انطولوجيا إيلاف الشعرية: أحمد عبد الحسين
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الى أي حدّ يمكن لنا أن نسمي ما نكتب شعراً هكذا بإطلاق دون أن نتلعثم؟
في ما يخصني لم يعد أمر التسمية ذا بال، ولا البحث عن نص ـ أب للإطمئنان الى شرعية ما أكتب.
يدفعني الى الكتابة توق ربما كان أزلياً، لأني أجده لدى أسلاف مغرقين في القدم.
أكتب لأن لي عقائد تؤلمني ولا أستطيع صرفها أو استثمارها في الحياة، لا أستطيع أن أقولها في مداولات المعاش واليوميّ.
أكتب لأني على الدوام مأخوذ بفعل العارف الذي يترجم عن الغيب ما يعجز هو ذاته عن تصديقه.
أكتب لأني في الكتابة وحدها أقدر أن أتناقض ولا يشار الى تناقضي بوصفه خللاً يطعن بي ولا بقولي.
في الشعر وحده نكون مقنعين دون حاجة الى برهان. أليس هذا لوحده جديراً بأن نستمر ؟ أرباب جمشيد
من "عقائد موجعة" 1
الحقيقة أنهم أنزلوه إلى حفرته وهو يتمتم: ما طبكم .. ما دواؤكم؟
الحقيقة أن أخته تركت ربيعها وراء ماكنة الخياطة
وتبعثرت أمام المرآة تشدّ حجابها
الحقيقة أن أخاه يثمر لصق الحائط ويكشف في الظلّ عن معتقداته،
الحقيقة أن أمه تتعثر دائماً بأباريقها،
غير أن الحقيقة لا يمكن سردها ولا توصيفها
الحقيقة هي الموقف الذي يخترق نظام السرد 2 ولتسرد ما شئت
فللموت أربابه
ولجمشيد أربابه أيضاً
وها آباؤك منذ الفجر يجرجرون أمعاءهم على الثلج البائد
مهتوكين بظلمة اليقين،
بالخطوات التي تؤرخ قيامة الضلع المحنيّ على جنين ممتحن بملائكة العطب،
بينما الجسد آية محرّفة،
بينما الأم ممر للطيور الكسيرة
والأب ممحو بحضوره،
محفوف بهتافات الغد الأحدب
مظلم وليس يضيئه إلا الرعد
الرعد
الهزيل
الهائم
الذي يهتز تابوته في كتابي،
فبمن أكترث بعد ذلك؟
برنين قبورك التي ترفرف يائسة وتضحك منها ملائكة الدموع؟
بجنة الرمل؟
بإسطبل الصلاة؟
أم بجمشيد،
يتلف آباءه وينشرهم قميصاً قميصاً،
وها عارياً مع كل صلاة
توجزه الريح
ويرويه الأب المائل على السياج المائل في انقضاضه الوشيك. 3 وشيكاً سيهتفون: ما طبكم .. ما دواؤكم؟
وشيكاً سينقضّون كلاً بحكمته المرمرية آخذين الفجرَ
أخذَ آباء يمتحنون أبدية الثلج البائد بجنين مدمّى
وضلع مكسور وسينزلون الحلبة مع هتاف وحيد
لشمس وحيدة تعيد عليهم الغد ذاته
حيواناته وتماثيله،
وسيرتجفون لديمومة الريح
سينحنون لأبوّات سوداء تتراشق نوافذها بأبناء طالعين توّاً من الكتف العاري
وسينهزمون
الهواء سيهزمهم
الرايات المنكّسة بحنوّ في المنعطف الحاني ستهزمهم
جمشيد، يثمر لصق الحائط ويكشف في الظل عن معتقداته، عن أوبئته
سيهزمهم
يتلفهم ثم يعيدهم 4 أتلفهم ثم أعادهم رسلاً عاطلين، غرقى منتفخين تشمّسهم العيون الحزينة
لكنهم مع ذلك سيأتون كلاً بخفقانه وأسلحته
سائق الرعد إلى الشرفات الواطئة فلا تتفقس الأجساد إلا بأذنه سيأتي
رومان فتّان القبور سيأتي
وسيأتي الغرقى الهاطلون مع المطر
والحدادون الذين يزنون الظل بميزان اليقظة
والهائمون في الحدائق الضائعة مع أطفال ضائعين
وسيأتي أيضاً ملائكة مرضى
يقرعون أجراس رائحة الشفاء في رأس جمشيد 5 رأسه الذي شمّسته العيون الحزينة . من أين
يداه اللتان تقرآن الينابيع إلى أين؟
قلبــه ..متى؟ 6 متى تتقدم هذه الصحراء لتنكشف لي إشارة حيوانها انكشافاً تسقط به قواها
حتى لا يبقى ذو روح إلا ونار غيابي قد أحرقت ظهوره
متى شيخ القراءة ينجزني معافى من الأمل
بريئاً كفم يريد أن يقول: ماذا ستعطيني؟ 7 -مئذنة أم فراشة محترقة؟
هكذا أبدد بنات الفجر الطالعات من شفق الرغبة مقروءات بألسنةٍ سامة
كأنهن مصائد يخبئها الزائل للزائل
- ماذا ستعطيني؟
إن لم يكن إلا مساؤك يغلي ومآذنك تستنطق النائمين
فلتكن ردماً في سياج سينقض أو جرساً في عنق ثور مذبوح
- ماذا ستعطيني ؟
مئذنة تجرجرها فراشة محترقة. 8 أحرقت مآذنك وحطبت قبابك
وتدليت إليك مجلوّاً بالكلام
مهتوفاً بي من مكان بعيد
كأنني قبر يرفرف يائساً وتضحك منه ملائكة الدموع أنت مكتوب بسطوات المعدن ويقرؤك من يشاء
وأنا الحارس على شعب سكران
هتكتني إليك ثيابي
هتكني إليك المغيب
هتكتني يمامة الخجل الأحدب فتكوّمت أمامك
أسـيـرُ بك منقطعاً إليّ
أقول: متى تتهدم وتتكوّم على ركبتيك أجراس النهار؟
تقول: متى أشبع من تلاشيك لأقرأك؟ مكتوب بسطوات المعدن
ويقرأ من يشاء 9 وهذه مشيئتي:
أحييك بما لا أطيقه
بالأقاصي التي ينسجها الكلام
أؤمن بك وأنتظر قيامتك أيها الجسد
يـا آيـة محرّفة 10 - أتؤمن به؟
-الشياطين تؤمن به
وتقشعّر له 11 لذلك أؤمن وأقشعرّ
لذلك أبكي الواقف في فراغ النافذة
تومئ له النهارات بمناديلها الألف،
العابر تحنو عليه الغيوم
ويشتمل عليه شمعدان الدموع،
للرعد الهزيل الهائم الذي يضيء حاجبيه
لملائكة اليأس المرفرفة على أكتافه، أبكي
لأجله أبكي. زهرة سوداء
الى خالد الناصري وبعد..
ماذا سيقال في الروح أبلغ مما قاله سكران: (الروح خنثى)، لكني تهيأ لي، في جلسة خمر، أن الخطأ الحيّ الذي يخالط وجودي له نحو ارتباط بالنسيان، نسيان ذلك المغزى الشاق، المعنى المبدد في دعابة فيثاغورس: (العـالم عـدد ونـغم). وتذكرت أن في قوّة المصطلح تأجيلاً أبدياً للمعنى، بمقدار ما في كلمة الفجر من ليل ونهار، فصرت أطلب الروح بنقيضها، والجسد بلطائفه المخبوءة فيه، وقلت: فلينم من لم يرَ زجاج الزجـاجة، أما أنا فقد رأيت الروح ـ القنديل الذي من رآه لم ينم. وقلت: يا رب فليكن لي أرباب على قدر خطاياي، وأصدقاء يترامزون بالكناية، بالاستعارات الشاقة التي كنا نتلاسن بها في جلسة خمر، نحن الأنبياء الكذبة الذين تكلمنا عن الروح فأفسدنا قدّاس الأرض، سحقنا الكرمة الوحيدة التي تعبتْ قلوب الماء في ريّها.
لكنْ الروح روح مَنْ؟
الشاب الهزيل الذي لطم وجه حبيبته بزهرة سوداء، وحده يدرك أن مأتمه لن ينقضي ما داما ـ هو وإياها ـ اثنين، روحين، ضربتيْ مجذاف في نهرين لا يلتقيان.
وهكذا فالزهرة السوداء التي سقطت في الوحل صارت علامة على انهدام الروح.
روح من؟
أكرّر سؤالي وفي خاطري أسماء كل أولئك الذين انتهوا إلى هذا الحطام الشفيف، الذين تكسرت مراياهم وهم يتتبعون المسار اللعوب لهذه الأميبيا المقدّسة، وإلا كيف يُعقل أن شخصاً ما، في جلسة خمر، تذكّر فجأة انه هو وروحه شيئان متناقضان، وانهما معاً فائضان عن حاجة العالم؟
لعله ارتبك ليلتها، ضحك من الرعب أو أخفى قلقه بالتدخين، غير انه حين عاد إلى البيت، وقبل أن ينام، كتب في مفكرته: (الروح خنثى)،
وعندما استيقظ لم يعرف بالضبط ماذا أراد. قتيلان يتحاوران ـ هذه خرافةٌ، تنجيم أو لعب بالاوفاق
ـ لماذا؟
ـ لأن السفينة لاشيء إنْ لم تكنْ ريحها منها..
ـ كذلك أنا في بيت المعنى عقيقٌ زائف لولا أن صدّقتُ نفسي.
ـ ولكنها مع ذلك خرافة، تنجيم، محض استرسال في التيه كمن يبســط يـداً إصطناعية أمام قارئ كفّ،وإلا مَن أين لك أن ترى الكنزَ الوقور في ابتسامة الجنديّ الخائف، بل كيف لي أن أقيم الدليلَ على بلاغة حاجبيك وهما يعذّبان المكان..؟
ـ لا، .. ليس عندي هنا بين الانقاض سوى قوّتي، قوّة المنجّم يتخاطر تحت قوس زحل رادّاً التحيّة على قتلاه.
ـ الليلةَ اقتران نجوم العقيد بكوكبة ذات النطاق
ـ لمثل هذه الليلة ادّخرتُ لُباناً ذَكَراً، زهرةَ دفلى حمراء وصناديقَ أسلحة.. وأنت ، ماذا ادّخرتَ ليوم زفافك يا من تدفن وجهكَ في أطلس البروج بانتظار أن تتذكر اسمك؟
ـ .. ما اسمك؟
ـ لا شيء، أريد أن أقبّل جرحك المفتوح للصيف.. وأنت؟
ـ أريد أن أشكر الضباب الذي يرفو الثقوبَ في خوذة تتقلّب على السفح ..
ـ لعلّها خوذتك
ـ انها حقّاً خرافة
( يقف الانسان مقطّع الاوصال في شـفير الفجر، على حافّة خندق، يقف ليملأ منخريه برائحة الدم، ثم وقبل أن يتهالك، تؤاتيه شفـقةٌ مؤلمة، شفقة تتلخص بإنقاذ الانسان من شفقته )
ـ ما هذه الخرافة؟
ـ انه الاسم الريفيّ الذي أعطوه للموت
ـ بل هو الثلج المتقلّب في نعمة النار، ويحرق طالبيه. الإسم ما اسمكَ ؟
أنينُ أبٍ تتعرقُ أصنامه تحتَ ابطيه، أم تحديقةُ صقرٍ يزيحُ عن العالمِ رغوةَ الظهيرة،
أمْ الأمهاتُ في صحنِ البيتِ يضمدنَ جرحَ البيت ويسندن نخلةً تتهاوى، أم أنا ـ وأناأصعدُ السلمَ ـ أعمى تقتاده بسالته الى فخاخه الأربعة
الألف
الحاء
الميم
الدال
على السطح كان الهواءُ يلعب بحبل الغسيل ورملِ البروج، كانت القمصانُ ترفرف يائسةً،
واسمي الطفلُ خفيفاً يكاد يطير.
كان لي إسمٌ
وحدث اني نزلت السلمَ مسرعاً وكلي عيونٌ تبـكي ـ بعـد فوات الأوان ـ أباً يقاسـمني
الفجرَ وهسهسةَ النارِ، وسمعتُ من يهمس ورائي: إنا أنزلناه لنريه الألمَ وصريرَ الأسنان،
إنا أنزلناه وسقيناه بالإسفنجة خلاً ، إنا أنزلناه لنحرقَ أكليلَ الشوك على رأسه، إنا أنزلناه
وكانت الهاءُ في (إنا أنزلناه) إشارةً الى هويةِ الغيب المطلق : (هو) .
هو الموؤدةُ ملامحه فيَ ،
القارعُ طبولَه الخفيةَ في أذن طفولتي العمياء.
أينه، أين أسماؤه وصفاته تتحايل على أسمائي
وصفاتي لتستدرجني الى الصحراء،
فيا هو، أيةُ متاهةٍ استدرجتْك وكم من المرايا رددتك حتى عدتَ اليَ مثقلاً بالأنفاس، كأنما أنا ما يذكرني بكَ أيها النابض في ملابسات اليقين كالقلب، كأنما أنا ما يسترُ حنينَكَ اليَ ، أنا ما يضعُ بيني وبينكَ هذه الغلالةَ المزركشـةَ بنداءاتِ الإستغاثة:
ألف: نداءُ ملائكةٍ خرساءَ توقظُ الجهات
حاء: نداءُ وعلٍ جريحٍ على فم الينبوع
ميم: نداءُ قاربٍ يتشظى في قهقهة البحر
دال: نداءُ عقيقٍ مرفوعٍ ليُختَبرَ في عين الشمس
إسمي ندائي على نفسي كأني أنادي على بائع الصحف الأصم،
نداءٌ لا يصلُ إذ يصلُ إلا سدى
كنداء ميديا في مطار ممطر تدفع حقيبتها وتضحك،
كنداء كوثر في مقام التمكين تسـأل عن وحدة الوجود وانقطاع الكهرباء
هذه النداءات الخفيضة ذكرتني بأبي، كان يقول : الإسـم بيتٌ لا يمكن الدخول اليه لا من أعلى ولا من أسـفل، لا من الأمـس ولا من اليوم، لكننا مع ذلك نتلاطم فـيه كما لو انه وكرنا المكينُ، منبتـُنا الذي، لفرط اندكاكنا فيه، ننسـاه، أو لعله الفجاءة التي قبل أن نفهرسـها تكون قد باشرتْ حفرها في هوائنا القريـب.
وتذكرتُ أيضاً:
كلُ الأسـماء، ومثلها إسـمي، رسـائلُ أُحرقت قبل أن تُكتب.
كل الأسـماء إشاراتٌ الى هويـة الغيب المطلق: (هــــو).
هـــو: الرحم البارد الكاذب الســـام الذي بانقباضه وانبسـاطه أكـون.
هـــو: جمهرةُ فراغٍ تسـدُ عليّ الطريق.
هـــو: قنطرة مردومة بين الإنـسـان ونفسـه.
وأنا، كان لي إسـمٌ
وحدث في أخريات أيامي أني رأيتُ في المنام أني أذبح أبي، فاستفقتُ وفي يدي مقبضُ سـيفٍ ، وعلى رأسي طائرٌ بلا إسم يزعق : يا هـو، يا هـو، كم من هواء تكاثرتْ عليه الأجنحةُ ولا يطيـرُ إلا بكَ. ومن يومها لم يعدْ لي إسـم
ــ ما اسـمُكَ ؟
ــ نارٌ تريـد أن تنطفئَ ولا تسـتطيع. تيــه وحدهم التائهون يدلوننا.
أولئك الذين أضاعوا الدليل سيأخذون بأيدينا ويهدوننا الى ما لا نطيق.
وكم وددنا، نحن الذين نعرف جيداً أين نحن، أن ندرك أين هم،
..وددنا أن نكون معهم ومثلهم فلا نعود نعرف إسماً ولا رسماً لما نحن فيه.
في الليل لا يلتمع سراج ينير لهم طرق المتاهة، والنجم في سمت السماء فخهم المضيء. رغبنا دوماً أن نكون منهم فلا يطلع علينا أحد، لكن هيهات، رغبتنا ذاتها حاضرة ومقيمة وبلا أدنى غياب لأنها تعرف طريقها جيداً وتخلق، حتى في عشقنا للتيه، جمهرة مشاهدين مقيمين يطلون علينا من هناك، من الحضور الأكيد، ليرونا ونحن نتخبط تائهين في ما لا نعرف وبلا أمل. لا، ليس هذا هو التيه
نحن أسرى أنانية حمقاء حين نطلب تيهاً مليئاً بالطمأنينة كهذا.
لنعترف:
لقد كبرنا ، أدركتنا شيخوخة مبكرة فلم يعد بمقدورنا أن نتيه. في الفردوس كما في الربع الخالي، ثمة كثير من التائهين،
واحد منهم فقط حطم تيهه بيديه حين استدل على شجرة المعرفة وجاء بنا الى هنا.
آدم، أبقَ في تيهك الفردوسي الكبير وأنجُ بنا
ماذا صنعت يا أبي؟
أنظر الى فقر أبنائك، إنهم يلفقون متاهات صغيرة ليضيعوا. أتيه فلا أدري من التيه من أنا
سوى ما يقول الناس عني وعن جنسي
أتيه على جن البلاد وإنسها
فإن لم أجد شخصاً أتيه على نفسي. يا للخذلان، صرنا نعرف الطرق كلها. أمس راودني الكابوس ذاته:
رأيت أني في وسط غابة ممتدة الى ما لا يحد، حاولت أن أتيه وما استطعت.
كنت أغيب في العمق، في اللجة الكثيفة لكنهم دائماً يستدلون علي بسهولة أو أقع أنا عليهم دون تدبر مني.
أخيراً
ابتساماتهم الكابوسية الماكرة أقنعتني اني فقدت تلك القدرة المدهشة التي تجعلني أتوارى وأغيب ويسمونني تائهاً
..تلك الغريزة الربانية ودعتها الى الأبد
استيقظت مغموماً وتذكرت كيف كنت في جنة الطفولة أسرع التائهين
كم ضعت بسبب عباءتين أحداهما لأمي والأخرى لإمرأة تسحبني للفردوس في سوق مكتظ بعباءات سود.
على عتبة البيت كنت أتيه
وأنا أتطلع لشق جدار كنت أغيب وينادونني فلا أسمع
بين النخلة وسط البيت والسلم كنت لا أعرف أين.
لوحدي أو مع الآخرين لا شيء كان بمقدوره أن يهديني
أما الآن
فالعالم كله يشير لي بيديه
الا أنتم.
أين أياديكم الكريمة الغائبة لتأخذني معكم ايها التائهون؟ كربلاء الوقت
(خاص بإيلاف) كلما استجمعتُ رعبَ قلبي وقلت بالحاضرالدافق أجلوه، بالينبوع الذي وُلد اللحظةَ معي، رأيتُ اني جئت من قبلُ او من بعد وان لاوقت لي يصلح لان أسميه الان.
فالان فوات أوان.
واذ تهيأتُ وتعبأتُ وقامت قيامتي ألقي في روعي اني من الأمس، من الديمومة التي غُسلت حتى صارت مزقاً. من القديم أتيت، وفي القديم باشرت زمناً كنت أظنه الان فاذا هو منقلبُ الوقت ويأس الحاضر من نفسه، وعجزه عن أن يكون. أنا في فوات الأوان.
أو لأقل أنا في بهتان الأبد، صدقت مالم يعدني به أحد، صدقت أن سيأتي الوقت وأجيء معه، ويصحّ لي حينها أن أقول أنا دون أن يهجرني حاضر أو يمكر بي أوان.
لكني ممكور بي.
أليس ممكوراً به من يتداوله طائرا تلفٍ وكلٌّ يدعي انه الوقت وكلّ يخبط بأجنحته في ساعتي، ساعة المغيب، ساعة مللت من اللعب وأردتُ العودة الى بيت أمي، أرقق رعب قلبي بمائها المهيمن، بالينبوع الفرات الذي ولدتُ أنا واياه في رحم واحد.
لكني مكذوب علي.ّ
أليس مكذوباً عليه من يصمت بين يديْ صديق يحدثه عن القرآن، ثم يلتفت فاذا الكلام قديم والصديق انتهبته سيوف هواء بعيد، وقرآنه مفتوح من الامس على سورة محرّفة أولها الآن وآخرها فات الأوان.
مهجور الحاضر أنا
أرمل اللحظة
يتيم الأزمنة كلها.
لي كربلاء وكربلائي لا تنقضي بسهم مثلث ونار تأكل الخيام.
كربلائي ـ الوقت، ماضية في حضورها وتتشبه بالمستحيل
انها كمثل ياقوتة اليأس تجدد نفسها في كل آن.
في كلّ آنٍ فواتُ أوان.
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف