الاختلاف والإئتلاف بين يابان الأمس وعراق اليوم
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
&
ما أشبه اليوم بالبارحة.. ذلك قول عربي قديم. وفي حال العراق اليوم ليس لنا من هداية نهتدي بها من التاريخ الحديث غير يابان الأمس، وما فعله الاحتلال الأمريكي بذاك البلد المتعصب لقوميته أشد بكثير من تعصب أهل العراق لقومياتهم، وطوائفهم، ومذاهبهم المختلفة.
إن على العراقيين أن يقرأوا جيداً يوميات الاحتلال الأمريكي لليابان، وما فعله هذه الاحتلال طيلة سبع سنوات (1945-1952)، ويقارنوا بين ما يقومون به الآن وما قام به اليابانيون، لكي يضمّدوا جراحهم التي كانت أكثر إيلاماً، وأكثر غوراً، وأبعد أثراً مما أصاب العراقيون.
&
&الديكتاتورية العسكرية هنا وهناك
&لقد كان سرُّ بلاء اليابان تحكّم الديكتاتورية العسكرية فيها، وهي التي قادتها إلى حروب مجانية وجنونية، منذ مطلع القرن العشرين، وانتهت بنهاية الحرب العالمية الثانية، والتي لم تُجنِ منها اليابان غير الدمار، والانهيار الاقتصادي، والتجاري، والنفسي، والمدني. وما قام به العسكريون اليابانيون من مغامرات عسكرية فاشلة بقيادة الجنرال الياباني توجو Tojo رئيس الوزراء ووزير الحربية، هو ما قام به العسكريون العراقيون والديكتاتورية العسكرية العراقية بقيادة صدام حسين. فاحتلال اليابان لمنشوريا في 1931 تحت ذريعة واهية وملفقة، تذكرنا باحتلال صدام للكويت. وابتهاج رعاع العراقيين ورعاع العُربان بهذا الاحتلال، يذكرنا بابتهاج اليابانيين لاحتلاهم منشوريا. وكما كان العسكريون اليابانيون يسيطرون على الدولة والحكومة اليابانية (1930-1945) فقد كان كذلك حال العراق منذ (1980-2003). ومنذ العام 1980 والديكتاتورية العسكرية العراقية تخرج من حرب لتدخل أخرى مع جيرانها ومع أعدائها، وتتكبد خسائر فادحة أودت بالعراق الغني والمنتج إلى الافلاس والدمار. ولم يكن أمام العراقيين المعارضين في الداخل والخارج غير الاستعانة بقوة أجنبية عظمى لكي تخلّصهم من هذا الكابوس الديكتاتوري العسكري، قبل أن تصبح العراق ملكية "صدامية" متوارثة، كما كان يخطط لها صدام، وكما هو الحال في بعض البلدان العربية الجمهورية، وكما سيتم في بلدان جمهورية عربية أخرى في المستقبل القريب.
والديكتاتورية العسكرية اليابانية كانت تعلم بأن وضعها العسكري تجاه القوة الأمريكية وقوة الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية قوة ميئوساً منها، إلا أن الكبرياء العسكري الياباني التقليدي ظل يرفض الاستسلام إلى أن ألقى الأمريكيون القنبلتين العسكريتين على هيروشيما ونجازاكي في السادس والتاسع من أغسطس 1945، وهو ما يذكرنا تماماً بوضع الديكتاتورية العسكرية العراقية قبل نشوب حرب الخليج الثالثة. ولكن الفرق بين وضع اليابان ووضع العراق أن اليابانيين بعد هذا الرُهاب العصبي المتشنج عادوا إلى العقل، وانحنوا أمام الواقعية السياسية والعسكرية، في حين أن العراق متمثلاً بنظام صدام كابر، وتعالى، وتشنج، وأبى، واستكبر أمام الواقعية العسكرية والسياسية، وما زال حتى الآن في استعلائه، واستكباره، وتشنّجه. وقد التفت حوله الفضائيات العربية التي شبهها الشيخ محمد بحر العلوم رئيس "مجلس الحكم العراقي" بأنها كـ (امرأة أبي لهب، حمّالة الحطب، في جيدها حبل من مَسَد) تسانده، وتذيع خطاباته المعتوهة، وتبثّ بفخر واعتزاز وبأشداق منتفخة أخبار فلول عصابته من اللصوص والمرتزقة الذين تُطلق عليهم زوراً وبهتاناً ودجلاً "المقاومة" في حين أنها لم تُطلق على المعارضة العراقية لنظام صدام المنهار هذه التسمية القومية "المبجّلة"، وهم الفلول الذين يزرعون الموت والدمار في العراق، وتبشّر بيوم عودته الميمونة القريب، لكي يزرع مزيداً من المقابر الجماعية في العراق،وينهب ثروات البلاد، ويعيث بمزيد من الفساد في أرض الرافدين.
&
&نكبة اليابان ونكبة العراق
&لقد جاء الاحتلال الأمريكي لليابان بعد أن فقدت اليابان أكثر من ستة ملايين وستمائة ألف قتيل من جرّاء القصف الجوي الأمريكي. وتمَّ تدمير البنية التحتية اليابانية تدميراً كاملاً، ومُحيت مدنٌ كاملة من على وجه الأرض. وتمَّ تدمير الاقتصاد والتجارة اليابانيتين تدميراً كاملاً، إضافة إلى التدمير النفسي الهائل الذي لحق باليابانيين المعتزين والمتمسكين بقوميتهم، وتراثهم، وعزتهم الوطنية . وبقي الشعب الياباني يعاني من هذه الأمراض النفسية طيلة خمسة عشر عاماً بعد ذلك، إلى أن تعافى وشُفي من هذه الأمراض، وعاد شعباًَ سوياً منتجاً ومبدعاً.
ولو نظرنا إلى ما أصاب العراق اليوم لرأينا أن ما أصابه من دمار وويلات حرب الخليج الثالثة، لا يقاس من قريب أو من بعيد بما حلً في اليابان في العام 1945. وأن حال العراق الآن أفضل بكثير من حال اليابان المعدومة تماماً في ذلك الوقت. وما زالت في العراق الامكانات المادية والبشرية والطبيعية لكي ينهض بسرعة أكبر مما نهضت فيها اليابان. كما أن العراقيين لم يصابوا بذاك الاحباط النفسي العنيف الذي أصاب اليابانيين نتيجة للدمار الشامل الذي حلَّ بهم. بل إن معظم العراقيين من خارج فلول حزب البعث والنظام الديكتاتوري المخلوع ومرتزقته في سعادة كبيرة لتخلصهم من النظام المخلوع. في حين أن لا ياباني وطنياً أو غير وطني كان سعيداً بما قامت به أمريكا من جرائم وفظائع في الشعب الياباني. ويكفي أن نستمع إلى أعضاء مجلس الحكم العراقي المحلي الذي يمثل اليوم كافة الأطياف السياسية العراقية، وحيث لا توجد هيئة حاكمة في أي مكان بالعالم العربي تعكس مثل هذا التنوع، لنتأكد كم هم سعداء بما آل اليه حال العراق اليوم. بل إن بعض المثقفين والسياسيين العراقيين المحترمين كغسان العطية يقولون: "بصراحة، أنا شخصياً أفضل أن تتولى الولايات المتحدة الحكم مباشرة لسنوات عديدة. فبعدما تجولت في أنحاء العراق مؤخراً، وتحدثت مع الناس من مختلف أطياف الحياة، يمكنني القول إن العراقيين يثقون في أميركا أكثر من ثقتهم في سياسيينا المحليين" (جريدة الشرق الأوسط، 17/7/2003).
ومن هنا نقول، أن مستقبل العراق السعيد سيكون أسرع في الوصول مما كان عليه مستقبل اليابان الذي استغرق خمسة عشر عاماً لكي يصل إلى ما سيصل اليه العراق في سنوات قليلة جداً.
&
&ماذا وجدت أمريكا في اليابان، وما لم تجده في العراق؟
&إن العقبات والمشاكل التي وجدتها أمريكا في العراق لم تصادفها في اليابان، كما أن ما وجدته أمريكا في اليابان لم تجده في العراق، ومنها:
&1-&& كان الجنرال مكارثر أو (مكارثر باشا) الحاكم الأمريكي الأعلى في اليابان قائداً يتمتع بإرادة قوية، وله شخصية كاريزمية جذابة،& وكان ذكياً في طريقة وأسلوبه في مخاطبة اليابانيين الذين كانوا ينظرون اليه كقائد مُلهم، يمكن أن يخلّصهم من حالة اليأس، كما وصفه أدوين رايشاور في كتابه (اليابانيون، 1977، ص149). في حين أن الجنرال جاي غارنر الذي عيّنته وزارة الدفاع الأمريكية لم يكن على هذا المستوى، ولم ينل ثقة العراقيين. وربما بدأ بريمر باشا في العراق، وهو سياسي ذكي وبارز، القيام بدور مكارثر باشا السابق في اليابان.
2-& نظر اليابانيون إلى جيش الاحتلال الأمريكي نظرتهم إلى المرشد الذي سوف يقودهم إلى غد أفضل، بدلاً من التصرف مع جيش الاحتلال وقيادته باستياء ومقاومة، وهو الوضع الطبيعي لمثل هذه الحالة من الاحتلال. فلا احتلال عسكرياً جميل ومقبول. والعراقيون فعلوا الشيء ذاته، ما عدا فئة من فلول صدام حسين، وحزب البعث، ومليشيات النظام المنهار .
3-& وجد الأمريكيون أن الشعب الياباني ليس متعصباً تعصباً أعمى كما كان يُعتقد، من خلال خبرتهم بالجيش الياباني في ساحات القتال بالمحيط الهادي. كذلك وجد الأمريكيون أن الشعب العراقي شعب غير متعصب، وأنه مُرحب بالأعراق الأخرى والطوائف الأخرى، على عكس ما كان يصوّره نظام صدام حسين بالنسبة للسُنّة والشيعة والأكراد والآخرين. والدليل على ذلك "مجلس الحكم" الذي تشكّل من كافة الأطياف السياسية الدينية والعرقية، لأول مرة في العراق الجديد.
4-& وجد الأمريكيون في اليابانيين شعباً متعلماً تعليماً جيداً، كذلك وجد الأمريكيون هذا الحال في الشعب العراقي. ولكن التعليم العراقي كان ينصب - للأسف - في التعصب القومي والديني، وفي صناعات أسلحة الموت والدمار الشامل.
5-&& وجد الأمريكيون في اليابانيين شعباً سهل القيادة، ولديه الرغبة في التعاون على الإصلاح وتنمية وطنه. كذلك وجد الأمريكيون الحالة نفسها في العراق، وكانت أول ثمرات هذا التعاون من أجل الإصلاح تشكيل "مجلس الحكم" الذي تمَّ خلال شهرين من وصول بريمر باشا إلى العراق، وهي مدة قياسية جداً.
6-& نزع الأمريكيون السلاح الياباني لانهاء حالة الحرب والعدوان الذي كانت تقوم به اليابان ضد جيرانها ، وكذلك فعل الأمريكيون في العراق وسط دهشة الإعلام العربي ووسط دهشة الشارع العربي الذي لم يقرأ التاريخ الحديث للأمم الأخرى جيداً، ولم يعرف أصول لعبة أن يتخلص شعب من الديكتاتورية العسكرية بواسطة قوى خارجية.
7-& وجد الأمريكيون اليابان فقيراً محطماً تحطيماً كاملاً قليل الموارد الزراعية والطبيعية كثير السكان. في حين وجد الأمريكيون العراق فقيراً اليوم غنياً غداً، ولم يُصبه من الدمار ما أصاب اليابان، ولديه ثروة زراعية وطبيعية ونفطية هائلة ومياه غزيرة، مما يؤهله لأن يلعب دور "سويسرا العرب" الغنية والمستقرة، كما كان مكارثر باشا يطمح في أن يجعل من اليابان "سويسرا آسيا"، وهو ما تمَّ بالفعل، ولكن بعد صبر طويل، وعمل مخلص وجاد ومتواصل.
8-& لم يعتبر الإعلام الياباني والرأي العام الياباني احتلال دولة عصرية متقدمة كأمريكا لليابان بأنه كارثة سياسية وقومية مطلقة، كما توقع معظم الناس خارج اليابان. واستطاع اليابانيون أن يحوّلوا هذا الاحتلال كلياً إلى نجاح مذهل، وإلى احتلال اقتصادي ياباني مضاد لأمريكا كما نرى الآن، حيث تمتليء الأسواق الأمريكية الآن بالسيارات، والأجهزة الاليكترونية، والساعات، والأقمشة، والبضائع والمنتجات اليابانية المختلفة. في حين أن الإعلام العربي صاح، وجاح، ولاح، وشقَّ الجيوب، ولطمَ الخدود على كارثة احتلال العراق، وعمّى عيون الشعب العراقي مدة أربعة أشهر عن الحقيقة، ووجههم وجهة واحدة وهي ضرورة مقاومة الاحتلال بالقوة، ولا شيء آخر. وهو ما يعني انتحار العراق الجنوني بوضعه العسكري الحالي، أمام هذه القوة العظمى بالعدة والعتاد التي على أرضه.
&
ماذا فعلت امريكا باليابان، وماذا تفعل في العراق الآن؟
&لقد قامت أمريكا بعد توقيع اليابان "صك الاستسلام" - وهو ما لم تفعله العراق حتى الآن بالاجراءات التالية التي تتشابه في كثير منها، مع ما تمَّ في العراق حتى الآن وما سيتم مستقبلاً، ومنها:
1-&& حوّلت أمريكا اليابان إلى حكومة ديمقراطية لضمان عدم اتجاه اليابان إلى الحرب مرة أخرى والاعتداء على جيرانها، وهو ما تسعى اليه أمريكا في العراق الآن.
2-&& ألغت أمريكا في اليابان كل التجمعات الوطنية المتطرفة، كما ألغت القوانين القمعية، وأطلقت سراح المعتقلين السياسيين، وكان معظمهم من الشيوعيين. وحظرت على جميع ضباط الجيش السابقين، وعلى فئات كاملة من القيادات العليا السابقة في الحكومة شغل المناصب الحكومية الجديدة . وكذلك تفعل أمريكا الآن في العراق.
&3-&& قامت أمريكا بموافقة اليابانيين، ومن خلال انتخابات حرة نزيهة بوضع دستور ياباني جديد، وسنِّ القوانين التي تعزز هذا الدستور وتسانده. وعندما أثبتت حكومة اليابان أنها تعيش في حالة من الارتباك، وعدم الرغبة في القيام باصلاح دستوري، قام مكارثر باشا& في& 1946 بتكليف هيئة أركانه بوضع مشروع للدستور الياباني الجديد. ووافقت الحكومة اليابانية عليه بعد أن أجرت عليه بعض التعديلات الطفيفة، ليناسب الدستور الامبراطوري الذي وُضع في العام 1889، وتمَّ العمل رسمياً بهذا الدستور اعتباراً من 3/5/1947 أي بعد عامين من الاحتلال. وهذا ما تنوي أمريكا فعله في العراق، ولكن بطريقة أسرع مما تمَّ في اليابان. وهذا يعتمد على تجاوب، وهمّة، ونشاط، ووعي الشعب العراقي، كما قال بريمر باشا. وإلا فسوف يضطر بريمر باشا إلى فعل ما فعله مكارثر باشا من تكليف هيئة قضائية أمريكية لوضع الدستور العراقي. وعندها سوف يجنُّ جنون الفضائيات العربية، وتصيح، وتليح، وتسلّط على الدستور الجديد الأصولية الدينية بقيادة الشيخ يوسف القرضاوي، وباقي زعماء جماعة الإخوان المسلمين، لكي ترمي هذا الدستور بالكفر والثبور عظائم الأمور، ومخالفته للشريعة الإسلامية، والتقاليد العربية العريقة في وضع الدساتير العربية التي هي نسخ مشوّهة من الدساتير الغربية، ولا يُعمل بها رغم ذلك.
4-& لقد اتسعت مجالات الاصلاح الأمريكي في اليابان لتشمل مجالات عديدة منها تحرير المرأة التي حصلت بموجب الدستور على المساواة القانونية مع الرجل. وانتهى المجتمع البطريركي الذي كان يحكم اليابان، وتمَّ اصلاح التعليم وبرامجه& ومناهجه، رغم شعور اليابانيين بعدم الرضا عما تمَّ في التعليم، حالهم كحال العرب المتشنجين والعراقيين المتعصبين الآن على وجه الخصوص. إلا أن اليابانيين أدركوا في النهاية أهمية تطوير التعليم على مستقبل اليابان عموماً، وهو ما ستفعله الإدارة الأمريكية والإدارة العراقية الجديدة في العراق، في المستقبل القريب.
&
***
إن العراقيين مطالبون هذه اليوم بقراءة التجربة اليابانية مع الاحتلال الأمريكي، وكيف تعامل اليابانيون مع هذا الاحتلال بحكمة، وشجاعة، ووعي، وإصرار، وعمل متواصل، حتى أصبحت اليابان رغم الاحتلال، هي على ما هي عليه الآن.
إن الدروس العملية المُستفادة من اليابان، وكيف تصرّفت تجاه الاحتلال، أنفع ألف مرة للعراقيين من تلقّي النصائح، والتحريض المتشنج، وصرخات الغوغاء، والرعاع في الشارع العربي والإعلام العربي، ومن الأصولية الدينية المسلحة، ومن جيرانهم العرب والمسلمين الذين يحكمون بلادهم حكماً ديكتاتورياً عاتياً، مرة تحت مظلة العلمانية ومرة تحت مظلة الأصولية الدينية، والذين لا يملكون غير فتاوى الموت، وفقه الانتحار، كحل أولٍ وأخير لحال العراق، ولحال العرب، ولحال المسلمين عموماً.
&
Shakerfa@worldnet.att.net
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف