أخبار

عن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لطفي الزريع
&

&
كما في الخبر حينما خلق الله العقل كاول مخلوق قال له اقبل فاقبل ثم قال له ادبر فادبر الى ان قال عزوجل بك اثيب وبك اعاقب ، ثم بعد ذلك عرضه كامانة الاهية كبرى على السموات والارض فابين ان يحملنها كما في القران فحملها الانسان ، حتى اصبح مكرما معززا يتربع به على سدة سيادة المخلوقات كلها . ثم حذر سبحانه الانسان من تركه جانبا وعدم اعماله ، وذلك لان العقل هو عمدة الفوارق بين الانسان وغيره من المخلوقات. وبدونه يفقد الانسان قيمته وينزل كما وصفه الله الى مصاف البهائم ( هم كالانعام بل هم اضل) فاراد له التحرك بامامتة عقله، بينما البهيمة تتحرك بدافع غرائزها الفطرية والشهوية فقط .
. لذا ارسل الله سبحانه الرسل والانبياء وامرهم بمخاطبة الناس على قدر عقولهم ( نحن معاشر الانبياء امرنا ان نخاطب الناس على قدر عقولهم ) المهم ان الخطاب موجه للعقل بغض النظر عن درجاته التي يحدد النبي على اثرها خطابه، فكانوا- عليهم السلام- حجته الظاهرة على عباده ، والعقل حجته الباطنة ، وقد دل سبحانه على ذاته من خلال تلك المفاهيم والقوانين الموكلة في فهمها ايضا الى ادراكات العقل ، كقانون و نظام العلية مثلا الى غير ذلك . ومع ان المطلوب هو الايمان الذي منطقته القلب ، والاعتقاد حيث عقد القلب - على المبادىء السماوية التي ارادها الله سبحانه ، الا ان الطريق الى القلب لا يمر الا عن طريق قناة العقل ، ومع كون العمل العبادي واحد ، الا ان عبادة العالم تتميز عن غيره بالفكرة وادراك مفاهيمها . لذلك كان ( التفكر ساعة خير من عبادة سنة ) كما في الاثر ، ونرى العلماء كذلك اكثر خشية لله من بين الناس لمعرفتهم ( انما يخشى الله من عباده العلماء ) وان ( العالم خير من العابد الزاهد )
اذا للوصول للغاية التي من اجلها خلق العقل والبس جوهر الانسان ، لايمكن التجاوز قفزا والذهاب الى الجسد لارغامه بقوة العصى واجباره على عمل الطاعات دون محاكاة عقله اولا بالدليل والبرهان والحجة ، ليتحرك بعدها طواعية بجميع جوارحه دون اكراه مطمئنا ملبيا دوعة ربة بقناعتة ومعرفة تامة وحرية لايشوبها خوف الا منه تعالى ، حينها يكون كما اراد سبحانه ، والا فهو غني عن الناس وطاعتهم وهو اولى باجبارهم من غيره لواراد ( ولو شاء ربك لامن من في الارض كلهم جميعا افأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) يونس 99. فاذا ما اجبر شخص اخر بسلطة يمتلكها تحت عناوين و مسميات مختلفة كالامر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون قد الغى دور الامتحان الالهي الذي يقوم على اساس الاختيار وليس الاجبار ، ولا اريد هنا ان انفي اهمية مبدأ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو احد الواجبات ، ولكن حتى يكون لله على الناس حجة بكونهم مختارين وليسوا مجبرين لابد من النظر الى ان الله سبحانه لاينتفع بصلاة عبد خائف من عصى عبد اخر مثله ، بحيث اذا ما ارتفع عنه الخوف والعصا ترك ما امر به، وهذا ما نفهمه من القران ( انما انت منذر لست عليهم بمسيطر ) و ( لااكراه في الدين) . لذلك لابد من اعطاء المجال الكافي للتثقيف والتربية على اسس سليمة ، والنصح بالحكمة والموعظة الحسنة والدفع بالتي هي احسن دون عبسة او غلظة .
وذلك لكي ينطلق الانسان بحرية تامة ، ابتداءا من العقل والمعرفة والاقتناع .. الى القلب حيث مركز الايمان والاعتقاد ثم الى المحطة الاخيرة حيث خضوع واذعان الجسد للاوامر والنواهي طواعية .
ولنا في تجربة حركة طالبان الافغانية المتشددة خير دليل وبرهان قريب ، اذ ما ان سيطرت على مقاليد الحكم في افغانستان في العام 96 حتى فرضت نظامها الاسلامي وفق مدرستها الفكرية والعقائدية ، فقامت بتشكيل لجان او هيئات مسلحة رافعة شعار الامر بالمعلروف والنهي عن المنكر ، فراحت تجوب الشوارع والازقة لعل من خالف الاوامر والنواهي فقصر لحيته اقل من القياس المطلوب اواحدا تخلف عن صلاة الجماعة فجرا اوسمع عنده همس لراديوا او تلفاز او الة تصوير ا لتتم مداهمته وتكسيرها والقاء القبض عليه متلبسا بالجرم المشهود فيجلد امام الملاء حتى يكون عبرة لمن اراد ان يعتبر ، او امراة وجدت تسير في الطريق وقد بان بعض اظافرها الملونة لتلقى عقابها كمفسدة في الارض . الى غير ذلك مما شاهدناه وقد شكل عمق رسالتها.
ويكفي لكي نعرف خطأ هذا التصور وهذا المنهج في الدعوة الى تعليم الاسلام ان ننظرالى النهاية ، اذ ما ان خرجت الحركة من كابل وازيحت من سدة حكم افغانستان بعد حكم دام 6 سنوات ، حتى عاد كل ما كان محظورا في عهدها ، وخرج الناس يرقصون في الشوارع على انغام فلول افرادها وعصيهم تتبعهم وبرزت صور الفنانات على ابواب وارصفة الدكاكين والمحلات التجارية وارتفعت اصوات الطرب والغناء ، حتى ان الملتحين قهرا لم ينظروا وصول معجون الحلاقة الى السوق فسارعوا الى حلقها على الناشف! . وكل ذلك بمقدار ماهو مضحك يستحق وقفة جدية لكل من يحمل فكرا الحركة وكان يرى فيها مثالا اعلى واسف على رحيلها . و هذا كله بسبب فهمها الخاطء لبمدأ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد كان تتعاملها مع جلود الناس بدل عقولهم وتصرفت وكان الله سبحانه اراد منهم ان يدخلوا الناس الجنة بالقوة رغما عن انوفهم . والا فان الهرولة الى الصلاة واقفال المتاجر لايعني الالتزام بالصلاة والخوف الذاتي من الله تعالى .
ثم ان الدين الاسلامي دين رحمة ونبي هذه الامة جاء رحمة للعلمين كما وصفه تعالى وكل مافي هذا الدين رحمة للناس ، لذا يكفينا لكي نقف على عظيم رحمة الله تعالى وجميل دعوته ان ننظر الى ما جاء في قصة النبي موسى عليه السلام وفرعون حين ادعى الاخير وقال ( انا ربكم الاعلى) فلم يكم اعظم ذنبا من ذلك الا اننا نجد الله تعالى يامر نبيه واخاه هارون بقوله( اذهبا الى فرعون انه طغى فقولا له قولا لينا ) وهنا تكمن العظمة حيث ان القول الليين كان لمن ادعى الربوبية فكيف بمن قصر في بعض الاوامر على المستوى الفردي ؟ هذا بغض النظر عن الاختلافات الفقهية في بين علماء الامة وقد ورد .. من لانت كلمته وجبت محبته .
وتبقى الكلمة الطيبة ومحاورة العقل بالحكمة والدليل والحجة هي الاساس للوصول الى مجتمع ملتزم على الوجه الصحيح ، وبين المنع والامتناع فاصلة تتسع الابعاد كلها .

كاتب سعودي
ltf2005@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف