ثقافات

عودة الحديث الى الابن الشارد عبد الله القصيميالسعوديون يكرمون مفكرهم بعد ستين عاما

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
&
إيلاف: عاد عبد الله القصيمي الى بلاده، فجاءة، كما ظهر في الفكر العربي في الاربيعينيات فجأة. إذ كان القصيمي في الخطاب الثقافي المحلي، مفردة تثير الجدل والغضب والبحث والاستشكال وفي أحايين كثيرة التقزز، لذلك ظلت هذه المفردة، غائبة أو مُغيبةً طوال عقود، ولم يكن من السهل تناولها، بالدراسة والتحليل وبحث ما يلفها من الغموض، وما أحاط بها من الأسرار، فضلاً عن أن تُشرع الحلقات المطولات للقصيمي، وتتصدر صوره الصفحات، وكلُ ما حفلت به الصحف السعودية عن هذه الظاهرة طوال عقود، مجرد إشارات مبثوثات في أعماق مقالات، جاءت على استحياء، حتى أن الباحث في الصحافة السعودية، على طول تاريخها لن يجد البتة، أيَّ مقالة نقدية عن تلك الظاهرة، أو دراسة تُبين ما للقصيمي وما عليه، تلك الشخصية التي مرّت بالكثير من التبدلات والتحولات، وشكّلت نقطة انعطاف وعلامة بارزة في مسيرة الفكر العربي الحديث، منذُ أن تدثرت بالرداء السلفي النجدي، سنوات اليفاع والاندفاع، هجوماً كاسحاً على علماء الأزهر الشريف، ثم علماء النجف الأشرف، ثم التحول الكبير، عندما تحدث القصيمي عن أغلال تكبّل العالم الإسلامي، وتعيق من تقدمه، فرأى علماء السلفية في نجد أن هذه الأغلال التي عناها القصيمي، إنما هي هجوم على الإسلام وأهله، فانبروا للدفاع عن الدين، والهجوم الكاسح على القصيمي، متهمين إياه بالفسق تارة، وبالزندقة والكفر تارات! سيّما بعد أن واصل عرض فلسفته النقدية، غير عابئ بما يُقال أو يُكتب، إذ لم يُضعضع له النقدُ الشامتُ كاهلاً، ولم يتزحزج عن معتقده قيدَ أنملة، ولم يكن للثناء الذي وجده من آخرين، فعلته معه، إذ عاش شموخ المفكر وكبرياء الناقد، وكان لتلك السهام التي تكسّرت على جسده النحيل، من قِبل علماء السلفية وقعُها، إذ غُيّب القصيمي عن ساحة الحوار، وخلت الدراسات المحلية من مجرد الإشارة إليه، وكان مجرد ذكر اسمه في مطبوعة سعودية، يُثير أكثر من علامة تساؤل !! .
&هذه الشخصية، المُثيرة للجدل، تعود اليوم وبشكلٍ ملفت للأنظار، إلى الساحة الثقافية المحلية، فتُشرع الصفحات والحلقات، وتُحبّر الزوايا عن القصيمي، سلباً ونقداً لاذعاً أم إعجاباً واحتراماً لوجهة نظرته الفلسفية، وإن كانت عابثة، حتى أولئك الذين كانوا بالأمس يزورونه سراً، ويلتقونه خفيةً، ويخشون معرفة الناس، بأنهم من أصدقائه، أصبحوا اليوم يجهرون بل يفاخرون بصداقاتهم مع القصيمي، فما الذي حصل وما الذي تغيّر، وما الأسباب التي عادت بالقصيمي، وقد عشنا طويلاً رافعين شعار "لئلا يعود عبدالله القصيمي" ؟!!
&في الذكرى الخامسة على وفاة عبدالله القصيمي، وبالتحديد في التاسع من كانون الثاني، يناير 2002م أفردت صحيفة "إيلاف" الإلكترونية، ملفاً متكاملاً عن القصيمي، كأول صحيفة عربية، تقتفي آثار رحلته الطويلة، بدءً من مسقط الرأس وسقط اللوى، حيثُ "خب الحلوة" الغافي في أحضان الرمال، غربي مدينة بريدة، وسط نجد، وانتهاءً بمقابر باب الوزير، في قاهرة المعز، مروراً بمنازلاته الفكرية وتحولاته الخطيرة، وبحثاً دقيقاً عن أصول أسرته الكريمة، وعن اللقب الذي تدثر به، في معلومات دقيقة تُنشر لأول مرة عن القصيمي، وتسجيلاً لشهادات معارفه وأصدقائه وأبنائه وممرضته الخاصة، وعرضاً لجلسته الأسبوعية، وتبياناً لمآثره الفكرية، وما قيل عنه وله، في أول ملفٍ يتناول سيرة ومسيرة هذه الشخصية، التي كان ولايزال الغموضُ يكتفها .
&"إيلاف" وإن لم تكن صحيفة محلية صرفة، إلا أن ملفها الجريء عن القصيمي، هو الذي أشرع الباب على مصراعيه، ليس في الوسط الثقافي السعودي فحسب، بل وفي أوساط المثقفين العرب، في المهجر، حتى أن محطةً إخبارية عالمية مثل (bbc) أشارت إلى الملف، وتناولت الحلقة المعنونة باسم (الإرهاب باسم الدين) والتي أشارت فيها "إيلاف" إلى تنبؤ القصيمي للإرهاب الفكري، قوله أن الجماعات المنسوبة إلى الدين لو استطاعت الوثوب على الحكم، ووضعت السلاح في يدها لحكَم البشر عهدٌ من الإرهاب يتضاءل إزاءه كلُ إرهاب يستنكره العالم!! على أن الملف الإيلافي أعاد القصيمي، ليكون مفردة متناولة على نطاقٍ واسع في الخطاب الثقافي المحلي، وبدأ الحديثُ في الصحف عن القصيمي، يأخذُ منحىً مغايراً لذي قبل، فعاد القصيمي وعادت صوره الشخصية تتصدر الصفحات.
&& على هامش معرض القاهرة للكتاب 2002م وبينما كانت " إيلاف" تواصل عرض ملفها الوثائقي، عن القصيمي، اجتمعت في القاهرة لمة من مثقفي الوطن العربي، وذلك في منزل الأديب السعودي محمد القشعمي، وكانت حلقات من ملف القصيمي، المنشور في "إيلاف" حاضرةً بينهم، فكان القصيمي محور الحديث في ليلةٍ من ليالي القاهرة، المشغولة بالفيروز والجواهر، وكان من ضمن الحاضرين في تلك الأمسيّة الكاتب السعودي عبدالله القفاري، الذي ما إن عاد إلى الرياض، حتى كتب في صحيفة "الرياض" بتاريخ 11 فبراير 2002م مقالةً طويلة بعنوان " ليلة مع القصيمي ليست في جاردن ستي" طرح فيها تساؤله عن السّر في عودة القصيمي إلى الأضواء قائلاً: لماذا أصبح الحديثُ مغرٍ هذه الأيام عن عبدالله القصيمي؟ مُعللاً بأن القصيمي عاش في الظل، ومات في الظل وسط نسيان كبير، ولم يلتفت البعض لوجوده ولا يتذكر كثير من المثقفين اسمه، كما يقول القفاري، إلا إذا استدعت المناسبة الصراخ بخضم الحقيقة الغائبة وسط تهويمات شديدة، ما زالت تصرخ في وجوه أولئك المثقفين وسواهم أن العرب ظاهرة صوتية فحسب، بينما حتى الظاهرة الصوتية ربما تجاوزتهم اليوم، ثم يحاول الكاتب القفاري، البحث عن إجابات وحلول لتساؤله الكبير، عن عودة القصيمي، قائلاً : هل هي أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي رمت بثقلها على الفكر الديني السلفي نقداً وقراءةً واكتشافاً ؟ أم لأن القصيمي سبق عصره بكثيرٍ قبل تجاوزه المفصل الذي رمى به بعيداً إلى حافة الإلحاد أو مجاهله وضياعه وفتنته ؟!! أي في مرحلة "هذه هي الأغلال" عندما قدّم عام 1946م قراءة نقدية سبقت عصره، وجاءت قبل نصف قرن لتؤكد أننا بعد نصف قرن بالتمام والكمال لم نتزحزح خطوةً واحدة باتجاه تطوير مفاهيم إسلامية قادرة على صياغة مجدٍ حضاري بعيدٍ عن التقليد والتقوقع والانكفاء، ويواصل القفاري قائلاً: ربما كانت هذه أحد الأساليب المهمة اليوم التي تدعو لأن يكون الحديثُ عن الرجل مغرياً، ولكنها ليست كافية بالطبع، فهناك عوامل أخرى، ليس أقلها أن شخصية الرجل يكتنفها الكثير من الغموض، ثم طالب القفاري باكتشاف قدرة القصيمي الفذة على استشراف أفق المستقبل العربي آنذاك .
&أما الأديب السعودي عبدالله بن إدريس، فقد كتب معقباً، فيما يبدو، على مقالة القفاري، إذ نشر في صحيفة الجزيرة، مايو 2002م مقالةً قال فيها: يتردد كثيراً هذه الأيام ورود اسم عبدالله القصيمي على أقلام بعض الكتاب، بقدرٍ ملفت بين المقال الكامل، أو شبه المقال وبين مايقلُ عن سطرٍ واحد، وذكر ابن إدريس أن هؤلاء الكتبة ما كان لهم أن يحيوا ذكر القصيمي لولا أن اسم أحد كتبه يخدم إلى حدٍ كبير جلد الذات العربية، حتى وإن صدق إلى حدٍ كبير على وضع العرب في الأزمنة الأخيرة !! ثم جاءت " عكاظ" الصحيفة السعودية، الصادرة في جدة، بعد عامٍ كاملٍ من طرح "إيلاف" لملفها عن القصيمي، فأفردت حلقات مطولات، تحدثت فيها عن القصيمي، مولده ونشأته، وظروف طفولته القاسية، وهجرته من القصيم إلى الرياض ثم الشارقة، بحثاً عن والده، وفصّلت في أصول أسرته، التي إليها يُنمى، ودراسته الأزهرية ومشاكساته مع علماء الزهر، ثم مع علماء نجد السلفيين، واستضافت عدداً من المثقفين السعوديين، الذين تحدثوا بإسهاب عن "القصيمي" ولا يزال مسلسل حلقات القصيمي مستمراً في "عكاظ" التي اتكأت على بعضٍ مما ورد في ملف "إيلاف" خصوصاً ما يتعلق في تحقيق أصول أسرته الكريمة، كون "إيلاف" انفردت بمعلومات، نشرت لأول مرة، عن مدى ارتباط القصيمي بأسر نجدية، كآل المزيني والمسلم والحصيني والجميعة، وتحقيق نجدية الأسرة (الصعيدي) الضاربة بعمق بين منطقتي حائل والقصيم، رجوعاً إلى روايات عددٍ من المؤرخين السعوديين كابراهيم المسلم وعبدالرحمن البطحي وعبدالرحمن الرويشد ويعقوب الرشيد، وعرضاً لرأي الشيخ حمد الجاسر، في أن الأسرة نجدية الأصل، وأن أحد أبنائها سافر إلى صعيد مصر، متاجراً فعُرف بالصعيدي، لقباً ثم اسماً، كما أن "إيلاف" أول من لفت النظر إلى اسم والدة عبدالله القصيمي، السيدة موضي الرميح، وأشارت "عكاظ" إلى شهادة المؤرخ السعودي الأستاذ عبدالرحمن الرويشد، التي أدلى بها أمام "إيلاف" فيما يتعلق بالزيارة التي قام بها القصيمي إلى السعودية حاجاً، ثم عودته إلى مصر مغاضباً، وهي شهادة غايةً في الأهمية، كون الرويشد شاهدَ عيان عليها، وكانت "عكاظ" قد أشارت إلى كتاب "من أصولي إلى ملحد" للباحث الألماني يورغن فازلا، وأشارت إلى أنه باحث صحافي، اعتماداً على ما أشارت إليه "إيلاف" إلا أن "عكاظ" تراجعت عن ذلك في عددها 13284 الصادر بتاريخ 9يناير 2003م وقدّمت شكرها للدكتور تركي الحمد، الذي لفت انتباهها إلى أن يورغن فازلا، صحافية وباحثة ألمانية، أي امرأة وليست رجلاً !! إلا أن& "عكاظ" عادت مرةً أخرى لتعتذر عن ذلك بعدما تأكد لديها أن يورغن فازلا، باحث وصحافي ألماني، وليس باحثة ألمانية، مؤكدة ذلك بنشر صورة له في عددها الصادر بتاريخ 4 فبراير 2003م .&
&ومهما يكن، فإن ما قدمته "عكاظ" يُعدُ سبقاً صحافياً، على مستوى الصُحف السعودية المحلية، وانفراداً تتميز به "عكاظ" التي عُرفت طويلاً بجرأتها في الطرح، وفي فتحها لملفاتٍ مغلقة، وهو جهد يشكر عليه المثقف السعودي هاشم الجحدل.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف