ثقافات

المخرجة المغربية نرجس النجار: "أنا لست مناضلة في الحركات النسائية ولي نظرة أكثر قسوة تجاه للنساء"

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تتحدث المخرجة المغربية نرجس النجار في حوارها مع "إيلاف" عن فيلمها "العيون الجافة" الذي شارك في الدورة الأخيرة من مهرجان "كان" السينمائي، وتثير موضوع اختيار العنوان ودلالاته.
كما توضح دواعي اختيار الألوان وتوظيفها في الفيلم، وتقول إن المشروع في البداية كان مشروع "فيلم وثائقي". وتجيب عن بعض اختياراتها الجمالية والفنية. تؤكد نرجس النجار أنها ليست مخرجة مناضلة في الحركات النسائية، وأنها أكثر قسوة على النساء.&
&
- لماذا اختيار "العيون الجافة" عنوانا لفيلمك الجديد، ألهذا علاقة بمكان تصويره (ضواحي مدينة خنيفرة)، هذه المنطقة تعرف وجود عدد من العيون، منابع المياه؟
- لا علاقة بالعنوان بالفضاء الذي صور فيه الفيلم وتحدث عنه.
&
- ولماذا تم اختياره إذن؟
- للعنوان ارتباط بشخصيات الفيلم وليس بفضائه. أعرف أنه لا وجود لإنسان ذي عيون جافة، حتى الأشخاص القساة لا يملكون عيونا حافة. إنه عنوان فيلم يريد أن يقول أشياء أخرى غير العيون الجافة. اخترت هذا العنوان لسبب بسيط هو أنني أريد أن أتحدث عن المظاهر وأركز عليها، عندما نلتقي شخصا لأول مرة ينتابنا إحساس بأننا قادرين على معرفة دواخله.
إنني أردت أن أتحدث عن شيء آخر عن كنه هذه الشخصيات، فهؤلاء النساء- شخصيات الفيلم، مومسات، ولأن كل المجتمعات تنظر لهن بنظرة دونية، فإنني حاول أن أعرف من بعيدا عن المظاهر. لا أخفي أنني أردت أن ألعب على المظاهر كذلك، وبل معرفة نظرتهن لأنفسهن، سؤالي كان أثناء اختيار العنوان هو "هل تعتقدن أنكن هن تلك النساء اللواتي تعتقدن أنكن". هذه هي فكرة العنوان.
&
- في هذا الاتجاه كان توظيفك في إخراج الفيلم على الألوان وعلاقة ذلك بالدعارة والبغي؟
- سأقدم لك مثالا عن الألوان أولا، عندما أسافر في المغرب، أول شيء يصادفك عند بلوغ مكان وفضاء جديدين هو "جمال الطبيعة والانبهار بألوان الفضاء". في فيلمي أردت أن أوظف هذا الجمال الطبيعي، أردت أن أذهب أكثر بتعرية هذا الجمال الطبيعي كي يكتشف المشاهد أن داخل هذا الجمال الساحر مآسي إنسانية كبيرة. لذا اشتغلت بشكل كبير على الألوان والإطارات وكل ما له علاقة بالتشكيل.
- حتى خلال مقاربتك لما تعتبرينه مآسي إنسانية من خلال شخصيات الفيلم كان هناك جوانب إيجابية غناء المومسات ولباسهن وإعجابهن بالحياة؟
- اللباس وما شابهه مجرد مظهر.
&
- النساء كن دائمات الابتسامة وترددن الأغاني، هذا هو الجانب الإيجابي الذي قصدتيه؟
-إن غالبية الممثلات اللواتي لعبن في الفيلم مومسات، عندما التقيت بهن وجدتهن كما قلت، دائمات الابتسامة وترديد الأغاني. أثناء التصوير لم أطلب منهن المبالغة في الضحك أو الغناء، إنهن في الحياة كما شاهدتن في الفيلم. كن طبيعيات، يعشن ربما دون اكتراث بما يقمن به، وأوضح أن مومسات المدن مختلفات بشكل جذري عن مومسات البوادي. رغم كل المآسي الاقتصادية والاجتماعية يقبلن على الحياة، ربما يأخذن هذه القوة من خلال الطبيعة الساحرة التي تحيط بهن.
&
- أنت كاتبة السيناريو، هل اعتمدت في ذلك على قصة واقعية أو بحث ميداني في كتابة هذا السيناريو؟
- في الأول كنت أريد أن أنجز مشروع برنامج وثائقي على ظاهرة البغاء الاجتماعية، عندما التقيت النساء فهمت أنهن لا يردن برنامجا وثائقيا، ذلك لصعوبة الحديث عن حياتهن، لذا، وكما قلت لك في السابق، أن المشكل الذي ركز عليه الفيلم هو "المظاهر" من نظرة الآخر لما نقوم به.
نساء المنطقة قلن لي "نرجس لا نريد أن نتحدث عن حياتنا، حين نريد أن نتحدث عنها معناه أننا نقبل هذه الحياة، ونحن نرفض ذلك وسنواصل رفضنا لهذه الحياة ولهذه المهنة". لذا فكرت وقلت أن تحويل الوثائقي إلى فيلم سيساعدني أكثر على معالجة الظاهرة والتركيز على البعد النفسي للشخصيات بحرية كبيرة. الفيلم يمنحك حرية أكبر في معالجة الظاهرة من الزاوية التي يريدها المخرج، أما البرنامج الوثائقي كان سيدفع بعدد من النساء إلى اللجوء إلى "تأليف قصص ليست بالضرورة حقيقية عن واقعهن".
&
- كم من وقت تطلب منك كتابة السيناريو؟
- من عادتي أنني أكتب بسرعة كبيرة، كتبته من شهرين إلى ثلاثة أشهر.
&
- هل الفضاء الذي كنت تريدين أن تنجزي فيه الربورتاج هو المكان نفسه الذي اخترته لتصوير الفيلم؟
- نعم كان هو الفضاء الذي صورت فيه الفيلم. هناك مستملحة حدثت لي في المنطقة، بقرية "تيزي"، فضاء الفيلم، كنت أعرف شخصا، أخذني إلى أخ له يقطن رفقة زوجته، بعد أن أثرت معه موضوع قصة الفيلم قال لي هل تريدين أن تعرفي قصة أخي وزوجته، فبدأ في سرد القصة، في هذه القرية يوجد عدد كبير من المومسات وفطن الرجال أن النساء اللواتي يلفتن انتباههم من المومسات، لذا فكر هؤلاء الرجال في الزواج من المومسات، على شرط أن لا يقترب منهن إلا بعد ثلاثة أشهر من الزواج حتى تستعد عافيتها ونقاوتها، وبعد هذه المدة يقدمها لعائلته وأصدقائه.
&
- هذا ما يظهر من خلال شخصية السيدة التي خرجت من السجن وقررت العودة إلى القرية؟
- بشكل من الأشكال، فهي قضت في السجن فترة أعادت من خلالها توازنها النفسي، ونسبت الموضوع.

- في الفيلم تظهرين قرية كلها نساء، ما حدود الواقعي والتخييلي في تلك القرية؟
- لا وجود لقرية كلها نساء في نواحي خنيفرة، زرت نساء قرب مدينة أزرو وجدتهن يعشن ما يشبه كهوف، من هنا جاءتني فكرة قرية لا يوجد فيها إلا النساء. اختيار فضاء خاص بالنساء كان كذلك من خلال رغبتي في خلق فريقين فريق نسائي وفريق رجالي كل واحد بعيدا عن الآخر، وهذا يساعد بشكل كبير في معرفة دواخل كل فريق، وهذا ما لاحظته من خلال حياة النساء في جو من الفرح والحبور بعيدا عن نظرة الجنس الآخر التي "تدنس". لذا خلقت عالمين آخرين.
&
- اختيار موضوع كهذا ومعالجته بالطريقة التي قدمتها أهو نابع من نضالك في الحركات النسائية؟
- أنا لست مناضلة مع الحركات النسائية، وستلاحظ أنه في فيلمي المقبل سأتحدث عن الرجال وأدافع عنهم. تعرف أن لي نظرة أكثر قساوة اتجاه للنساء مقارنة مع الرجال، والسبب هو أنني ألاحظ أن النساء في الوقت الحاضر يعتبرن أنفسهن ضحايا، وينسين أنهن هن من يربي الأطفال.
&
- في فيلمك "العيون الجافة" هل تعتقدين أن النساء كن قادرات على تغيير وضعهن؟
- أعرف أنهن لم يكن باستطاعتهن فعل ذلك، لذا أردت أن أنبه المسؤولين في هذا البلد لخطورة ما يحدث وحتى الحلول المقدمة "صناعة الزرابي في الفيلم" حلول ترقيعية وتهكمية على هؤلاء النساء.
&
- في مشهد في آخر الفيلم تتحدث بطلة الفيلم بطريقة مباشرة موظفة خطابا سياسيا، يقول إن على المسؤولين أن ينتبهوا إلى هذا الوضع وأن يبنوا القناطر، لماذا اخترت خطابا مباشرا، رغم أن الفيلم في عمومه وظف خطابا رمزيا قويا؟
- ولم لا أوظف الخطاب المباشر. بالنسبة لي كان هذا أساسي. وهذا مرتبط بمفهومي للسينما، إنني لا أقوم بالسينما من أجل السينما بل من أجل تمرير خطاب معين، لا يمكن أن أكون مواطنة مغربية في مجتمع مغربي يعيش عدة تحولات على جميع الأصعدة وأقتصر على& سينما لا تخوض في مواضيع مرتبطة بالمجتمع المغربي الذي أعيش فيه. كنت أحتاج إلى خطاب مباشر في المشهد الذي تتحدث عنه، كان ذلك عن وعي كامل مني. ربما قد يكون هذا التوظيف كسر شيئا في خطاب الفيلم بشكل عام.
&
- بالنسبة إليك السينما شكل من أشكال تعرية واقع المجتمع المغربي، وشكل من أشكال العمل على - تغييره والنضال بالصورة؟
ما ذهبت إليه صحيح.
&
- وماذا عن متعة السينما وسحرها؟
- هذا حاضر بقوة، فأنا أقوم بالنضال سينمائيا وفي الوقت نفسه الاهتمام بالصورة وجماليتها والتركيز على الاستعارات. طريقة تعاملي في السينما تعتمد الشاعرية وتحفل بالاستعارة، فأنا جئت إلى السينما من الفنون التشكيلية. أحب كل هذا، لكن داخل كل هذا يجب أن تكون هناك "خطاب مواطن".
&
- يبدو مشهد شارلو في "العيون الجافة" أساسيا، ما دلالات توظيفه، وهل لهذا ارتباط بمرجعية سينمائية معينة؟
- في الكتابة الأولى للسيناريو انتبهت إلى أن من أتحدث معهم من أنباء وبنات الدوار الذي صورته فيه لم يسبق لهم أن شاهدوا فيلما ولا يملك بعضهم حتى جهاز تلفزيون في المنزل. فأعدت كتابة جزء من السيناريو، محاولة تقديم ما يوجد في مخلية هؤلاء النساء عن السينما، فوجدت أن غالبية النساء يعرفن شارلو، وإن لم يرونه. بدا لي أن هذه الشخصية السينمائية معروفة في كل أركان هذا الكون.
&
- هذا يجرما إلى المرجعية السينمائية لنرجس النجار، هل لها ارتباط بسينما شارلي شابلن؟
- هذا التراث السينمائي الملتزم تأثرت به كثيرا، وكنت معجبة به وأردت من خلال مشهد شارلو أن أكرمه وأكرم السينما التي بهرتني وأعجبتني.
&
- الرقصة التي وظفت في الفيلم تبدو رقصة موظفة في مسلسلات سورية، ولا علاقة لها برقصة المنطقة لماذا هذا التوظيف؟
- أريد أن أوضح أن تلك الرقصة ليست سورية كذلك ولا علاقة لها برقصات الأطلس بالمغرب، إنها رقصة لقبائل إفريقية تؤكد على فعل المواجهة. إنها رقصة بدائية. عند توظيفي للرقصة انطلقت من "فكرة" مرتبطة بالحيوان، وهي وضع حيوان في مواجهة آخر. لم أفكر في شيء آخر غير هذا.
&
- كان هناك توظيف للقطات مكبرة، لماذا لم تلتزمي نوعا من الحياد في علاقة الشخصيات بالمشاهد؟
- لا أريد أن أكون محايدة في عملي، وأعمل كل ما في وسعي كي لا أكون كذلك، كان هدفي وسيظل، أن أنقل أحاسيسي للجمهور رغبة في إشراكه معي. إن أول شيء أطلبه من الممثلين الذين شاركوا في الفيلم هو أن يعملوا ليس فقط على إقناعي بل على بلوغ درجة عليا من الصدق تنسيني وأنا أشاهدهم أنني سينمائية، وإذا لم أشعر بصدق إحساس لعبكم فإنني على استعداد لإعادة تصوير المشهد أكثر من عشر مرات حتى أبلغ هذه الحالة.
&
- في الفيلم يحتل الصمت حيزا مهما، صمت الفضاء وصمت الشخصيات، ألهذا علاقة بنقل هذا الإحساس الذي تتحدثين عنه؟
- عندما يبدأ مغربيان في الحديث يتم ذلك بسرعة كبيرة، وهذا ما يجعل من الصعب فهم ما يدور، أما الصمت فهو يعمل فقط على خلق توازن في علاقة شخصية بأخرى، لهذا خلقت هذا الصمت. كنت أرغب في نقل إحساس الشخصيات.
- مقابل الصمت في الفيلم تبدو نرجس النجار الإنسان كثيرة الكلام، لماذا هذا التباين بينك وبين أفلامك وشخصياتها؟
- الكثير من الناس قدموا لي هذه الملاحظة، وأوضحوا أن أفلامي لا تشبهني. أما أنا فأرى أن أفلامي تشبهني. فكثيرا ما ألزم الصمت. ما شاهدته في الفيلم هو عالمي الصامت كذلك. أعرف أنني كثيرة الكلام، وقد يحدث أن أتكلم دون أن أنقل رسالة ما، وفي بعض اللحظات أتخذ ركنا معينا ومن خلال النظرات أمرر رسائل كثيرة، هذا جزء من شخصيتي. أما في السينما فأميل إلى الاقتصاد في استعمال اللغة، وأنا متأثرة كثيرا بالتيارات السينمائية التي تحفل باللغة السينمائية، وتركز على دواخل الشخصيات وتخلق عوالم في محيطها.
أتذكر عندما كنت في مدرسة سينمائية كان الأستاذ يطلب منا أن يعبر كل واحد بطريقته الخاصة، فكنت أختار أن تتواصل شخصيات فيلمي دون توظيف للكلام. بالنسبة لي هذه هي السينما الحقيقية. فالسينمائي الحقيقي هو القادر على جعل شخصياته تتكلم، وفي الوقت نفسه قادر على إيصال رسائل الشخصيات دون اللجوء إلى الكلام.
&
- هذا مرتبط بالسينما الإيرانية، وهو ما شاهدناه في "العيون الجافة" يتقاطع مع هذه السينما؟
- أنا متأثرة بالسينما الإيرانية، ومتأثرة بكل التيارات السينمائية، كما قلت لك، التي توظف لغة سينمائية تجعل الشخصيات تتواصل موظفة لغة بشكل مختصر.
&
- أتعتقدين أن هذا النوع من لسينما له ارتباط بواقعنا المغربي؟
- أعتقد ذلك هذه السينما قادرة على تصوير حياتنا في المغرب. فعندما أصور الطبيعة فإنني أرغب، في سماع صوت الريح عندما يلامس النباتات،
&
- هذا مستمد من الفن التشكيلي؟
- أكيد أن هذا مرتبط بالتشكيل
&
- ماذا عن توزيع "العيون الجافة" داخليا وخارجيا؟.
- أعتقد أن توزيع الفيلم في المغرب سيكون بعد شهر رمضان المقبل. وبعد مشاركته في مهرجان كان الأخير سيسافر كثيرا ويشارك في عدد من المهرجانات، كما أن عشرة بلدان طلبت مني شراء الفيلم، لقي تجاوبا كبيرا سأرافقه إلى المهرجانات الدولية التي أستدعى لها، وصلتني 42 دعوة لحد الآن.
&
- هل يمكن أن تقدمي لنا فكرة عن مشروعك السينمائي المقبل؟
- عندما أنتهي من فيلم أنساه، في الوقت الحالي أركز كثيرا على "العيون الجافة" الأفلام السابقة ليست مرتبطة بي. وأنا الآن بصدد كتابة سيناريو فيلم جديد، وكما قلت، سيكون عن الرجال هذه المرة.
&
- ألا تشبهين المخرجة التونسية مفيدة التلاتلي التي بدأت بصمت القصور وانتقلت إلى موسم الرجال؟
- لم أفكر في ذلك، ربما نحن النساء في حاجة إلى الاختباء بالنساء للمرور إلى عوالم الرجال.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف