بين جريمة بغداد وجريمة القدس الفلسطينيون والكنافة
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
&
&
ما قصة إخواننا الفلسطينيين مع الكنافة؟
حين فجر ابن لادن وصحبه الميامين أبراج أميركا، خرج فلسطينيو لبنان يوزعون الكنافة، ويدبكون كأنه عرس.
وحين أعلن صدام "الصمود والتصدي"، وهدد الصحاف بدفن "العلوج" على أبواب بغداد، وزع اخواننا الكنافة، وانفردوا على بقية خلق الله برفع صور صدام.
وبالأمس حين اغتالت يد الإرهاب الآثمة عمال ومسؤولي الأمم المتحدة، وثلاثة أرباعهم من العراقيين بالمناسبة، وزع الفلسطينيون الكنافة أيضاً.
هذه المرة كانت "احتفالية الكنافة" مزدوجة المفعول، إذ تزامنت جريمة بغداد، مع جريمة أخرى في القدس، جرت وقائعها في حافلة نقل ركاب، وراح ضحيتها عشرون شخصاً، وإصيب 136 آخرين بجروح، من بينهم 40 طفلاً.
.....
نعم ما حدث في القدس كان جريمة، ليس بحق أطفال ومدنيين أبرياء فحسب، بل بحق الشعب الفلسطيني ذاته، الذي تسعى فصائل إسلاموية متطرفة لها أجندتها الخاصة والخرافية، المختلفة تماماً عن أجندة عموم الشعب الفلسطيني، الذي ينشد العيش في أمن وسلام، ويرغب في العودة إلى عمله، ويحلم بانتهاء هذا التصعيد الذي يبدو أنه بلا نهاية، ويتمنى يوماً ترفع فيه الحواجز، وتنهار فيه الجدران، وتتراجع فيه أصوات الرصاص، لتعود أصوات العصافير في الكروم والحقول، لكن هيهات أن يحدث ذلك، في ما أبو الهيجاء وأبو الدرداء وأبو رجل مسلوخة يتشدقون بفلسطين من البحر إلى النهر، و"كامل التراب الوطني"، ويبصقون في وجوه الجميع متهمين كل صوت عاقل أو رشيد بالخيانة والعمالة، في ما هم أنفسهم يلعبون دور أكثر العملاء غباء ورعونة، لأنهم يقدمون المسوغ تلو الآخر لمتطرفي الصهاينة، الذين لا يختلفون عنهم كثيراً، فكلاهما قادم من نفس النبع "الإبراهيمي"، محملاً بتراث من الدم والتصورات الخرافية والعنصرية حول "الشعب المختار" و"خير أمة"، وكلاهما يزعم "حقاً تاريخياً"، وكلاهما مستفيد من استمرار حالة الاحتقان والموت المجاني على قارعة الطريق.
نعم، فتش عن المستفيد، فلو انتهت هذه المواجهات الدامية المزمنة، لما وجد المتطرفون الإسلاميون والصهاينة مبرراً للمعونات والمساعدات، التي تأتي بعضها من واشنطن ونيويورك، وبعضها الآخر من الاتحاد الأوروبي، وثالثة من البلدان العربية، وهكذا، بل لو استقرت الأوضاع لفقد هؤلاء وأولئك مبررات وجودهم، وأصبحوا أشرار المشهد، بعد أن كانوا أبطاله، ورموزه وحرسه الحديدي
....
لماذا تنهار "الهدنة" على هذا النحو العبثي المجاني، ونعود إلى المربع الأول الذي طالما تمنت حكومة شارون العودة إليه بتصرف أرعن وإجرامي وإرهابي على هذا النحو الذي حدث في القدس يوم الثلاثاء الدامي، وقد تحققت رغبة شارون على نحو أفضل مما كان يتمنى، بل ارتبطت جريمة القدس بجريمة بغداد، وسمع ورأى ملايين البشر في شتى أنحاء العالم المشهدين، وارتبطا في الأذهان بأن منفذيهما من العرب والمسلمين، الذين صاروا أشرار التاريخ، وقتلة الأطفال، وإرهابيين مفترضين حتى يثبت العكس.
سيخرج علينا المناضلون والمجاهدون وباعة الوطنية والقومية ليلقوننا دروساً في حب الأديان والأوطان، ويتحدثون عن الاحتلال والحق في مقاومته، ولن يفوتهم بالطبع اتهامنا بكل ما يتدحرج على ألسنتهم المتدلاة من شتائم وسخائم، ولن تقنعهم تساؤلات من عينة عن ذنب الأمم المتحدة ورجالها ليدفعوا حياتهم ثمناً لعنتريات فارغة لن تقدم ولن تغير المشهد، بل ستزيده تعقيداً.
أما في معرض الدفاع عن جريمة القدس فستكون مهمتهم أسهل، لأن الأمر يتعلق بقميص عثمان الذي يتاجرون به منذ قرون، ولا مفر من أن تستمر المتاجرة به إلى آخر الشوط، ليموت أو ينقرض الشعب الفلسطيني، من أجل عيون أبو الهيجاء وأبو الغبراء وأبو جلامبو، وفي المحصلة لا أرضاً حصلنا، ولا سنداً أبقينا، نخسر الصديق تلو الآخر، ونشوه صورتنا، ثم نجلس نندب حظنا، ونتهم العالم بظلمنا وإساءة فهمنا، واتهامنا بما ليس فينا، ونلوك كلاماً فارغاً عن تسامحنا وحقوقنا المهدرة و..و.
.....
نقلت عدة وكالات أنباء عن مراسليها قولهم إن مئات من الشبان الفلسطينيين خرجوا إلى شوارع في مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان مساء يوم الثلاثاء وقاموا بتوزيع الحلوى ابتهاجا بتفجير انتحاري في القدس أودى بحياة 20 شخصا على الأقل.
وأضافت الوكالات أن الشبان الذين حثوا على شن مزيد من الهجمات أطلقوا الرصاص في الهواء تعبيرا عن ابتهاجهم بما حدث، كما قاموا بتوزيع "الكنافة" على السيارات المارة في مخيم بداوي للاجئين على مشارف مدينة طرابلس بشمال لبنان.
وردد المحتجون هتافات تقول: "الموت لأميركا .. الموت لإسرائيل" و"نعم للمقاومة ونعم لمزيد من العمليات".
وأنا شخصياً، ومعي ملايين المحسوبين على هذه البقعة المنكوبة من العالم، لسنا ضد هذه الأهداف "النبيلة"، لكن بالله عليكم كيف يمكن تحقيقها بقتل رجل جاء لمساعدة شعب منكوب مثل دي ميلو، أو اغتيال عشرين طفل ولو كانوا إسرائيليين؟
سنسمع طحناً كثيراً، وسيلوك جنرالات الكلام ملايين الحروف، ويرغون ويزبدون، ويطلقون حناجرهم، ويحرضون أبناء الفقراء والبسطاء على الانتحار مستغلين نزوع من كانوا في هذه العمر إلى تبني العواطف غير الرشيدة، وحب المغامرة، ولن يتحقق من جراء كل هذا سوى مزيد من اختراعات شارون كالجدار العنصري، والحصار الحديدي، والعمليات الشاملة على المدن والقرى والممتلكات الفلسطينية، وبكل صراحة وشفافية أرى أن السلطة الفلسطينية حيال موقف وجودي، أمام اختيار تاريخي بين أن تكون "دولة"، أو تتحول إلى "عصابة"، وعليها أن ان تختار الآن وبوضوح، إما الانحياز إلى النظام والقانون والشرعية الدولية، أو الاستمرار في ممارسة لعبة إمساك العصا من النصف، ومحاولة إرضاء شارون وبوش وحماس والجهاد وقناة الجزيرة والعربية وأبو ظبي، وتكون النتيجة أن إرضاء كل هؤلاء لن يتحقق، بل العكس، لتكون المحصلة خسارة تاريخية تنضم لبقية خسائرها.
والله المستعان
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف