إيلاف+

15ألف مقهى في القاهرة:سيرة المقاهي من زمن الحرافيش حتى عصر الإنترنت

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

مقاه للمهنيين وأخرى للإنترنت .. والمثقفون يفضلون "مقاهي الكلاب"

تسكع عليها&- نبيل شرف الدين:
لم تكن المقاهي القاهرية مجرد فضاءات للتسلية فحسب، بل هي جزء من تاريخ وحاضر هذه المدينة التي تختزل عدة حضارات في نسيج واحد لتصبح بجدارة سيدة المدن العربية ذات الألف وجه، والملايين الستة عشر التي تكتظ بهم من المقيمين فيها والمترددين عليها، ففي مقاهي هذه المدينة يكتشف المرء ببساطة شديدة أسرار الحياة اليومية شديدة البساطة والتعقيد في آنٍ واحد، وستمر في مخيلته مئات الصور والحكايات التاريخية عن مواكب المعز لدين الله الفاطمي المهيبة .. وصولات فرسان المماليك وجولاتهم في الغزوات والصراعات الداخلية، وسيرى الجالس على أحد مقاهي حي الحسين أو الدرب الأحمر بعضاً من ملامح هؤلاء المماليك في ثياب عصرية ..
فهذه الشقراء ذات العينيين الخضراوين كأنها قادمة للتو من إحدى بلاد القوقاز حيث كان يجلب المماليك والجواري، وذلك الفتي الأشقر .. المورد الخدين كأنه "سيف الدين قطز" الذي أتي به من البلقان ليصبح سلطاناً& لمصر يزود عن حدودها وأزهرها .. ويصبح أحد فرسان الدنيا والدين في آن واحد ..، كل هذا وأكثر سيشعر به الجالس على مقهى شعبي متواضع في "باب الخلق" يتسلل خارجاً& من عتمة التاريخ ليداعب خيالات المرء.
أما إذا لم تكن مغرماً بالتاريخ، فلا بأس فللمقهى حضور الواقع كثيفاً ومختزلاً في أحاديث أي اثنين جالسين على المقاعد الخشبية .. يحتسيان الشاي أو القهوة .. يدخن أحدهما "الشيشة" بينما ينفث الثاني دخان سيجارته.. قد يتحدثان في الكرة&.. أو الحر الخانق والرطوبة، وربما حول غلاء الأسعار .. وقد يكون عن آخر "نكته"، أو& نتيجة "الثانوية العامة"، لا فرق& كبير بين تلك المقاهي، وغيرها التي يتحدث روادها عن الحداثة وما بعدها .. أو عن البنيوية وما بعد الاستعمار، أو تلك التي يتفق فيها صاحب عرس مع فرقة موسيقية لإحياء حفل زفاف نجله أو كريمته، أو هذه التي يبحث فيها المرء عن سباك أو نجار أو شقة مفروشة أو خادمة ريفية .. أو .. أو .. أو ..
فمقاهي القاهرة ليست نسيجاً واحداً ، فهناك مقاه يرتادها الأدباء والكتاب ، وأخرى يرتادها العمال والحرفيون، وثالثة لا يرتادها سوى الفنانين والموسيقيين، وهكذا، وربما لا يقتصر الأمر على هذا التخصص العام، فهناك تخصصات أكثر دقة، فهناك مقاه للمثقفين اليساريين مثل مقهى "ريش" أو "زهرة البستان"، وأخرى للأزهريين كمقهى "الأفندية" في حي الباطنية خلف الأزهر، والذي اشتهر أيضاً في سبعينات القرن الماضي للغرابة بأنه حي تجار المخدرات، وهناك مقاه لسائقي السيارات الأجرة مثل ذلك المقهى الذي يقع في شارع رمسيس وسط المدينة، والذي يطلق عليه رواده تندراً وسخرية " قهوة الكلاب"، وهناك مقاه يلتقي فيها الصحافيون بمصادرهم من أهل الفن والفكر والأدب مثل "مقهى الجريون" في شارع قصر النيل، وهناك مقاه شديدة الخصوصية، لا يرتادها سوى فئات خاصة جداً كهذا الذي يجتمع فيه محترفو التبرع بدمائهم في "باب اللوق"، وإذا ساقت غريب قدماه نحو مثل هذا الموقع نظر الرواد إليه بريبة وشك خشية أن يكون أحد رجال الشرطة السريين الجدد ، فهم يعرفون القدامى منهم وتربطهم بهم علاقة أشبه بعلاقة القط والفأر.
القاهرة في الليلوكانت ولم تزل المقاهي هي الأماكن المفضلة للقاء الأصدقاء والباعة والمشترين، والمصري التقليدي "ابن البلد" حينما يزور ابنه الشاب صديق له.. يعنف هذا الابن قائلاً له:
"صاحبك تقابله على القهوة .. مش في البيت"، خاصة لو كانت لهذا الابن أخوات ، ولا يشعر المصري أن ابنه ارتكب "عيباً " إذا شاهده جالساً على المقهى ، مادام قد بلغ سن الرشد ، بل ربما حرضه على ذلك إن شعر في الابن ميلاً للخجل أو الانطواء& ، فارتياد المقهى إحدى علامات الرجولة في الموروث الشعبي المصري ، وقد تحدث مؤرخون عظام كثيرون عن "مقاهي مصر" مثل الجبرتي وابن تغري بردي وابن إياس وغيرهم ، وتركوا تفصيلاً دقيقاً عن أشكال المقاهي وروادها والأدوات المستخدمة فيها ، والمشروبات التي تقدم فيها ، والغريب أن تلك المشروبات لم تتغير للآن ، فالقهوة ظلت "سيدة الموقف" قبل أن يدخل المستعمرون الانجليز الشاي& من الهند ، وتحديداً عام 1882 ، أما التدخين فيؤكد الرواة أنه عرف في مصر إبان عهد محمد على باشا ، وطور المصريون أدوات التدخين من "الجوزة" التي كانت عبارة عن ثمرة "جوز الهند" مفرغة ، بها ثقبان أحدهما يخرج منه وصلة مفرغة من "الغاب" والأخرى تتصل به قطعة خشبية عليها "الحجر" الفخاري الذي يوضع به الدخان "المعسل" وفوقه جمرات الفحم الملتهبة ، وداخل "الجوزة "ماء" لتكرير الدخان ، وقد تطورت لتصبح "شيشة " ، فثمرة جوز الهند استبدلت بآنية أنيقة من الزجاج ، وأحياناً من الكريستال، وبدلاً& من "الغاب" أصبح هناك ما يعرف بـ "الليّ" وهو خرطوم مرن مصنوع بطريقة خاصة ، وحتى الدخان "المعسل" تطور ليأخذ نكهة الفواكه كدخان "التفاح" الأثير والمفضل لدى رواد المقاهي .. خاصة النساء منهم .
ماذا قرأت .. النساء ؟! .. نعم صحيحة هذه العبارة ، وليس هناك خطأ طباعة ، فقد اقتحمت النساء عالماً ظنه البعض "ذكورياً للأبد" ، على الأقل في عالمنا العربي ، وأسقطت نون النسوة آخر قلاع الرجال وقدس أقداسهم ، ولم تتوقف التحولات عند هذا الحد ، فقد امتد لما هو أبعد .. صارت هناك مقاه في فنادق الخمس نجوم .. وأخرى للإنترنت .. وثالثة لرجال الأعمال بها فاكسات و"Business Centre ", ولا عزاء لزمان .. وأيام زمان ، وسي السيد بطل ثلاثية نجيب محفوظ وحرافيشه أبطال المقاهي القاهرية التقليديين .

الآن في مصر ازداد عدد المقاهي ليصل في القاهرة وحدها الى 15 ألف مقهي , اما الاسكندرية فهي تحتل المرتبة الثانية من حيث العدد وان كانت تمتاز بسلسلة المقاهي على البحر والتي تجتذب العائلات لتسهر فيها حتى الصباح ويصل عدد هذه المقاهي الى 130 ممتدة من رأس التين الى المنتزه ، وهي تشبه إلى حد بعيد مقاهي المدن الإيطالية واليونانية لأسباب عديدة ذات صلة بالجغرافيا والتاريخ والانثربولوجي وغير ذلك .

ولم يعد المقهى في مصر حكراً على كبار السن وارباب المعاشات والحرفيين كما كان شائعاً& منذ زمن لكنه اصبح الآن يجتذب الغالبية العظمى من الشباب والفتيات ايضا حتى بعض الاسر اصبحت تفضل الآن قضاء السهرة الشيشة للجميعفي المقهى بعد ان انتشرت المقاهي السياحية& في الأحياء الراقية مثل مصر الجديدة ومدينة نصر والمهندسين, وضاعف أعداد رواد المقاهي انتشار ظاهرة تدخين الشيشة ودخول انواع اخرى من العاب التسلية مثل العاب الفيديو الى جانب الالعاب التقليدية كالطاولة والدومينو وأوراق اللعب والشطرنج ولم يعد المقهى قديما ومتهالكا كما كان ولكنه الآن يقام على احدث طراز، فمعظم اصحاب المقاهي يستعينون بمهندس ديكور في محاولة لجذب الزبائن, بعضها يختار الشكل التراثي والبعض الآخر يفضل الشكل الحديث, اما اسماء المقاهي فتسير في نفس الاتجاه حيث اطلق على عدد كبير من المقاهي في شتى انحاء مصر أسماء تاريخية كما اطلق ايضا اسماء مسلسلات تلفزيونية أوأفلام شهيرة مثل ليالي الحلمية وبين القصرين وقصر الشوق والمشربية ولعل اشهرها مقهى السكرية بحي الحسين المجاور لمقهى الفيشاوي العريق والحرافيش بشارع فيصل وهناك ايضا مقاه ذاعت شهرتها حديثا واصبحت علامات مميزة في الشوارع التي تقع فيها. واكدت آخر الاحصائيات التي أعدتها إدارة السجل التجاري ان عدد المقاهي في مصر قد وصل الى 42 الفا و800 مقهى ويزيد هذا الرقم عن ضعف عدد المستشفيات والمخابز معا, واكدت الاحصائية ايضا ان القاهرة اصبحت من اكثر دول العالم من حيث عدد المقاهي, وان المترددين على المقاهي في مصر ينفقون سنويا ما يزيد على0 47 مليون جنيه, وقد سجلت هذه الاحصائية ان المناطق الشعبية هي الاكثر كثافة بالنسبة للمقاهى وذكرت ان من بينها أحياء الحسين ومصر القديمة وبولاق الدكرور والمطرية وعين شمس وشبرا وامبابة, اما شارع فيصل بحي الأهرامات فيكاد أن يكون اكثر شوارع مصر على الاطلاق بالنسبة لعدد المقاهي, حيث لا يوجد بين المقهى والمقهى سوى بضعة امتار, اما في المناطق الراقية فإن حي المهندسين يأتي على رأس القائمة حيث تنتشر فيه المقاهي بكثرة وهي في تزايد مطرد خلال السنوات الثلاث الأخيرة .
بروتوكولات حكماء ريش
وقد رسمت المقاهي صورة واقعية للتحولات السياسية والاجتماعية التي شهدتها مصر ، فمن المقاهي خرجت أول ثورة شعبية في التاريخ المصري المعاصر ، وهي ثورة 1919 ، وعلى جدران المقاهي وبين طاولاتها اكتسبت ثورة يوليو 1952 المزيد من أنصارها ، وعلقت صور قائدها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ، الذي كان المصريون يلتقون في المقاهي لسماع خطبه الحماسية إبان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ، وأغلقت كل مقاهي القاهرة تقريباً إبان نكسة يونيو 1967 ، وطليت نوافذها الزجاجية باللون الأزرق حتى لا يتسرب الضوء منها فتتعرض لقصف الطائرات الإسرائيلية ، وتحولت المقاهي لأعراس في أكتوبر 1973 .. وعقب معاهدة السلام التي أبرمها الرئيس المصري الراحل أنور السادات مع إسرائيل أصبحت تلك المقاهي أحزاباً سياسية& .. بعضها مؤيد .. وبعضها معارض ، وهكذا كانت ولم تزل المقاهي القاهرية عالماً شديد الثراء والتنوع .. تنتقل خلالها الأخبار والحكايات .. ومنتديات أدبية شعبية .. يلتقي فيها الأدباء والمثقفون والأدعياء والأفاقون ولعل تاريخ مصر المعاصر تلخصه سيرة مقاه مثل الفيشاوي العريق الذي كان نجيب محفوظ اشهر زبائنه, ومقهى ريش الذي كان ملتقى الادباء والشعراء امثال امل دنقل ونجيب سرور ويوسف ادريس والابنودي واغلق عام 1991, ومقهى متاتيا بالعتبة الذي كان مقرا لرجال السياسة والفكر امثال عبدالله النديم والبارودي وجمال الدين الافغاني وتم هدمه منذ شهور قلائل فقط ، ورغم التراجع الذي اصاب مقاهي المثقفين إلا انه مازال القليل منها يجتمع فيها المثقفون في محاولة لاضفاء الخصوصية على المكان ويأتي مقهى "زهرة البستان" على رأس قائمة المقاهى المتبقية للمثقفين وهو قريب من مقهى ريش القديم ومقهى (بعد الثامنة) أو (After8 ) بوسط القاهرة ومنذ وقت ليس ببعيد كانت كافتيريا فندق اوديون بمنطقة معروف ملتقى الشعراء والادباء والفنانين التشكيليين ، لكنهم انتقلوا بعد ذلك الى مطعم وكافيتريا (الجريون) بشارع قصر النيل وهو الآن اكبر مركز تجمع ثقافي في مصر وربما في العالم العربي بأسره , ويدير هذا المقهى شخص عراقي الأصل يقول أن أهم المكاسب التي حققها من خلال إدارته لهذا المقهى أنه صار صديقاً لكل كتاب وأدباء وفناني& مصر والعالم العربي ، وبمنطقة وسط القاهرة ايضا يوجد مقهى اندلسية والشمس وكلاهما بشارع التوفيق وتتميز هذه المقاهي بأنها تعمل صيفا وشتاء بنفس الكثافة ولكنها تنتعش بالطبع بحلول فصل الصيف .
ولم تسلم مقاهي المثقفين من أن تصبح مادتهم التي عبروا عن أفكارهم ومواقفهم من خلال إسقاطها على المقهى ، فهذا الشاعر والكاتب المسرحي الشهير "نجيب سرور" يسخر من مسلك المثقفين وأبراجهم العاجية عقب نكسة يوليو فيكتب قصيدته المعروفة "بروتوكلات حكماء ريش" التي يعدها النقاد وثيقة إدانة ضد تخاذل البعض .. وسيطرة الأدعياء وأشباه الموهوبين على المناخ الثقافي العربي خاصة عقب الصدمة تلك الهائلة التي أحدثتها نكسة يونيو& ، وهذا الساخر الكبير محمود السعدني يكتب "الولد الشقي على المقهى" ، والسعدني واحد من رواد المقاهي المحترفين كما يصف نفسه ، فالمقهى دائماً كانت بطلاً شديد الحضور في كتاباته السياسية والاجتماعية .

وكما سيطر المثقفون على بعض المقاهي فقد اكتسب العديد من المقاهي شهرتها من خلال تردد الفنانين عليها وهي في الغالب مقاهي خمسة نجوم تقدم افضل خدمة ولكن بأسعار مرتفعة, واصبح مقهى (الحطيبي) من اشهرالنيلالمقاهي في التسعينات حيث يعتبر المقهى الرئيسي للفنانين يذهبون اليه بعد منتصف الليل ويجلسون عليه حتى الصباح وكان حتى وقت قصير مضى يشهد مولد الموسم المسرحي الصيفي وكان اهم زبائنه احمد آدم وصلاح عبدالله وعلاء ولي الدين ومحمد الصاوي واحمد بدير والراحل نجاح الموجي ، وانتقل مؤخرا تجمع الفنانين الى مقهى آخر بشارع جامعة الدول العربية وهو مقهى (عم عبده) وهو عبارة عن مطعم ومقهى يتردد عليه ايضا معظم المنتجين للالتقاء بالفنانين كذلك يوجد في شارع الملك فيصل بالهرم مقهى شهير هو مقهى فرساي وهو يجمع خليطا من الزبائن من طلبة مدارس وجامعات وعمال وموظفين ووكلاء وزارات حتى الفنانين ولاعبي الكرة وهذا المقهى يشهد كثافة عالية جدا على مدار& الساعة في المهندسين ايضا يوجد مقهى لاعب الكرة الراحل علاء الحامولي وهو ملاصق لمقهى الحطيبي وكلاهما يتنافسان على اجتذاب الزبائن من الفنانين, اما مقهى (بنت السلطان) الذي يمتلكه فنان الكاريكاتير مصطفى حسين فإنه المكان المفضل للنجم عادل امام باعتباره اسفل بيته كما انه صديق مقرب من مصطفى حسين, ومن المقاهي الحديثة التي اجتذبت الفنانين اليها مقهى (الحصن) بشارع احمد عرابي بالمهندسين واشهر المترددين عليه الفنان سيد زيان ويونس شلبي وحسن مصطفى ومقهى الحرافيش بأول شارع الملك فيصل. اما في الاسكندرية فهناك مقهى صغير لكنه شهير جدا وهو مقهى (حمودة) خلف مسرح العبد وفيه يلتقي الفنانون بعد انتهاء عروضهم المسرحية منذ الثالثة صباحا حتى مطلع الفجر. وفي الاسكندرية ايضا مقهى (توني) على الكورنيش مباشرة وهو مقهى ومطعم ويضم يوميا نخبة من نجوم المسرح الذين يقدمون عروضهم هناك, وبالطبع لا يمكن ان نتحدث عن مقاهي الفنانين ونغفل مقهى شهيرا مثل (قهوة بعرة) بشارع عماد الدين في وسط القاهرة ، والذي يجتمع فيه الكومبارس والمبتدئون من الممثلين منذ عشرات السنين ومازال مستمرا حتى يومنا هذا .
مقاهي "الصنايعية"
وبالطبع لم تكن المقاهي حكراً على فئة بعينها ، فقد تأسست فكرة المقهى على أساس شعبي منذ البداية ، واذا كان المقهى يعد من الاماكن الترفيهية بالنسبة للغالبية العظمى من المترددين عليه فإن هناك طائفة اخرى من الزبائن تتخذ من المقاهي مقرا لممارسة المهنة باعتبار المقهى بديلا لمكاتب الحرفيين وفي المناطق الشعبية تجد مقهى خاصا بالبناءين أو السباكين ، وآخر خاصا بالسائقين أو النجارين ، واشهر الأحياء التي تضم هذه المقاهي هو حي السيدة عائشة بالقرب من قلعة صلاح الدين, فهناك مقهى يسمى مقهى "الجمل" يستطيع المرء أن يجد فيه سباك او عامل بناء او مبلط سيراميك،& وهؤلاء يتواجدون على المقهى من السادسة صباحا بحثا عن الرزق ويعودون في المساء للترفيه مع الزملاء وانتظار زبائن ايضا, وطبيعي ان تكون هذه المقاهي مستمرة في العمل صيفا وشتاء لانها تعتمد على مسألة البحث عن فرصة عمل أو ما يطلق عليه "لقمة العيش" , وإلى جانب هذا فهناك ايضا مقاه كثيرة يتخذها السماسرة مقرا لهم وبخاصة المناطق الجديدة حتى ان بعض اصحاب المقاهى يتخذون من السمسرة مهنة اضافية لهم اعتمادا على علاقاتهم المتعددة مع الزبائن ، وتنتشر هذه الظاهرة في شارع فيصل وحي الدقي والمهندسين ومصر الجديدة .
رياضة .. ومشروبات
ومن التراث و"لقمة العيش" والأدباء للمهتمين بالرياضة عموماً ، وكرة القدم على نحو خاص وقد كشفت بطولة القارات الأخيرة في المكسيك عن ترسيخ سياسات ومفاهيم إعلامية جديدة كالاحتكار ومبدأ (ادفع لتشاهد) في ظل التراجع الواضح لدور محطات التلفزيون الحكومية في جذب المشاهدين اليها. فمع تأكد مسألة احتكار احدى المحطات الفضائية العربية المشفرة لاذاعة وبث مباريات بطولة القارات اندفعت الالاف من الجماهير الى الشوارع بحثا عن تلك المقاهي التى كان لاصحابها فضل السبق وانتهاز الفرصة ، وتنبهوا لفكرة الاحتكار وقاموا بالاشتراك في هذه المحطة المشفرة. ووصل الامر حدا بات معه الحصول على مقعد في احد هذه المقاهي امرا مستحيلا مما جعل المئات تتابع مباراتي المنتخبين المصري والسعودي ضد بوليفيا والمكسيك وقوفا على الارجل مما ادى لتعطيل حركة مرور السيارات لبعض الوقت في عدد من الشوارع التى تحتلها تلك المقاهي الصغيرة.
وعلى الرغم من حالة الغضب البادية على وجوه رواد تلك المقاهي من عشاق الكرة& الذين لم يستوعبوا بعد التحولات الاعلامية الجديدة لاسيما وان احتكار المحطة لبث البطولة يمثل الحالة الاولى من نوعها التى يتعامل معها المشاهد في بطولة تهم الملايين في العالم العربي ، والذي تحول بالتالي لاستغلال أصحاب& المقاهي وفرض المشروبات على روادها .
وهذا يسوقنا لما تقدمه المقاهي من مشروبات ، فبينما& كان المقهى في الماضي لا يقدم سوى المشروبات التقليدية مثل الشاي والقهوة الى جانب المياه الغازية والشيشة, اما الآن فتتبارى معظم المقاهي في تقديم الجديد في عالم المشروبات مثل الزبادي السائل وكوكتيل الفواكه والعصائر الطازجة الى جانب انواع المعسل المختلفة لمدخني الشيشة كما اتجهت بعض المقاهي الى تقديم وجبات طعام لزبائنها بداية من سندوتشات الجبن الخفيفة حتى الكباب والبيرجر ، وذلك نظرا لطول الفترة التي يقضيها الزبون بالمقهى ، وفي اطار البحث عن وسائل جديدة لجذب الزبون الى المقهى لجأ بعض اصحابها الى الاستعانة ببعض المطربين والعازفين لتقديم وصلات غنائية بمصاحبة تخت مصغر يتكون من العود وبعض آلات الايقاع البسيطة كوسيلة لجذب الزبائن فقط, واشهر المقاهي التي تقدم بهذا الشكل هي مقهى زووم والطابية بشارع السودان والمهندسين ومقهى الثلاثين بشارع احمد عصمت بعين شمس, ومقهى (العندليب) خلف جامعة القاهرة و(الحرافيش) بالهرم وغيرها .
السيبر كافيه
ننتقل لمقاه من نوع آخر .. لا تحمل من سمات المقاهي التي تحدثنا عنها سوى الاسم فقط وربما تخلت عن هذا الاسم أحياناً ، إنها مقاهي الإنترنت .. أو السيبر كافيه Cyber Cafee فالأمر هنا مختلف تماما فعلى ما يبدو أن الرابط الوحيد بين هذه "السيبر كافيه" والمقهى هو فقط الحنين الى سحب الدخان والاستمتاع بوقع أصوات قطع النرد وهي تصطك بالمناضد الخشبية العتيقة ، وأقداح الشاي والقهوة التي ترافقها اصوات النادل والزبائن بات قريبا, امام الهجمه الكبيرة لمقاهي الانترنت النظيفة والمنظمة والهادئة التي تحظى باقبال شرائح عريضة من الزبائن والرواد عليها بصورة ملحوظة فالصورة التقليدية لمقاهي القاهرة لم تعد هي الوحيدة في حلبة المنافسة على قلوب الرواد وجيوبهم ، فقد ظهرت وبكثافة شديدة خلال السنوات الخمس الأخيرة& مقاه ذات ايقاع فائق السرعة ، اصبح بامكان الزبون الان خلال ساعة واحدة التجول في أروقة ستوديوهات هوليوود .. أو تبادل الحديث مع صديق أو قريب في أبعد نقطة على سطح الأرض ، كما أصبح بوسع الدارسين والباحثين السفر "الافتراضي" الى الولايات المتحدة للاطلاع على آخر ما وصلت اليه الابحاث في أي مجال وكل مضمار ، كل هذا يحدث بمنتهى الهدوء وأنت في مكانك تستمتع بوجبة شهية او تتناول مشروبك المفضل بينما تنساب من حولك موسيقى خفيفة. وكانت قد بدأت مقاهي الانترنت في مصر اساسا لتقديم خدمة الدخول على شبكة المعلومات العالمية لمن لا يستطيعون تحمل تكاليف شراء جهاز كمبيوتر والاشتراك في الانترنت وكذلك لمن لا يحتاجون استخدام الشبكة العالمية كثيرا. وهناك اكثر من 50 شركة تعمل في مجال الانترنت في مصر منذ عام 1992 بعضها افتتح فرعا او اكثر من مقاهي الانترنت. وتلقى تلك المقاهي التي يقدر عاملون في هذا المجال عددها بأكثر من ثلاثين مقهى في القاهرة على الأقل إقبالا متزايدا من المصريين الى جانب السياح الذين ربما كانوا الفئة الاكثر ترددا عليها حتى الان. وتختلف انواع المترددين على مقاهي الانترنت من المصريين كما تتباين اسباب ترددهم عليها ، ويقول محمد أديب مدير إحدى مقاهي الإنترنت في مصر الجديدة أن (هناك دارسين يأتيون للبحث عن مادة علمية معينة وهناك شباب يأتي بدافع الفضول بعد ان سمع عن مقاهي الانترنت من زملائه. بينما يأتي نوع اخر بدافع التسلية حيث يقبل على مواقع المحادثة والمواقع التي تشبع هواياته مثل السيارات والأغاني الأجنبية الحديثة والرياضة العالمية والملابس)& ، ويكاد أن يجمع العاملون في هذا المجال على أن السياح الغربيين بصفة عامة هم الاكثر ترددا على مقاهي الانترنت. ويرجع هذا في رأي أحمد حسين المدير الفني لمقهى تابع لإحدى شركات توزيع خدمات الإنترنت التي تمتلك عدة مقاه اليكترونية بمركز تجاري في وسط القاهرة الى ان الاجانب يجيدون التعامل مع شبكة الانترنت منذ فترة طويلة ، ومعتادون على استخدام البريد الالكتروني ، كما يؤكد أن (الفرق بين الانترنت في المقهى وفي الكمبيوتر الشخصي يكمن في سرعة الاجهزة ، فاذا كانت الاجهزة سريعة في المقهى يمكنني الوصول لما اريده في اقل من ساعة بينما في بعض الاحيان احتاج الى ساعتين او ثلاث ساعات اذا كانت سرعة الجهاز في المنزل بطيئة نسبياً لاعتمادها في نقل البيانات على شبكة الهواتف).
وتتراوح تكلفة استخدام الانترنت في المقاهي بين سبعة جنيهات و 5 جنيهات في الساعة. وهناك قاعدة غير مكتوبة وان كانت معروفة لدى جميع المترددين على مقاهي الانترنت وهي حظر التجول في المواقع الإباحية الخارجة عن الاداب العامة في بلد محافظ مثل مصر ، واذا حدث هذا بصورة متعمدة أو عن طريق الخطأ فان المهندس المسؤول عن المكان يتدخل فوراً لاغلاق الموقع ، وربما الاتصال بالشبكة .
كانت آخر& جولة لنا في المقاهي "الافتراضية " داخل أحد الفنادق الفخمة التي تطل على النيل ..كان هناك شاب غربي يرتدي ملابس بسيطة للغاية يسطر رسالته عبر موقع "هوت ميل" Hotmail& الشهير ، بينما يستمتع مراهق وشقيقه بالدردشة من خلال البرنامج المعروف ماسينجر ، وشاب عربي الزي والملامح منهمك في حوار عبر الشبكة .. هو بالطبع أرخص كثيراً من تلك التي يمكن أن يجريها عبر الهواتف& ، ورجل أنيق يخرج قرصاً مرناً& Floppy Disk من جهاز الكمبيوتر بعد ان أرسل محتوياته عبر الشبكة لمكان ما في هذا العالم .. ورحم الله زمان .. وأيام زمان .. ومقاهي زمان .. وحرافيش زمان .

نبيل شرف الدين
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف