الإتصالات السرية بين صدام وإسرائيل
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
&
&
من مفارقات التاريخ أن العراق الذي ظل يعرف بأنه البلد العربي الأشد معاداة لإسرائيل حتى الغزو الأمريكي - البريطاني لبغداد عام 2003، كان أول بلد عربي أقام اتصالات مع اسرائيل بل ان عراق صدام حسين بعد هزيمته في حرب الخليج 1991 أجرى اتصالات مع تل ابيب لتوظيف «اللوبي الموالي لإسرائيل« في أمريكا للضغط من أجل رفع العقوبات المفروضة عليه والعودة الى الجماعة الدولية مقابل إنهاء حالة العداء مع اسرائيل.
فرغم ما شاع لفترة طويلة بان الملك عبد الله ملك الاردن الاسبق كان أول الملوك والرؤساء العرب في الاتصال بالزعماء والمسؤولين الاسرائيليين سرا، كشفت «الاندبندنت« البريطانية (25 يوليو1994) نقلا عن الوثائق الرسمية في الأرشيف الصهيوني المركزي، أن الملك فيصل ملك العراق، كان أول زعيم عربي اجتمع سرا مع حاييم وايزمان عام 1918، ثم تبعه شقيقه الملك عبد الله عام 1922.
وبعد أن التقى العاهل الاردني الملك حسين (حفيد الملك عبدالله) علنا برئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين، في و اشنطن لتوقيع إعلان المبادئ الأردني - الاسرائيلي، تسربت التقارير عن مبادرات عراقية سلمية تجاه اسرائيل. وتحفل الصحف الاسرائيلية والأمريكية، يوميا، بأنباء عن عروض لصدام حسين مفادها التودد الى اسرائيل، كآخر محاولة لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على العراق ولاستمرار نظامه.
والواضح ان صدام حسين، بعد تجارب السادات وعرفات والحسين كان قد انتهي الى ان الطريق الأقصر الى البيت الأبيض في واشنطن، لا يكون إلا عبر إسرائيل، فالسادات الذي قاد حرب1973 ضد إسرائيل وهدد مصالح أمريكا البترولية استرد سيناء وحصل على 40 مليار دولار كمساعدات وقروض دولية، بعد الاتفاق مع اسرائيل. والملك حسين الذي وقف خلال حرب الخليج في معسكر صدام ضد اسرائيل والمصالح الأمريكية، تم إعفاء بلاه من الديون وأعطي دورا في القدس، بعد انهاء حالة الحرب مع اسرائيل.
وفي عام 1994، انتهى صدام الى ان تطبيقه للمراقبه طويلة المدى لقدراته العسكرية، لم يضمن له رفع الحظر، كما أدرك ان الاعتراف بسيادة الكويت وحدها لا يضمن تخفيف العقوبات. وأعلن الرئيس الأمريكي بيل كلينتون - وقتئذ - في رسالته للكونجرس أو العراق ما زال يشكل خطرا استثنائيا وغير عادي على أمن الولايات المتحدة وسياساتها الخارجية وعلى السلام في الشرق الأوسط. ولذلك قررت الولايات المتحدة إبقاء العقوبات الاقتصادية التي فرضها مجلس الأمن على العراق.. وستواصل الولايات المتحدة فرضها .. ولكل ذلك، اختارت القيادة العراقية أن تتحرك على المستوى الخارجي في مسارين أولهما تطبيق الالتزامات الواردة بقرارات مجلس الأمن. أما المسار الثاني فهو طرق الباب الاسرائيلي. وفي هذا الاطار، يفهم تصريح طارق عزيز لأعضاء مجلس الأمن الدولي في يوليو 1994باستعداد العراق للاعتراف بسيادة الكويت وترسيم الحدود مقابل ضمان رفع الحظر النفطي، كخطوة على المسار الأول. وعلى المسار الثاني، أوضح عزيز لأعضاء في مجلس الأمن أنه بعد الاتفاق الفلسطيني الاسرائيلي لم يعد هناك مبرر لدى العراق، لاعتبار اسرائيل عدوا للشعب العراقي. وترجم العراق ذلك التوضيح بعدم اعتراضه على الاتفاق الأردني الاسرائيلي في واشنطن وتجنب مجرد التعليق عليه.
ونشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت« الاسرائيلية في 5 أغسطس 1994 أن العراق أرسل لإسرائيل جملة إغراءات تتضمن افتتاح مكاتب مصالح للعراق في اسرائيل ولاسرائيل في بغداد، وبيع البترول العراقي بشكل مكشوف لإسرائيل، في مقابل اقناع الولايات المتحدة بإلغاء العقوبات ضد العراق والسماح لرجال أعمال أمريكيين بالاستثمار في العراق. وحسب نفس الصحيفة، فإن مسؤولا اسرائيليا التقى مسؤولا عراقيا، في أوروبا عشية افتتاح المحادثات مع الأردن في عبرونه، واقترح المسؤول العراقي الانضمام الى مسيرة السلام، وإبلاغ الولايات المتحدة بذلك باتجاه الضغط لرفع الحظر النفطي.
وأذاع التليفزيون الاسرائيلي ان العراق بعث برسالة الى اسرائيل أبدى فيها استعداده لتحقيق السلام بين البلدين، وقال إنه غير صحيح، ونشر أن «قصي« الابن الأصغر لصدام حسين هو المسؤول عن ملف اسرائيل، وأنه التقى من خلال نزار حمدون سفير العراق لدى الأمم المتحدة برجال أعمال من الأمريكيين اليهود بهذا الخصوص. بينما كان دور أخيه الأكبر «عدي« نفي ما ينشر عن الاتصالات العراقية الاسرائيلية أو بمعنى أدق «المبادرات العراقية« من خلال صحيفة «بابل« التي يتولى ادارتها.
والمؤكد على الأقل مما قاله نائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز لمندوبي دول أعضاء في مجلس الأمن بأن العراق لا يعتبر إسرائيل عدوا. أن العراق قد جرب ان يلعب ورقة اسرائيل ولم تكن تلك هي المرة الأولي. فالعراق وقبل غزو الكويت ،لعب بالورقة الاسرائيلية، بهدف منع اسرائيل من تزويد ايران بالسلاح.
وقبل سنوات، وخلال الحرب العراقية - الايرانية، اجرى العراق اتصالات مباشرة مع اسرائيل وطلب شراء السلاح من اسرائيل.
بيد أن اسرائيل تتبع مع صدام سياسة « دعنا ننتظر.. دعنا نرى« فالعراق بما لديه من احتياطيات نفطية وموارد مائية كان يهم اسرائيل في المفاوضات المتعددة. والعراق - بعد تقزيمه - لا يمثل خطرا على اسرائيل بقدر ما يمثل حائط دفاع أمام الخطر الايراني. والعراق، أخيرا، يمثل حلا لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين التي تبدو بلا حل - حتى الآن - في معادلة الشرق الأوسط.
ولكن اسرائيل لم تكن تريد التصادم مع الولايات المتحدة من أجل صدام حسين إزاء موضوع رفع الحظر، ولذلك فإن دبلوماسية «دعنا ننتظر .. دعنا نرى« كانت دبلوماسية ينتظر بها الاسرائيليون تقديم العراق لعروض رسمية من جهة، وتحول الموقف الأمريكي في موضوع الحظر من جهة اخرى، إضافة الى انتظار المباحثات مع سوريا من أجل التوصل الى اتفاق. وهكذا يصبح العراق الدولة الاخيرة في لعبة السلام الاسرائيلية.
وكما كتب الكاتب الاسرائيلي دانيال بلوخ في صحيفة دافار ( 14 أغسطس 1994) أنه بالرغم من أن اسرائيل بعد الاتفاقات المكشوفة مع منظمة التحرير والأردن لم نتصور مفاجأة، إلا أن نجاح الاتصالات مع صدام لو حدث لأصبح أكثر دراماتيكية حتى من لقاء علني مع الأسد.. ومن مساخر التاريخ ان صدام كان ينأى بنفسه عن أن يكون فيصل الأول ويصور نفسه كما لو كان «نبوخذ نصر« القائد المهيب.
وبعكس «بنوخذ نصر« ملك بابل، الذي قضى على مملكة يهوذا في فلسطين وهدم أسوار القدس أعوام570 - 568 قبل الميلاد، وأسكن عشرات الآلاف من اليهود في بلاد النهرين، سيذكر التاريخ أن صدام حسين رئيس العراق بعد2400 عام قضى على العراق والأمة العربية وهدم بغداد وأسكن عشرات الآلاف من الفلسطينيين في بلاد النهرين.
وتبدو سخرية التاريخ في أن صدام الذي حاول أن يكون بنوخذ نصر (البعثي) وأن يقلد الملك فيصل، رغم الجلبة الدعائية لصواريخ سكود فوق تل أبيب أثناء حرب الخليج 1991 التي كان من آثارها دخول المنطقة العربية الحقبة الأمريكية - الاسرائيلية، فإن هزيمته في حرب2003 وسقوط نظامه انتقام من بنوخذ نصر وانتقام لفيصل الأول، وربما يكون العراق البلد العربي الأقرب الى اسرائيل بسبب خطايا صدام.
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف