مدرسة حارتنا تعتبر أمم متحدة مصغرة لكن متطورة
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
&
في منطقتنا التي أحب و أعيش فيها مع عائلتي يوجد بشر من أكثر من 150 جنسية مختلفة, والنرويج هذا البلد البعيد والنائي, القليل السكان والكبير والشاسع المساحة, كان ولازال يتمتع بشرف تجميع هؤلاء الناس من كافة الأجناس. ففي هذه المنطقة كما في العاصمة أوسلو تتواجد تلك الأمم بشكل ملحوظ وملموس, وتتجمع تلك الحضارات والعادات والثقافات واللغات في بعض الأحياء المقفلة بالمهاجرين وفي البعض الآخر المختلط من المهاجرين واللاجئين وذوو الأصول الأجنبية المتجنسين نرويجيا مع النروجيين الأقحاح, الذي يعلكون الكلمات ويمضغونها ويلوكونها جيدا قبل نطقها, فتخرج مستوية ومطهية تماما كما قطع اللحم في أكلة المقلوبة الفلسطينية الشعبية, أو أكلة المنسف البدوية. وقد تكون العلاقة بين أكلاتنا ولغتهم عاملا يساعدنا على فهم لغتهم وتفهم عاداتهم والعيش بسلام معهم وفي كنف ضيافتهم التي ساوتنا فيما بعد معهم.&
إن هذا الكم الهائل من التعددية الحضارية والتنويعات الثقافية واللغات الحية لم أشهد له مثيلا حتى أيام كانت منظمة التحرير الفلسطينية ميناء لتجميع كل المدن, وحاضنة تضم كافة ثوار العالم الأحرار من نيكاراغوا حتى جنوب أفريقيا. كما أنني لم أعرفه بهذه الكثافة حتى إثناء بدء دراستي الجامعية في جمهورية بولندا, حيث كنا نتعلم اللغة البولندية في معهد اللغة التابع لمدينة لودز. وكان المعهد المذكور عصبة أمم طلابية ضمت عشرات اللغات والجنسيات, لكن اللغة الوحيدة التي كانت تعتبر لغتنا المشتركة هي لغة المكان والسكان الأصليين, هناك حيث جمعتنا في المعهد من أجل تعلمها ومن ثم التوجه لمقاعد الدراسات الجامعية أو العليا.
أما هنا في مدرسة ابنتي وردة فالأمر مختلف تماما, لأن المدرسة المتواضعة والصغيرة, توجد في منطقة مملوءة بالسكان من أصول أجنبية, وهذه المدرسة الابتدائية " روسينهولم سكولي" البالغ عدد تلاميذها حوالي أل 300 تجمع على مقاعدها وفي صفوفها تلاميذ من 45 جنسية مختلفة. منهم عشرة دول عربية مشرقية ومغربية, بالإضافة لبعض الدول الإسلامية والأوروبية والأسيوية والأفريقية والأمريكيتين. في تلك المدرسة تقام الحفلات واللقاءات التعارفية والترفيهية بين التلاميذ وذويهم و إدارة المدرسة والمعلمين. وتعتبر تلك اللقاءات من أهم عوامل استمرار العلاقة بين الإدارة والأهالي من جهة وبينهم وبين الهيئة التدريسية من جهة أخرى. والجميع يشعر إثناء اللقاء أو الاحتفال أنه مشارك ومعني بالمشاركة في تحمل المسؤولية. ومن المتعارف عليه في تلك اللقاءات أن أهالي الطلبة يأتون بطعام أو أكلات أو حلويات من بلادهم الأصلية للتعبير عن أصولهم التي يعتزون بها ولتعريف المجتمع النرويجي والتلاميذ النرويجيين وعائلاتهم بنوعية طعام وحلويات الآخرين. كما أن العادة المتعبة تجعل قاعة الاجتماعات مزينة بأعلام وأسماء كافة الدول التي ينتمي التلاميذ إليها أو تعود جذورهم لتلك البلاد. ولهذه المدرسة التي تشبه الأمم المتحدة المصغرة علاقات عمل ومحبة متبادلة مع مدارس أخرى في أوروبا, منها مدرسة موروفيس سكول في فنلندا ومدرسة دي بوسميير سكول في بلجيكا ومدرسة فيستا اليغري سكول في إسبانيا وانشالله قريبا سوف يكون لها علاقات صداقة وتعاون ومحبة مع مدارس عربية, لكي تكون علاقة التلاميذ من أصول عربية أقوى مع بلادهم ولغتهم وتراثهم وأصولهم وجذورهم وقضاياهم المصيرية. ولكي يتعرفوا عن قرب على أوضاع أقرانهم من التلاميذ العرب في مدارسهم العربية. ولكم بقيت ولازلت انتظر اليوم الذي نستطيع فيه تدريس أبناءنا التاريخ العربي وجغرافيا العرب وطبعا اللغة العربية أولا. فيحز في نفسي كفلسطيني كثيرا عندما يأتيني أبني أو ابنتي يحملون الأطلس بأيديهم ويستفسرون مني عن موقع فلسطين على الخريطة لأنهم لم يجدوه بل وجدوا إسرائيل. هنا يقف المرء عاجزا عن تغيير الأطلس أو تمزيقه ولعنة النظام العالمي الهزيل والذليل الذي حول بلادنا من فلسطين إلى إسرائيل بقوة الإرهاب والاحتلال والاستيطان والاستعمار والتزوير والدجل والنفاق المحلي والإقليمي والدولي. أقول لأولادي أن قصة فلسطين كبيرة وأكبر منهم و مني فيها تعقديات كبيرة وتداخلات حقيرة, لذا عليهم معرفة الحقيقة, بأن بلدهم فلسطين استولت عليه العصابات الصهيونية بدعم من الاستعمار البريطاني والإمبريالية العالمية وأعداء العرب والشرق. وهؤلاء الأعداء هجروا الفلسطينيين من أراضيهم وبيوتهم حتى اصبحوا لاجئين في كل بقاع الدنيا, والفلسطينيين حاولوا ولازالوا يقاومون طمس هويتهم الوطنية ومحاولات تصفيتهم كشعب وكقضية والانتفاضة الحالية خير دليل على أصالة وديمومة شعب فلسطين. كل فلسطيني مخلص وحر وشريف عليه العمل من أجل تغيير الخريطة و إعادتها كما كانت قبل اغتصاب فلسطين وولادة إسرائيل على دمار بلادنا. هنا يا أحبائي في مكان إسرائيل توجد فلسطين, وهنا عندالجبال في الجليل على سفح جبل الجرمق توجد قرية أجدادكم الصفصاف القريبة من مدينة صفد. عليكم تذكر تلك الأسماء والأمكنة والعمل من أجل العودة إليها طالما عشتم, فهناك قرارات دولية وأممية صادرة عن مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة تنص على حق عودة اللاجئين و أبنائهم وذرياتهم إلى فلسطين شاءت إسرائيل أم أبت, لأن وجود إسرائيل نفسها على أرض فلسطين مرتبط باعترافها بحدود التقسيم وبعودة اللاجئين وقيام دولة فلسطين. عليكم تذكر بلادكم والعمل من أجلها ومن أجل حريتها وقيامها وتأكيد شرعية وجودها في كتب الجغرافيا والتاريخ.
أن وجود أطفالي في مدرسة فيها كل تلك الجنسيات والثقافات واللغات يجعلني أطمئن لسلامة عقولهم وتطورهم الحضاري والفكري والتعليمي, فهم سوف ينشئون نشأة عصرية تجمع ما بين العروبة والانتماء لفلسطين والاحترام والاتزان والالتزام بمواطنية النرويج بلدهم الثاني أو الأول أو الثالث أو الرابع...لكن فلسطين يجب أن تكون شغلهم الشاغل وهمهم الأول والأخير حتى يستطيعوا مع أقرانهم استعادتها وبناءها من جديد بناء حضاريا وعصريا يليق بها وبشهدائها وأحياءها, هذا في حال لم يستطع الجيل الحالي تحقيق تلك الأمنية وذاك الهدف السامي. وعليهم العمل المخلص والجاد والدؤوب كي تصبح فلسطين و تكون وطنا جميلا لكل الذين قاتلوا وضحوا من أجلها من الفلسطينيين والعرب والأجانب, لهم ولذرياتهم.
أن في التعددية المثالية المميزة تكمن حلاوة التجمع الكبير الذي تتميز به روسينهولم سكولي وتلك الحالة تشبه حالتنا نحن الفلسطينيين. لذا علينا تجهيز دولتنا القادمة لا محالة لكي تكون مميزة بانفتاحها على العالم وبمنحها الجنسية الفلسطينية لكل مناضل عربي أو أممي ساهم في حرب تحريرها. يجب أن تكون فلسطين الحرة والمستقلة والعصرية المميزة عن باقي بلدان الكرة الأرضية.
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف