صلاح الدين حافظ : من هدنة زيني إلى حرب تشيني!
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
مع اقتراب عقد القمة العربية في بيروت بعد نحو أسبوع من الآن, كثفت الولايات المتحدة الأمريكية, هجومها السياسي والدبلوماسي والإعلامي علي منطقتنا العربية, لهدف في نفس يعقوب!
فما إن بدأ ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي جولته الأوسع منذ انتخابه في نوفمبر الماضي, لتشمل تسع دول عربية وإسرائيل وتركيا, حتي بدأ الجنرال انطوني زيني المبعوث الأمريكي الرفيع جولته المكوكية بين اسرائيل ورام الله, حيث لا يزال الرئيس الفلسطيني سجين الاحتلال الصهيوني, وبالمناسبة هنا تبدو واحدة من المفارقات الغريبة في لعبة التفاوض.
إذ كيف يتم التفاوض المشروع والعادل لمسئول تحت الحصار والسجن, مع سجانيه ومحاصريه, وهل في هذه الحالة يمكن أن تكون قراراته شرعية بالمفهوم القانوني والإنساني, وهو تحت الحصار والإقامة الجبرية, حيث القاعدة تقول لا ولاية لسجين أو أسير, اللهم إلا اذا كان اطلاق سراحه مقابل خضوعه وانصياعه, وهذا ما نربز بالرئيس عرفات أن يقبله تحت أي ظروف وملابسات وضغوط من هنا أو هناك, لأن مؤدي ذلك هو قبول شروط المحتل والتفريط في دم الشهداء!
ولقد كثر اللغط الإعلامي في الفترة الأخيرة, مصاحبا جولات تشيني وزيارات زيني مدعيا أن الولايات المتحدة الأمريكية قد كثفت جهودها الدبلوماسية بهذا الشكل غير المسبوق, بعد ما اكتشفت أن الجزار شارون قد ذبح حمامة السلام بسكين بارد, واستغل الانشغال الأمريكي بالحرب ضد الإرهاب, لكي يجهز بعنف علي السلطة الوطنية الفلسطينية, بل كي يغلق نهائيا ملفات أوسلو واتفاقاتها التي كثيرا ما عارضها, منذ توقيعها في عامي1993, و1995.
يدعي هذا اللغط الإعلامي السياسي أيضا أن الرئيس بوش الابن, الذي كان قد طرح قبل فترة رؤية حول الدولة الفلسطينية وقد كانت رؤية غائمة, انشغل عن تنفيذها بسبب تركيز جهوده علي الحرب في افغانستان, قد عاد مرة أخري الي العمل ــ عبر جولات تشيني وزيني ــ علي تنفيذها, بعد ما حقق النصر المؤزر الذي ابتغاه علي قوات طالبان والقاعدة.
غير أن الحقيقة التي نراها واضحة, هي غير ذلك في ضوء العناصر التالية:
* أولا:ـ بعد أن كسبت أمريكا غطاء شرعيا عربيا وإسلاميا, لحربها ضد الارهاب في أفغانستان وغيرها من المواقع المرشحة للعقاب الحربي, أغمضت العين عمدا مع سبق الإصرار, عما يجري في فلسطين, ومن ثم تركت شارون ينفذ مخططه العسكري ــ الذي قيل إنه عرضه في زيارته الأخيرة لواشنطن وأخذ عليه الضوء الأخضر ــ وخلاصته الانقضاض السريع والداهم علي الفلسطينيين, للقضاء التام علي قواهم المادية والبشرية, بحيث يتفاوض فيما بعد مع من يقبل شروطه للاستسلام.
ونظن أنه أصبح واضحا أن شارون قد أخذ فترة سماح قصيرة وحاسمة من واشنطن, لكي ينتهي من مهمته قبل أن يفيق النائمون من العرب خصوصا..
* ثانيا ــ لذلك رأينا كيف أفرط شارون افراطا نازيا في ممارسة استخدام القوة المسلحة ضد شعب أعزل, فهو يستخدم الطائرات والصواريخ والدبابات الأحدث في العالم, ليدمر البنية الأساسية للشعب الفلسطيني, خلال خطة المائة يوم التي سبق أن أعلنها.
وركز شارون أهداف حملته العسكرية علي تحقيق أربعة أهداف عسكرية, في أسرع وقت ــ بعد احتجازه الرئيس الرمز عرفات في رام الله منذ ديسمبر الماضي ــ وهي اغتيال القيادات والكوادر الفلسطينية النشيطة التي يتهمها بالارهاب, سواء من فتح أو حماس أو الجهاد أو من الجبهة الشعبية وغيرها من منظمات المقاومة الوطنية, ثم تدمير مراكز القوة الأمنية الفلسطينية وخصوصا القوة17, ثم اجتياح المخيمات الفلسطينية ــ بؤر المقاومة ومركز القوة الحقيقية والمخزون الاستراتيجي للشعب الفلسطيني ــ حتي قبل المدن الكبري ــ ليقتل ويعتقل كل من هو بين15 و45 سنة, ويدمر مخازن السلاح المخبأ فيها, مذكرا بحريمته في صبرا وشاتيلا عام1982.
***
* ثالثا ــ فوجئ شارون كما فوجئ الأمريكيون بقوة المقاومة الفلسطينية بأطيافها الوطنية المختلفة, الأمر الذي أفشل المخطط الشاروني الساحق, مثلما أذهل العالم كله, بحجم التضحيات اليومية, تعبيرا عن الاصرار علي رفض الخضوع للاحتلال والذل والقتل العشوائي والتصفيات الدموية, وصولا لتطوير تكتيكات القتال لدي المقاومة, سواء بالعمليات الاستشهادية الباسلة, أو بالتصدي للدبابات الاسرائيلية, أو بنقل القتال الي عمق اسرائيل وقلب القدس وتل أبيب وغيرها من المدن التي كانت في منأي عن ذراع المقاومة, الأمر الذي أثار فزعا في المجتمع الاسرائيلي الموعود من شارون بالأمن فإذا الأمن هباء!
* رابعا ــ بقدر ما أثار ذلك كله ــ خصوصا وحشية القتل الاسرائيلي ــ قلقا في الدوائر العربية الرسمية, وغضبا في الأوساط الشعبية, بقدر ما أثار خوف أمريكا من أن ينقلب السحر علي الساحر, وتندفع المنطقة في عنف شامل وربما في حرب مفتوحة, تعرض المصالح الأمريكية الحيوية للخطر الداهم, في وقت تركز فيه واشنطن جهدها السياسي العسكري علي الحرب ضد الارهاب في العالم, وهي تريد العرب والمسلمين الي جوارها, ومن ثم لا تريد أن تعكر عليها اسرائيل صفو علاقاتها معهم في هذا التوقيت الحساس, الذي تريد فيه نقل الحرب من أفغانستان الي العراق تحديدا!
هنا فقط تدخلت أمريكا, حماية لمصالحها الحيوية من ناحية, وحماية اسرائيل من طيش حكومتها المتطرفة بقيادة شارون من ناحية أخري.. وهنا فقط بدأ التحرك لايفاد تشيني وزيني, كل في اتجاه, وان كان يجمعهما هدف واحد..
وبرغم أن واشنطن أعادت قراءة واقع الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي المسلح, في ضوء تطوراته الأخيرة والمفاجئة, خصوصا بسبب صمود حركة المقاومة فإنها في الحقيقة أساءت قراءة الواقع العربي الرسمي, حين تصورت ــ لا أدري علي أي أساس ــ أن القمة العربية الوشيكة, يمكن أن تنحرف نحو التشدد في ضوء عدوان اسرائيل علي الفلسطينيين بهذا العنف الهمجي, فاستبقت القمة, كما استبقت انفلات الغضب الشعبي العربي, بايفاد مبعوثيها الي تسع دول عربية والي فلسطين واسرائيل, علي أمل تفويت فرصة التشدد من ناحية, وتبريد وتسكين الصراع المسلح في فلسطين من ناحية أخري..
أما الهدف, فليس وضع تسوية شاملة للصراع العربي ـ الاسرائيلي, كما يتصور المتفائلون والمتأمركون العرب, لكن الهدف هو تهيئة المناخ عبر هدنة أمنية قد ينجح زيني في انجازها, للجولة الثانية من الحرب الأمريكية, وهي ضد العراق.
ولم يعد سرا أن تشيني ترك زيني في فلسطين يهدئد ويخدر, بينما حمل هو الي العواصم التي زارها, رسالة أخري مفادها, أن ضرب العراق هو الهدف القادم والمؤكد, مالم يخضع ويقبل عودة غير مشروطة للمفتشين بحثا عن أسلحته, ولم يعد سرا أن تشيني قال علنا زمام الصحفيين في بداية جو حين هبط لندن, إنني لا أحمل رسائل ولا أسعي لحوار ولكني ذاهب لأقول لهم ما يجب عليهم أن يفعلوه.. هكذا بكل غطرسة!
ولم يعد سرا أن تشيني قد سمع في معظم العواصم العربية التي زارها, رفضا صريحا, أو علي الأقل عدم حماس, لضرب العراق في هذا التوقيت الحساس ــ حيث تمارس اسرائيل ذروة العنف ــ وبسبب اتهامات للعراق بامتلاك وتطوير أسلحة الدمار الشامل, لا يقوم عليها دليل عملي ثابت, لكن هل خرج تشيني مقتنعا بما سمعه, أو هو خرج أكثر تصميما علي تنفيذ ضرب العراق, باعتباره من صقور الادارة الأمريكية, ومن أصحاب الثأر القديم مع العراق, منذ أن كان وزيرا للدفاع في حرب عاصفة الصحراء!
***
وفي مواجهة هدنة زيني الأمنية, وحملة تشيني الحربية, ظهرت في الساحة عدة مؤشرات ايجابية, يجدر بنا استثمارها جيدا, خصوصا في مداولات القمة العربية الوشيكة, وأهمها بالطبع هذا الصمود البطولي للانتفاضة والمقاومة الفلسطينية, ثم حالة الغضب العارم التي تسود العالم العربي, ليس فقط ضد وحشية العدوان الاسرائيلي, بل أيضا ضد الصمت والتواطؤ الأمريكي وسعيه لنقل الحرب الي الجبهة العراقية, مما يزيد الغضب اشتعالا ويهدد المصالح الأمريكية كلها.
وفي المجال نفسه, لاحظنا تحولا وئيدا في المواقف الأوروبية خصوصا عبر اعلان برشلونة الاسبوع الماضي, يدين المجازر الاسرائيلية, ويساند الحقوق الفلسطينية وفي مقدمتها اقامة الدولة المستقلة, وهو تحول يجدر استغلاله وتشجيعه, لكيلا يعود فينتكس أمام الضغوط الأمريكية والابتزازات الصهيونية, وأمام التراخي العربي أيضا!
أما قرار الأمم المتحدة الأخير الصادر قبل أيام رقم1397, فقد أضاف رؤية جديدة وإن كانت مبهمة وهلامية الي الرؤي الأمريكية والمبادرات العربية, حين نص علي رؤية لمنطقة تشمل دولتين هما اسرائيل وفلسطين جنبا الي جنب, داخل حدود آمنة معترف بها. وحسنته الوحيدة أنه ذكر لأول مرة دولة لفلسطين, لكنه يجب ألا يسمح لاسرائيل بأن تتهرب من التزام تطبيق القرارين السابقين لمجلس الأمن رقمي242 و338, اللذين ينصان علي الانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها في عدوان1967, بما فيها القدس الشرقية والجولان وجنوب لبنان, وعلي أساسهما انسحبت اسرائيل من سيناء في مفاوضات كامب ديفيد..
ولأن أمريكا هي التي أوعزت لمجلس الأمن بهذا القرار ولم تستخدم ضده حق النقض ــ الفيتو ــ كما تعودت دائما, ولأن اسرائيل سارعت بالترحيب به, فإننا نخشي أن يكون وراءه ما وراءه من أهداف مخبوءة لم تظهر بعد, مثل تمييع القرارات الدولية السابقة الخاصة بعدم جواز احتلال الأراضي بالقوة, ومثل ضرورة إنهاء الاحتلال الاسرائيلي, ومثل حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الي ديارهم التي طردوا منها قسرا..
ولعل هذا كله, جنبا الي جنب مع المبادرة السعودية التي يجري إعادة صياغتها وتطويرها, يكون قاعدة أساسية للحوار في مؤتمر القمة العربية الوشيك, بحيث تقدم للعالم رؤية عربية متكاملة في مواجهة الرؤي الأخري, خصوصا الاسرائيلية القائمة علي العنف والدم, والأمريكية القائمة علي المناورة وتهدئة جبهة فلسطين, للتركيز علي جبهة العراق!
هذا ما ننتظره من القمة, حتي لا يقال عنها إنها قمة تشييع الانتفاضة ودفن المقاومة مع الكرامة واغماض العين عن تدمير دولة عربية عضو في القمة!(الأهرام المصرية)
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف