ثقافات

المستحيل الأزرق .. لا يتلون!!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ماضي الخميس
&
بهدوء الأتقياء .. ودعة الأنقياء .. رحل عن دنيانا الفانية الصديق صالح العزاز, وهو إعلامي سعودي مميز لم تمهله الأقدار وقتا كافيا كي يحقق ما يتمناه, حيث توفي عن عمر يناهز الثانية والأربعين بعد صراع مرير مع المرض دام قرابة ثمانية عشر شهرا. والعزاز رجل ممتلئ بالتمرد والشغب حتى النخاع, ويسرى الحق في شرايينه, ويسكن جسده مارد أثقل عليه حياته .. إسمه الحرية!
فقد يقود نفسه دائما إلى بواطن القلق ومسالك العصيان, وظل واضحا شفافا ولم يتلون أبدا .. وكأنه قضى حياته بحثا عن مستحيله الأزرق الذي لا يقبل الامتزاج بأية لون آخر!
وكنت أتساءل حتى جاءني خبر وفاته .. ماذا يقصد العزاز "بالمستحيل الأزرق" .. لكنني وجدت في موته فقط تفسيرا لتساؤلاتي!
&والعزاز رجل لا تملك إلا أن تحبه, وتنبهر بابداعاته المتميزة التي لا يقوى عليها غيره, وقد لفت الانظار كثيرا عندما أطلق قبل سنوات أول ابدعاته في عالم التصوير الضوئي "الجنادرية .. الحدث" وسجل خلاله بعدسته التي عشقته وعشقها صورا ولقطات نادرة, ألهبت المشاعر وكانت حديث الناس.
ولي مع الراحل العزاز ذكريات وأيام كثيرة, فقد كنت أتردد عليه في صومعته الشهيرة في الرياض, المدينة التي أحبها وعشق تراثها, وغاص حتى أخمص قدميه في ترابها, وكنا نتبادل الاحاديث ونقتسم الهموم, ونرسم لحياتنا خطوطا نأمل أن نحققها. وكانت كل دقائق حياته مملوءة بالفن والابداع والتميز, وقد خلد الكثير من النتاج الفني والابداعي التي ستبقى ذكراه محفورة عبر السنين.
وفي لندن يتجلى العزاز وينطلق كمشاغب يكره الرتابة والروتين, وكطفل يبحث عن متعة الحياة بانطلاقة لا آخر لها.. ويفاجئك وأنت تتسكع معه في طرقاتها وحاراتها وقد شدك لتغيير خط سيرك, أو قادك إلا مقهى قديم ليحدثك عن أهمية الالتحام بالماضي ويسرد لك قيمة المكان الذي تجلس فيه ومن جلس على هذا الكرسي قبلك من الزعماء والعظماء.
&وقد قادني في أيام قضيتها معه هناك الى دروب وأماكن لن يستطيع أن يكتشفها رجل آخر غير صالح العزاز, وكنت كل يوم أقضيه مع الرجل اكتشف فيه خصالا وصفات تشدني اليه أكثر.
&إن الشغب الذي عشقه العزاز في حياته لن يتوقف بعد مماته, فسيظل ينطلق عبر صوره التي تجد في كل واحدة منها حالة خاصة وقضية إنسانية معينة, وكأنها تنطق بما تعجز عنه آلاف الكلمات.
&رحل صالح العزاز عن دنيانا التي ملأها ضجيجا وابداعا .. رحل بهدوء المبدعين .. وطيبة الصالحين .. وأبقى لنا كنزا من ابداعاته التي يستحق أن يقام لها متحفا دائما حتى تتعرف الاجيال المقبلة على مسيرة الرجل الفنان .. صالح العزاز.
رحل الرجل الصديق المحب للناس, الساعي الى الخير والحق, اللاهث وراء الحقيقة, الممتلئ حيوية وأمل حتى وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة.
رحل وترك لنا دروبا كنا نسير معه بها, وهما مشتركا كنا نتقاسمه معه, وطعما للحياة كنا نستسيغه بصحبته, وابداعا لا ينتهي كنا نحث بعض للغرف منه. وستظل يا أبا الشيهانه في قلوبنا خالد الذكرى, نتذكرك كلما على صوت الحق, وكلما استطاعت دائرة الحقيقة أن تتسع. سائلين الله العلي القدير أن يغفر لك ذنبك, وأن يتغمد روحك بخالص رحمته, وأن يسكنك فسيح جناته .. وأن يلهم أهلك ومحبيك الصبر والسلوان .. انه ولي ذلك والقادر عليه.
&
رئيس تحرير جريدة الحدث الكويتية
madi@alhdth.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف