أخبار

المحافظون الجدد يخططون لابتلاع العالم

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
خليل العناني
&
&
حين تتحول الفكرة إلي واقع ملموس فإنها بذلك تضع لبنة جديدة في البناء الثقافي للمجتمعات والشعوب، ولعل هذا هو واقع الأفكار في العالم الغربي بينما نجدها عكس ذلك في العالم العربي حيث تتحول الأفكار إلي أحلام يصعب تطبيقها في أرض الواقع. وربما يعود ذلك إلي أن الأفكار الغربية تنطلق من حسابات واقعية وليست مجرد تعبير عن انفعالات عاطفية واستجابات مؤقتة كما هو الحال في العالم العربي، ولذا فنادراً ما تري الأفكار العربية النور أو تجد طريقها إلي أرض الواقع، والدلائل العربية في هذا الشأن كثيرة بدءاً من إخفاقات حلم التكامل العربي الأزلي وانتهاء بالمحاولات المستميتة لإنشاء دولة فلسطينية.
وبالإسقاط علي العالم الغربي وتحديداً علي الواقع الأمريكي نلاحظ أن السياسة الخارجية الأمريكية ما هي إلا مجرد انعكاس واضح للأفكار والرؤي الثقافية الأمريكية المتجددة باستمرار، وقد شهدت هذه السياسة الخارجية مؤخراً تحولاً ملحوظاً سواء في الشكل أو المضمون وتحديداً مع صعود الاتجاه اليميني المحافظ وسطوع نجمه مع وصول الرئيس الأمريكي جورج بوش لسدة الحكم أوائل عام 2000، ومفاد هذا التحول هو التخلي عن النظرة شبه التعاونية التي صبغت إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون طوال عقد التسعينات من القرن المنصرم كي يحل محلها نظرة جديدة تقوم علي الرؤية الانفرادية الاستعلائية واستخدام كافة الأساليب والوسائل المتاحة لنقل هذه الرؤية من عالم الأفكار إلي عالم الوقائع.&
وربما لم يعد جديدا القول بأن التيار اليميني المحافظ في الولايات المتحدة هو المسئول عن الحرب الأمريكية علي العراق ومن قبلها الحرب علي أفغانستان في إطار ما يعرف باسم "الحرب علي الإرهاب"، ولكن الجديد هو القول بأن هذا التيار سيعد المسئول الأول عن صياغة شكل العالم خلال القرن المقبل، ولعل هذا ما تروج له الدوائر والأوساط الفكرية الأمريكية التي وجدت في مقولة محاربة الإرهاب غطاءها الشرعي لهيكلة وإعادة فك وتركيب العالم وفق المصالح والرؤى الأمريكية في عالم ما بعد سبتمبر.
وقد عبر عن هذا التوجه الجديد المقال الذي أوردته مجلة الإيكونومست المتخصصة مؤخراً والذي حمل عنوان "رجال الظل" في إشارة إلي أعضاء التيار اليميني المحافظ الأمريكي المتطرف الذين حملهم معه الرئيس بوش بعد فوزه بمقعد الرئاسة عام 2000، ويلفت هذا المقال الأنظار إلي حقيقة مفزعة وهي أن "الحرب علي العراق تخلق أساساً جديداً للسياسة الخارجية الأمريكية، حجر الزاوية فيها هم المحافظون الجدد "The Neo-Conservatives".
ويأتي علي رأس هؤلاء المحافظين الجدد من داخل الإدارة الأمريكية دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي ومساعده الصقر "بول وولفتيز"، ويساعدهم في ذلك منظرو الاتجاه اليميني المحافظ من أمثال روبرت كيجان وبروس جاكسون وجاري سشميت وإيلين بروك وغيرهم، وينطلق هؤلاء في تفكيرهم من فرضية مقلقة وهي أن الفرصة باتت مواتية لبسط الهيمنة الأمريكية علي العالم وخلق أوضاع إقليمية جديدة تخدم المصالح الأمريكية حتي وإن تم ذلك باستخدام العصا الأمريكية لكل من يخالف أو يعترض.&&
ويستند التيار اليميني الأمريكي في حركته الخارجية حالياً إلي ما أطلق عليه مشروع القرن الأمريكي الجديد The Project for The New American Century& وهي فكرة ليست وليدة اليوم بل تعود لأعوام عدة مضت وتحديداً ربيع عام 1997، وذلك حين تم إنشائه علي هيئة منظمة غير حكومية تهدف إلي الدعوة لتحقيق السيطرة العالمية للولايات المتحدة، ويضم المشروع مجموعة من المثقفين والكتاب الأمريكيين ذوي الاتجاه اليميني المحافظ المتطرف كما سبقت الإشارة إليهم، ويرأس المشروع ويليام كريستول المحرر بمجلة "ويكلي ستاندرد" اليمينة المعروفة.
ويري مؤسسو المشروع أنه يحقق مجموعة من الأهداف الفرعية التي تصب في النهاية في الوصول إلي الهدف الأسمى وهو اكتمال السيطرة الأمريكية علي الكرة الأرضية "American Domination" وفي سبيل تحقيق هذا يري أنصار هذا المشروع أن علي الولايات المتحدة القيام بالخطوات التالية:
-&استخدام القوة العسكرية للسيطرة علي منطقة الخليج العربي سواء في ظل وجود نظام صدام حسين أو عدم وجوده.
-&يجب أن تتركز مهمة الولايات المتحدة علي التخلص من مختلف التهديدات بشكل حاسم وتحقيق النصر علي القوى المناوئة لها.
-&أن تصبح الأداة العسكرية الأمريكية بمثابة القوة القائدة لمختلف القوي العالمية.
-&ضرورة الاحتفاظ بالقواعد العسكرية في منطقة الخليج وإضعاف أي قوة إقليمية تظهر في هذه البقعة الأرضية.
-&استهداف الصين وتغيير نظام الحكم فيها.
-&استكمال بناء الدرع الصاروخية لاكتمال السيطرة الأمريكية علي الفضاء الخارجي.
-&تطوير نظام عالمي جديد يرتكز علي القيادة الأمريكية من أجل ردع بعض الأنظمة المارقة الخطيرة مثل كوريا الشمالية وليبيا وسوريا وإيران.
وفي سبيل إقناع الرئيس بوش بهذا المشروع تم تحديد هذه الأهداف وسبل تحقيقها في وثيقة وقع عليها معظم منظري الاتجاه اليميني المحافظ وعلي رأسهم ويليام كريستول وفرانسيس فوكوياما وروبرت كيجان وريتشارد بيرل وغيرهم وتم رفعها إلي بوش في 20 سبتمبر 2001.
ومن منطلق هذه الأهداف لم يكن مستغربا أن تصر الولايات المتحدة علي التخلص من النظام العراقي استعداداً للمرحلة التالية وهي التخلص من بعض الأنظمة المارقة في منطقة الشرق الأوسط علي حد زعم هؤلاء المحافظين الجدد، ولم تبعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي كولن باول مؤخراً لسوريا عن هذا المضمون حيث وجه الوزير الأمريكي تحذيرات واضحة لدمشق مطالباً إياها بضرورة إدراك الحقائق الجديدة في المنطقة والتعامل معها بواقعية.
&وتكمن خطورة هذا التفكير المحافظ الأحادي النظرة في عدم إيمانه بوجود حدود واضحة للمصالح القومية الأمريكية بل علي العكس يفترض وجود تهديد دائم لهذه المصالح، ومن هذا المنطلق تصبح القوة العسكرية هي الأداة المثلي لحماية مثل هذه المصالح.
وعلي حد وصف مجلة الإيكونومست فإن الإدارة الأمريكية الحالية وعلي رأسها الرئيس بوش لا تمتلك رؤية محددة للسياسة الخارجية الأمريكية بل مجرد رد فعل للأحداث خاصة في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر،& كما أنها تنبع من نظرة هؤلاء المحافظين الجدد ومدي تأثيرهم علي بوش أكثر من ارتباطها برؤية واضحة وشاملة ومتوازنة، والأدهي من ذلك أنها تلقي تأييداً من مختلف القوي السياسية الأمريكية بما فيها الكونجرس ذاته.
وينبع القلق من هذا الشكل الجديد للسياسة الخارجية الأمريكية من أدواتها وتكلفتها وليس من أهدافها وغاياتها، فعلي سبيل المثال زعمت الولايات المتحدة بأن حربها علي العراق تهدف إلي نشر الديمقراطية وتدعيم الحرية وحماية حقوق الإنسان، وهي أهداف جيدة ولكن هل يعقل أن يتم ذلك عبر صواريخ توماهوك ورؤوس كروز وقاذفات البي 52؟
ولذا فليس من المستبعد أن تصبح الحرب علي العراق بمثابة أول تطبيق حقيقي لرؤية المحافظين الجدد ونظرتهم الكونية الجديدة وبمثابة بالون اختبار لهذه الرؤية، وقد ساهم الانتصار العسكري الأمريكي علي العراق في تعزيز هذه الرؤية ورفع من أسهم أنصارها وزيادة تأثيرهم داخل دوائر صنع القرار الأمريكي، فضلاً عن ضلوعهم برسم& وتحديد شكل السياسة الخارجية الأمريكية بما يتناسب مع هذه الرؤية الأحادية ونقلها من مرحلة الأفكار إلي عالم الواقع والحقائق، وهو ما قد يعني ضمنياً الانتهاء من مرحلة النظام العالمي الجديد التي صبغت عقد التسعينات من القرن الماضي وتدشين مرحلة "النظام الأمريكي الجديد".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف