارة لياقة ونطلع علي الاوضاع. توجهنا الي دمشق والتقينا خدام. بعد الحمد لله علي السلامة قال لي: انا اعرف انك تراجع حساباتك حالياً. فأجبت: انا لا اراجع شيئاً انا قررت ان اتحول الي مزارع، سأقتني ابقاراً وقد لا يكون التعامل معها متعباً.
زحله لا البرازيل
الي اين كنت تنوي التوجه؟
- الي البرازيل. قال لي ابو جمال: ربما كانت لديك شكوك في ما كنت تفعله وهل هو محق ام لا. فقلت: نعم. قال: اريد ان اطلعك علي ورقة ارسلها الينا كريم بقرادوني ويقول فيها ما معناه ان ايلي حبيقة كان يملك 70 في المئة من القوات واعطاكم مئة في المئة من الاتفاقات نحن نملك مئة في المئة من القوات ومستعدون لأن نتناقش علي 80 في المئة من الاتفاقات. تعرف كريم يحب هذا النوع من المعادلات. سألته: ماذا يعني ذلك؟ اجاب: يعني ان الخط الذي كنت سائراً فيه هو الصحيح، والآن الشباب ( القوات ) يريدون فتح صفحة معنا ومناقشتنا. نحن ليست لدينا ثقة. كانت كل الابواب مفتوحة لهم وكان كريم هنا وطرح علي اسئلة ورددت بأجوبة صريحة.
سألت خدام: ما قصة سمير جعجع وسليمان فرنجية؟ فأجاب: رددت علي كريم اننا سنتساعد علي حل هذا الصراع. لم يطرح معي موضوع نيابة او وزارة. سألني: ما هو وضع سمير؟ فأجبته مثل وضع كل الناس واذا كانت امامه عقبات اكثر من غيره نتساعد في ازالتها.
انا في الحقيقة كنت افكر في القيام بزيارة لمدينة زحلة بعدما بلغتني انباء عن ممارسات سمير ضد من كانوا الي جانبي. واعتبرت ان هؤلاء يحتاجون الي من يتحدث اليهم ويطمئنهم. سألت ابو جمال: هل استطيع الذهاب الي زحلة؟ فرد: اكيد. قلت: سأذهب الي هناك لرؤية الشباب وبعدها ارد علي سؤالك عما سأفعل.
نزلت الي زحلة وابلغني الشباب بالاضطهاد الذي يمارس علي من ايدونا. وهنا اقول ان سمير جعجع كان السبب في عودتي الي لبنان وتحديداً بسبب ما مارسه ضد المؤيدين لي. كنت راغباً فعلاً في التوجه الي البرازيل. لكنني شعرت بمسؤولية تجاه الشباب الذين يتعرضون للأذي بسببي. وقررت البقاء لمدة اسبوع ثم تبعه اسبوع وبقينا.
الي متي استمرت مساعدات الحريري لكم بعد خروجكم؟
- اعتقد نحو سبعة اشهر.
هل كان لديكم تمويل آخر؟
- لا، لكن ميشال المر ساعدنا لفترة. بعدها بدأنا نستدين ونبيع بعض الاملاك. هناك اقارب لي باعوا منازلهم لنستطيع الاستمرار.
بشير ودمشق
لكنك التقيت السوريين في ايام بشير؟
- كان ذلك في العام 1981 ابان حرب زحلة فقد التقي اللواء محمد الخولي بشير الجميل في القصر الجمهوري ثم التقينا في منزل جوني عبده الذي كان مديراً للمخابرات في الجيش. في الاجتماع الاول جاء الخولي مع سامي الخطيب وكان يومذاك قائداً لقوات الردع العربية، وعقد الاجتماع في حضور الرئيس الياس سركيس. وكنت انا وزاهي البستاني مع بشير الجميل. في الاجتماع الاول سأل الخولي ماذا تريد القوات اللبنانية وكيف تنظر الي العلاقات مع سورية؟
وابلغ بشير اركان القوات ان اتصالاً حصل مع السوريين وربما تكون فيه فائدة، وقال ان السوريين طلبوا من القوات ان تحدد نظرتها الي العلاقات السورية - اللبنانية والي مستقبل الوضع في لبنان. هنا اقترح جان ناضر (الذي قتل لاحقاً مع بشير) وربما جوزف ابو خليل الاستعانة بكريم بقرادوني. وقال ناضر ان كريم افضل شخص يمكن ان يسأل عما يريده السوري وماذا يرضيه وماذا يمكن ان نقدم له، ونستطيع في ضوء مقترحاته اعداد ورقة عن تصورنا.
وأثار الاقتراح جدلاً وعارض فريق الاستعانة بكريم وقالوا انه غير موثوق به. واذكر ان بشير دافع عن الاستعانة بكريم وقال ان المطروح ليس ادخاله الي القوات بل الاستفادة من خبرته في التعامل مع السوريين خلال السبعينات وهو يستطيع ان يقدم افكاراً حول ماذا يريدون وطريقة التعاطي معهم.
وأعتقد بأن كريم نصب يومذاك كميناً وقع بشير فيه. وخلاصة القصة هي تصوره ان السوريين يريدون جزءاً من لبنان في البقاع والشمال وانهم اذا وعدوا بالحصول عليه سيوافقون في المقابل علي ان تأخذ القوات حصتها، اي حصة المسيحيين من ارض لبنان. طبعاً هذا التفكير موجود لدي بعض المسيحيين، وزادت حرب السنتين اقتناع بعضهم به، وكانت خارطة المنطقة المسيحية المفترضة تتمدد وتتقلص تبعاً لهوية المحاور وموازين القوي. مرة تمتد من عندقت في الشمال الي جزين، مع اعتبار زحلة من ضمن الجبل، ومرة اخري تتغير حدودها. وعندما انتخب بشير، وقبل ذلك علي طريق الانتخاب، رفع شعار الـ10452 كلم مربعاً وتراجعت الخرائط الاصغر.
في الاجتماع الثاني كنت مع زاهي البستاني في غرفة جانبية. وراح بشير يقرأ للخولي، واذا بوجه الاخير يتغير. سألنا بشير بعد الاجتماع فقال: نحن اعطيناهم الرسالة والآن علينا ان ننتظر الجواب . في اليوم التالي جاء الجـواب عـبـر الاذاعة السورية في صورة حملة علي المشروع التقسيمي للقوات . واعتقد بأن بشير لم تكـن لديه آنذاك رؤية نهـائية وواضحـة لمشروع القوات . كان يعرف ما لا يريده ولم يكـن يعرف تحديداً ماذا يريد. كان يائساً من النظام القديم وربما الصيغة، لكنه لم يكن يملك تصوراً بديلاً.
واتصالاتك انت مع السوريين؟
- ابان الازمة المتعلقة باتفاق 17 ايار اللبناني - الاسرائيلي في 1983 كانت الفكرة لدينا انه يجب العثور علي منطق آخر غير المنطق الذي كنا نسير فيه، وكانت العلاقات الاسرائيلية - القواتية في عزها. طلبت يومذاك من ميشال سماحة استكشاف امكان فتح خط مع السوريين، واعتبرنا ان مثل هذا الاختراق ضروري. تحرك سماحه في ضوء علاقته بسامي الخطيب مستفيداً من علاقات قديمة اقامها اثناء عمله في الارتباط بين الكتائب والسوريين ونجحت المحاولة. وجاءت الرسالة من سورية علي الشكل الآتي: لماذا تتخذ الكتائب و القوات موقفاً معادياً من العرب وسورية في حين ان العرب لا يريدون هذا العداء ولا سورية تريده؟ ولماذا اخترتم اسرائيل لتعادوننا؟ اذا كنتم اخترتم الاسرائيليين لاعتقادكم بأنهم يدافعون عنكم في وجه الفلسطينيين تذكروا من انقذ عكار وزحلة وبكفيا، فالمبادرة السورية هي التي انقذت هذه المدن والبلدات وليس الاسرائيلي.
عبور الحدود
مع من كان الاجتماع؟
- مع مسؤول سوري رفيع. عدت الي بيروت وابلغت فادي افرام الذي كان قائداً لـ القوات بما حصل معي فظهرت شكوك. قلت له ان الرسالة التي سمعتها لم تكن عدائية والدليل انني عبرت الحدود ورجعت. وأوضحت له ان الاجواء تدفع الي الاعتقاد بأن الابواب ليست موصدة في وجهنا وان الانفتاح ممكن. وعقدت اجتماعاً ثانياً مع المسؤول نفسه وتبلغت فيه رسمياً ان سورية لن تسمح باجتياح دير القمر وتدميرها وانها ستسعي الي حل الموضوع. وفي الاجتماع الثالث كانت اجواء اتفاق 17 أيار مسيطرة علي البلد وسمعت مجدداً السؤال: لماذا تختارون الخصومة معنا وتذهبون الي الاسرائيليين؟ .
وجدت صعوبة في اقناع قيادة القوات بما يجري. وقلت لهم اننا لا نتعاطي مع طرف محلي او مع فريق صغير. نحن نتعاطي مع دولة هي سورية وقد قدموا ادلة علي نياتهم وهذه قصة دير القمر قد حلت. طبعاً كان هناك من يعتقد بأن الاسرائيليين هم الذين ضمنوا سلامة دير القمر لكنني كنت مطلعاً علي الوقائع. لم تأخذ قيادة القوات الموضوع علي محمل الجد وكانت العلاقة بينها وبين اسرائيل قائمة وشعرت بأن تسريب هذا الموضوع قد يؤذيني. جمدت الي حد ما العلاقة مع قيادة القوات وقررت ان افاتح امين الجميل بما يجري. وذات يوم كنت عائداً من سورية فمررت علي بكفيا وقلت لأمين انا عائد من سورية واحمل اليك رسالة. قال: كيف ذهبت الي سورية ومن قابلت هناك؟ قلت: ذهبت مع ميشال سماحة وبامكانه ابلاغك الرسالة.
من كانت القناة في هذه المرحلة؟
- ارسلنا الرسالة الي احد المسؤولين السوريين الذي كان علي علاقة بميشال سماحة، وعدنا ايضاً الي جان عبيد وآخرين. وحاول امين الجميل ان يعمل ضد هؤلاء فوصفهم بكل الاوصاف واتهمهم بالخيانة وبمساعدة الخط الاسرائيلي.
كان امين يفاوض نبيه بري ووليد جنبلاط والسوريين معتبراً القوات اللبنانية في جيبه وانهم اولاد و كل ما اتفق عليه معكم، أحلُّه معهم ، وبدأت الازمة عندما فقد امين السيطرة علي القوات . وقتذاك ارسلنا رسائل مباشرة الي الفريق الآخر عن استعدادنا للحوار من دون شروط مسبقة.
هنا دعوت الي اجتماع واتخذت قراراً؟
- لا، الاجتماع الذي اتخذت فيه القرار نتج من معركة شرق صيدا. اما في تلك المرحلة فكان القرار اعادة تشكيل القوات اللبنانية ، الغاء تسمية قائد القوات ليصبح رئيس الهيئة التنفيذية للقوات لاعطاء القيادة الطابع الجماعي.
كيف كنتم تتفاوضون وعبر من؟
- تبدأ الحركة عادة بالاعلام وبوسائل مستترة ونقل رسائل، ثم دخل رفيق الحريري علي الخط.
دور الحريري
كانت هذه المرة الاولي التي تري فيها رفيق الحريري؟
- نعم، لم يكن هناك أي اتصال، وقد التقيته في بيت ميشال سماحة في الاشرفية سنة 1985.
ماذا كان رفيق الحريري يريد؟
- كان يقول ان اتجاهنا الجديد صحيح، اما اذا كنا غير جديين فلا لزوم للدخول فيه لأننا نكون في الطريق الي احراق البلد للمرة الثانية، اما اذا كنا جديين فربما كان باب الخلاص وتنتهي الحرب من خلاله، ولكن يجب ترتيب العلاقة مع رئيس الجمهورية. لم اعد اذكر التفاصيل بدقة، علي كل حال الرجل موجود وكلامه ملكه فهو يقرر اذا كان يريد ان يتكلم في الموضوع أم لا. هكذا بدأت العملية ودخل ميشال المر علي الخط ودخل جوني عبده وآخرون.
ماذا كان دور جوني عبده؟
- كان معنا في الفريق المفكر عندما بدأنا التفاوض حول النقاط كنا نلتقي ونبحث في ما يمكن ان نقدمه اذا طلب منا هذا الامر وما لا يمكن ان نقدمه.
هل رأيت جوني عبده في جنيف؟
- رأيته في جنيف وفي فرنسا وفي امكنة عدة. خلال التفاوض علي الاتفاق الثلاثي حاولنا ضم بعضهم الي خط التفاوض كالرئيس شمعون الذي كان في الجو وكان يطلع علي اجزاء من المفاوضات.
ما هي قصة الاجتماع في منزل الحريري في دوردان؟
- صحيح. كان الاجتماع مهماً. كان هذا اول اتصال لفتح الباب واعلان النيات، بماذا تقبل القوات اللبنانية ان تبحث وما هي رؤيتها للحل في شكل عام والعلاقات بين اللبنانيين ومع سورية.
من شارك في خلوة دوردان؟
- شارك جوني عبده وميشال سماحة وجان غانم ورفيق الحريري بالطبع.
هل بلورتم تصوراً؟
- يومذاك سألت جوني عبده ما المطلوب لتقف الحرب ولندخل في الحل فقال: المطلوب لا تستطيع ان تحققه. فانت لا تستطيع تغيير المعادلة من موقعك الحالي، العملية خطيرة. قلت له: دعني اقدر الخطورة، ما هو المطلوب؟ بحثنا في الموضوع وتبين ان المطلوب هو ما يبحث مع امين الجميل. وهي امور بحثت في ايام الرئيس الياس سركيس وفي ايام الرئيس سليمان فرنجية. وقال لي: المطلوب من الرئيس الجميل سيطلب منك فهل انت مستعد؟
تحدثنا عن العلاقات المميزة بين لبنان وسورية علماً ان القوات اللبنانية جاءت من موقع مناقض، وكان مستغرباً ان يوافق رئيس القوات علي البحث في علاقات مميزة مع سورية. سألته هل يمكن ان تنتهي الازمة من دون هذه الامور؟ فأجاب: لا. فقلت: نحن اذاً امام حل من اثنين: اما استمرار الازمة واما القيام بنقلة نوعية تفتح لنا ثغرة في الجدار للتحاور مع الفريق اللبناني الآخر ومع السوريين، فقال نعم. سألته ايهما اسهل؟ فأجاب: الخيار لك اذا كنت تستطيع احتمال ذلك. فقلت: استطيع وخياري الانفتاح والتحاور. عندها اعددنا الرسالة وبعثنا بها.
كيف كان رفيق الحريري يتصرف وبأي صفة؟
- كطرف لبناني وسيط. كان علي علاقة جيدة مع سورية وكان راغباً في دخول القوات اللبنانية علي الخط، معتبراً ان من شأن ذلك ان يفتح باب الحل. لقد جرب الحريري ذلك من قبل مع الرئيس الجميل وربما مع الرئيس سركيس.
هل كانت للحريري علاقة مع بشير الجميل وهل التقاه؟
- بحسب معلوماتي لا، لم تكن بينهما علاقة ولم يلتقيا.
ماذا بعد وصول الرسالة؟
- حركت الرسالة الجو مع السوريين وطلبوا توضيحاً فبعثنا برسالة ثانية عبر القناة نفسها، اي الحريري والمجموعة التي كانت معه. بعد الرسائل اقترحوا (السوريون) عقد لقاء مع الأطراف اللبنانية الأخري برعاية سورية فأوفدنا ميشال سماحة الوزير والنائب السابق الذي شارك مع محمد عبدالحميد بيضون (الوزير الحالي من حركة امل ) وأكرم شهيب (الوزير الحالي من الحزب التقدمي الاشتراكي) في اجتماع مع السيد عبدالحليم خدام نائب الرئيس السوري، ثم اجتمعوا في ما بينهم.
بدأ سماحة ينقل الينا اجواء اللقاءات وجرت عملية بحث وتفاوض واعداد مشاريع.
متي ذهبت الي دمشق في اطار عملية الاتفاق الثلاثي ؟
- حين ذهبت الي التوقيع.
ألم تلتق خدام قبل ذلك؟
- لا.
ولا نبيه بري ووليد جنبلاط؟
- لا.
الجنرال شريك
لماذا فشلت في المواجهة العسكرية؟
- انا كان لدي شريك كنت متكلاً عليه في موضوع الاتفاق الثلاثي وهو شريك يفترض ان يمشي الاتفاق اذا وقف علي رجليه وهو ميشال عون.
انا كنت استبعد الحسم العسكري بسبب وجود هذا الشريك. كان عون مطلعاً علي تفاصيل الاتفاق والي اين نذهب، وكان مطلعاً ايضاً علي تحركات استخبارات الجيش وبدايات التنسيق بينها وبين سمير. والحقيقة ان لقاءات سرية كانت تعقد ليلاً بيني وبين العماد عون مرة في حالات واخري في منزله وكان الواحد منا قريباً من الآخر. وذكرت لك ان الجانب العسكري في الاتفاق الثلاثي اعده عون وتسلمناه بخط الضابط فؤاد الاشقر وهو كان المسؤول عن امنه ومن اقرب الناس اليه وضابط التنسيق بيننا.
وقبل ان يتوجه امين الجميل الي دمشق تحدثت مع الجنرال. قلت له: امين سيذهب الي دمشق وسيعود. في حال عدم الاتفاق اعتقد بأنه لن تكون هناك زيارة ثانية وستتصاعد الازمة الي حد ان احداً لن يستطيع ان ينام في اي مكان من الامكنة. سيحصل توتر وحذر داخل القوات وبين وحدات الجيش والاستخبارات وعلينا ضبط الوضع. الطريقة الوحيدة لضبط الموقف هي ان تنزل الالوية التي تثق بها بشكل مباشر علي الارض. قال عون: كيف انزل هذه الالوية وماذا سيحدث بعد ذلك؟ قلت: اذا مشي الاتفاق ولم يمش امين نوحد القوي ويمكن ان نصل الي حدود تشكيل مجلس ثورة او صيغة اخري ولا يعود امين رئيساً للجمهورية فنحن يمكننا ان نرغمه علي الاستقالة ويمكن ان نصعد الي قصر بعبدا وتتسلم انت القيادة في انتظار انتظام الاوضاع .
هذا الاجتماع عقد في حالات قبل يومين من توجه امين الي دمشق. قلت له: القوات لن تشتبك مع الجيش، اذا نزلت الالوية سترسم حدوداً بين الفريقين ونكمل مشروعنا. قوات سمير ستكون موجودة في الشمال وغير قادرة علي الوصول الي بيروت. الجيش موجود علي الارض ونحن موجودون في بيروت. وفي هذا الوضع لن يحصل اتصال علي الارض بين سمير وأمين وحين يشعر امين بأننا معاً في مواجهته سيضطر الي التسليم بالامر الواقع. قال عون: كيف؟ قلت: ينزل جيشك علي الطريق. فاجاب: انا جيشي منتشر علي الجبهات ولا استطيع اتخاذ قرار بانزال الجيش علي الطريق فكيف افرغ الجبهات؟ قلت: وماذا لو اخترعنا مشكلة امنية كبيرة الي درجة يصبح معها انزال الجيش الحل الوحيد لضبط الوضع فهل تمشي؟ قال: نعم. فقلت: امين سيكون في دمشق ولن يتمكن من الغاء امرك بانزال الجيش، نحن نقوم بعمل عسكري محدود في المتن وتنزل انت جيشك علي الطريق. واذا سألك امين تستطيع ان تقول له انا حميت جماعتك او منعت الناس من الاقتتال؟ فقال: انا جاهز.
اتفقنا علي ان يتم انزال اللواءين الثامن والعاشر اي الاقل تأثراً باجواء استخبارات الجيش.(الحياة اللندنية)

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف