أخبار

لماذا البكاء على زرقاء اليمامة؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
محمد البدري
&
&
سقطت اليمامة ولو كره المؤمنون. حقيقة موجعة لمن كان يؤمن بالعروبة وتوابعها الثقافية وفي قلبها الإسلام الوهابي أو علي الأقل الأصولية الدينية. بينما السقوط الدرامي لم يكن غريبا بل كان متوقعا لكل ذي عقل يحمل قدرا يسيرا من المنطق والمعرفة العلمية وإدراك تاريخي لمجريات الأحداث. لماذا كان علي بغداد أن تقاوم؟ ولماذا ترتفع أصوات تعزف الحان جيفارية وهم من الجيفارية براء؟ لماذا يحارب العراقي ولمصلحة من بعد أن فقد إنسانيته وبعد أن فقد وطنه لصالح حزب وعصابة قومية ترفع شعارات ومضامين دينية واسلامية علي وجه التحديد.
لقد سقطت بغداد في الزمن القديم ولعل سقوطها الذي يبكتنا عليه هواه السير عكس التاريخ كانت له نفس المقدمات من تفسخ داخلي وفوضي اجتماعية وأكاذيب سياسية. وهي أسباب تجعل السقوط حتمي دون احتياج إلى كل هذه التكنولوجيا الأمريكية. والتراجيديا الحقيقة التي أخرجت كل من ادعي العروبة أو الإسلام السياسي أن ميكانيزمات التحولات الاجتماعية من ثورات اجتماعية وحراكات طبقية أصبحت ممتنعة ولا يتوقع ظهورها مطلقا تحت مثل هذا النوع من الحكم. ما يميز الشرق الأوسط بكاملة تقريبا أن النظم السياسية التي تحكم وتتحكم في أوطانها ليست سوي تنويعات علي نفس اللحن العراقي. والفرق يكمن في الدرجة وليس النوع. الممول الداخلي لجهاز القمع الحاكم من ثروات وضعت السلطات اليد عليها تشرح الفروق في الدرجات بين الأنظمة. حجم المح المغذي لجسد السلطة في كل كيان وطني يعكس طرديا مدي الاستبداد وامتناع الحريات.
بغداد التي كان دخولها زائرا أو حاجا أو مناضلا ثوريا في زمن القومية الردئ مشروط بالتنازل عن العقل والشرف واعتبار المثقف الزائر أو المقيم من مكونات حذاء الحاكم طالما ارتفع خواره بالقومية. بغداد المقدسة بعثيا وصداميا كانت تقبل فقط من يخلع شرفه الثقافي علي أبوابها كما يخلع المؤمنون أحذيتهم علي أبواب المسجد. كانت بغداد عذراء لا تقبل من انتصبت كرامته الثقافية. كانت تقبل الديوث لكي يهلل وهو يري شعبها مستباحا. وتقبل اللصوص والمرتشين لحساب لص بغداد ولتبرير قطع كل طريق علي المساهمة في صنع الحضارة والتاريخ. هكذا وقف العراقيون يهللون لفض بكارة زرقاء يمامتهم المستعصية دون أدني خجل. فهي لم تكن يمامة أو زرقاء بل كانت وكرا لحزب البعث. بل ظلت عذراء وغير قابلة لإنجاب المخلص. كانت مقبرة للشعب حيا ومجمع جثث في مقابر جماعية.
كانت اليمامة بوابة الاستباحات لكل العواصم الأخرى التي لم يصل فجورها إلى فجور عاصمة العباسيين وحاضرة الثقافة العربية عشية استباحتها الأولى زمن هولاكو. لم تكن لها بكارة ولم تكن هناك صخرة كالتي تغلق مغارة علي بابا ليتحطم عليها قوات العلوج. بل كان فض عاصمة العباسيين بأسهل من قولة افتح يا سمسم الشهيرة. هكذا سلمها اللصوص ضمانا للإفلات ذلك لانهم لصوص.
من يتأمل كيفية السقوط علية بالرجوع إلى العلاقة التاريخية للفرد المواطن وبالوطن المصادر. هويته التي كرستها العروبة والأصولية بأنه رعية وكرسها لص بغداد بأنه مفعول به علي رأس المقبرة الجماعية. الشرف مسلوب والكرامة ليست في قاموس البعث. قالها الزعيم الملهم بكل أفانين التخريب في خطاب أثناء حرب الخليج الأولى عندما سُؤل عن كل هذه الصور والتماثيل. أجاب قائد النشامي: اذهب إلى جبهة البصرة واسأل أي امرأة عراقية استشهد زوجها أو ابنها في قادسية صدام. ستجد إجابتها: هو استشهد من أجل البعث والحزب وصدام.
لم يذكر قائد النشامي العراقي لم يدر بخلد لص بغداد انه مازال في حمي وطن وما اعتبره وكرا له. ربما لانه يدرك أن الوطن سيكون ضده يوما ما ولن ينقذه شئ من غضبة لذا نفاه في وعيه قبل أن ينفيه الوطن. لقد هرب منه واهما انه قد افلت. لكن أين المفر والعالم كله يتطهر من تلك الأوكار. لهذا لم يهرب لانه لا عاصم اليوم.&&&
قالها العراقي في استفتاء علي قارعة الفضائيات عند دخول العلوج عاصمتهم. وقالها أيضا الجزائري في موكب شيراك. ورود وهتافات وترحيب. حب الوطن مفقود عندنا، فعلموه لنا. مخلصنا من خارج عشيرتنا وإيماننا ناقص في ظل عروبتنا رغم أننا مسلمون. عروبتنا& تميد الأرض من تحت أقدامنا. وبالتالي فإن إيماننا ناقص علي اعتبار أن حب الوطن من الإيمان..
يقول المواطن العراقي: ربنا لا تؤاخذنا بما قاله السفهاء عنا. اتهمونا بالخيانة لان بغداد لم تقاوم. يريدوننا أن ندافع عن اللصوص وقطاع الطرق. بل هم السفهاء ولكن لا يعلمون.
العقل القومي العربي الأميبي البسيط يفرز أيضا أفكارا سهلة وبسيطة، الخيانة فما أسهلها من وسيلة للوصول للذة السياسية وادعاء الوطنية وتبرير ما حدث. الغدد الليمفاوية للمثقف القومي العروبي المصنف أميبيا في سلسلة الفقاريات المنزوعة العقل لم يسأل نفسه لماذا كل هؤلاء الخونة؟ والادهي أن يوجد بينهم أطفال ونساء وشيوخ. لم يسأل ولن يسأل العقل الأميبي نفسه سر توتر العلاقة بين المواطن والوطن عندما تصبح العروبة علما والأصولية دينا؟
الاستباحات والترحل حيث الكلا والإقامة الترانزيت مع ظل نخل أو حول بئر ماء كلها تصب في ثقافة أبو زيد الهلالي لص اليمن وتونس الخضراء. يقيم في الأوطان لانتاج الجدب وانتظار الفاقة ثم الترحال. هكذا يبقي شعر البكاء علي الأطلال حيا وفي ذاكرتنا متجددا مع كل فتح عربي أو ثورة قومية يستبيح الوطن والمواطن. الأرض عند العربي هي للوطئ. يدوسها فكيف تكون لها قدسية.
الفلاحة نقيض البداوة والترحل عندها كفر. الأرض لها قداسة عندئذ عرف البشر معني الوطن. وعندها أيضا وفقط يؤرخ للحضارة. لم يرحل فلاح من أرضه إلا تحت زعامات عروبية وتوهمات إسلامية. لأنها رايات مجدبة تكره العمل والإنتاج. تخريب ما وجده العرب يوما وطنا واجب قومي وفريضة أصولية.
مُزقت الأوطان بالعروبة والدين. تتجاذبه هويه ارتجالية. قيل للمواطن زورا أنت عربي. خلعت وبترت تاريخه من علي أرضه في انتظار مقبرته الجماعية. بعد كثرة الترحال والبتر والاغتراب قيل له كن مجاهدا. هكذا بدأ في الترحال الديني فتحول إلى مرتزق مقدس. ملاحق من الجميع. وصمه الإرهاب بمسماه. في أفغانستان كان جهادهم الأصغر لصالح عصابة لا ترعي أية حرمة. وفي بغداد يصب جهادهم لصالح لص بغداد. إذا كان هذا ما أسموه الجهاد الأصغر فما هو الأكبر؟
هل كان فلاح الأرض والحرفي والصانع في الورشة والمصنع كفارا؟&&
لقد خضع مفهوم الوطنية إلى عملية غش تاريخي منذ أن تعرفنا علي العروبة. ما صنعه المصري والعراقي منذ فجر التاريخ وقبل أن يستضف العربي المترحل عليه اعاده صنعة ثانية. عليه باختراع الوطن ثانية لكن بشروط جديدة. وعلية فحص كل ما قيل له يوما أنا المقدس وأدي إلى استبعاده من الحياة والعمار. أنسوه حكمة أجداده حيث الأرض قبل السماء والإنسان قبل الإله. لقد تحولنا من صانعي حضارة في ظل العروبة وتوابعها المقدسة إلى سكان ترانزيت بالضرورة. ونتبخر عندما تصبح السماء في خطر. هكذا تتخلق خيارات الهجرة واستبدال الوطن بالمنفى ( الباء عندي لا تدخل علي المتروك ). ونصبح مطاردين لا مأوي إلا في جوانتنامو.
خوفي أن يبدأ الكتبة من مثقفي الحظيرة العربية والإسلامية كتابة التاريخ بعد سقوط بغداد الحالي. ربما يقرأ أطفال المستقبل أن بغداد كانت عاصمة النور فبل أن ينتهكها العلوج الأمريكان. فلغتنا الجميلة والمخادعة والمضللة في كثير من الأحوال لها ارتباطاتها الشرطية على طريقة بافلوف وهو ما يعتمدوا عليه كما اعتمدوا عليه في الماضي. فشرط السقوط أن شيئا ما كان قائما. هكذا يتوهموا وجود حضارة في الحاضرة التي سقطت وينسجوا حول اللفظ بيتا من خيوط البعث والعنكبوت.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف