الامير خالد الفيصل يكتب عن دافوس القرية والمنتدىلماذا الاستحياء في العالم الاسلامي..وعمرو موسى كان رائعا
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ايلاف- مسفر غرم الله الغامدي: كتب الامير خالد الفيصل امير منطقة عسير مقالا مطولا عن المنتدى العالمي للاقتصاد والمعروف بدافوس والذي عقد اجتماعة الاخير بمدينة نيويورك الامريكية. اشار فيه الي المشاركة العربية&والاسلامية في هذا المنتدى.. كيف كان الاعلام العربي مقصرا في ايصال الحقيقة العربية والاسلامية الي جموع المشاركين هناك..اضافة الي ان الامير خالد الفيصل قد امتدح المرأة السعودية التي شاركت با المنتدى وكيف كان تاثيرها على اروقة الاجتماع من جانب وعلى الراي الامريكي من جانب اخر.
وفي مايلي نص المقال:
المنتدى العالمي للاقتصاد المعروف "دافوس" يحمل اسم تلك القرية الصغيرة على جبال سويسرا، والذي أصبح يضاهي أسماء أكبر المدن العالمية... والسبب في ذلك أن رجلاً يدعى "كلاوس شواب" - يهودي الديانة سويسري الجنسية - تقدم للمسؤولين في هذه القرية بفكرة ضمن لهم من خلالها دخلاً كبيراً وصيتاً ذائعاً، وتخلص الفكرة في دعوة نخبة من رجال الفكر والسياسة والاقتصاد للاجتماع - بصفة دورية - في هذه القرية الصغيرة، لطرح الأفكار وتداول الآراء وإذكاء المناقشات بحرية كاملة، دون إصدار قرارات أو توصيات أو التزامات أو إلزامات.
وقد بدا كلاوس بدعوة الشخصيات المشهورة - سياسيين واقتصاديين وفنانين - ودفع لهم في البداية تكاليف حضورهم وإقامتهم... وكان حضور هؤلاء دافعاً قوياً لآخرين حرصوا على حضور المنتدى لتقترن أسماؤهم بأسماء المشاهير في العالم، المجتمعين في هذه القرية الصغيرة، ثم تطور الأمر حتى وصلت رسوم حضور اللقاء السنوي للمنتدى الآن 12.500 فرنك سويسري لعضو المنتدى. أما لغير الأعضاء 26.000 فرنك سويسري مع العلم أن جميع تكاليف السكن والتنقل والإعاشة على المدعو، ويقال إن دخل المنتدى في العام الماضي - بعد كل التكاليف - وصل إلى عشرة ملايين دولار.
وإليكم بعض الأرقام عن منتدى هذا العام الذي كان في نيويورك:
بلغ عدد الضيوف المشاركين 2700 شخص، يمثلون 106 من بلدان العالم، منهم 30 من رؤساء الدول، 300 شخصية عامة، 100 من الوزراء، 740 سفيراً، 29 من رؤساء المؤسسات العالمية و 350 مؤسسة إعلامية، 120 مؤسسة غير حكومية، 40 من رؤساء النقابات العالمية، 40 من القيادات الدينية و 200 مؤسسة علمية، وكان هناك 199 جلسة مناقشة.
منذ سنوات وأصدقائي يحثونني على حضور هذا المنتدى للاطلاع على ما يدور في الساحة الفكرية والسياسية والاقتصادية العالمية... وفي كل مرة كانت تشغلني عن الحضور أمور أخرى تخص أعمالي المباشرة في الإمارة وفي مؤسسة الملك فيصل الخيرية... وفي هذا العام - نجحت في تدبير الوقت، وذهبت إلى هذا المنتدى لسببين:
الأول: التعريف بمؤسسة الفكر العربي وتقديمها للعالم.
والثاني: الاطلاع على إدارة وتنظيم هذا المنتدى والاستفادة من خبرات المسؤولين عن تنظيمه، لأن المؤسسة قررت تنظيم مؤتمرات سنوية تبدأها هذا العام في أكتوبر المقبل في القاهرة إن شاء الله وآمل أن تكون بمثابة "دافوس" عربي مصغر.
وبقدر ما كنت متردداً في السابق عن حضور هذا اللقاء، إلا أنني حمدت الله أن يسر لي الحضور هذا العام، وذلك لأمور عديدة منها:
أن "دافوس" انتقل هذا العام - مثل كل شيء على وجه البسيطة - إلى نيويورك، فكانت فرصة للاطلاع - عن قرب - على مدى الغضبة الأمريكية على العالم، وخصوصاً على العرب والمسلمين، وعلى المملكة العربية السعودية بالذات، ومنها كذلك حضور المناقشات التي شارك فيها نخبة من أهل العلم والسياسة والاقتصاد، والتأمل في توجهات الفكر العالمي بعد أحداث 11 سبتمبر. كذلك لمتابعة الحضور السعودي والعربي والإسلامي في هذه الساحة الفكرية ومدى الاستفادة من هذا المنتدى الثقافي الإعلامي العالمي، ولقد سمعت ممن حضروا "دافوس" في سويسرا قبل هذا العام أنه كان أكثر تنظيماً وربما صغر المكان في تلك القرية جعل اللقاءات أكثر حميمية، وأسهل وأسرع تواصلا بين الأعضاء والحضور، ولا شك أن الجبال المغطاة بالثلج أضفت على اللقاءات هناك عفوية وألفة، أفتقدها الأعضاء في أجواء نيويورك الصاخبة بالضجيج، وبكثافة الإجراءات الأمنية التي أزعجت حتى الأمريكيين أنفسهم.
وكان موقع المنتدى (فندق وولدورف أستوريا) مزدحماً بألوف الداخلين والخارجين يومياً، مما جعل الوصول إلى بعض الجلسات يكاد يكون مستحيلاً. ليس هذا ما أردت التحدث عنه في الحقيقة، وإنما هو الحضور السعودي والعربي والإسلامي الذي استرعى انتباهي وقاد قلمي إلى هذه الأسطر، خصوصاً أني وصلت إلى نيويورك بعد رحلة طويلة وطأت فيها قدماي أكثر من عاصمة أوروبية وعربية منها:
لندن وباريس وبيروت والمغرب والقاهرة، قابلت فيها كثيراً من الشخصيات السياسية والفكرية والاقتصادية، وكان محور المناقشات بالطبع هو هذه الحرب الإعلامية المعلنة على العرب والمسلمين.
نعود الآن إلى المنتدى العالمي للاقتصاد والمنعقد في نيويورك هذا العام وأقول إنه يبدو للمتأمل أن الذي يحضر هذا المنتدى واحد من ثلاثة:
الأول: صاحب فكر يريد أن يشارك في صياغة الفكر العالمي الجديد.
الثاني: رجل أعمال يريد أن يستفيد اقتصادياً وثقافياً لتطوير أعماله واتساع مساحة تجارته، والاستفادة من اللقاءات المتاحة مع باقي رجال الأعمال والاقتصاد الحاضرين.
الثالث: صاحب وجاهة يريد أن يذكر بأنه كان مع النخبة في هذا المنتدى.الأول هو الذي استعد لجميع الجلسات وحضّر لكل الموضوعات التي سوف يناقشها، والأفكار التي سوف يطرحها، وهو الذي يؤثر ولديه الثقة والقدرة على أن يتأثر بما يفيده ويعزز مواقفه واتجاهاته الفكرية والثقافية، وأما الثاني فهو الذي يستفيد من الأفكار والتوجهات الاقتصادية والدراسات المقدمة من الحاضرين والمحاضرين،
ومن ثم يخرج بعلاقات وربما بصفقات جديدة، ويكون قد عّرف بمؤسساته وتعرف على مؤسسات الآخرين من زملاء المهنة، وأما الثالث فهو الذي تجده معظم الوقت خارج الجلسات، في الردهات والمطاعم والمقاهي، مهتماً بالصور الفوتجرافية مع هذا وذاك يحضر كل دعوات الاستقبال ولا يحضر إلا الجلسات التي يحضرها المشاهير. وتحرص كثير من الدول والمؤسسات العالمية والاقتصادية الكبيرة على انتهاز هذه الفرصة للتعريف بمنجزاتها ومنتجاتها... وتعقد الجلسات الخاصة للتعريف بها كما حدث من بعض الدول العربية والإسلامية.
في هذا العام حضر وفد سعودي كبير... وهذا أمر تحمد عليه المملكة... فلقد خسرنا كثيراً بسبب الغياب الدائم عن اللقاءات الماضية... سواء كانت في "دافوس" أو في غيرها من المؤتمرات الثقافية والاقتصادية... وأعطينا بذلك الفرصة لخصومنا - بل ولأعدائنا - لتشويه صورتنا ثقافياً وإعلامياً في كثير من اللقاءات الماضية، الأمر الذي أساء لنا كثيراً، وكان السبب الرئيسي هو غيابنا المتكرر عن تلك المحافل. ولكن تغير الحال - والحمد لله - فلقد كان الحضور هذا العام لافتاً للانتباه... وأشاد به الجميع عدداً ونوعية، فعدد الوفد السعودي كان حوالي الثمانين بين أمراء ووزراء، وعلماء دين، ورؤساء مؤسسات اقتصادية وخيرية، ورجال وسيدات أعمال، ومثقفين، وكان لحضور مجموعة من السيدات ضمن الوفد أثر إيجابي، فقد أعطت السعوديات المشاركات انطباع الاحترام للمرأة السعودية المتحلية بالقيم والأخلاق الإسلامية، في لباسهن وتخاطبهن ومشاركتهن في الجلسات - مما دحض كل الافتراءات الظالمة لوضع المرأة السعودية، واتهامها بالجهل والتخلف، وكان حضورهن خير إجابة فاجأت الأصدقاء وأسكتت الأعداء، وسمعت عن مداخلات عديدة لهن كانت موفقة، وأشاد كثيرون بإحداهن وبحضورها الثقافي المتميز، وسمعت وحضرت - شخصياً - مناقشة أخرى كانت المرأة السعودية فيها ترفع الرأس. ولا شك أن وجود سمو الأمير نواف بن عبدالعزيز على رأس الوفد كان له الأثر الواضح في لفت الانتباه لأهمية هذا الحضور، كما أنه لا بد من الإشادة بجهود سمو الأمير عبدالله بن فيصل بن تركي صاحب الشخصية المثقفة المرحة المتميزة، الذي نجح في التوفيق بين الفكر الثقافي والاقتصادي بين أعضاء الوفد وجعل من المهمة الصعبة "متعة" ثقافية.
ومما جعل الحضور السعودي أكثر تميزاً في نيويورك، اكتشاف سمو الأمير تركي الفيصل كوجه إعلامي متميز... فقد كان للمقابلات التي أجرتها معه بعض محطات التلفزيون الأمريكية أكبر وأجمل الأثر... وفيها دافع عن بلاده ودينه ومجتمعه بلغة جميلة وقوية ومتزنة في الوقت نفسه... مما جعل أحد الإعلاميين العرب المشهورين يقول لي ضاحكاً "تعرف أخوك أمضى سنينه الماضية في المهنة الخطأ" وعندما قابلت الرئيس حسني مبارك في القاهرة بعد المنتدى قال لي: "أنا شفت تركي على التلفزيون الأمريكي عجبني جداً، ويجب أن تدفعوا به وبأمثاله للحديث في الإعلام الغربي دائماً" وأنا لا أكتب هذا عن الأمير تركي لأنه أخي فكل السعوديين إخواني، ولكنها كلمة حق يجب أن تقال، وباستثناء الأمير تركي لم يكن هناك حضور إعلامي جيد... لا أدري إذا كان القصور من وزارة الإعلام أم من المكتب الإعلامي في السفارة السعودية، أم من المسؤول عن الإعلام في الوفد الذي حضر، أم من الجميع.
الحضور العربي والإسلامي في المنتدى - في رأيي - لم يكن على المستوى المأمول، صحيح أن بعض رؤساء الدول حضروا، مثل جلالة الملك عبدالله بن الحسين ملك الأردن ومعه زوجته المتألقة دائماً الملكة "رانيا" وألقى الملك كلمة صفق لها الحضور، وصحيح أن الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر حضر وألقى كلمة في جلسة ضمت قيادات إسلامية ومسيحية ويهودية وهندوسية وكان الأمير يمثل رئاسة المؤتمر الإسلامي في تلك الجلسة، وقد حازت كلمته أيضاً - على تصفيق الحاضرين وصحيح أن رئيس وزراء ماليزيا "مهاتير محمد" حضر وألقى كلمة حازت إعجاب أكثر الحاضرين، وصحيح أن سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة ولي عهد البحرين كان له حضور فاعل في عدة جلسات، تجلت فيها قدرته اللغوية والحوارية الراقية، وصحيح أن أمين عام الجامعة العربية السيد عمرو موسى حاول تقديم القضية الفلسطينية كأهم موضوع للعرب والمسلمين في هذا الحفل الدولي، بكل حماس ودبلوماسية عرف بها الرجل، وصحيح أنه كان هناك وزراء، ورجال أعمال، وبعض علماء المسلمين، وبعض المفكرين، والإعلاميين. وكن...!!
كان معظمهم يتحدث على استحياء وبخجل (إلا عمرو موسى للأمانة) عندما يطرح الموضوع الإسلامي فكنت أشعر وكأنهم يعتذرون!!!! حتى إن بعضهم حصر مشكلة البلاد العربية في الديمقراطية.. والديمقراطية فقط، لم يذكر فلسطين... ولا الهجمة التي تواجهها الأمة الإسلامية، والذين تحدثوا عن الإسلام كانوا يتمسحون بالديمقراطية لتمرير الفكر والمشروع الإسلامي وكأنهم بذلك يستجدون الشفاعة لموقفهم الإسلامي. في إحدى الجلسات وكانت عن الديمقراطية والإسلام، كنت أجلس على طاولة مع مجموعة من العرب والمسلمين وكانت تلك الجلسة تدار بطريقة الطاولات ورؤسائها.. أي إن المحاور يطرح الموضوع في بضع دقائق، ثم يترك كل طاولة (حوالي عشرة مشاركين) يناقشون الموضوع بينهم ثم يقوم رئيس الطاولة ليتحدث عن آراء المشاركين ودار النقاش فطرحت مفهومي الشخصي عن الديمقراطية والإسلام بأن الاختلاف الرئيسي بينهما هو "المشرع".. فالمشرع في الديمقراطية هو الإنسان، في حين أن المشرع في الإسلام هو الله.. الخالق الحاكم.. وما عدا ذلك يمكن النظر فيه، ولقد وافق الجميع على هذا الطرح..
ولكن قبل أن يقوم رئيس الطاولة - وهو رئيس كلية إسلامية في أمريكا - غير رأيه ووقف وقال: إن الاختلاف بين الديمقراطية والإسلام يكمن في أن الأولوية في الديمقراطية للحرية، في حين أن الأولوية في الإسلام للعدالة، وأصابني العجب من هذا الطرح، وزاد من العجب أن في الجلسة نفسها، وعلى طاولات أخرى مجاورة علماء من المسلمين ولم يتحدث منهم أحد معقبا على هذا الكلام. ومع أنني لست فقيها ولا أكاديميا إلا أنني شعرت بالأسى لهذا الاستحياء والخوف الذي يتمثل في مواقف علماء المسلمين في هذه الساحات الفكرية العالمية.وحضرت جلسة أخرى عن الديانات تحدث فيها مجموعة من القيادات الدينية في العالم:
الإسلامية والمسيحية واليهودية والهندوسية، وكان واضحا منذ البداية ضعف تأثير العالم المسلم لأنه لا يتحدث إلا العربية، فكان يستمع للسؤال مترجما، ثم تنقل إجابته وتعليقه مترجما أيضا، مما جعل إجاباته ومداخلاته ضعيفة للغاية، بعكس العالم اليهودي الذي كان يتكلم اللغة الإنجليزية بطلاقة، وكانت مداخلاته تتسم بسرعة البديهة، وبشيء من الذكاء والمرح الذي حاز إعجاب الحاضرين لا أريد أن أطيل في ذكر الأمثلة.. لكنني أريد أن أتوقف عند الأسئلة التالية:
1 - من الذي يجب أن يمثل العرب والمسلمين في هذه المحافل؟
2 - ما الفكر الذي نود أن نقدمه في مثل هذه المنتديات؟
3 - هل نريد المشاركة - فعلا - في تشكيل الفكر العالمي الجديد (العولمة)، أم أننا قنعنا بالتبعية فحسب؟
وفي ظني أن الإجابات المطروحة يمكن أن تكون:
أولاً: يجب أن يكون اختيارنا لمن يمثلنا في هذه المناسبات مقتصرا على من تتوفر فيهم الكفاءة العلمية العالية، والثقافة الواسعة، والأخلاق الكريمة، وأن يكون صاحب اختصاص في موضع المناسبة.
ثانيا: لا بد أن تكون لنا رسالة فكرية نقدمها في مثل هذه المحافل. وأن نعد لها إعدادا جيدا قبل المناسبة بمدة كافية، وأن يصاحبها التنظيم قبل وأثناء وبعد الحدث.
ثالثا: إذا كنا قانعين بالتبعية فحسب فلا داعي لتحريك ساكن.!! ما إذا كنا نريد أن نكون مشاركين في تشكيل الفكر العالمي الجديد، وأن نكون فاعلين في إدارة شؤون هذا الكون، فلابد من أخذ كل الأمور بجدية، وبعلم وبثبات على المبادئ، مقرونا بمرونة في التعامل مع معطيات العصر، والنظام الإسلامي لا يحتاج إلى اعتذار للانتماء إليه.. ومهما أغرونا ببريق النظام الغربي علينا أن نقول لهم: "لكم دينكم ولي دين" ولدينا في مبادئ النظام الإسلامي من الأسس والقواعد التي لو بنينا عليها وطورناها، لقدمنا للإنسانية وللعالم أجمع نظاما لا يضاهيه ولا يرقى إلى مستواه نظام. ويجب كذلك ألا نتوقف عن التطوير والتحسين، وتلمس الأفضل، والأخذ بما يناسبنا من الآخرين بما لا يخالف تعاليم ديننا وقيمنا. فهذا هو السبيل إلى الرقي والتقدم وهذا هو السبيل إلى المنافسة والمشاركة. ولا يجب أن نسلم بمقولة "ليس بالإمكان أبدع مما كان"؟! بل إنه بالإمكان جدا، أبدع وأفضل وأجدى مما كان. كما أنه يجب أن نتحلى بالثقة العالية بالنفس، فعندما يقال لنا - من قبل صديق أو حتى عدو - يجب أن تطوروا أو تغيروا للأفضل، لا تأخذنا العزة بالإثم فنرفض النصيحة، ونتجاهل النقد، ونكابر. ويجب أن نسأل أنفسنا هل إدارتنا هي الأفضل؟ هل تعليمنا هو الأحسن؟ هل اقتصادنا هو الأكمل؟ هل صناعتنا هي الأرقى؟.
إذا كان الجواب بالنفي - وهذا هو الواقع - فلابد من أن نعيد النظر في أمرنا وحالنا. صحيح أن مالدينا حسن، لكننا نطمح إلى الأحسن، وأمة لا تطور نفسها بصفة دورية مستمرة سوف يفوتها الركب مع هذا الإيقاع العصري المتسارع. لنطور مؤسساتنا الإدارية، ولنطور مؤسساتنا التعليمية، ولنطور مؤسساتنا الاقتصادية. ولنثبت للعالم أجمع أن الإسلام صالح لكل زمان، وأنه دين التطور،
ودين الرقي، ودين التحضر، ودين جميع الرسل ودين الله الذي استخلف الإنسان على هذه الأرض لعبادته جل وعلا، وليعمرها بموجب شرعه الحنيف.
وبعد.. فأقول - وعلى الله اتكالي - إنني لا أكتب هذا تقريرا لمسؤول. ولا أقول هذا الكلام لأبناء بلدي فقط، وإنما لكل عربي ومسلم. فالهجمة الشرسة التي نتعرض لها اليوم موجهة ضد الإسلام والمسلمين، وضد العرب والعروبة. وما التركيز على المملكة العربية السعودية إلا لأنها تمثل الرمز الإسلامي الأكبر في العالم، والذي لو اهتز - لا سمح الله - لاهتز معه الكيان الإسلامي أجمع، ففيها الكعبة المشرفة - قبلة المسلمين - التي يتوجه إليها المسلمون في بقاع الأرض خمس مرات كل يوم، وفيها مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبره، وإليها يفد ملايين المسلمين كل عام للحج والعمرة، وهي أول دولة عصرية جعلت القرآن والسنة دستورا ومنهجا وحيدا لها، تخضع جميع أنظمتها لتعاليم الإسلام، وما خالفه لا يقر ولا يقبل، فإذا نجحت المملكة في تجربتها وهي حتى الآن ناجحة - ولله الحمد - فإن هذا هو التحدي الأكبر للنظام الغربي العلماني - اللاديني - الذي في ظاهره الحرية - بلا شك -، ولكن في باطنه الإباحية كذلك، وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي وغياب النظام الشيوعي عن الساحة لم يعد هناك منافس قوي وعنيد، سوى الإسلام، والإسلام عقيدة وفكرا ونظاما هو ما يقف الآن حائلا أمام السيطرة، الهيمنة الغربية الكاملة على الفكر والثقافة العالمية تحت شعار النظام العالمي الجديد "العولمة".
هذا هو السبب الرئيسي لهذا الهجوم الظالم على الإسلام ثقافة وفكرا ونظاما، وعلى المملكة العربية السعودية بصفة خاصة، لأنها تمثل القيادة الروحية لهذا الفكر وهذا النظام الإسلامي.
لهذا فكلمتي هذه موجهة لكل عربي وكل مسلم غيور على هويته وعقيدته.. إلى كل من يهمه شأن هذه الأمة ومستقبل أجيالها.أوجه كلمتي:
إلى الذين يحرمون كل حلال بحجة التدين.
وإلى الذين يحللون كل حرام بحجة التحضر.
إلى الذين يرفضون التجديد والتطوير باسم التمسك بالقيم والأخلاق.
وإلى الذين يحاربون القيم والأخلاق بحجة التحديث.
إلى الذين لا يرون في قيم الإسلام إلا التخلف والجمود.
وإلى الذين لا يرون في قيم الغرب إلا الانحلال والرذيلة.
إلى الذين يريدون إلغاء العلوم الدينية من مناهجنا.
وإلى الذين يريدون إلغاء الدراسات العلمية والتطبيقية من مدارسنا.
إلى كل من يريد أن نغلق حدودنا وعقولنا دون ما يحدث خارج البلاد.
وإلى كل من يريد أن نغمض أعيننا ونسد آذاننا عن كل ما يحدث داخل البلاد.
إلى الذين يقدمون صدقاتهم وزكواتهم إلى مؤسسات تسيء للإسلام باسم الإسلام.
وإلى الذين يقدمون تبرعاتهم إلى مؤسسات تعليمية أوروبية وأمريكية ونحن إليها أحوج.
إلى القادر الذي يستطيع ولا يفعل.
وإلى الفاعل الذي يسيء ولا يعلم.
فلنتق الله في أمتنا، ولنتق الله في مستقبل أجيالنا القادمة. نحافظ على الثوابت والقيم، ولا نخشى التحديث والمعاصرة. والله من وراء القصد.
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف