جريدة الجرائد

أمين حسن عمر القيادي في نظام "الانقاذ" : نعم .. دعمنا المعارضة الاوغندية ولن نتردد في سحقها

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

يشغل امين حسن عمر منصب وزير دولة بوزارة الثقافة والاعلام وهو في الوقت نفسه رئيس دائرة الاتصال السياسي بحزب المؤتمر الوطني الحاكم. غير ان النفوذ السياسي للرجل يبدو اكبر من اطار مناصبه الرسمية، وتكفي للدلالة على ذلك الاشارة الى انه كان مستشاراً للرئيس عمر البشير.ويعد عمر الذي كان عضواً ناشطاً بالحزب الشيوعي السوداني قبل ان يتحول الى ناشط في الحركة الاسلامية، احد منظري هذه الحركة وواضعي استراتيجياتها، ما يتيح له بالتالي الالمام بخفايا سياسة حكومة الانقاذ ازاء كافة القضايا.
ومن هذا الموقع يكشف عمر ـ ربما لأول مرة في سياق حوار مطول، مع "البيان" تفاصيل وابعاد "لغز" تصفية الحسابات الجارية في جنوب السودان بين الجيش الاوغندي والمعارضة الاوغندية المتمثلة في مليشيا "جيش الرب" جوزيف بزعامة كوني.
ويتجنب الاعلام السوداني الخوض في تفاصيل المواجهة الدامية التي بدأت السنة حرائقها تمتد الى مواقع الجيش السوداني، لكن امين حسن عمر لم يتردد في الرد على كافة اسئلة "البيان" في هذا الصدد.
ويعترف المسئول السوداني ضمناً بدعم الحكومة السودانية لهذه المليشيا في مرحلة ما رداً على دعم حكومة اوغندا لقوات التمرد السودانية بزعامة جون قرنق.لكنه برر انقلاب الخرطوم على حركة جوزيف كوني بتفادي مواجهة كانت محتومة مع الجيش الاوغندي ويتطرق الحوار مع المسئول السوداني الى الحوار الدائر بين الحزب الحاكم وحزب رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي "الامة" ملمحاً الى استعداد حكومي لتقديم المزيد من التنازلات لحزب الامة.
ويشن هجوماً عنيفاً على قرنق الذي وصفه بـ "ملك من العصور الوسطى" معتبراً ان هذا الاخير يخشى ان يفقد سلطاته المطلقة التي يتمتع بها حاليا حال احلال السلام.ويدافع بتنظير منطقي عن اتجاه الحكومة الى السعي لخطب ود اميركا رغم المامها بالأجندة الخاصة التي تسعى لتحقيق هذه الاخيرة من خلال توسطها في مسيرة السلام. كما يدافع بشدة عن اوضاع الحريات في السودان معتبرا ان ما يتوفر في هذا الجانب قلما نجده في اي دولة افريقية او عربية.
ويتطرق ايضا الى موضوع الانشقاق المدوي في اوساط الاسلاميين والذي بلغ ذروته باعتقال الزعيم الاسلامي والعراب السابق للنظام الدكتور حسن الترابي، مبرراً ايضا هذه الخطوة التي وصفها بالخطر الامني ونافياً بشدة انحياز قاعدة الحركة الاسلامية للترابي.وفيما يلي نص الحوار:
أوروبا وأميركا ـ لماذا انتظرت الحكومة وتجمع المعارضة الحل الخارجي الذي يجري فرض تطبيقه الان لحل الازمة السودانية، بالرغم من التحذيرات التي سبق وان اطلقها من قبل الصادق المهدي زعيم حزب الامة المعارض؟ ــ أصلا لا يوجد حل خارجي يتم فرضه الان، ولا نتوقع فرض مثل هذه الحلول. ولكن وجود جهة خارجية وسيطة لها قدر من النفوذ على الطرفين يساعد على الحل، وهذه مسألة طبيعية لاي نزاع في الدنيا، وقد يساعد ذلك طرفي الصراع في التوصل الى حلول بشأن المشكلة لان الشخص الذي له مقدرة لتقديم تنازلات تساعد على الحل لا يمنحها طواعية باعتبار ان الطرف الاخر يستفيد من ذلك، وتبقى المشكلة قائمة والوسطاء السابقون الذين تطوعوا للمساعدة لحل الازمة السودانية لم يكن لهم اجندة للضغط على طرفي النزاع في السودان. ولكن الان ومن ناحية واقعية فان هنالك تنسيقا كبيرا بين الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الاميركية وهما قوتان تمثلان تقريباً المجتمع الدولي الفعال، وبمقدورهما ممارسة نوع من النفوذ على الحكومة من خلال تحسين علاقتها بالمجتمع الدولي لان تحسين علاقتها بالاتحاد الاوروبي واميركا ينعكس على الشأن العام في السودان، واي حكومة مسئولة لا يمكن ان تتجاهل هذا الاعتبار لانه مهم جداً.
اما الطرف الاخر فهو معروف لان حركة التمرد مدعومة من منظمات وكنائس وقوى ايديولوجية في القرب، والحكومات الغربية تستطيع هنا ان تحجب الدعم اذا لم يكن كله، فجزء منه لهذا الطرف. كما ان تلك الحكومات قادرة ايضا على عرقلة جهود حركة التمرد العسكرية بحجب الاشياء التي تعين على استمرار الحرب. وأيضا يمكنها ان تعلن ان الحركة الشعبية منظمة ارهابية، كما نعتبرها نحن. من هنا فان الاتحاد الاوروبي واميركا لديهما رافعة لتحريك المفاوضات، وهذا الامر كان من المفترض ان يتم منذ سنوات مضت. وفي تقديري ان زعيمها جون قرنق شخص لا يرغب في السلام وأنا لا أقول هذا الحديث باعتباره حرباً كلامية تسبق المفاوضات، ولكن اي موقف للحرب او السلام دائماً ما يسفر عن طرف فائز واخر خاسر. والسؤال من يخسر اذا ما تحقق السلام في السودان. الجميع يعلم بأن قرنق يعامل مثله مثل الرؤساء في العديد من دول العالم، مثال لذلك نجد انه يتمتع بالمكانة التي ذكرناها في كينيا، اضافة الى ذلك فهو يتلقى اموالاً طائلة تقدر بعشرات الملايين من الدولارات دون ان نجد من يحاسبه على هذه الاموال لا برلمان او حتى مكتب حسابات داخل حركته.
ومن الواضح ان قرنق يعتبر الان ملكاً من ملوك القرون الوسطى! لان الاموال العامة كلها تعتبر امواله واذا ما أنفق منها في الشأن العام يكون تفضلا منه. واذا ما قارنا ما يمكن ان يحدث له اذا ما تحقق السلام وفي أحسن الأحوال سيكون حاكماً للجنوب ولكن ليس وحده لانه سيكون هنالك ولايات في الجنوب اذ لا يمكن لرجل واحد ان يحكم الجنوب حكماً مركزياً، واذا ما تم التوصل لحل غالباً ما يستصحب وجود حكومات فرعية هناك، وهذه المسألة ستخلق لقرنق عدداً من المشاكل التي تعترض تكوين سلطة فرعية. وستكون هنالك منافسة بينه وبين الاخرين في اقليم الاستوائية او في أعالي النيل، لان أي حل قادم سيكون ذا صيغة ديمقراطية تتيح المساءلة والمحاسبة التي لم يتعود عليها قرنق او يكون لديه الرغبة لتعلمها.
وربما اذا ما تكونت حكومة ديمقراطية فانها قد تحاسب قرنق على الأموال السابقة التي كان يتلقاها.
ـ هل تتحدث عن نظام ديمقراطي يشمل كل السودان؟ ــ لا أنا أتحدث عن الجنوب ولكن الديمقراطية بصورة عامة تطبق الان في كل السودان، والوضع المتعسر للتعددية الان سببه الازمة مع جنوب السودان.
وأي حديث عن مشكلة سياسية عامة في السودان غير صحيح، وهذا موضوع اخر. لان الازمة السياسية في شمال السودان هي امتداد لمشكلة الحرب في الجنوب، لانه اذا لم تكن هنالك حرب أهلية هناك وعمل عسكري لكان الصراع السياسي في الشمال اخذ منحى اخر. لكن اريد ان أقول ان قرنق غير راغب في تحقيق السلام في السودان لانه سيخسر اذا ما تم ذلك بينما يستمر في الربح اذا لم تتوقف الحرب. صحيح ان قرنق قد يوافق على السلام، اذا شعر ان ذلك سيتحقق اذا ما شارك في العملية ام لم يشارك، عن طريق ممارسة ضغوط عليه، مع العلم ان هنالك اطرافاً داخل الحركة الشعبية تضغط على قرنق، لقبول الحل السياسي العادل، الامر الذي يدفعه لتبرير مواقفه الرافضة من خلال مطبوعات الحركة المختلفة حتى لا تشكل عليه قواعده ضغوطا. وتدخل الغرب هنا قد يكون مفيدا اذا ما كان نزيها ومتوازناً. ونقصد بالنزاهة عدم ادخال اجندة خارجية غير متعلقة بتصفية حسابات اخرى مثلما كان يحدث ابان فترة الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون الذي قام بتعيين مبعوث للسلام في السودان ولكن ليس لتحقيق السلام، وانما لجمع حيثيات لادانة الحكومة في المنابر الدولية، لذلك فان الحكومة حيثما كانت مترددة في التعامل معه، بالرغم من ترجيح البعض ضرورة استمرار الحوار حتى في مثل هذا الجو، بالمضي قدماً في الحوار مع الاستمرار في المعركة الدبلوماسية.
اجندة اميركية خاصة ـ لكن من يضمن ان وسيطاً مثل الولايات المتحدة الاميركية ليس له اجندة خاصة يرغب في تنفيذها من خلال تدخله الحالي؟ ــ ليس هنالك دولة في العالم تعمل اكراما للاخرين فقط، لذلك فان الولايات المتحدة لها اجندتها الخاصة التي تود تطبيقها، لكن السؤال هل الاجندة هذه مضرة بالسودان ام غير ذلك؟ وهل هي اشد ضرراً من الحرب، ام اقل ضررا. إذن افتراض ان هنالك طرفاً ثالثاً يتدخل لحل ازمة وليس له أجندة، نعتبره افتراضاً وهمياً وشاعرياً وليس له دخل بالسياسة، لان اي طرف ثالث يتدخل لا يفعل ذلك دون ان تكون له اجندته الخاصة، وقد تكون الفوائد التي يجنيها هذا الطرف شرعية لان تسوية حالة من السلم في منطقة ما مثلاً قد يساعد على الاستثمار وتحريك موارد لا يمكن ان يستفاد منها في ظل الحرب. وأيضا واحدة من الاجندة قد يكون للدولة المتدخلة شعور بأن استمرار الحرب قد ينتقل الى مناطق اخرى وتصبح اكثر خطورة. إذن الاجندة والأسباب عديدة بحيث يصعب حصرها، لكن السؤال في النهاية ما هو نوع الرغبات الاميركية في منطقتنا؟ وهل هي تستهدف وجودنا ام تقسم بلدنا ام تنهب ثرواتنا ام ان هاجس اميركا امني؟ غالبا مثل هذا يقوم به المحللون ومن ثم يتم تقدير ذلك، حتى اذا ما انفتح هنالك اجندة يخشى منها يتم تقديرها ويقال هل هي اشد ضرراً من الواقع الحالي للحرب، وهل هي اشد ضرراً من تطور هذه الحرب، وهل تستطيع ان تحتويها؟ لا احد يستطيع تحقيق رغباته بصورة منفردة لا اميركا او غيرها، قد يكون لها رغبات ولكنها لا تستطيع ان تلبيها اذا ما كان هنالك تفاعل على التصرف السليم العاقل المتزن في وقته، وذلك بالتعاطي مع القوى الاقليمية والدولية بحيث تصالح بين اجندة تلك القوى واجندتنا. اعتقد ان لنا المقدرة في التعامل وفق ذلك خاصة وان الشأن الدولي لكل بلد اصبح شأنا مهماً جداً بحيث لا بد لها ان تجد طريقة للتعامل معه. وينبغي ان يختار الخيار المناسب بحكمة.
سياسة الاحتواء ـ لكن اميركا لا تكتفي عادة بالتنازلات التي يتم تقديمها لها وانما تقوم بالضغط من اجل تقديم المزيد من التنازلات ما هو رأيك؟ ــ ليس الاميركان وحدهم يفعلون ذلك وانما كل البشر. ولكن السؤال متى يتوقف هذا او ذاك عن ممارسة الضغط؟ والاجابة: اذا ما ضغطت اكثر من ذلك قد لا تفوز.
إذن هذه الحالة ليست منحصرة في اميركا فقط، ولكن صحيح قد تتركز الانظار على القوى التي تملك امكانات اكبر وتحوز على قدر كبير من السلطة والنفوذ بأن مثل هذه القوى قد لا تتوقف عن ممارسة نفوذ اكثر اذا ما حققت مكاسب من خلال تدخلها. ولكن هذا غير صحيح لان السياسة الاميركية معظم احوالها قائمة على سياسة الاحتواء اذا لم تقدر على الدخول في علاقة اتصال يؤدي الى تحقيق المنافع بطريقة ايجابية، وسياسة الاحتواء هي سياسة ردع والسياسة الاميركية اصلا قائمة على ثلاثة محاور: الاول الشراكة مع الاصدقاء، والثاني الاتصال مع القوى التي لم تصنف بعد في خانة الاصدقاء او الاعداء، لكن يتم كسبها للدخول في شراكة، اما الثالث فهو علاقة الاحتواء وتنفذها اميركا مع الاعداء.
وكان موقف الحكومة الاميركية تجاه السودان يقوم على سياسة الاحتواء المعلنة والنشطة وذلك بتحريض الجيران على محاربة السودان مباشرة وتمويل الحرب داخله، بل وصل الامر الى قصف السودان بالصواريخ. ولكن حكومة الرئيس السابق بيل كلينتون وصلت الى نتيجة مفادها ان هذه السياسة غير مفيدة وفاشلة، لذلك طورت المصطلحات وبدأت في اعداد الدراسات، مثل تطوير مصطلح "الهبوط السلس" وذلك بتغيير الوضع في السودان من دون اللجوء للحرب او الاعلان عن المواقف العدائية، وذلك باجبار الحكومة على توفير الديمقراطية واتاحة الفرصة للاخرين، وهذا قائم على افتراض ان الاخرين قادرون على احداث التغيير من خلال الآليات الداخلية. وعندما تم اعداد دراسة مركز الدراسات الاميركية بطلب من ادارة كلينتون شارك فيها كل الشخصيات الرسمية وشبه الرسمية المتعلقة بتخطيط السياسة في هذه المنطقة.
وعندما جاءت ادارة الرئيس جورج بوش وجدت ان الادارة السابقة اعلنت فشل سياستها تجاه السودان، لذلك فان اي انسان عاقل لا يواصل في سياسة اعلن عن فشلها، فبدأت البحث في انتهاج سياسة بديلة، وفي مرحلة البحث هذه كانت هنالك ضغوطات، على الحكومة الاميركية بالاستمرار في انتهاج سياسة الاحتواء، لان هنالك قوى معادية للحكومة السودانية وجزء أساسي منها تجمعات دينية صليبية تعتقد ان وجود دولة اسلامية بالسودان يهدد انتشار المسيحية. وبالتالي يصفون السودان بانه دولة ارهابية ويعمل على نشر الاسلام بالقوة. وللاسف نجد ان هذه الافكار تغذيها ذكريات تاريخية من حروب صليبية وجهل بالدين الاسلامي والمنطقة وأحيانا تصرفات سيئة لمجموعات اسلامية ولخطاب اسلامي متطرف احيانا، لذلك تعتقد هذه المجموعات ان من الأفضل ذهاب الحكومة الحالية وهذه المنظمات السياسية ذات التوجه الديني الاصولي نشطة في أوروبا مثل منظمة التضامن المسيحي وفي اميركا ايضا، والضغط الذي تمارسه هذه المنظمات مستمر حتى اللحظة.
الأمر الواقع ـ وصل الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة على السودان الى درجة استجابت فيه الحكومة السودانية للطلب بالسماح للجيش الاوغندي بممارسة عمليات ضد "جيش الرب" داخل الاراضي السودانية. ما هو رأيك؟ ــ أولا الحكومة السودانية لم تسمح بدخول القوات الاوغندية الى الاراضي السودانية ولكنها اعترفت بأمر واقع، لان المنطقة التي يمارس فيها الجيش الاوغندي عملياته العسكرية لا تقع تحت سيطرة الحكومة السودانية.
وهنالك اراضٍ كثيرة بالجنوب لا تقع تحت سيطرة الحكومة وبالتالي تدخلها بعض المنظمات الاجنبية وغيرها. الحكومة السودانية كانت حريصة بسبب تدخل مركز كارتر وبعض الدول مثل كندا ودول اوروبية اخرى، على التوصل الى تسوية للنزاع السوداني الاوغندي لانه جزء من تهدئة الاقليم. واحدة من المشاكل هنا هو حركة جوزيف كوني او ما يسمى "جيش الرب"، وهذه الحركة متمردة في شمال اوغندا وكانت تلجأ للسودان عندما كانت حكومتها وقحة جدا في التعامل صراحة مع متمردي الحركة الشعبية التي يتزعمها قرنق لذا تعاملت الحكومة السودانية مع كل الحركات المعارضة في اوغندا.
وعندما تم التوصل الى اتفاقيات التزم الطرفان شكلياً على الأقل بتنفيذها، بالرغم من ان اوغندا تزعم ان قوات قرنق لا تمارس عملياتها انطلاقا من اراضيها وانما من داخل الحدود السودانية.
وهذا الزعم قابل للتصديق طالما ان هنالك مساحة من الارض خارج سيطرة الحكومة السودانية يمكن ان تزعم ذلك، كما ان هنالك شواهد بأنه ليس هنالك مصلحة لقوات قرنق بالتواجد في اوغندا طالما ان لديها اراضٍ هنا يمكن ان تنطلق منها. على كل يعتبر هذا جزءاً من الملف. وكان امام الحكومة السودانية خياران بعد ان قامت ولمدة عام كامل بمحاولة ايجاد مصالحة بين حركة كوني والحكومة الاوغندية، ولكن كوني كان متشدداً ورافضاً لأي حلول بالرغم من العفو الذي وعد به والذي يشمل كل مجموعته الا ان عدداً محدوداً من جنوده استفادوا من ذلك، وهذا العفو كان بضمانة اميركية واوروبية. ولكن كوني رفض الحل السلمي وبالتالي كان امام الحكومة خياران: اما ان تظل تصبغ حمايتها عليه رغم تزمته اما ان ترفع يدها عنه، والجيش الاوغندي اخطر الحكومة بانه سيطارد كوني، وكان امامنا واحد من خيارين: اما ان نعتبر الاخطار استفزازاً وتدخلا في اشتباك مع الاوغنديين، او نطرح شروطنا في هذا الامر بتحديد زمن معلوم للتداخل من اجل عمليات محدودة وبتنسيق دقيق. والهدف الاساسي ليس استئصال هذه الحركة لان ذلك صعب جداً وانما تشكيل ضغط عليها لتستجيب لعملية السلام.
عملية غدر ـ لكن هذه الحركة استفادت من معرفتها بالمنطقة وقامت بالاعتداء على الجيش السوداني؟ ــ هذه الحادثة نعتبرها عملية غدر ولكنها لم تتحول لمعركة، لانها اذا ما تحولت الى معركة فان قوات كوني سيتم سحقها سحقاً.
ـ لماذا تدافع الحكومة عن الرئيس الاوغندي موسفيني وتتدخل حتى لضرب معارضته؟ ــ نحن لا ندافع عن موسفيني ولكننا نحمي حدودنا ووضعنا والتزاماتنا الدولية، قلنا سنسعى للسلام، والناس وصلت معنا لاقصى درجة للسلام، نحن واقفون عند حدودنا، وسبق ان قاتلنا اوغندا عندما كانت رديفة لقوات قرنق، ولكن الان المسألة مختلفة ومحدودة ومتعلقة بزمان محدد ومكان محدد معلوم للطرفين ولأطراف دولية. لذلك اعلنا اننا محايدون اي لن نقبل بامتداد حرب الى داخل الاراضي السودانية لمدة غير محدودة، لذلك حددنا تاريخاً معيناً لنهاية العملية وتنظر الحكومة في تمديد الفترة ولزمن محدد تحت نظر اطراف اخرى. وتم الجديد بالفعل لاحقاً.
شهادة عربية ـ ما هو الضمان الذي وفرته اوغندا لعدم استفادة قرنق من هذا الوضع مع العلم بأن جيش الرب يتعرض للتصفية الان؟ ــ اوغندا التزمت بعدم توفير الدعم لقرنق، ونحن سنشهد الاطراف العربية والدولية التي كانت شاهدة على الاتفاق بما نفذته اوغندا من التزامات.
حرية التعبير ـ هنالك اطراف معارضة ترى ان احدى اليات مقاومة اي ضغوط اميركية تتمثل في المصالحة الداخلية عن طريق اعادة النظر في القوانين السائدة حاليا وغيرها وتوسيع هامش الديمقراطية والسماح بمشاركة الاخرين، نحن نتحدث هنا عن المعارضة الشمالية تحديداً؟ ــ القدر الموجود من الديمقراطية المتوفرة في السودان الان من الصعب وجوده في دولة افريقية او عربية، مثل حرية التعبير وغيرها، ولكن لماذا تتلكأ القوى الشمالية في استثمار هذا الوضع. في عام 1977م عندما كنا معارضين دخلنا في مصالحة مع الرئيس الاسبق جعفر نميري وقارن بين شروط المصالحة حينها والان. والحكومة الان تقدم ديمقراطية كاملة وتدعو القوى الشمالية المعارضة للدخول في الانتخابات مقابل التزام واحد هو لا يسمح لك بحمل السلاح وتطالب بالديمقراطية في الوقت نفسه. اذا لم تضع السلاح لا توجه طريقة للمشاركة في الحركة السياسية لانك ستستخدم السلاح لتفكيك الوضع الداخلي. والاحزاب الشمالية باستثناء حزب الامة المعارض بزعامة الصادق المهدي لم تقبل هذا العرض. واذا ما قبلت نحن مستعدون للحوار.
لقد عقدنا مع حزب الامة المعارض 16 اجتماعاً ووصلنا تقريباً لاتفاقات حول جميع القضايا عدا بعض الفروع والتفاصيل ولا يضرنا ان نتنازل عنها. واريد هنا ان اقول بانه لا توجد خلافات جوهرية بيننا والامة حول القضايا العامة. اذن القضية تتعلق بالمنافسة العادلة ومناقشة كل شيء مثل قانون الاحزاب والانتخابات وضماناتها، ومعظم حوارنا مع الاحزاب توصلنا من خلاله انها لا تريد قانوناً للاحزاب ولا قانوناً للانتخابات، لانهم غير متأكدين من أوضاعهم بعد ان تحولوا الى قوة عسكرية خلال السنوات الماضية وقوى هامشية تقتات على حركة قرنق، كما ان هذه الاحزاب غير متأكدة من قاعدتها الجماهيرية لان الكثير منهم قاموا بعمليات عسكرية في منطقة نفوذهم الاصلية، وبالتالي لا يريدون اختبار مدى تأثر قواعدهم بذلك، الاحزاب تريد صفقة سياسية تمنحهم قدراً من الحكم دون اللجوء الى الصوت الشعبي ليحدد من يحكم، وانا اتحدى اذا ما كانت القضية تتعلق بقانون للاحزاب او للانتخابات او ضمانات لها فان الحكومة تقبل بأي رأي نزيه يعمل به دولياً.
تعنت الاطراف ـ حزب الامة نفسه اعلن ان الحكومة لم تتقدم في مسار تحقيق الحل السياسي الشامل. ما تعليقك؟ ــ أصلا المفاوضات عندما لا يتم فيها التوصل الى نتائج، تقوم بإتهام الطرف الاخر بانه متعنت كنوع من الضغط اثناء التفاوض، لكن الحزب لم يحدد المجال الذي لم تتقدم الحكومة في مساره.
مثال واحد ـ لكن حزب الامة يعلن دائماً ان الحكومة لم تقدم شيئاً في مجال الحريات؟ ــ عن اي حريات يتحدث الحزب، قل مثالاً واحداً!
نصوص احتراز ـ تحديداً هم يتحدثون عن القوانين المقيدة للحريات مثل قانون امن الدولة؟ ــ لا يمكن ان تغير نصوص الاحتراز في هذا القانون طالما وجدت قوة حاملة للسلاح داخل البلاد وخارجها. وهم يعلمون ذلك، ولكن السؤال هل استخدمت هذه النصوص الاحترازية تجاه عمل سياسي سلمي؟.
ـ بلى.. وامامك حالة الدكتور حسن الترابي؟ ــ هذه حالة خاصة وهو موجود الان في منزل وليس في السجن وهي قضية قابلة للتسوية في اطار الحوار السياسي، الان الاحترازات الموجودة في قانون الامن الوطني، توجد الاسوأ ومنها حتى في الولايات المتحدة، اذا كان ذلك يمثل للمعارضة المراجع الدولية. السياسة تتعاطى مع الواقع، وتسأل هنا كم عدد المعتقلين من حزب الامة المعارض! وكم عدد المستجوبين! اما اذا كنت اريد ان استجوب احدا من الذين يحملون السلاح في اطراف الشرق، وتقول لي الغي هذه القوانين، هذه احاديث "ساذجة" وليس تعاطي مسئول مع السياسة، اما الحديث عن قانون النقابات فهذا مفتوح حوله الحوار ولكن بشرط وضع السلاح.
تبادل مذكرات ـ هل هناك اتصالات بين الحكومة وبقية احزاب المعارضة عدا حزب الامة بزعامة الصادق المهدي؟ ــ هناك اتصالات مستمرة مع احزاب المعارضة مثلا الاتحادي المعارض بزعامة محمد عثمان الميرغني رئيس تجمع المعارضة ـ في الداخل والخارج والمكالمات الهاتفية مستمرة في الداخل والخارج ولكن ليس كل الاتصالات قابلة للاعلان وليس من مصلحة احد ان تكون مادة للنشر في الصحف، اما بالنسبة للحزب الشيوعي فهناك اتفاق على عقد لقاء ونقوم الان بتبادل مذكرات بيننا لتنظيم اللقاء.
شورى وحرية ـ هناك اتهام ضد الحزب الحاكم يتمثل في أنه أطاح بأمينه العام السابق د. حسن عبدالله الترابي ولكنه ظل يستخدم النهج القديم نفسه، ما هو ردك؟ ــ ما هو الدليل على ذلك! انا عضو اكثر من ربع قرن في الحركة الاسلامية وقبلها كنت شيوعياً، والحديث عن الشورى والحرية لم ينته وهذه ظاهرة حميدة لان دون ذلك فان الحرية والشورى ستتراجع لان السلطة مغرية لمن يتمتع بها، وهذا شيء طبيعي في الحياة السياسية بالنسبة للحزب الحاكم. صحيح ليس هناك أي نشاط في الحركة السياسية ولكن هناك تغييرا في القيادات وتفعيلا في المؤسسات، والمناخ السياسي العام جامد نسبياً، ولكن الان بدأ المناخ السياسي يتحرك بسبب شعور الجميع بأن هناك سلاما، وحتى قرنق اخذ يعمل بالسياسة عن طريق المصالحات والتحالفات والاتفاقات، واصلا القوة المحاربة عندما تلجأ للسياسة غالباً ما تكون شاعرة بأن أمد الحرب اقترب من نهايته.
ليس هناك الان أي مركز داخل الحزب الحاكم يحتكر القرار، والدليل على ذلك النقاش الحامي الذي يدور حول قضايا تتعلق بتعديلات داخل المؤتمر الوطني الحاكم، اضافة الى الخطاب المعلن والمخفي والتنافس في وجهات النظر. ولو كانت الامور تخضع لرأي رجل واحد لاكتفى باصدار قرارات.
أجندة حربية ـ استمرار اعتقال د. حسن الترابي، هل وراءه اسباب موضوعية؟ ــ الحديث عن اسباب وجيهة لا نستطيع التحدث عنها ولكن مادامت هذه الاسباب امنية، تظل قضية عالق حلها بيد الطرفين، نجد ان الطرف الاخر رغم تسجيل حزبه "المؤتمر الشعبي" الا انه يعلن عن اجندة حربية لاسقاط الحكومة. ونؤكد انه اذا ما وصلنا لاتفاق مع المؤتمر الشعبي شبيه باتفاقنا مع حزب الامة في مسألة المعايشة السلمية ووقع عليه الطرفان فان المشكلة ستحل.
وعندما حضر الشيخ عبدالمجيد الزنداني، طلب من د. الترابي التوقيع على اتفاقية تخرجه من البيت الذي يحتجز فيه حالياً الى بيته ولكن ذلك لم يحدث، والان ان التعقل من قيادات حزب المؤتمر في تنفيذ مبادرة الشيخ الزنداني والالتزام بها اذا ما تم، فان التطبيع سيحدث في العلاقة بين الطرفين، صحيح قد لا يصل ذلك الى درجة الاندماج بين المؤتمرين ولكن لا بأس من وجود تشابه في الاطروحات.
النظام البريطاني ـ يتردد ان خروج المجموعة المكونة الان لحزب المؤتمر الشعبي المعارض من المؤتمر الوطني الحاكم قد أدى الى تحول الاخير الى جهاز تنفيذي اي حزب حكومة فقط؟ ــ التجربة السياسية السودانية مبنية على النظام البريطاني والمسافة بين الجهاز التنفيذي والحزب وفقه معدومة يعنى حزب المحافظين ينتخب رئيسه وجهازه التنفيذي وعند فوزه في الانتخابات يتحول الى حكومة وبالتالي يتحول الحزب الى مؤسسة تنفيذية، والحزب الذي يخرج من الحكومة يتحول الى حكومة ظل، ونحن نزعم ان احزابنا لها دور اجتماعي وثقافي ولكن في الواقع لا تتمتع بذلك، وانما هي احزاب حكم.. وهذا لرأيي الشخصي. واذا ما آمنا بهذه الحقيقة يجب ان تنتظم احزابنا وفقها لكي نكون موضوعيين وبالتالي رئيس حزبنا يكون رئيساً للوزراء او غيره.
الحركة الاسلامية ـ لكن معظم كوادر المؤتمر الوطني الحاكم خاصة وسط الشباب تحولت الى حزب المؤتمر الوطني الشعبي بزعامة د. حسن الترابي؟ ــ هذا غير صحيح، انا أتمتع بعضوية المكتب التنفيذي للحركة الاسلامية منذ عام 1985م، واعرف من هم الموجودون هنا ومن هم الموجودون هناك، والشعب لا يملك نسبة 15% من الشباب ولا 5% من الكبار ومن يريد التحدي استطيع ان اثبت له ذلك، الخسارة الحقيقية هي ان اناسا قد تزعزع ايمانهم وقلة حركتهم بعد الانقسام بالرغم من انخراطهم في الحزب الحاكم الان.
نشاط هدام ـ ما هو رأيك في الخطر المفروض على المؤتمر الشعبي المعارض بالرغم من ان هذا الحزب مسجل وفق منظومة التوالي السياسي؟ ــ انا ضد خطر الاحزاب ولا أظن ان هناك خطراً رسمياً على الشعب ولكن الموجود الان هو خطر امن باعتبار ان هناك مجموعات داخل هذا الحزب تمارس نشاطاً هداماً وتتحرك لاسقاط الحكم القائم والتفاعل مع قوة اخرى تحارب الحكومة (البيان الإماراتية)

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف