أخبار

ثلاث قراءات في التجنيس في البحرين

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
فاضل الحليبي
التجنيس في البحرين سياسة خاطئة
تضر بمستقبل هذا الوطن وأجياله القادمة
&
&
موضوع التجنيس من أكثر المواضيع إثارة للجدل والحيرة لماله من انعكاسات وآثار سلبية لمستقبل البحرين وتطورها الاقتصادي والاجتماعي، وهو يفوق في خطورته البطالة والمواضيع الأخرى، ويعتقد المرء بأنه من أخطر القضايا على الإطلاق في هذه الأيام بعد التعديلات الدستورية والقوانين التي صدرت مؤخراً، نظراً للاستمرار في سياسة التجنيس العشوائية لمن هب ودب دون مراعاة أوضاع البلاد، و الكثافة السكانية المتزايدة، وشحت الموارد الطبيعية وقلة الأراضي وصغر مساحة البحرين، حيث تعد من بلدان العالم الصغيرة جداً في المساحة والكبيرة في الكثافة السكانية بالنسبة للكيلو المربع،وكما لا توجد معايير وشروط وضوابط محددة في موضوع التجنيس وهذا متبع في البلدان مثل استراليا وكندا ولديها مساحات واسعة من الأراضي وتشجيع الهجرة إليها، ولكن لا يستطيع أي شخص لمجرد القدوم إليها بإملاء استمارة الطلب والحصول على الجنسية، هناك قوانين وتشريعات دقيقة ومختارة بعناية لذلك الموضوع، من ضمنها اشتراط توفير رصيد مالي كبير في إحدى البنوك المحلية، بالإضافة إلى المؤهلات ونوعية الأعمال التي تنوي القيام بها في بلادهم واشتراطات أخرى. الحقيقة يندهش المرء هنا من ظاهرة التجنيس الغير طبيعية، لا يعرف ماذا يريدوا واضعوا سياسة التجنيس من مواصلة العملية بالرغم من الانتقادات الصادرة من جهات أهليه ومدنية وسياسية عديدة في البلاد، والتنبيه بمخاطرها على مستقبل الوطن وأجياله، وهم يعرفون جيداً الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها الفئات الاجتماعية المسحوقة في البلاد فأزمة البطالة لم تحل، والعاطلين في تزايد مستمر، وعدم توفير مساكن للمواطنين من خلال وزارة الإسكان بالرغم من سنوات الانتظار الطويلة، فاقت العشر سنوات لطلبات عديدة، وازدياد ظاهرة الرشوة والمحسوبية والتمييز الطائفي في ظل الفساد الإداري والمستشري في العديد من الوزارات والمؤسسات الحكومية، هذه ظواهر سيئة.
المطلوب وضع الحلول المناسبة للقضاء عليها، أما إذا كان الهدف من الموضوع هو البعد السياسي والطائفي و العمل على أحداث تغير ديمغرافي في التركيبة السكانية في البلاد، فهذا يمكن بان يكون هدفاً مؤقتاً في التحقيق، ولكن في المنظور البعيد وللأجيال القادمة سوف تخلق المشاكل وتنشأ الأزمات والاحتقانات الاجتماعية والسياسية التي لا حصر لها، ولا تستطيع الحقنات المهدئة بأن تخفف الألم والأوجاع بعد أن ينتشر المرض في الجسد، ومن مظاهر السلبية لعملية التجنيس العشوائية بأن تلك الفئات ولاسيما الآسيوية منها والبعض الآخر، وليس لديهم مؤهلات وإمكانيات إبداعية وعلمية يستفيد منها الوطن بقدر استفادتهم من خبرات ومقدرات هذا الوطن، بالإضافة لاختلاف العادات والتقاليد والسلوكيات، فالشعب البحريني عرف عنه التسامح والمحبة والأخلاق العالية مع الآخرين، سوف تنشأ عادات وأخلاقيات أخرى وسط الأجيال الجديدة، قادمة من أولئك المجنسين الجدد، كما سوف يزداد سوءاً مستوى اللغة العربية، وهذا ليس تفكيراً شوفينياً او تعصب قومي وعنصري، فالشعب البحريني يمتلك تاريخ وحضارة عريقة تداخل وتواصل مع العديد من الشعوب والبلدان في العالم، ولكن تبقى له سماته و خصوصيته مثل أي شعب من شعوب هذه الأرض، يعتز بها، والحقيقة لا بد من أن تقال، وتوضح أهداف ومآرب التجنيس وما هي فوائده على المجتمع، إذا كان يحقق نتائج إيجابية أو سلبية، وأن يأخذ بعين الاعتبار الآثار السيئة التي ستنتج من عملية الاستمرار فيه، أننا اليوم نعيش عالم التطور والثورة التكنولوجيه على شتى الأصعدة فالشفافية والمكاشفة والمصداقية في مصادرة الأرقام الصادرة من الجهات المسؤؤلة عن ذلك الملف الخطير، ينبغي بأن تكون معروفة، إذا كانت النية حسنة ولا يتم إخفاء حقيقة الأرقام، عن الصحافة، أو الباحثين والدارسين في مجال الأعلام والإحصاء، في ظل الانفتاح السياسي والديمقراطي والحريات العامة والقوانين، فإظهار أعداد المتجنسين والمهاجرين في البلدان الديمقراطية والتي تحترم القانون تكون تلك الأرقام في متناول اليد، طالما لا تضر بأمن الدولة ولا تؤثر على الاقتصاد أو الدخل القومي، ولكن ما يجري في بلدنا له انعكاسات خطيرة على الاقتصاد وسوف يكون عاملاً معرقلاً للتنمية الاقتصادية بدلاً من تطويرها، ويخلق عجزاً في ميزانية المملكة، مما يؤدي إلى توقف في بناء المشاريع والمرافق الحيوية أو تجميدها في أسوء الأحوال، فالبحرين في حاجة مستمرة لتطوير البنية التحتية والفوقية، في مجالات عديدة، الصحة واحتياجاتها من مستشفيات متخصصة ومراكز صحية جديدة تستوعب الأعداد المتزايدة من المرضى، التعليم ومخرجاته، العمل وموضوع البطالة، كما سوف يتقلص الدعم الحكومي لبعض المنتجات والقطاعات، هذا جزء من الوضع الاقتصادي، أما الشق الاجتماعي فهو يتصل بالموروث الاجتماعي والعادات والتقاليد والأبعاد النفسية والسيكولوجية لهؤلاء المتجنسين وآثارها على تداخل المجتمع معها وعوامل أخرى تشمل المستويات الثقافية والتعليمية والصحية للمتجنسين، فالدول المتقدمة التي تعمل على استقطاب مهاجرين جدد أو مواطنين جدد، يهمها بالدرجة الأولى من أولئك القادمين الجدد أصحاب العقول المبدعة والذين يمتلكون مستويات عاليه من التعليم والثقافة، فهؤلاء بعقولهم وطاقاتهم الإبداعية يطورون المجتمع، أننا في حاجة لمثل هؤلاء البشر من الناس في ظل المستويات المتفاوتة للتعليم عندنا، لكي نخطوا بالوطن والمواطن خطوات متقدمة، وطننا ليس في حاجة إلى الناس من البشر أميين، هدف جلبهم للدوافع الأمنية وتغير في التركيبة الديمغرافية للسكان، هذه سياسة ذو نظرة ضيقة.
بلدنا مقدمة على تجربة انتخابية نيابية جديدة، بغض النظر عن ملابسات وإشكاليات، ما أثار حولها من حوارات ومناقشات ساخنة، تبقى هناك ضرورة بأن يطرح هذا الموضوع للنقاش ووضع الحلول الصائبة له من قبل المرشحين لمجلس النواب في أكتوبر وأيضاً من قبل الجمعيات السياسية، لما له من أبعاد ونتائج خطيرة على هذا الوطن والشعب.
&
&
محمد خليل البحراني
الأمن وسياسة التجنيس في البحرين..
البطالة فجرت الأوضاع في التسعينات..
فهل التجنيس هو القادم ؟؟
&
ما زال الأمن يشكل الهاجس الأول للحكومة في البحرين ويسعى ما يسمى بالحرس القديم- دائما وأبدا ً - نحو ربط استقرار وحتى أية ظاهرة اجتماعية أو تطور اقتصادي وما أشبه بالعجلة الأمنية الغير واضحة المعاني والمعالم من حيث الاستخدام والتبيان.
وقد عاشت البحرين " حقبة سوداء " طوال عقود من الزمن بسبب الفهم الخاطئ لمسألة الأمن.
فقد تعرضت حقوق الإنسان للانتهاك الفظيع والقاسي من قبل رجال الدولة بسبب هاجس الأمن.. الآلاف زجّ بهم في السجون أو شردوا بدافع الحفاظ على الأمن.. العشرات استشهدوا تحت التعذيب لعشرات السنين.. فيما الرساميل والاستثمارات المالية انتقلت إلى بلدان الجوار أو تركت البحرين إلى مواطنها - لكي لا تعود - بسبب قضية الأمن.. أبواب البلاد فتحت على مصراعيها للعمالة الأجنبية وتم إغراقها بعشرات الآلاف من الأيدي العاملة الآسيوية وغيرها الرخيصة لتحقيق الأمن..
مع ذلك وفي ظل تلك السياسة الأمنية والهاجس الأمني لدى نظام الحكم في البحرين، ظل الأمن العنصر الوحيد الغائب الذي ما تحقق في يوم من أيام " الحقبة السوداء " التي كان النظام يطبق فيها بقساوة قانون أمن ومحكمة " أمن الدولة "...
وقد برزت في الآونة الأخيرة مقولات وتحليلات - قد تكون صحيحة - أن الحكومة البحرينية أرادت في الستينات والسبعينات من وراء إغراق البلد بالعمالة الأجنبية تحقيق عدة أهداف منها :
* تحقيق الأمن السياسي : وذلك لتجريد العمال البحرينيين من سلاح الإضرابات والاعتصامات.. وهو هدف كان النظام يرمي من ورائه ضرب أي تحرك سياسي من قبل الشارع الشيعي متجاوبا ً مع المطالب العمالية.. ومطالبا ً في الوقت ذاته بالإصلاحات السياسية..
وقد فشلت السياسة الحكومية فشلا ً ذريعا ً في تحقيق أهدافها تلك.. حيث إغراق السوق الحلية بالعمالة الأجنبية أوجد بطالة بنسب عالية في المجتمع البحريني أدى إلى تصاعد التذمر الشعبي وتفاعلات سياسية واختمار عوامل النهوض الثوري.. وخاصة الإسلامي، والتحاق الشباب في صفوف المعارضة لمواجهة استبداد السلطة وسياستها العدوانية.. فما كان إلا أن تفجرت انتفاضة التسعينات بزخم قوي وهادر وبأساليب حضارية راقية أوصلت النظام إلى أزمة سياسية خانقة.. وانهيار اقتصادي متمثل في جوانب عديدة من قطاعات تجارية ومشاريع سياحية.. وتلوث سمعة العائلة الحاكمة بسبب سياستها القمعية المناهضة لحقوق الإنسان.. وبالتالي لم يتحقق الأمن المنشود في المفهوم الرسمي للنظام.. وتحولت الجزيرة الوادعة إلى بؤرة عدم الاستقرار، أشبه بسفينة في وسط بحر هائج تتلاطمها الأمواج العاتية يمينا ً وشمالا ً في انتظار لحظة الغرق !!.
جاءت الإصلاحات لتعيد التوازن النسبي إلى تلك السفينة وتضفي نوعا ً من السكون والهدوء على ربوعها.. وتمتص ثورة البحر الهائج دون أن تقضي على عوامل فقدان الأمن الحقيقي وأسباب عدم الاستقرار في البحرين.
وبفعل تناقضات التفكير والخطط وتضارب مصالح أطراف داخل السلطة.. استمرت عملية " الشد " و" الجذب " بين أفراد العائلة الحاكمة في معركة بسط النفوذ وفرض القرارات.. واستمر ما يسمى بالحرس القديم.. في أداء القمعي.. وبأساليب مواكبة للمتغيرات دون اكتراث للمشاعر الشعبية وحاجة البلاد للاستقرار والأمن الحقيقيين.. بقيت ملفات ساخنة دون حل أو اكتراث لها.. فيما استمر الهاجس الأمني يشكل منطلقا ً لدى عناصر ذلك الحرس وعلى رأسهم رئيس الوزراء لأي تغيير ديموقراطي وإصلاح دستوري في خطة غير مكشوفة لإبقاء البلاد تحت سيطرة الأجهزة الأمنية وتدخلاتها التعسفية في مؤسسات " المجتمع المدني " والحياة السياسية البحرينية وحتى الاقتصادية.
ويأتي التجنيس - الملف - وسياسة النظام في هذا الصدد ليشكل من جديد عامل عدم الاستقرار في البحرين.. فالتصور السائد لدى " الحرس القديم " وحتى لدى العديد من رموز النظام أن تجنيس " الغرباء " ممن استقدموا إلى البلاد خلال الأشهر الماضية وخاصة نهاية التسعينات سوف يوفر عنصر الاستقرار والأمن للبلاد.. ويجرد المعارضة الإسلامية وخاصة الشيعية من أهم أسلحتها، أي الأغلبية، والتوازن السكاني والديموغرافي.. الذي يشكل في نظر الجميع " الشيعة والسنة " عنصر الاستقرار للبلاد.. فيما تحاول أجهزة النظام استخدام سلاح التجنيس وبهدوء في فرض معادلة جديدة يتم عبرها تغيير قواعد اللعبة السياسية في عملية يراد منها - في تصور النظام - عدم تكرار تجربة الانتفاضة في التسعينات متناسية فشل تجربة إغراق البلاد بالعمالة الأجنبية التي ساهمت في ازدياد عدد البطالة وتفشي " عطالة " الأيدي العاملة البحرينية في منع حدوث الانتفاضة في عام 1994 م.
ولا يخفى على النظام أن سياسة التجنيس والإغراق هذه قد واجهت الفشل في عدة دول.. ولم يمنع من قيام انتفاضات وثورات.. ففي العراق حاول النظام العراقي فرض تجنيس المصريين وإغراق العراق بالأيدي العاملة.. وكان وقتئذ قد وصل عددهم إلى أربعة ملايين مصري.. إلا إن ذلك ما كان ليحل من أزمة النظام مع شعبه ؛ بل ساهم بشكل كبير في حالة الاحتقان السياسي ضد النظام، وأوجد مشاعر الحقد والضغينة ضد الوافدين.. وقد تعرض الكثيرين منهم للقتل المتعمد والدهس بالشاحنات.. حتى غادروا العراق بلا عودة..
وقد قامت الصهيونية العالمية من قبل بإغراق فلسطين باليهود المهاجرين.. وبتواطؤ مع الاستعمار البريطاني وقوى الاستكبار العالمي لتغليب العنصر اليهودي على العنصر العربي والمسلم.. وإحداث الخلل في الديموغرافية السكانية والدينية.. إلا أن هذه السياسة لم تمنع من قيام حركات مسلحة وثورات شعبية ضد اليهود والمستوطنين وأسيادهم.. وآخرها " انتفاضة " الأقصى المباركة التي ما زالت مستمرة ضد الكيان المحتل وقطعان المستوطنين..
ولو أن الأمن بمفهومه القمعي الذي بنى عليه النظام في السابق سياسته في إدارة البلاد والعباد.. استطاع جدلا ً أن يفرض الاستقرار وتحقيق ما يصبوا إليه من مصادرة للحريات العامة وسلب الناس حقوقهم في الجوانب المختلفة السياسية والاجتماعية وغيرها.. إلا إن انهيار أسطورة تلك السياسة الخاطئة قد أفرز حقائق مغايرة لكل ما كان النظام عمل جاهدا ً تثبيته ضمن المعادلة القائمة في البحرين.. والتي لا تقبل تركيبتها السكانية والمذهبية والاجتماعية المساس والعبث بها..
والسؤال هل يكون التجنيس هو عامل لتفجير الأوضاع في المستقبل آجلا ً أم عاجلا ً ؟؟
تبقى الكرة في ملعب النظام كي يجاوب على هذا التساؤل ؟؟..
&
&
نادر الملاح&
رؤية نقدية لقانون التجنيس البحريني

بنفس المنهجية التي اتبعتها حكومة البحرين في إجراء التعديلات الدستورية التي أدخلتها على دستور 73 لتنتج دستورا جديدا لا يمت للدستور السابق بصلة ولا يتمتع بالشرعية التي يتمتع بها الدستور الأصلي الذي كان معطلا فبات ملغيا، وليس كما تقول الحكومة البحرينية ويقول مناصروها دستورا معدلا، وبذات المنهجية التي اتخذتها الحكومة في توزيع الدوائر الانتخابية والتي عكست الرغبة الجامحة في تكريس الطائفية، وكذلك إنشاء جهاز الأمن الوطني الذي جاء ليحل محل جهاز أمن الدولة السابق سيئ الصيت وبصلاحيات أكبر و أوسع بشكل كبير جدا لا يقبل المساومة، أعلنت حكومة البحرين تعديل قانون الجنسية..
وكجزء من عملية التجميل التي دأبت الحكومة البحرينية على اللجوء إليها عبر الأبواق الإعلامية ذات الصوت الواحد، أضفت طابع الوحدة الخليجية وعمليات التنمية الاقتصادية والبشرية في المملكة على هذا الإجراء، وتجاهلت أو بمعنى أدق أخفت الجوانب الأخرى ذات الطابع السلبي من الناحية الحقوقية والتي تكرس عمليات انتهاك حقوق المواطنين التي لم تتوقف للحظة واحدة لا قبل ما يسمى بعهد الميثاق ولا بعده.
ولنا أن نتساءل:
لماذا جاء هذا التعديل في قانون الجنسية في هذا الوقت بالذات؟
ما هي الدوافع الحقيقية لهذا التعديل؟
لماذا لم تنتظر السلطة قيام "المجلس التشريعي" لتعرض عليه الموضوع؟
ما هي الآثار السلبية وما هي المصلحة الوطنية في هذا القانون؟
ما هو مفهوم الوحدة الخليجية؟ وما هو مفهوم التنمية الوطنية؟
لماذا تقمع الأصوات المنددة بهذا القانون رغم زعم حرية التعبير؟
ولماذا جاء هذا القرار بصورة فردية إذا كان الهدف منه هو الوحدة الخليجية؟
هذه الأسئلة وغيرها الكثير هي ما تبادر ويتبادر لأذهان فئة كبيرة من أبناء الشعب والمهتمين بالشأن البحريني.. وربما تجيب على بعضها الدراسة التي أجراها الدكتور الكويتي محمد الفيلي، وهي دراسة دستورية قانونية أجراها بنفس محايد وخلص فيها إلى نتيجة مفادها أن الدستور المعدل هو دستور جديد لا يتمتع بالشرعية القانونية جاء على أثر الأحداث السياسية التي جرت في البحرين وليس اتجاها حكوميا نابعا عن رغبة حقيقية في الإصلاح والاتجاه نحو الحياة الديمقراطية كما يجري الحديث.
وسوف نحاول في هذه العجالة أن نسلط الضوء على قانون الجنسية الجديد من خلال الإجابة على مجموعة من الأسئلة التي أشرنا إليها فيما مر.
يعتقد المراقبون والمحللون السياسيون أن توقيت هذا التعديل الذي أدخل على قانون الجنسية البحريني لم يأت اعتباطا ولا عبثا ولم تسقه الصدفة أو الرغبة في الإصلاح وإنما قد تم اختياره بدقة قبل أن يتم انتخاب المجلس التشريعي في أكتوبر القادم من العام الجاري 2002، والذي هو في حد ذاته موعد مقدم وليس الموعد الذي سبق وأن تم الاتفاق عليه بين الحكومة وفصائل المعارضة الممثلة للشعب.
وتكمن الأسباب في اختيار هذا التوقيت في ما يلي:
1- محاولة إعادة ترتيب الأوراق السياسية بما يناسب التوجهات الحكومية مخافة أن لا تتمكن السلطة من القيام بذلك بعد تشكيل المجلس التشريعي.
2- إن المجلس التشريعي حسب الدستور الجديد لا يملك أية صلاحيات تشريعية بصورة فعلية نتيجة التشكيل الذي أعلنته الحكومة حيث يتساوى فيه عدد الأعضاء المنتخبين والذين يشكلون المجلس النيابي مع عدد الأعضاء المعينين تعيينا كاملا والذين يشكلون المجلس الاستشاري أو مجلس الأعيان الذي أعطي صلاحيات تشريعية في سابقة هي الأولى من نوعها في العالم، وبذلك تساوت الصلاحيات بين المجلسين المعين والمنتخب، ومع ذلك فإنه ربما تخسر الحكومة هذه المراهنة ويكون التصويت بالرفض.
3- تشكل التركيبة السكانية مصدر قلق كبير بالنسبة للحكومة حيث أن نسبة 70% تقريبا من الشعب هم من الشيعة. وهو ما شكل نقطة إحراج للحكومة في الأحداث الأخيرة التي كان الشيعة أبرز عناصرها، لا سيما أمام لجان وجمعيات حقوق الإنسان مما دفع الحكومة للقيام بمجموعة من الإجراءات التي هدفت من خلالها إلى خلخلة هذه التركيبة السكانية بحيث تخفض من نسبة الشيعة إلى ما دون الـ50% على الأقل لتقطع بذلك الطريق على الأصوات المنادية بإعطاء الحقوق المدنية للغالبية الشعبية وتلك الأصوات المنددة بسيطرة الأقلية على الحكم ومصادرة حقوق الأغلبية.
وكان من بين هذه الإجراءات أن عمدت الحكومة إلى إلى سياسة التجنيس العشوائي لمجموعات كبيرة من البدو الأردنيين والسوريين واليمنيين وأعداد أخرى ربما تكون قليلة مقارنة بهذه الدول لكنها في الحقيقة ليست كذلك، من مصر والمملكة العربية السعودية (الدواسر).
ورغم أن هذه السياسة لم تحقق هدفها الكامل إلا أنها نجحت إلى حد ما في إحداث الخلل المطلوب والذي صاحبته عدة مظاهر سلبية أبرزها:
أ. ظهور مجموعة من المشكلات الاجتماعية والانحرافات السلوكية وتفشي ظاهرة الجريمة التي لم تكن سائدة في المجتمع البحريني أو ربما نادرة الحدوث.
ب. ارتفاع نسبة الأمية بعد أن حققت البحرين إنجازا كبيرا في خفضها إلى أدنى المستويات.
ج. ارتفاع الكثافة السكانية العالية أصلا.
د. زيادة نسبة البطالة الرسمية بين المواطنين الأصليين وبرز ظاهرة جديدة هي منافسة المجنسين للسكان الأصليين في الحصول على الوظائف.
ه. ارتفاع حجم النفقات الخدمية في مجال الصحة والبلدية وغيرها من الخدمات المجانية أو شبه المجانية التي تعهدت الحكومة بتقديمها لمواطنيها.
هذا بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الآثار السلبية التي لا يتسع المجال لذكرها هنا وإنما تحتاج إلى بحث ودراسة منفصلة.
وكخطوة داعمة لهذا التوجه قامت الحكومة بتعديل قانون الجنسية الذي أصبح الآن يجيز لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي الحصول على الجنسية البحرينية مع الاحتفاظ بجنسياتهم الأصلية. جدير بالذكر أن غالبية سكان دول المجلس هم من السنة، الأمر الذي يعني بالنسبة للحكومة ضمان تحقيق الهدف.
ولعل خير دليل على ذلك هو الدعوة التي أطلقتها بعض المواقع الإلكتروني السعودية التي يسيطر عليها السلفيون - الذين يُعتبر تكفير الشيعة أو الروافض كما يسمونهم أحد أهم الركائز الدينية عندهم - للمبادرة في الاستفادة من هذه الفرصة لتحويل البحرين - على تعبيرهم - إلى بلد سني بحق، بدلا من وضعها الحالي بالغالبية الشيعية.
4 - قد لا يكون إحداث الخلل في التركيبة السكانية هو الهدف النهائي من هذه العملية وإنما الهدف هو تحجيم الطائفة الشيعية المعارضة وتقليص نصيبها من المقاعد البرلمانية كما حصل في الانتخابات البلدية وما صاحبها من عمليات مغالطة تعمدت الحكومة التستر عليها فكانت النتيجة هي حصول التيار الشيعي على 23 مقعدا وهو الذي يشكل نسبة 70% من الشعب، مقابل 27 مقعدا سيطر عليها أبناء السنة.
والمضحك المبكي في هذا الأمر هو محاولة إضفاء طابع الوحدة بين دول الخليج على هذه العملية والإشارة إلى التنمية الاقتصادية والبشرية وزيادة حجم الاستثمار في البحرين من خلال تقديم التسهيلات لمواطني دول مجلس التعاون. وهذا ما أشارت له التصريحات الحكومية الرسمية وما حاول الإعلام المحلي ترسيخه في عقول البسطاء من الناس باستخدام الأقلام المأجورة أحيانا وبالضحك على الأقلام السطحية أحيانا أخرى.
ولست أرى حقيقة ما هو موقع الوحدة الخليجية وما هو مدى ارتباطها بهذا الموضوع، لا سيما وأن هذا القرار قد اتخذ بصورة فردية من قبل السلطات البحرينية وبمعزل عن باقي الدول التي من المفترض أن تمثل أركان الوحدة.
فالوحدة الأوربية مثلا - ليس الوحدة الكاملة وإنما وحدة العملة والسوق الأوربية المشتركة فقط - قد أخذت قسطا ليس باليسير من المداولات والمناقشات التي امتدت على مدى أعوام، ثم لاقت ما لاقت من معارضة ورفض من قبل البعض والتحفظ والتريث من قبل البعض الآخر. فهل يا ترى يمكن لأصغر دولة خليجية وأضعفها اقتصاديا أن تتخذ قراراها بتوحيد المنطقة وتشرع في التنفيذ دون الرجوع إلى الآخرين وكأن لها اليد الطولى والزعامة المطلقة في المنطقة؟
أما حجة التسهيلات والتنمية، فتلك حجة مردود عليها لما يعتريها من مغالطة فاضحة. فالتسهيلات لا تقدم عن طريق منح الجنسية وإنما سن التشريعات وتقنين القوانين التي تضمن تقديم أفضل الخدمات لاستقطاب المستثمرين سواء الخليجين أو غيرهم. كما أنها تكون محصورة في فئة المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال وليس بالصورة المطروحة وهي الإطلاق العام لكل من هب ودب.
هذا من جهة، أم امن الجهة الأخرى فإننا نلاحظ أن مملكة البحرين قد عقدت مجموعة كبيرة من الاتفاقات الدولية التي تصب في مصب التعاون التجاري المتبادل، وهذه الاتفاقات طبعا لا يمكن لها أن تترجم إلى أرض الواقع إن لم ترافقها بعض التسهيلات. من بين الدول التي كانت طرفا في هذه الاتفاقات كانت المغرب وتايلاند وماليزيا.. فهل يا ترى سينتظر سكان هذه الدول صدور قرار بحقهم في الحصول على الجنسية البحرينية للحصول على التسهيلات اللازمة؟
إن مفهوم التنمية الوطنية يتعارض تماما مع مفهوم الوحدة بالشكل المطروح، بل يعمل عكسه. فالتنمية الوطنية تقتضي رفع المستوى المعيشي لأبناء الوطن وتحسين مستوى دخل الفرد وتوفير فرص العمل وما إلى ذلك من المتطلبات التي ينبغي توفير مخصصات مالية ضخمة للإتيان بها والتكيف معها. إلا أن أهم المعيقات التي تحول دون المضي فيها هو ضعف الموارد الاقتصادية من جهة وزيادة عدد السكان من جهة أخرى.
ولعلنا نرى أن المواطن في الوقت الحالي على سبيل المثال يتقدم بطلب للحصول على وحدة سكنية أو قرض لتوفير المسكن الملائم فيضطر للانتظار ما بين ثمان إلى عشر سنوات على أقل تقدير وذلك بسبب حجم الطلبات. فكيف سيكون الحال مع هذه الزيادة السكانية المفاجئة وغير المحسوبة أصلا!!
كذلك هو الحال بالنسبة لأعداد المواطنين العاطلين عن العمل والذي كان سببا مباشرا في تقجر الوضع السياسي في الآونة الأخير في البحرين والذي كان من بين نتائجه السلبية الجمة إزهاق أرواح أكثر من 40 مواطنا ودخول ما لا يقل عن عشرة آلاف مواطن للسجن وتعرضهم للتعذيب والتنكيل على أيدي المرتزقة والجلادين.
هذا إلى جانب الكثير من الظواهر الاجتماعية السلبية التي أفرزتها عملية التجنيس العشوائي والانفتاح اللا عقلاني الذي تشهده البلاد..
إلا أنه من المؤسف حقا أن تتجاهل الحكومة كل الأصوات الشعبية المنددة بهذا القانون، وتغمض عينيها عن التحاليل السياسية والاجتماعية لمثل هذا الإجراء، فتختار أن لا تسمع سولا صوتها وأصوات الأبواق الإعلامية التي اعتادت على التمجيد في كل قرار يصدر عن الحكومة.
ولست أستغرب من هذه الأقلام وهذه الأبواق الإعلامية إذا ما امتدحت إلغاء قانون التجنيس في المستقبل واعتبرته خطوة حضارية وتنموية، إذا ما تراجعت الحكومة عن هذا القانون. فهذه الأبواق لا تتكلم في هذا الشأن وغيره من واقع قناعة وإنما فقط لأن ولي الأمر قال والقول منه فصل ولا جدال فيه.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف