أخبار

الآشوريون في سوريا يلغون احتفالاتهم القومية تضامناً مع شعب العراق

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سليمان يوسف يوسف
&
&
في الأول من نيسان، وفي أجواء الحرب والدمار التي تخيم على شعب ومدن (بلاد ما بين النهرين) في العراق، سيرتل (الشعب الآشوري) أنشودة "الوجود والحرية" وهو يقف، متأملاً أطلال نينوى وبابل، بخشوع أمام هياكل الآلهة يشكوها من بطش الإنسان وغدر التاريخ.&
عشية احتفالات الآشوريين بأعيادهم القومية في نيسان، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها بريطانيا حربيهما العدوانية على (العراق)، هذه الحرب التي جاءت ضد إرادة المجتمع الدولي ممثلاً (بمجلس الأمن) و(هيئة الأمم المتحدة). ونظراً لما تجلبه هذه الحرب للشعب العراق بكل قومياته دون تمييز (عرباً وآشوريين، أكراد وتركمان، مسيحيين ومسلمين، وغيرهم من فئات المجتمع العراقي ) من ويلات ومآسي إنسانية& يهتز لها الضمير الإنساني، قرر الشعب الآشوري من (سريان/وكلدان) في سوريا، تعاطفاً مع (شعب العراق) والوقوف إلى جانبه في محنته هذه، إلغاء احتفالات نيسان لهذا& العام التي كانت ستقام بمناسبة ( رأس السنة الآشورية& وعيد الربيع) والتي تبدأ في الأول من نيسان من كل عام، حيث يعتبر هذا اليوم (عيداً قومياً هاماً عند الآشوريين). هذا ورجحت بعض المصادر في (الحركة الآشورية السورية) أن يخرج الآشوريين في الجزيرة السورية في الأول من نيسان مسيرة (سلمية صامتة) تضامناً مع (شعب العراق) وإدانة للعدوان الأمريكي البريطاني عليه.
&
&وبهذه المناسبة أصدرت( المنظمة الآثورية الديمقراطية)- وهي أحد الفصائل الأساسية لـ(لحركة الآشورية السورية)- بياناً تهنئ الشعب الآشوري والشعب السوري بكل فئاته وقومياته بهذا العيد، في الوقت ذاته، أدانت واستنكرت في بيانها الحرب (الأمريكية البريطانية) على العراق وتطالب بالوقف الفوري لهذه الحرب الغير مبررة. وقد جاء في البيان: (( إننا في (المنظمة الآثورية الديمقراطية) نبدي قلقاً بالغاً لما آلت إليه العلاقات بين الدول من حالة عدم الاستقرار ، والاحتكام للغة القوة، ولما تحمله هذه الحرب من ويلات ودمار يطال شعب العراق ومعظم شعوب المنطقة، من ضمنها شعبنا الآشوري، .... وفي الوقت الذي ندين العدوان الأمريكي البريطاني على العراق فإننا نضم صوتنا إلى كافة الأصوات المحبة للسلام والحرية في العالم ، والتي تطالب بوقف الحرب فوراً والعودة إلى الخيار الدبلوماسي لحل الأزمة العراقية... )).&
&
تقاليد الآشوريين في عيدهم القومي:
&
من المتعارف عليه، أن في (الأول من نيسان) من كل عام يقيم الشعب الآشوري في جميع مناطق تواجده وجرياً على عادات أجداده في ( بلاد ما بين النهرين) منذ أكثر من ست آلاف عام ق. م احتفالات شعبية بين أحضان الطبيعة وبحسب الطقوس والتقاليد الآشورية القديمة، مثل تقديم القرابين للآلهة والهدايا للملوك وإقامة طقوس احتفالات عقد زواج جماعي، وإقامة المهرجانات الفنية والتراثية من غناء و دبكات رقص شعبية وغيرها من التقاليد القومية عند الآشوريين والتي تعبر عن عبق الحضارة الآشورية وأريج& التراث السرياني الأصيل. إذ لأعياد الربيع في نيسان عند الآشوريين نكهة خاصة، وطقوس وشعائر دينية متميزة. كانت تمارس بين أحضان الطبيعة، مع تجدد دورتها في الأول من نيسان من كل عام منذ& بدء التقويم الآشوري قبل 6753عام.

&
&طقوس العيد و الميثولوجيا& الآشورية:
&لو دققنا في الطقوس الآشورية القديمة، نجد أنها تحمل الفكرة الأرسطية القائلة: "إن الطبيعة تضمن الخلود للنوع عن طريق العودة الدورية". كذلك تنطوي هذه الطقوس على الكثير من الدلالات والعقائد الدينية والإرهاصات الفلسفية والفكرية ذات أهمية كبيرة.إذ أن تحديد بداية (السنة الآشورية)مع تجدد الحياة في الطبيعة وبداية دورتها وخصبها في نيسان وتعاقب الفصول الأربعة يضعنا أمام التصور (الآكادي البابلي الآشوري) للتاريخ من حيث هو (حركة دائرية مغلقة) ،وهذا يؤكد على ما كان للتقويم (& الآشوري ) من وظيفة هامة وكبيرة في الحياة الفكرية والذهنية الآشورية آنذاك. وهذا ما تفصح عنه (الميثولوجيا الآشورية) الأكادية/البابلية، التي& تمحورت حول ثلاث محاور أساسية هي: التكوين(الخلق) و (الآلهة) و(الإنسان). هذا وقد تركت( الميثولوجيا الآشورية) بصماتها على معظم( الميثولوجيا) في الفكر الفلسفي والديني الشرقي القديم. وتشكل ملحمة الخلق والتكوين البابلية( اينوما ايليش) محور (الميثولوجيا الآشورية) حيث كان لها أهمية كبيرة وخاصة في أحداث الاحتفالات بأعياد (رأس السنة الجديدة) ففي اليوم الأول من الاحتفالات، التي كانت تستمر اثنا عشر يوماً، كانت تقدم هذه الملحمة على شكل(مسرحية الآلام) احتفالاً بذكرى انتصار الإله (مردوخ) على (التنين الهباء) صاحب الجبروت وتخليداً لأحداث موته وقيامته من بين الأموات في اليوم الثالث. وهنا نشير إلى أمر هام وهو (أن& احتفالات المسيحية في نيسان من كل عام بذكرى (انتصار السيد المسيح) على (قوى الشر) وقيامته من (القبر)، ما هي إلا استمرار وتواصل لتلك الاحتفالات والطقوس القديمة لشعب ((بلاد ما بين النهرين ))في نيسان. حيث كانت تلك الاحتفالات تصل ذروتها مع تتويج (مردوخ)ملكا إلها على الكون وهو يبرز كـ(مخلص) عظيم للإنسان هذا الإله الذي عبده الآشوريون في شخص الإله (أشور)الإله القومي لهم ، هذه إشارة ودلالة واضحة على أن فكرة (الخلاص ) التي تقوم عليها (العقيدة المسيحية) هي فكرة آكادية (آشورية)قديمة. فمنذ القديم كان (الآشوريين) ينظرون إلى (الإنسان) على إنه يتكون من جسد وروح، لذا& فهو يشارك (الآلهة) بقدر ما كانت الآلهة مشاركة للإنسان في إنسانيته ،بصيغة (الإله إنسان) و (الإنسان إله) ذلك من خلال (تأليه) عظماء الملوك وهبوط الآلهة إلى العالم السفلي موطن الإنسان.

&
أعياد نيسان، عيد الطبيعة والآلهة والإنسان:
إن ضرورات التنظيم والضبط للأحداث والظواهر الطبيعية ذات التأثير المباشر على الحياة والنشاط الزراعي دفعت الإنسان الآشوري ليضع تقويما سنويا، لقد شكل ذلك التقويم مرحلة انعطاف كبيرة وهامة في حياة المجتمعات القديمة ،إذ كان بداية تكون (الذاكرة التاريخية) للإنسان، فهو لم يكن مجرد تأريخ لحوادث تحدث في المجتمع، أو تدوين لظواهر تقع في الطبيعة ،إنما بقدر ما كان التقويم الآشوري- في طقوسه ودلالاته حدث أسطوري هو أيضا خطوة كبيرة على طريق اكتشاف أسرار الطبيعة وقوانينها ،وإنجاز علمي هام حققه الإنسان النهريني في مجال (العلوم الطبيعية) و(علم الفلك) قبل 6753عام. لهذا فقد جاء التقويم الآشوري تعبيرا عن ضوابط الفعل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والديني (الأيديولوجي) في المجتمع(الآكادي/البابلي/ الآشوري) القديم، من هنا تبرز أهمية الأول من نيسان بصفته رمزا ضخما وعظيما في المجتمعات الآشورية القديمة والاحتفال به كعيد قومي آشوري، لا بل كان حتى قرون طويلة بعد الميلاد عيدا عالميا تحتفل به معظم شعوب العالم، لم يأت من فراغ إنما هو بحق عيد (الطبيعة ولآلهة والإنسان) معا، فهم ثلاثة اقانيم في واحد هو(الوجود)الكون، عمل الإنسان الآكادي (البابلي الآشوري)على مد الجسور بينها، مفصحا عن العلاقة التاريخية بين الله والإنسان أولا، وعن العلاقة العضوية بين الإنسان والطبيعة ثانيا.
&
&في إحدى المخطوطات الآشورية التي تعود إلى القرن السادس ق. م نجد إن الملك (أشور بانيبال) يتوجه إلى الإله(ادد) إله السماوات والأرض ملتمسا:(( يا من خلقت البشر بكلمة نطقت بها، أسألك إن تمكنني من الدفاع عن نفسي وتمنحني حكمك العادل ... بك أتوسل... فتقبل تضرعي وابتهالي... استجب لصلواتي... واغفر لي خطاياي ونجني من الشرور التي تهدد حياتي )) هذا الرجاء الديني يلخص قصة الخلق من جهة، وطبيعة العلاقة بين الإنسان و الآلهة من جهة أخرى.

&
احتفالات نيسان في سوريا وقفة آشورية ولحمة وطنية:
للآشوريين اليوم حضورهم الاجتماعي والثقافي المميز في سوريا، حيث يتحدثون بلغتهم القومية ((السريانية )) ويمارسون عاداتهم وتقاليدهم، ويقيمون العديد من المهرجانات الفنية والأدبية والثقافية السنوية، ويحتفلون بمناسباتهم وأعيادهم القومية مثل (عيد رأس السنة الآشورية)في الأول من نيسان الذي كان مميزاً في العام الماضي في (الجزيرة السورية)، حيث شهد زواجاً جماعياً كبيراً، ضم من مختلف فئات وقوميات المجتمع السوري، وبحسب الطقوس الآشورية القديمة كان لهذا الزواج بعداً وطنياً وقومياً عميقاً حيث حظيي باهتمام شعبي وإعلامي رسمي كبير من قبل الدولة السورية.
&
&إذا كان الأول من نيسان، لدى الآشوريين، قديما وبما يحمله من دلالات (دينية، فلسفية، علمية) (ملحمة) آكادية و(أسطورة) بابلية تلخصان قصة (الخلق والتكوين)، فهو اليوم، بما ينطوي عليه من (قيم إنسانية) و(دلالات حضارية) ولما له من خصوصية تاريخية واجتماعية آشورية، عيدا قوميا آشوريا كبيرا يحتفل به الشعب الآشوري في (بلاد مابين النهرين) بين أحضان الطبيعة بعيدا عن معابد الأوثان، ليجعل من الطبيعة منبرا حرا يعلن منه عن (وجوده القومي) واستمرار تواصله الحضاري مع ذاك التراث العريق. وليجعل( الشعب الآشوري ) من هذه المناسبة (لحمة وطنية) حقيقية تنبعث منها عبق التراث الآشوري الذي يشكل جزءاً أصيلاً وأساسياً من التاريخ والتراث الحضاري لـ(بلاد الشام) و (بلاد ما بين النهرين). وهو يتطلع لمستقبل زاهر مشرق لجميع شعوب المنطقة في دول تنعم بالأمن والاستقرار، تحل فيها مسألة (الأقليات القومية) على أسس ديمقراطية، وعلى قاعدة التساوي في الحقوق والواجبات في وطن حر كريم، تحترم فيه الحريات وحقوق الإنسان.
&
&إن المسيرات الجماهيرية& والمهرجانات الشعبية الكبيرة التي عادة تقام بهذه المناسبة والتي يشارك بها عشرات الآلاف من أبناء الشعب الآشوري ومن باقي فئات وألوان الطيف الوطني للمجتمع السوري والتي تشهدها مدن وسهول الجزيرة السورية، هي خير دليل وتأكيد على اللحمة الوطنية في سوريا.
&
&لا أبالغ القول: إن احتفالات الآشوريين في عيدهم القومي في الأول من نيسان من كل عام، هي وقفة قومية وصرخة& آشورية تخترق جدار الصمت الذي أحيطت به (مسألة الحقوق القومية للآشوريين ) في دول المنطقة التي يشكل الآشوريين عمقها الحضاري.&&

&
& الكاتب من& سوريا / مهتم بمسألة الأقليات
&
&& shosin@scs-net.org

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف