ثقافات

قاموس المصطلحات الصناعية والتكنولوجيةآخر إنجازات المعجمي العراقي الراحل هادي العلوي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
جنيف - علاء اللامي: بصدور القاموس الثالث من سلسلة المعجم العربي المعاصر يكون المعجمي والمؤرخ العراقي الراحل هادي العلوي قد حقق جزءا مهما من حلمه اللغوي الكبير ولكن تشاء الأقدار أن يتم ذلك بعد وفاته. فالقاموس الجديد والخاص بالمصطلحات الصناعية والتكنولوجية هو واحد من عشرة قواميس كان الراحل ينوي تأليفها ضمن سلسلة المعجم العربي المعاصر وقد صدرت الطبعة الأولى من القاموس الأول من هذه السلسلة وعنوانه "قاموس الإنسان والمجتمع" سنة 1997 وصدر القاموس الثاني منها وعنوانه "قاموس الدولة والاقتصاد" في السنة نفسها.
يقع القاموس الثالث في 654 صفحة ويحتوي بالإضافة الى المقدمة والرموز والمختصرات وفواتح الاصطلاح قسمين. القسم الأول هو قاموس عربي عربي ويتوزع على ستة كتب ينقسم كل واحد منها على أبواب داخلية والقسم الثاني هو قاموس إنجليزي عربي يعالج موضوعي الميكانيا والنقل ويختتم بباب دعاه "فوات القاموس" يضم المواد التي لم تدرج في سياقها فمسرد القاموس.
لقد نظمت هذه السلسلة المعجمية على اعتبار الموضوعات وليس على اعتبار الجذر الثلاثي للمفردات. إن هذه الطريقة ليست سابقة تاريخية لا أُمَّ لها بل إنها كما كتب المؤلف في المقدمة "انتساخ معاصر لطريقة ابن سيدة في المخصص الجليل ص96".
ومن الجدير بالذكر أن المؤلف كان قد شرع بالتخطيط لهذا المشروع الكبير والواعد منذ سنين عديدة وأصدر في عام 1983 كتاباً تحت عنوان - المعجم العربي الجديد: المقدمة - ضمنه الخطوط العريضة والتأصيل الفكري والفني للمشروع. وقد صدر الكتاب عن دار "الحوار للنشر" في اللاذقية (سورية) ورغم ظروف عدم الاستقرار التي عاشها الأستاذ العلوي وتنقله بين المنافي المتباعدة من أوربا إلى أطراف الصين إلى الشام.. الخ رغم ذلك حافظ المؤلف على رصانة وثبات الإيقاع في تنفيذ المخطط المعجمي الذي لا مبالغة في القول أنه يحتاج إلى جهود مؤسسة كاملة ومتخصصة.
في مقدمته لهذه السلسلة المعجمية وفي صدر القاموس الأول لخص الأستاذ عبد المعين الملوحي، عضو مجمع دمشق للغة العربية، ببساطة إنما بعمق ونفاذ بصيرة راهن اللغة العربية وحالة المعجمية والمعجميين العرب فقال: "ظهرت ثلاث فئات تبحث في اللغة العربية:
1 - فئة المستغربين - المتغربنين؟ - والإقليميين القطريين الذين أرادوا وأد اللغة العربية واكتست دعوتهم أثواباً كثيرة منها: الدعوة إلى اللغة العامية. وترافقت هذه الدعوة مع الدعوة الى بعث القوميات والشعوب البائدة أو التي في طريقها الى الإنقراض أو الإندماج من فينيقيين وفراعنة.
2 - فئة المتعصبين للغة، الذين لا يريدون أن يدخلوا عليها أي تعديل لتقريبها من الناس وتسهيل تعلمها. وهم ينادون بإبقائها على حالها دون إعادة النظر فيها ومحاولة لرفع ما تراكم عليها خلال الأجيال من تشويه وتزيّد وإسراف.
3 - برزت خلال ذلك الفئة الثالثة من الباحثين المستنيرين، ثم إن هذه الفئة الثالثة من المصلحين تجمع بين أمرين: أولهما انتماؤها العربي وثانيهما حرصها على اللغة العربية في آن واحد.. ص6 وما بعدها"
إن هذه الفكرة التي عبر عنها الأستاذ الملوحي أدركها صاحب المشروع مبكراً بل ومنذ بدايات عمله. أكثر من ذلك، فقد أعطاها أبعادها الحقيقية حين نظر إلى قضية الإصلاح اللغوي ضمن إطارها التاريخي معتبراً أن ذلك (لا يندرج في باب نفي النفي لأن اللغة ليست نتاجاً اجتماعياً صرفاً لمرحلة أو طبقة بعينها. ولقد جاء مشروع العلوي - المعجم العربي المعاصر- ليحققَّ، ضمن سياق منافحة دعاة العامية وأيضا خصومهم من دعاة المحافظة والثبات، مجموعة من الأهداف، أو في القليل المتواضع يسهل تحقيق تلك الأهداف التي يأتي في طليعتها:
سحب البساط من تحت أقدام دعاة العامية الذين يحتجون ويحاججون بفصاحة عدد كبير من الكلمات والصيغ العامية التي لا يعترف بها المعجم الاكليروسي من خلال إعادة الاعتبار لهذه الكلمات والصيغ وتأثيلها بشكل دقيق ومنهجي بغض النظر عن اللهجة التي أتت منها الكلمة أو الصيغة في هذا البلد أو الإقليم العربي أو ذاك طالما كان جذرها عربياً والحاجة المعاصرة لها ماسة والمزاج اللغوي مناسباً والدقة التعبيرية متوفرة.
- الشروع وبعد تأخير طال أمده في عملية المصالحة بين ما هو منطوق وما هو مكتوب في العربية المعاصرة عن طريق تقليص الفجوة بين هذا وذاك بتبسيط المكتوب وتفصيح المنطوق. ويقيناً سيكون الاستمرار في هذا المشروع الفعلي ومن خلال توالي صدور القواميس العشرة بمثابة تكريس حاسم ونهائي لهزيمة مشاريع دعاة العامية.
- تثوير طرق التعامل مع مشكلات اللغة واللهجات وتشجيع الإصلاحيين المترددين في هذا المجال على العطاء النقدي دونما خوف من إرهاب الاكليروس اللغوي المدعوم بالحكومات واستشراف ملامح حداثة حقيقية في هذا الميدان -الالسنيات- بعيداً عن كمائن الحداثة الليبرالية الجديدة الزائفة مضموناً والبراقة شكلاً.
كان ما تقدم بصدد العاميات ودعاتها في ضوء مشروع هادي العلوي فماذا بخصوص الاكليروس اللغوي وما المقصود تحديداً بهذا التعبير؟ نقصد ومعنا الراحل العلوي بالاكليروس اللغوي: تلك المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والأفراد المشتغلين في الشأن اللغوي وعلوم اللسانيات ومؤلفي القواميس والمعاجم ممن تصدق عليهم صفة التشدد والتحجر وإطلاق التحريمات تلو التحريمات في كل ما يخص أمور اللغة وتبسيط تعليمها للناس أو تسهيل استعمالهم لها نطقاً وكتابة وبما يتلاءم مع طبيعة العصر وحاجاته. إن هؤلاء الذين أسماهم شيخنا المتنور الجليل عبد المعين الملوحي "فئة المتعصبين للغة" شكلوا في الماضي وما زالوا يشكلون العامل الحاسم في إفقار وتشحيب اللغة العربية وفي توسيع الهوة بين العربية المنطوقة والأخرى المكتوبة.
لقد كان تأثيرهم هائلاً في جعل اللغة العربية احتكاراً كهنوتيا أو شعيرة تحوز أسرارها القلة المعصومة والنخبة "البرج عاجية" من المثقفين والكتاب فيما يرهب عامة الناس الاقتراب من القلم والورقة لتدوين ما يفكرون به أو ما يريدون قوله بلغة بسيطة وسليمة، لا بل إننا نجد تأثيرات الاكليروس الضارة واضحة حتى في الوسط المثقف والمنتج للثقافة؛ فهنا أيضاً تتكاثر النصوص المسطحة بفعل الفقر المدقع للقاموس الشخصي لكاتب النص وثانياً بفعل تكراره لما حفظه أو ورثه لبضعة آلاف من الكلمات والصيغ التي حرص الاكليروس على صفائها ونقاء "دمائها" فهذا هو كل زاده اللغوي. إضافة إلى ما يشيع في النصوص الأدبية وغير الأدبية من خراب أسلوبي وبلاغي فادح يحاولون تصفيحه بنوع من الحذلقة والتقعر الدالين على الخلو من الشعرية والنثرية. إذ تجد صاحب الروايتين والثلاث أو مؤلفاً لأربع أو خمس مما يسميه مجموعات شعرية لا يعرف فرقاً بلاغياً أو إعرابياً واحداً بين الجملة الاسمية والفعلية ومع ذلك يجعل من نفسه حارساً شرساً في حضرة الاكليروس. فتراه يطرد من قاموسه الفقير أصلاً ما هو بحاجة حقيقية إليه. والسبب عنده أن تلك الكلمات والصيغ اللغوية هي مما يتداوله العامة ولا يليق به أن "ينجس" نصوصه بالعامي المبتذل مع أنه فصيح متجذر بل ولا بديل له أحياناً حتى وإن اضطره ذاك المسعى للاستعانة بمفردات وصيغ من لغات أجنبية.
سبق الإلماع إلى أن السلسلة المعجمية موضوع البحث -المعجم العربي المعاصر- مبوبة على أساس الموضوعات ويتوزع كل قاموس من قواميسها العشرة على كتب والكتب على أبواب والأبواب على فصول والفصول على دوحات وكل دوحة تتفرع إلى عدة فروع. يحتوي القاموس الأول من السلسلة الموزع على الهيكل المذكور على مقدمة للأستاذ عبد المعين الملوح فمدخل للمعجم بقلم المؤلف الراحل هادي العلوي ناقش فيه الموضوعات التالية:
- أساسيات المشروع.
- قضية المصطلح وأدوات تكوين الاصطلاح الحديث وآليته.
- الاشتقاق وأوزانه.
- أبنية المصطلح.
- أحكام ومبادئ في تكوين المصطلح واشتقاق المفردات.
- أسماء العلوم.
- التعريب.
- من خصائص العامية المعاصرة.
- مستحدثات عامية تصلح للتعميم.
- خارطة اللهجات وإبدالات الحروف.
- أشكال الحروف والترميز والتسمية.
- لفظ المثنى ومتعلقاته.
- نظرية في المترادف.
- مصدر الثلاثي الدال على الفعل.
وأخيراً: الحركات والتشكيل.

قضية المصطلحات والتعريب:
أولى المؤلف أهمية فائقة لقضية تكوين المصطلحات وخصها بكثير من العناية مشيداً بفضل من سبقوه كالأستاذ أحمد الخطيب صاحب معجم المصطلحات العلمية والفنية والهندسية الذي اشتمل على ستين ألف مصطلح. ويلاحظ العلوي أن بعض الاصطلاحات العلمية الأجنبية ترجمت غالباً إلى عبارات طويلة وكأن (المعاجم الاختصاصية لا تؤلف لتعليم العربية بل لتعليم الأجنبية) وقد أورد بعض الأمثلة منها: "أدرينال - أكتومي" التي ترجمت إلى "استئصال إحدى الغدتين الكظرتين أو كليهما" مقترحاً - العلوي - أن يصار إلى اختزال هذه العبارة الطويلة إلى مصطلح ثنائي يفي بالغرض وهو "استئصال كظري". كما يلاحظ أن بعض المعاجم تأخذ "تعابير ومصطلحات أوروبية تشير إلى طور تأريخي متعلق بأوربا فتعرفه على أنه من التاريخ العام ومثال ذلك "عهد هلستات" وتعريفه فيها: عهد الحديد الأول. في حين أن هلستات موقع في النمسا ومعروف أن عهد الحديد الأول في أوربا يتأخر عن نظيره في آسيا بأكثر من ألف عام". ولكن العلوي يرى ضرورة الإبقاء على المصطلحات التي تخلد أسماء علماء وعباقرة لهم فضل كبير على البشرية وحياتها المعاصرة من قبيل واط وبسترة. دون أن يفوته إطلاق واحد من سهامه النافذة نحو الطغاة فيعلق بأننا "نستعمل مئات الأشياء في حياتنا الجديدة ولا نعرف صانعيها بينما تصك آذاننا أسماء أناس من أدنى المراتب البشرية لأنهم حكام". وثمة مفردات هي تعبير عن ممارسة معينة شاعت أو تشيع في البلد الناطق باللغة المأخوذ منها كلمة "غلادياتور" وهو عبد أو أسير يقاتل على المسرح حتى الموت لإمتاع المشاهدين في روما القديمة ويرى المؤلف إبقاءه كما هو عند تعريبه وقد طبق هذا المنهج في مناسبات كثيرة وفاته - للأسف - فعل ذلك في معجمته لعبارة "سانتور دو شازتيت" الفرنسية والتي ترجمها إلى "حزام العفة: حزام من الجلد أو المعدن له قفل كان بعض الأوربيين في العصور الوسطى يشدونه حول عضو المرأة لمنعها من الزنا ص429" وبالمناسبة فالعلوي يقتصر تعبير العصور الوسطى على التاريخ الأوروبي فقط الذي يقابله عندنا من وجهة نظره - العصور الإسلامية - والتي تنتهي ببداية فترة الانحطاط العثماني .
لا يستثني المؤلف قاموس العامي كمصدر من مصادر تكوين المصطلح مشيراً إلى جهود محمود تيمور وبطرس البستاني وقبلهما مرتضى الزبيدي اليميني صاحب "تاج العروس" وهو من أهل القرن الثامن عشر، في هذا الميدان من ميادين صياغة واشتقاق ونحت المصطلح ويوضح العلوي بعض خصائص القاموس العامي كمجاراته لأوزان الفصيح في الجملة الغالبة إضافة إلى عدم الهمز في معظم المهموز أصلاً وتحويل الهمزة إلى جنس حركتها ويُذكِّر بهذا الصدد إنَّ قولنا: مكايد ومصايد ومعايش أفصح من نطقها مهموزة إذ أن القاعدة النحوية تقرر: أن ما كان عينه ياء لا يهمز في الجمع مثل عيش/ معيشة/ معايش.
إن العلوي يعطي الأولوية والأفضلية للمفردة الفصحى في تكوين المصطلح وإلا فللمفردة العامية معتبراً أن التعريب - الأخذ من اللغات الأجنبية كما هي- هو الملاذ الأخير فيما يخص إيجاد المصطلحات خارج النشاط اللغوي العفوي وكمثال: فإنه حين يخير بين كلمة "سبراي" الأجنبية ومقابلها العامي "بخاخ" يأخذ الأخير ويرفض الأولى أما إذا عدم المفردة الفصحى المقابلة لعبارة رز "غير مقشور" فإنه يفضل مَعْجَمَةَ كلمة "شلب" التي يقولها زارع الرز العراقي. ويلاحظ العلوي أن الاكليروس قد أسرف في الأخذ من الأجنبي ودون مبرر غالباً ومن أمثلة ذلك: الرجيا = الحساسية. متريركية = أمومية. سيمافور = اللواحة. استاتيكي = سكوني. انثربولوجي = أعراقي. انطولوجي = الكينونة والكينوني. ابستمولوجي = المعرفيات.. وغير ذلك كثير.
وقريب من هذا الشأن، يقترح المؤلف عدداً من المستحدثات العامية التي تصلح للتعميم مؤكداً أن "تعويلنا على العامية ليس مطلقاً في تطوير لغة الكتابة لأن قاموس أي لهجة لا يصل إلى خمس قاموس الفصحى". ومن تلك المستحدثات: أداة النفي - مُش - المنحوتة من ما النافية وشيء معتبراً أنها تشكل إضافة هامة لأدوات النفي القليلة في العربية وعموم الساميات. وأداة الإضافة - تَبَعْ - الشامية أو مرادفتها العراقية - مَال - أو اليمنية - حَقْ - مع أنه فضل استعمال الأولى في بعض ترجماته. وكذلك - نُصْ - مضمومة النون والمختزلة في العامية عن - نصف - لتستعمل كبادئة في بعض الاصطلاحات العلمية من قبيل: ن-ص قطري وتكتب (نُصْقُطري). واختزال حرف الجر "على" إلى "عَ" وهو اختزال قديم ذكر ابن سيدة شاهداً له في شعر من الأوان الأموي، هو:
غداةَ طفتْ عَ الماءِِ بكرُ بن وائل
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&& وعجنا صدورَ الخيلِ نحوَ تميمِ
ومن تلك المستحدثات التي وفق في اقتراحها المؤلف أداة التنكير "فَردْ" من عامية العراق والخليج وقد وردت كما يستشهد في بيت شعر بغدادي من القرن الخامس الهجري يقول:
أنا مغني وأخي &زاهد فَرِدْ مرة
وثمة مستحدثات أخرى بعضها لا يقل أهمية في ميدان الترجمة ككلمة "أهالي" التي يقترحها بديلاً للكلمة الإنجليزية "ناتفس" والتي تترجم عادة: السكان الأصليين. وقلة من تلك المستحدثات التي لا ترقي إلى أهمية وانسجام المعيار الذي يهتدي به المؤلف وهو الجذر العربي وملائمة المزاج اللغوي السائد والدقة التعبيرية. وهناك أيضاً ما أصبح في حساب البديهية والأمر الواقع مثل نقل كلمة موس لآلة الموس واعتبار "موسى" اسم علم في حين أن الاكليروس يرفض الأولى ويعتمد الثانية للمعنيَين.
إن التشكيل أي وضع الحركات على حروف، أو بعض حروف الكلمة، أمر لازم لما يخشى الخطأ في لفظه، وأحياناً يكون لازبا ولابد منه لفهم المراد، خصوصاً في النصوص عالية التعقيد وتحديداً في المبني للمجهول، وأسماء الفاعل، والمفعول، والشدَّة في مواضع كثيرة. وبهذا الصدد فإن لجوء بعض المؤسسات التعليمية في الدول العربية إلى المبالغة في تشكيل جميع حروف الكلمة يتساوى في الضرر مع إهمال التشكيل تماماً. ففي الحالة الأولى، تتلاشى تدريجياً سليقة التلميذ والدارس في التشكيل العفوي الصحيح، وتتلاشى معها اللباقة في التعبير المنطوق المرتجل، ويصبح المتكلم رهين الأسطر المُعرّشة بالحركات. وقد لاحظت من خلال تجربتي في التعليم أن الطالب في مدارس تعتمد مناهج كهذه يفتقر إلى الطلاقة في الكلام والمبادهة في التعبير كلما تقدم في السلم التعليمي أما في الحالة الثانية حيث تنعدم الحركات تماماً، فهو وإن حافظ على مستوى معين من طلاقته ولباقته لكن أخطاءه تكون أحياناً من النوع الذي لا تغتفر، وربما كان لهذه الظاهرة مسببات أخرى أكثر أهمية وليس هذا مجالها الرحب.
&في معرض كلامه عن استبدال اللفظ الأجنبي بآخر عامي أورد المؤلف كلمة "ماشي" كبديل للفظة "أوكي O.K" الانجليزية وقال إن بالإمكان استعمالها في الختم على البطاقات والتذاكر واعتقد أن كلمة "تمام" تفي بالغرض وهي تمتاز على "ماشي" بأنها مصدر يصلح كاصطلاح لا اسم فاعل قد يختلط بسواه كماشي وقد دخلت هذه الكلمة "تمام" إلى المنطوق والمكتوب بالتركي بنفس معناها العربي المقابل لأوكي.
& يصطدم كُتاب الشعر باللهجات العامية بصعوبات من نوع خاص تتعلق بطريقة كتابة العامي وأغلبهم يكتبون ما يبدعون من أزجال أو شعر شعبي كما يسمى في أماكن أخرى بالهيئة الصوتية غير المؤسسة على بنية نحوية أو صرفية بسيطة مما يجعل النص المكتوب بلهجة أهل جنوب العراق مثلاً غير مفهوم لسواهم من أهل الوسط أو الشمال. ولكن بقليل من العناية وتَذكّر هيئة الملفوظات النحوية نستطيع كتابة نص سهل القراءة لدائرة أوسع من القراء. . مع الإشارة إلى أن الموقف من إبداعات الشعوب بلهجاتها لا تترتب عليه أية استنتاجات خاصة لصالح دعاة إحلال العامية محل اللغة العربية فهذا شيء وذاك شيء آخر ومختلف تماماً. وإشارة أخيرة إلى أن العربية الفصحى ليست بمنأى عن مشكلات الكتابة حيث يساوي بعض الخطاطين بسبب الكسل أو الجهل أو كليهما بين التاء المربوطة والضمير المتصل "-ه" موقعين المشاهد أو القارئ في حيص بيص سببه نقطتان. .
وفي مقدمة دار الكنوز الأدبية للقاموس الثالث وردت عبارة يفهم منها أن الدار تعتزم الاستمرار بإصدار ما تبقى من قواميس هذه السلسلة المعجمية على أساس ما تقول إنها( مسودات البقية الباقية من القواميس التي سنعمل جاهدين مع أصدقاء الراحل على إصدارها في الفترة القادمة )& وقد فاتحت الدار بالفعل عددا من تلامذة وأصدقاء وزملاء المؤلف الراحل من بينهم كاتب هذه السطور الذي أبدى موافقته واستعداده للمشاركة بكل جهد ممكن في هذا المشروع المعجمي التجديدي ، وهو يسمح لنفسه بأن يقترح نيابة عن أصحاب المشروع وزملاء المؤلف الراحل على جمهور القراء العرب، الذين يحبون لغتهم العربية: فتية، قوية، حية، معاصرة، بعيدة عن دهاليز وعتمة الاكليروس، وعصية على ذوي المشاريع العامية المدمرة، أن يبادروا إلى مد يد العون والمساعدة بالكتابة إليهم تساؤلاً واقتراحاً وتعديلاً لما ورد في القواميس التي صدرت من مفردات وكل حسب لهجته وما ورد منها لإغناء هذا المشروع والسير به إلى آفاقه الرائعة. ويمكنهم مكاتبة دار النشر التي أصدرت القاموس الأول من هذه السلسلة المعجمية وهي دار الكنوز الأدبية على "ص.ب 7226 -11 بيروت ، لبنان " وهم بهذا لا يأتون بدعة جديدة بل يعيدون لأيام حضارتنا الزاهرة الغابرة شيئاً من عبقها، أيام كان القارئ العربي شريكاً فاعلاً للمؤلف والعالِم من خلال رسائله وحواراته الدافقة بالحيوية والذكاء وكما تروى وتحكي لنا كتب التراث عن كتب ومؤلفات كان السبب في ولادتها رسالة أو سؤال من قارئ أو قارئة.
أما صاحب المشروع - تخلدت ذكراه - فقد كان له أن يفاخر بما أنجز من مشروعه الكبير على هيئة قواميس منجزة أو مسودات وخطوط عريضة لم يسعفه الأجل لإتمامها لكنه& أكد بصبره وجهده أن الدنيا بخير وأن الإنسان العراقي المبدع أقوى من ظروف القمع الدموي في الوطن والغربة القاسية في المنفى.
علاء اللامي
&
&ثقافة ايلاف culture@elaph.com
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف