المطران حداد: خلفية الاعتداء علي دينية لا سياسية
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عاشت الأوساط السياسية والثقافية والشعبية، المسيحية خصوصاً واللبنانية عموماً، ما يشبه الصدمة السياسية والمعنوية جراء اعتداء متطرفين مسيحيين بالضرب على راعي ابرشية بيروت السابق للروم الكاثوليك المطران غريغوار حداد (78 سنة) ليل الجمعة، بسبب رفضهم آرائه الدينية التي يطرحها في ندواته، وفي برنامج أسبوعي يبثه تلفزيون (تيلي لوميير) المسيحي في لبنان.
وإذ لقي الاعتداء استنكاراً واسعاً، وملاحقة قضائية للمعتدين، من أعلى قمة السلطة، ومستوياتها كافة، مروراً بالسياسيين ورجال الدين من جميع الطوائف، انتهاء بعدد لا يحصى من الجمعيات الأهلية فإن قيام مجموعة من الشبان بالتعرض لحداد طرح الكثير من الأسئلة، حول ظروف الحادث وخلفياته، ووقائعه، أجابت (الحياة) عن بعض منها ظهر أمس.
وكان المعتدون على المطران حضروا مرتين الى مبنى (تيلي لوميير)، قبل أكثر من أسبوع وهددوه، فما كان من المحطة إلا ان ابلغت السلطات المختصة التي أرسلت قوة أمنية. وحضر الى المكان مصورو محطة (ال. بي سي) وبعض مصوري الصحف بناء لطلب من مناصري المطران الذي ما إن وصل الى مدخل المبنى حتى تصدى له المدعو كارلوس عبود حائلاً دون دخوله وأخذ يساجله بما يشبه الصراخ في آرائه ويبلغه انه لا يحق له التكلم في العلمانية، فيما وقفت عناصر الشرطة تستمع الى ان طلب حداد من محدثه الذي كان رافقه حوالى 15 شخصاً يناصرونه حملوا في أعناقهم مسابح الصلاة، ان يفتح له الطريق وهمّ بالدخول الى المبنى، وفي لحظة، دوى صوت صفعتين من يد عبود على خد المطران حداد الأيسر، ورأسه، فسقط أرضاً، قبل ان يتمكن أحد رجال الأمن من إبعاد عبود، الذي قاوم رجال الأمن، وأخذ يصرخ بأن المطران دفعه، وأخذ يشتم ويتوعد. وهدد مراسلة (ال بي سي) ودفعها، فيما ساعدت احدى الزميلات المطران حداد على النهوض مع الأب سامي مهنا، أحد مسؤولي (تيلي لوميير)، ورافقاه الى المبنى...
وبعد نصف ساعة نقلت (ال بي سي) المشهد برمته فصعق من شاهده، فيما غصت استوديوهات (تيلي لوميير) بالوزراء والنواب والسياسيين، بعضهم أوفدهم رئيسا الجمهورية والحكومة، كما حضر القادة الأمنيون، وأوقفت القوى الأمنية عبود وأحد رفاقه ريمون مخلوف. وأصر المطران حداد، وسط عجقة الوزراء على مواصلة برنامجه رافضاً الادعاء على من ضربه مردداً قول السيد المسيح: (اغفر لهم يا رب لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون).
وليل أول من أمس، وأمس، ردد حداد، أثناء استقباله الزوار، استغرابه لتباطؤ القوى الأمنية في التدخل لمنع ضربه، بل قال متهكماً ان الحادث مناسبة كي ينتبه السياسيون والاعلاميون الى ما يقوم به من نشاط في (تيار المجتمع المدني) لأن هناك اهمالاً وتجاهلاً لما يقوم به.
عندما التقت (الحياة) المطران غريغوار الحداد على مدخل المستشفى مغادراً بعد خضوعه لفحوص وصور أشعة إثر الاعتداء الذي تعرض له ليل أول من أمس، أرادت ان تستمهله دقيقتين لمعرفة السبب الذي دفع بكارلوس عبود الى الاعتداء عليه. فقال وبدا عليه التعب واحمرار الصفعتين على وجهه: (الجواب يحتاج الى أكثر من دقيقتين. انطلقت سيارته في مرافقة سيارة من قوى الأمن الداخلي الى مقر بطريركية الروم الكاثوليك في الربوة، وتبعتهما (الحياة). كان في البطريركية عوّاد وكان الوقت ظهراً والغداء يحضر، والمطران في حاجة الى راحة، لكنه أعطى (الحياة) هذا الحوار:
- ما هي الأسباب التي دفعت بذاك الشاب الى الاعتداء عليكم?
- في الكنيسة خطان: خط تقدمي منفتح يريد ان يطور مفاهيم الايمان المسيحي وتعاليمه. فشبان اليوم المتعلمون الذين اطلعوا على فلاسفة الشك أمثال ماركس وهيغل وسارتر، يريدون أن يفهموا لا أن نبقى نتحدث وكأننا من العصور الوسطى. وهناك خط فيه بعض المؤمنين المسيحيين الخائفين على ايمانهم يعتقدون انه اذا تغيرت نقطة أو حرف تغير الدين كله. وهم حين يسمعونني أتحدث، يعتقدون أنني أغير الدين كله، ويشعرون بأن من واجبهم الدفاع عن الدين. نريدهم ان يدافعوا بطريقة الحوار، لكنهم يدافعون بالعنف. وصلوا الى العنف لأنهم لم يستيطعوا بالحوار، اذ جربوا منع البرنامج (كان يشارك فيه المطران حداد في تلفزيون (تيلي لوميير)) من خلال رسالة، فلم تلب ادارة التلفزيون رغبتهم بل استمر البرنامج فقاموا بهذه العملية (الاعتداء).
- أليست للاعتداء خلفية سياسية?
- لا لا، بل له خلفية دينية. وكما قلنا هناك خط منفتح وخط منغلق. هناك أناس يريدون المحافظة على الموجود ويعتقدون ان حصول تحول بسيط يخرب الدين. على العكس، فالماء الآسنة اذا لم تتحرك تخرب والماء الجارية هي الصحيحة.
- ما هي الأفكار التي تنادون بها، والتي أثارت أولئك الناس?
- لا يمكن تلخيصها وهي كثيرة، لكنها تتركز على ان الايمان واحد والأديان مختلفة. وفي القرآن ما معناه: (إلهنا وإلهكم واحد). هذا من جهة، ومن جهة ثانية (لكم دينكم ولي دين)، وهذا يعني ان هناك فارقاً بين الايمان بالإله الذي هو واحد وبين الدين المسيحي والدين الاسلامي اللذين يختلفان بعضهما عن بعض. فهناك أشياء كثيرة مختلفة. لكن اذا ميزنا بين الإله والدين يمكننا ان نعرف الحقيقة في شكل صحيح، ونقبل بالآخر وبتعاليم دينه فيقبل بنا الآخر. وهذا ما قلته لهم (لانصار الخط المنغلق) نحن نقبلكم بالطريقة التي تفكرون بها، لكن أقبلونا بطريقتنا).
- هل لهؤلاء الناس الذين قلتم انهم يخافون على الدين مرجعيات دينية?
- ليس معروفاً، لكن الآن قيل ان لهم مرجعيات. أنا لا استطيع أن أحكم لأن هذا الأمر يتطلب تحرياً وهذا ليس عملي. لكنني أبلغت ان هناك مرجعيات دينية، مطراناً أو مطرانين وراء هذه الحركة. لا أصدق ان مطرانين يقدران أن يقوما بشيء من هذا النوع. هؤلاء الشباب بدأوا منذ نحو 15 سنة او عشرين، بإثارة مشكلات، بدءاً من دير الأحمر (في البقاع) حيث طردهم المطران هناك. ثم وصلوا الى مطرانية جبيل واتخذوا مكاناً ولا يزالون متزمتين ولا يقبلون بشخص يريد ان يغيّر نقطة صغيرة. ويريدون ان يخلّص المسيحيون الكاثوليك من جهنم وحدهم. وكل الناس الآخرين ذاهبون الى النار. هناك أمور لا طعم لها. الدين المسيحي لا يقول هذا الشيء.
- هل يقال في هؤلاء انهم أصوليون?
- لا. أنا أرفض كلمة أصولي لأنها تعني الأصول، أي العودة الى الانجيل، والعودة الى الانجيل أمر عظيم جداً. هؤلاء أسميهم متزمتين أو عنصريين أو متطرفين.
- ذكرتم ان هذه الظاهرة بدأت منذ 15 سنة?
- هؤلاء الأشخاص عددهم نحو 40 شخصاً. وهو عدد الذين وقعوا العريضة التي بعثوا بها الى (تيلي لوميير) (لوقف البرنامج) وأرسلوا نسخة الى البطاركة والسفير البابوي (في لبنان) والى روما. وبما ان الأخ نور (أحد مسؤولي التلفزيون) والمدير العام قررا ألا يوقفا البرنامج أحبطوا.
- منذ متى يبث هذا البرنامج وعلامَ يتركز?
يبث من شهرين ويتركز على أمور لاهوتية دينية.
- هل تلقيتم تهديداً خلال تلك الفترة?
- لم أتلقَ تهديداً مباشراً بل تلك الرسالة لوقف البرنامج. حصل تجمع أمام مبنى المحطة لكن لم يحصل تهديد.
- قيل انكم تعرضتم لاعتداء سابق?
- نعم في المرة الأولى الاسبوع الماضي حاولوا خطفي من أمام مبنى التلفزيون لدى خروجي منه ليلاً. وما كدت أهم بركوب السيارة حتى انقض عليّ شابان. لكن شبان التلفزيون أوقفوهما واتصلوا بالدرك (الشرطة) التي حضر عناصر منها وأوقفوهما. سكت على هذه القضية ولم أرد ان اتحدث بها، لكن الخبر سرب.
- هل عرفتهما?
- أنا لا، لكن رجال الدرك عرفوا وأعدوا تقريراً وبعثوا به الى النيابة العامة التي اتصلت بي فأبلغتها انني لا أريد الادعاء. لم أرد ان اتحدث بالموضوع لكن بعض المقربين مني علم به واتصل بمحطة تلفزيونية فأذاعته، وانتشر الخبر.
- وماذا حصل أول من أمس?
- كانوا منظمين أنفسهم. علماً ان ادارة التلفزيون بعثت برسالة الى الدرك تطلب حماية لأن هناك تهديداً من أشخاص يريدون منع المطران من الدخول.
- أكنت تعلم بذلك?
- نعم، لكنني كنت مطمئناً. وذهبت مثلما كنت أذهب عادة، وحين وصلت الى هناك حصل ما حصل.
- هل قال لك الشاب انك محروم (كنسياً)، وما صحة هذه القضية?
- هذه المسألة تعود الى السبعينات. حصلت مشكلة بيني وبين الكنيسة الكاثوليكية (على خلفية بعض الآراء الدينية) ووصلت الى روما التي أعطتني براءة. وهذا الأمر يعرفه كل الناس. لكن هناك أناساً يعتقدون انني لم أعد مطراناً لأنني نقلت من أبرشية بيروت. لكن هذا لا يعني أنني لم أعد مطراناً، بل أنا لم أزل مطراناً وعضواً في السينودس، ولا يوجد شيء اسمه حرمان. لا على العكس، فهم طلبوا مني ان أكون مطراناً في صور وبعلبك. لم أزل عضواً في الكنيسة.
- ماذا قال لك المعتدي?
- غدرني. قال لي: بأي حق تهتم بكل هذه الأمور وأنت محروم منذ العام 1972. فقلت له: لا لست محروماً .ارحل عني. وحين قلت له ذلك ضربني.
- هل خلفية مشكلة السبعينات هي نفسها?
- نعم، على أمور لاهوتية. وتلك المشكلة ذهبت من أجلها الى روما حيث حاورني مطرانان وتبين ان لا شيء يمس بالايمان الكاثوليكي، ووردت رسالة براءة طويلة الى البطريركية والسينودس.
- ذكرتم ان هناك 40 شخصاً متزمتون، وهم يتنامون... ألم تحاول الكنيسة التي يبدو انها تعرف بهم وضع حد لهم?
- هم ليسوا تابعين لنا (الروم الكاثوليك) بل هم من الموارنة. كانوا في أبرشية بعلبك وطردهم المطران الجديد منجد الهاشم لأنهم متزمتون، فتركوا المنطقة ووصلوا في آخر المطاف الى أبرشية جبيل حيث أعطاهم المطران بشارة الراعي مكاناً يتواجدون فيه. لكن الى أي مدى لهم علاقة به الى أي مدى يغطيهم هو، لا أعرف لأنني لست متابعاً للأمور ولا أحب أن اتابعها ولا دخل لي بها.
- ألم يحصل نقاش?
- لا لا. تكفيني أشغالي.
- ما هي أشغالك?
- نعمل على إيجاد تيار مجتمع مدني، اذ نؤسس في كل قضاء مجلساً صحياً وآخر تربوياً وثالثاً بيئياً ورابعاً للرعاية الاجتماعية. وفي كل مكان هناك يتحركون على الأرض ويريدون البقاء وحدهم، نقوم بجمعهم. وهذا التجميع يوفر طاقة مهمة جداً. وهذا المجتمع مدني يضم مسيحيين ومسلمين وغيرهم
- والمتزمتون?
- ليتهم ينضمون الينا.
- وهل تتابعون نشاطكم?
- نعم وكأن شيئاً لم يحصل.
اجرى الحوار مالك القعقور (عن "الحياة" اللندنية)
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف