د. الطيب البكوش:إن مساعدة الشعب العراقي أعسر تحت الاحتلال، ولكنها ممكنة ومفيدة...
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
حاوره في تونس: حكمت الحاج
&
إيلاف -&تونس: يشغل د. الطيب البكوش منصب رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان ومقره تونس. وهو إلى ذلك أستاذ جامعي وعالم لسانيات له في هذا المضمار مساهمات عديدة. من أهم مؤلفاته نذكر "تطور العلاقة بين السلطة السياسية والحركة النقابية في تونس" و"حقوق الإنسان ومنظمة العمل الدولية" و"الخليج بين الهيمنة والارتزاق".... وله تحت الطبع "مقالات مختارة حول الاسلام وحقوق الانسان".. التقيناه في مكتبه بالمعهد، فكان هذا الحوار:
&
إيلاف: تطرح بعض أدبيات "العولمة" موضوع انحسار دور منظومات حقوق الإنسان في العالم الغربي. وبما أن العالم العربي يعتبر نفسه، بشكل أو بآخر، جزءا من آليات الصراع إن مع العولمة أو ضدها، كيف ترون إلى مصير حركات حقوق الإنسان في العالم الثالث عامة، وفي العالم العربي بخاصة، وهل حقا سيأتي الوقت الذي تصبح فيه الدعوات من أجل الإنسان العربي وحقوقه، في حكم الماضي؟
&
د. الطيب البكوش: إذا كان كلّ شيء سائرا في طريق العولمة انطلاقا من الاقتصاد والاتّصال، وإذا كان "الإرهاب" ذاته "يتعولم" أكثر فأكثر، لأسباب موضوعية هي من إفرازات العولمة بالشكل الذي يُراد لها أن تكون عليه، فلماذا تستثني منظومات حقوق الإنسان؟ ليس من المنطق في شيء أن تكون العلاقة في تناسب عكسي. بيد أنّ ما يجب تأكيده هو أنّ بعض الأحداث قد استغلّتها الدعاية الموجّهة للتراجع في مكاسب هامّة في مجال حقوق الإنسان، كما حدث في بعض كبريات الديمقراطيات الغربية، كالإيقاف اللامحدود بدون حجّة وبدون محاماة كما لو أنّ المتّهم هو الذي يجب أن يثبت براءته، وكهتك الحياة الخاصّة بالتجسّس على المكالمات والمراسلات الخ....
&
إيلاف: هل أنتم ضد العولمة، كما يمكن أن نفهم من كلامكم؟
&
د. الطيب البكوش: لا أعتقد أنّ القضيّة هي أن نكون مع العولمة أو أن نكون ضدّها، وإنّما القضيّة هي أيّة عولمة نريد، وما محتواها؟ أو، بعبارة أخرى، كيف نتجنّب سلبيات العولمة، ونستفيد من إيجابياتها؟ أو، كيف نكون فاعلين في خضم العولمة،& بدل أن نكون بلا حول ولا قوّة؟ هذه الأسئلة، في نظري، أهمّ من سؤالك ان كنت مع العولمة أو ضدها، لأنّ في ذلك تسطيحا للقضيّة وبقاء على حافة الطريق. أمّا أثر ذلك في حركات حقوق الإنسان في العالم الثالث عامّة والعالم العربي خاصّة، وهل تؤول بها الأوضاع إلى الذوبان، فإنّ الأمور في رأيي أعقد من ذلك، ولا أظنّ أنّ الدعوات من أجل الإنسان العربي وحقوقه، تصبح في حكم الماضي.
&
إيلاف: ولكن ما نراه وما نعيشه الآن، في هذه المرحلة بالذات من حياة العالم العربي، ألا يزعزع لدى المواطن ثقته ببعض الأفكار والطموحات، ولتكن منها قيم حقوق الإنسان؟
&
د. الطيب البكوش: قيم حقوق الإنسان يمكن أن تُصابَ بانتكاسة ظرفية نتيجة الحروب ومظاهر العنف والإرهاب في مناطق من العالم، لكنّها تبقى سائرة رغم ذلك في اتّجاه التاريخ، وتمثّل طموحا إلى الأفضل، وموجّها للتطوّر الاجتماعي والسياسي نحو مزيد من الديمقراطية والمواطنية. فلا نتصوّر الشعوب الغربية التي ترسّخت فيها قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان ترضى باستلابها والتفريط فيها مهما كانت الأسباب أو التعلاّت. كما لا أتصوّر أن تبقى الشعوب العربية متخلّفة عن شعوب العالم في هذا المجال إلى ما لا نهاية له، لأنّ ذلك، إن حصل، يعني خروجها من التاريخ إلى مزابله وهوامشه. وفي هذا الصدد نرى انه من الضروري العمل على تقليص الفجوة بين الشعوب وحكّامها بالحدّ من التناقضات بين طموحات الشعوب ونخبها، والحسابات السياسية لأنظمة الحكم، فالحد من التناقضات يتضمن الحد من كلفة التضحيات التي هي اليوم باهظة جدّا في العالم العربي، ولما فيها من هدر للطاقات وكسر للهمم ودفع للإحباط أو إثارة للنقمة والفتن.
ومهما يكن من أمر، فإنّ تطوّر الشعوب، ومراكمة المكاسب إنّما يحسب بالأجيال لا بالسنين. وعلى كلّ جيل أن يؤدي ما عليه.
&
إيلاف: في السياق نفسه، وفي الجانب الآخر، تتعالى الآن أصوات عربية ناشطة في مجال حقوق الإنسان، تدعو إلى الاهتمام بـ "القضايا الكونية الكبيرة"، كما يحلو لها أن تصفها، على حساب ما تدعوه تلك الأصوات بـ "القضايا الصغيرة المحلية".. بمعنى: التغاضي عن الخروقات التي تستهدف حقوق الإنسان في كل بلد على حدة، وإيلاء الاهتمام بمسائل مثل العولمة والهيمنة الأمريكية والصراع الفلسطيني الإسرائيلي والقضية العراقية الراهنة. كيف تنظرون إلى هذه الإشكالية من موقعكم وموقع مؤسستكم؟
&
د. الطيب البكوش: هذا الطرح يبدو لي مغلوطا إن لم يكن خطيرا. فهو يتغاضى عن وجه هامّ من أوجه القضيّة، ألا وهو وجه التفاعل والتكامل بين القضايا المحلية والقضايا الدولية. وأخشى أن يكون الدافع إليه الشعور بالعجز عن القيام بالواجبات الوطنية لأنّها أشقّ وأخطر. وكأنّما يستغلّ الظرف الدولي المتردّي تعلّة للهروب من مواجهة الوضع العربي الذي هو أسبق تردّيا ولا يقلّ رداءة.
فلمَ لا نتّعظ بالتاريخ القريب جدّا منّا حيث فشلت جميع التجارب والاختيارات القائمة على المفاضلة بين القيم ومنطق الاولويات المزيفة؟ ماذا كان مصير أنظمة الحكم التي توهّمت التفوّق في المجالات الاقتصادية والاجتماعية على حساب مجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ ما الذي آلت اليه اليوم، وخلال العقدين الأخيرين بالتحديد؟
&
إيلاف: تقصد وطننا العربي؟
&
د. الطيب البكوش: ألم تستغلّ، في وطننا العربي، أولوية الصراع العربي الصهيوني، ومقاومة الإمبريالية، للقيام بانقلابات عسكرية متتالية ولتهميش الشعوب بدل تشريكها في هذا الصراع؟ فماذا كانت النتائج؟ أليست بادية للعيان؟
&
إيلاف: إذن، نطرح ذلك السؤال الذي أضحى تقليديا، ما العمل؟
&
د. الطيب البكوش: إنّ ما يجب التأكيد عليه بقوّة هو أنّ الشعوب العربية عامّة ونخبها خاصّة مفروض عليها اليوم أكثر من أيّ وقت مضى أن تناضل على جبهتين، لا غنى لإحداهما عن الأخرى:
فعلى الجبهة الداخلية، المحليّة والوطنية والإقليمية (أي المنطقة العربية) يجب العمل على نشر الوعي بحقوق الإنسان وثقافتها، وغرس روح المواطنة وبناء مجتمع مدني له كلمته في الاختيارات والسياسات، فهذا الذي يكسبها وزنا ومصداقية، على الصعيد العالمي، حيث يمكن أن يقرأ لها حساب. فإذا كانت القوى العظمى في العالم تستخفّ بالحكّام العرب عموما، ولا تقرأ لهم كثير حساب في سياساتها في المنطقة فذلك لأنّها تعرف جيّدا نوعية السند الشعبي، أو غيابه كليّا.
ولا يعني هذا منح الأوضاع الداخلية كل الأولوية، فأنا لا أرى ما في هذا المجال بمنطق الاولويات، لأنّ الأوضاع تقوم على منظومات متكاملة. فالواجب يقتضي أيضا، على الجبهة الثانية، تكثيف التكاتف والتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني في العالم وطنيا وإقليميا ودوليا، من أجل مزيد الاهتمام بقضايا العولمة وهيمنة القوى العظمى، ومزيد الاهتمام بقضايا العنف والإرهاب الذي يجب الاتّفاق على تحديده وتعريفه وتجنّب خلطه بغيره مثل مقاومة الاحتلال كما في فلسطين والعراق مثلا حيث تُنتهك أبسط حقوق الإنسان والشعوب انتهاكا خطيرا للغاية لا مجال للتغاضي عنه.
&
إيلاف: عودا إلى موضوع القضية العراقية والأوضاع الناجمة بعد تحرير/ احتلال العراق، ما هو دوركم تحديدا، كمؤسسة، في ترسيخ، ومن ثم، حماية حقوق الإنسان في العراق؟ وهل في الأفق من خطة ما يتوخاها المعهد لمساعدة هيئات المجتمع المدني هناك من أجل التبصر والوعي بأهمية منظومة حقوق الإنسان ودورها في عراق ديموقراطي تعددي جديد؟
&
د. الطيب البكوش: عندما يجري الحديث عن حقوق الإنسان في العراق قبل الاحتلال وبعده تختلط الأمور والأوراق بشكل لا يخلو من الغرابة، فقلّما يقع التمييز بين انتهاكات حقوق الإنسان الداخلية، أي التي مردّها طبيعة نظام الحكم الاستبدادي الجاثم منذ عقود، والانتهاكات الطارئة التي مردّها الهيمنة الأجنبية.
فالأولى أساسا سياسية تتعلّق بالحريات العامّة المدنية والسياسية ورفض أيّة معارضة أو نقد، وقمع كلّ محاولة بقسوة لا تناسب فيها بين الفعل والعقاب لكنّ العوامل الخارجية قد استغلّت الحروب التي خاضها النظام العراقي لتفرض على الشعب عقوبات وحصارا لا إنسانيا نتجَ عنه انتهاك جميع حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فضلا عن المدنية والسياسية. وانجرّ عن ذلك موت عشرات الآلاف، أي ما يكاد يعادل ما قصفته الحروب من أرواح. هذا الوضع الذي فرضته الإدارة الأمريكية هو الذي سهّل عليها احتلال العراق عسكريّا بخرق جميع القوانين الدولية خرقا فظيعا قائما على الكذب والمغالطة.
&
إيلاف: فما الذي يمكن القيام به للنهوض بحقوق الإنسان في العراق؟
&
د. الطيب البكوش: يعتزم المعهد العربي لحقوق الإنسان تنظيم ندوة خاصّة بالعراق في أواسط شهر تموز يوليو 2003 على هامش دورة "عنبتاوي الثالثة عشرة" واجتمع مجلس الإدارة للتباحث في هذا الموضوع بالذات. وأظنّ أنّ ما يمكن القيام به عربيّا وكذلك دوليّا هو أوّلا مساعدة المجتمع المدني العراقي على التنظّم والاضطلاع بمسؤولياته الوطنية عبر مؤسسات يجب أن تنشأ.. وهنا تبرز مسؤولية نظام الحكم عندما يلغي مؤسسات المجتمع المدني. لننظر كيف استطاع لبنان أن ينظم حياته أثناء الحرب الأهلية رغم غياب الدولة، بفضل المؤسسات غير الحكومية. أمّا الحكومات التي تدّعي تعويض مؤسسات المجتمع المدني المستقلّة عنها فإنّها تقتل روح المواطنة وروح المبادرة وتجعل الوطن يسقط بسقوطها ولو لمدّة، أليس في ذلك جريمة في حقّ الوطن؟
إن مساعدة المجتمع العراقي أعسر تحت الاحتلال ولكنّها ممكنة وذلك بحثّ النخب على التنظّم والفعل ومساعدتها بشريّا وماديّا وتقديم الخبرة وتشريكها في الدورات التكوينية خارج العراق وداخله إن أمكنَ.
&
إيلاف: ومن سيقوم بهذا؟
&
د. الطيب البكوش: بالتأكيد، ليست الحكومات التي ينصّبها الاحتلال هي القادرة على تحقيق الديمقراطية والتنمية الشاملة وإنّما القوى الوطنية المؤمنة بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. وإنّنا نأمل أن تتمخّض الندوة المشار إليها عن خطّة عمل قابلة للتنفيذ لفائدة الشعب العراقي.
&