صلاح الدين حافظ : حريـة الصحافـة المفتـري عليها
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تطل علينا بين الحين والآخر, هجمة علي حرية الصحافة, تهدف إلي فرض قيود جديدة علي هذه الحرية, التي إن اتسعت بشكل ظاهر, وبصورة تراكمية في العالم الغربي عموما, فهي عاجزة كسيحة بصفة عامة في العالم الثالث.
علي البعد تابعنا مشروع القانون المقدم إلي مجلس الشعب المصري, بتعديل بعض مواد قانون الصحافة وقانون نقابة الصحفيين, ليس بهدف تطويرهما إلي الأفضل, أي إلي اطلاق حرية الصحافة بالمعني الدقيق, ووفق المعايير المتعارف عليها دوليا, ولكن بهدف فرض قيود جديدة وبنود مستحدثة علي هامش حرية الصحافة المتاحة حاليا بهذه الحجة أو تلك الذريعة, وكأن الأمر تنقصه مثل هذه القيود.
ولقد احسنت نقابة الصحفيين, حين بادرت فنبهت وحذرت من خطورة عرض ومناقشة تعديلات جديدة تمس حرية الصحافة, حتي في البرلمان صاحب سلطة التشريع, دون الأخذ في الاعتبار برأي الصحفيين ونقابتهم الشرعية أولا, ودون مراعاة ضرورات التطور الديموقراطي في بلادنا ثانيا, ثم دون الاطلاع علي الموجة الديموقراطية الهائلة التي تلف العالم كله من حولنا ثالثا,
علي البعد أيضا لا نعرف بالضبط الدوافع الحقيقية, التي تحرك جهات معينة بين الحين والآخر, للانقضاض علي الهامش المتاح لحرية الرأي والتعبير, سواء بشكل مباشر, أو بوسائل التفافية فيها من المراوغة الشيء الكثير, في وقت لايسمح بهذا أو ذاك, بل في زمن يتطلب ليس فقط اطلاق حرية الصحافة تماما, بل اطلاق حركة التطور الديموقراطي الكامل والسليم الذي تستحقه مجتمعاتنا بعد طول الصبر وملل الأنتظار!
ولعل اولئك الذين احترفوا شن الهجمات الموسمية علي حرية الصحافة لا يدركون خطورة الآثار السلبية السيئة التي تتركها هجماتهم هذه, سواء حين تلجأ دول عربية أخري إلي تقليدها, وسواء حين يضعنا العالم في موقع الاتهام بانتهاك أبسط حقوق الانسان وحرياته.
ولقد تابعنا خلال الفترة الأخيرة, كيف مالت حكومات عربية معينة نحو تقليد هذا الاتجاه, فنقلت عنه تحديدا النصوص الخاصة بتشديد العقوبات وتغليظها في قضايا الرأي والنشر, وصولا لفرض عقوبة سجن الصحفيين والكتاب وأصحاب الرأي, فضلا عن زيادة الغرامات المالية إلي الحدود التعجيزية, وانظر علي سبيل المثال, لا الحصر, ما جري بعد مصر, في دول تنتمي إلي ما نسميه تجاوزا دول الهامش الديموقراطي, حين تشددت الأردن في قانون المطبوعات وعقوباته, وحين أقر البرلمان الجزائري, مشروع قانون الصحافة الجديد المقدم من الحكومة, وهو يحمل من نصوص التشدد ما يناقص الديموقراطية, ثم حين اقدمت حكومة التناوب الديموقراطي في المغرب علي تعديل قانون الصحافة, حاملا نفس نصوص وروح التشدد اياه, رغم السيرة الحسنة للمغرب في مجال التطور الديموقراطي.
****
والمعني أنه إذا كانت دول الهامش الديموقراطي في العالم العربي, تفعل ذلك تناقضا مع الحريات الديموقراطية الاساسية, التي صارت عنوانا علي الحياة في عالم اليوم, فماذا تصنع إذن دول الهامش غير الديموقراطي.
هذا من ناحية, أما من الناحية الأخري, فقد أصدرت لجنة حماية الصحفيين الدولية من مقرها هنا في نيويورك, قبل أيام النص الكامل لتقريرها السنوي عن أوضاع حرية الصحافة في العالم, وهو يضم عدة آلاف من الصفحات المكدسة بمعلومات موثقة وتحليلات مفصلة, قام علي اعدادها خبراء وباحثون وصحفيون متخصصون, اكتسب التقرير السنوي بفضل دقتهم, مصداقية عالمية, ورغم أي انتقادات أو اتهامات بالتحيز توجه للتقرير المعنون هجمات ضد الصحافة في عام2001 إلا أنه وضع الدول العربية جميعا في تصنيف متأخر, وبالتالي فقد أدانها بانتهاك حرية الصحافة طبقا لمعلومات وبيانات ومتابعة دقيقة في معظمها, وبذلك فقد انضم هذا التقرير إلي تقارير دولية مماثلة, مثل التقرير السنوي لمنظمة صحفيون بلا حدود ومقرها باريس, ومثيله الصادر عن منظمة المادة19 ومقرها لندن, في توصيف الحالة المتردية لحرية الصحافة في بلادنا العربية, وتظن أن هذا وضع لم يعد ممكنا القبول به في عصر الحرية والانفتاح الديموقراطي الشامل عبر العالم كله.
ويلغت النظر بداية, أن التقرير السنوي للجنة حماية الصحفيين, لم يستثن الولايات المتحدة الأمريكية من نقده, بسبب اقدامها خصوصا في السنة الأخيرة علي التضييق غير المعهود علي حرية الصحافة وتدفق المعلومات بسبب ما يسمي الحرب علي الإرهاب. إذ يقول: إن الهجمات الانتحارية علي نيويورك وواشنطن في11 سبتمبر عام2001, قد تسببت في وقوع أزمة حادة في حرية الصحافة, ليس فقط علي المستوي الأمريكي, بل أيضا علي المستوي العالمي.
ومن المرات النادرة, ان تعاني دول ديموقراطية عتيدة مثل أمريكا ودول اوروبا الغربية ذاتها ـ منبع الديموقراطية وراعيتها ـ اتجاها حاسما وواضحا لتقييد الحريات العامة, بما فيها حرية الصحافة, في ظل تتابعات آثار أحداث سبتمبر المشهورة, وصولا إلي تعمد الحد من الحريات المدنية للمواطنين في دول ديموقراطية راسخة, بحجة مكافحة الإرهاب ومقاومة منظمات العنف, باطلاق حرية أجهزة الأمن والمخابرات في القاء القبض والاعتقال والتوسع في الاشتباه وتقييد الحركة, بل وموافقة البرلمانات الديموقراطية علي تشريعات جديدة, تضع ضوابط مشددة علي حرية وسائل الإعلام في نشر المعلومات وممارسة حرية التعبير.
وبهذا التوجه الذي مارسته الحكومات الديموقراطية العريقة, فإنها قد فتحت الباب علي مصراعيه أمام الحكومات الأخري غير الديمقراطية لكي تزايد عليها في التشدد مع حرية الصحافة وتدفق ونشر المعلومات, بحجة مكافحة الإرهاب والعنف أيضا, حتي وإن كانت متهمة بتشجيع العنف والفساد والإرهاب.
فإن ذلك يمثل وجها من وحه التأثير السلبي لأحداث سبتمبر والحرب الأمريكية ضد الإرهاب, علي حرية الصحافة, فإن الوجه الثاني يتمثل في أن العام2001, كما يقول التقرير الدولي للجنة حماية الصحفيين, قد شهد مقتل37 صحفيا في دول العالم المختلفة, بزيادة13 صحفيا عن العام السابق له2000 الذي قتل24 صحفيا, وترجع هذه الزيادة إلي الحرب الأمريكية في أفغانستان التي قتل فيها ثمانية صحفيين, بينما ارتفع عدد الصحفيين المسجونين من81 صحفيا عام2000 إلي118 صحفيا في عام2001.
أما الوجه الثالث الذي عكسه هذا التقرير الدولي المهم, فهو انه قد اختار وأعلن ـ كما يفعل كل عام ـ قائمة أكبر عشرة أعداء لحرية الصحافة في العالم, وبدون تشهير بأحد فإن العشرة المختارين هم رؤساء كل من الصين وليبيريا وزيمبابوي و روسيا وتونس وماليزيا وكوبا وأكرانيا والمرشد الأعلي لإيران وقائد الدفاع المدني في كولومبيا.. وقد ضمت قائمة التقرير ذاته في العام الماضي ثلاثة من الحكام العرب!!
****
بقي الوجه الأهم, الذي عرض له هذا التقرير السنوي, وهو الخاص بما جري ويجري من إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وبداية نود لفت نظر القاريء إلي أن التقرير الذي نشير إليه هنا, قد أعدت مادته الأساسية عن حالات انتهاك حرية الصحافة في عام2001, وبالتالي فهو لم يتناول حدثا بالغ الخطورة ـ ونعني الحرب الشاملة التي شنتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية منذ نهايات مارس2002, وهي الحرب التي قتلت فيها القوات الاسرائيلية الغازية ستة صحفيين بينهم صحفي ايطالي, وأصابت أكثر من مائة وخمسين صحفيا بجروح بالغة, ناهيكم عن الاعتقالات العشوائية, واغلاق مقار الصحف ومكاتب المراسلين وتحطيم اجهزتهم الفنية وتلغيم وتدمير مقار الإذاعة والتلفزيون الفلسطيني.
ورغم ذلك يقول التقرير الدولي, إن إسرائيل تمثل أخطر مناطق العالم علي الصحافة والصحفيين, حيث أبدت السلطات الإسرائيلية عداء شرسا ضد الصحفيين عموما والفلسطينين منهم خصوصا, سواء بغرض الرقابة العسكرية المباشرة علي المواد الصحفية, أو بعرقلة أداء الصحفيين لمهامهم المهنية وسحب بطاقاتهم وإغلاق مكاتبهم ومصادرة بعض رسائلهم, وصولا لاطلاق الرصاص الحي وبتعمد ظاهر عليهم اثناء تغطية الصدامات خلال الانتفاضة الفلسطينية.
يضيف التقرير أيضا, إن الجيش الإسرائيلي لم يكتف بذلك, بل أطلق العنان للمستوطنين الإسرائيليين, في شن هجماتهم المسلحة ضد الصحفيين والمراسلين الأجانب, مما أدي إلي اصابة الكثيرين منهم باصابات خطيرة, دون أن تقدم الحكومة الإسرائيلية علي التحقيق في هذه الهجمات ومحاكمة القائمين بها, بل تعمدت حماية وتبرئة الجنود والمستوطنين من تهم تعمد اطلاق النار علي الصحفيين بقصد تعريض حياتهم للخطر!
من ناحيتنا نستطيع ان نكمل للقاريء الصورة التي وردت في تقرير لجنة حماية الصحفيين الصادر عن مقرها في نيويورك, بقراءة سريعة في تقرير دولي آخر له الأهمية والمصداقية نفسها, وهو الصادر قبل أيام عدة وتحديدا في آخر أبريل من عام2002, عن المعهد الدولي للصحافة ـ ومقره فينا عاصمة النمسا ـ ويتناول بايجاز سريع بعض ما جري من انتهاكات لحرية الصحافة والرأي والتعبير علي أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلية في الأشهور الأخيرة, أي أنه لم يتناول بالكامل صورة ما جري خلال الحرب الشاملة ضد الفلسطينيين منذ مارس الماضي, وإن كان قد تناول بعض ما جري خلال شهور الانتفاضة الثانية.
إذ يقول إن إسرائيل مسئولة عن81 في المائة من جملة انتهاكات حرية الصحافة في الأراضي الفلسطينية, وهي مسئولة عن قتل ستة صحفيين واصابة59 آخرين خلال انتفاضة الاقصي, دون أن يفتح الجيش الإسرائيلي أي تحقيق جدي في هذه الاعتداءات, بل إنه وعد جنوده بحمايتهم وتغطية جرائمهم.. هكذا ببساطة!
** و في النهاية نقول.. إنه إذا كان السفاح شارون قد قال أخيرا, إن كسب إسرائيل لمعركتها الراهنة ضد العرب والفلسطينيين يعتمد بنسبة90 في المائة علي الإعلام والصحافة, فإننا نقول, بالمقابل إن كسب معركتنا الإعلامية الطويلة ضد إسرائيل, يعتمد بنسبة مائة في المائة علي حرية الصحافة والإعلام في بلادنا.
فحين تنعم الصحافة بالحرية, تتوافر لها المصداقية والاحترام, أما ما دون ذلك, فمصيره إلي زوايا النسيان والتجاهل, ولذلك نقول لمحترفي شن الهجمات علي هامش حرية الصحافة في بلادنا.. ارفعوا ايديكم الثقيلة عن الرئة الوحيدة التي يتنفس الشعب من خلالها.(الأهرام المصرية)
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف