المشكلة القبطية في مصر
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
&
&
مقدمة تاريخية:
تعتبر منطقة (الشرق الأوسط) إحدى أهم مناطق (العالم القديم)، وهي تتميز بالتنوع القومي والديني والإثني واللغوي، لكن بدلاً من أن تكون هذه الكثرة في التنوع مصدر غنى ثقافي وحضاري واجتماعي، تحولت إلى مشكلة سياسية/اجتماعية مزمنة سببت باندلاع حروب و صراعات في معظم دول المنطقة، وهي تهدد بالمزيد منها، إذا ما استمرت الأغلبية باضطهاد الأقليات وحرمانها من حقوقها. ويعتبر (الأقباط) المسيحيين في مصر إحدى أكبر (الأقليات) الإثنية والدينية في الشرق الأوسط وأكثرها عرضاً للاضطهاد والظلم والحرمان. طبعاً لا يوجد إحصائيات دقيقة حول عدد الأقباط في مصر، لأن عدد سكان الأقليات، كغيرها من القضايا المهمة في دول المنطقة يخضع لاعتبارات وحسابات سياسية وأيديولوجية، لكن أكثر الإحصائيات تقدر عددهم بـأكثر من (10) مليون نسمة، وهم امتداد وتواصل لسلالة الشعب المصري القديم( الفراعنة) وممن تبقى من المصريين اللذين اعتنقوا المسيحية.. لهذا يرتبط وجودهم بوجود مصر التي تحمل أسمهم. واسم الأقباط (القبط) يعني بالعربية أولئك المسيحيين الأصليين في مصر وهو مشتق من أسم مصر اليوناني( Egypt's). وقد حافظت (الكنيسة القبطية) على استقلاليتها، الإدارية والمذهبية، وطابعها القومي الخاص والمتميز بالنسبة للأقباط. وهي تميزت كـ(الكنيسة السريانية) في سوريا و(بلاد ما بين النهرين) بظاهرة(الرهبنة) والتنسك في المعابد المعزولة، في عمق الصحراء وعلى قمم الجبال العالية، ظاهرة( الرهبنة) هذه، إلى جانب خلفيتها الدينية كانت تحمل في طياتها احتجاجاً على الويلات والمآسي التي كانت تتعرض لها الشعوب المسيحية على أيدي الغزاة المستعمرين، خاصة في عهد الحكم (الروماني) البيزنطي، الذي كان شديد القسوة في مظالمه، قبل أن تعتنق بيزنطة المسيحية، هذه المظالم دفعت بالأقباط للترحيب بالغزو العربي الإسلامي لمصر في بدايات القرن السابع الميلادي، فقد رؤوا في العرب المسلمين سبباً في تحررهم وخلاصهم من نير الاستعمار والاحتلال الروماني، تماماً مثلما رحبت (النخبة المصرية) بـ(الحملة الفرنسية) على مصر عام 1898م أملاً بتحقيق مبادئ (الثورة الفرنسية) في الحرية والعدالة ونشر المساواة وتحرير مصر من الأتراك والمماليك. و لم يكن قط في حسابات الأقباط أن يستمر الوجود العربي (الإسلامي) ويتحول إلى احتلال دائم لموطنهم(مصر) ويصبحون فيه أقلية مضطهدة، وأهل (ذمة) يدفعون (الجزية) للمسلمين حتى عام1855 م حيث أسقطت عنهم.
&
دور الأقباط في الحركة الوطنية المصرية:
لقد عبر الأقباط المصريون، عبر تاريخهم الطويل، عن حبهم العميق لمصر وتمسكهم بهويتهم المصرية، وكان لهم دور كبير في (الحركة الوطنية) المصرية التي ناضلت من أجل استقلال مصر، فقد انخرط العديد من الأقباط بالنشاط السياسي والكفاح في صفوف حزب (الوفد )القومي المصري ضد المحتل البريطاني تحت شعار (الدين لله والوطن للجميع)، وكان (سعد زغلول) الرئيس المؤسس للوفد يؤكد باستمرار: بأن مصر تخص الأقباط بقدر ما تخص المسلمين سواء بسواء. وقد أيد البابا (كيريللوس) الخامس رسمياً ثورة عرابي القومية الأمر الذي دفع قوات الاحتلال لخلعه ونفيه ووضعه تحت الإقامة الجبرية في دير وادي النطرون. وقد حقق دستور 1922 المساواة القانونية بين فئات الشعب المصري والذي أدرج حقوق الإنسان وألغى التمييز بين المصريين على أساس الدين والمذهب.ويعتبر (مكرم عبيد) السكرتير العام لحزب (الوفد) المصري واحداً من أهم الزعماء السياسيين الأقباط، وقد ضمت الوزارة الأولى التي شكلها الوفد وزيرين قبطيين، ولم يعتبر السياسيين الأقباط أنفسهم ممثلين عن الأقباط فحسب وإنما عن جميع المصريين. وإلى تاريخ اليوم يرفض قداسة بابا الأقباط( شنودة) ومعه الكثير من المثقفين الأقباط، التعامل مع أقباط مصر على أساس أنهم أقلية، وكان قد رفض البابا ( شنودة) حضور وفد من أقباط مصر مؤتمر الأقليات الذي عقد عام 1994 في قبرص، لأنه يعتبر الأقباط هم من صلب وأصل النسيج الوطني المصري وليسوا بأقلية، وقد عبر عن ذلك بقوله: (( مصر ليست وطناً نسكن فيه بل هي وطن يسكن فينا)). وهذا القول يذكرنا بما قاله القس(سرجيوس) في رده على البريطانيين المحتلين لمصر حين تكفلوا بحماية الأقليات المسيحية: (( فليمت كل قبطي في هذا البلد، ولكن لتحييا مصر).
&
الأقباط ومرحلة الانكفاء على الذات:
بعد استقلال مصر عن الاستعمار (البريطاني) بدأ يتراجع الوضع القانوني للأقباط في مصر وبدأت تساء معاملتهم وتقيد حرياتهم، وتمارس بحقهم سياسة التمييز العنصري، من قبل الدولة والمجتمع الإسلامي معاً، إذ لم تعد تبادل الأغلبية المسلمة ذات المشاعر والمواقف الوطنية اتجاه الأقباط، وظهر من يشكك في وطنية الأقباط، ولم تقم (الدولة المصرية)، بمسؤوليتها الوطنية اتجاه حماية وحفظ حقوق المواطنين الأقباط وأمنهم. وقد شكلت (الحركة الناصرية) -حركة (الضباط الأحرار)1952 التي كانت تضم العديد من (الإخوان المسلمين) ومن المتعاطفين معهم، منهم أنور السادات، الذي كان منتمياً لحركة (الإخوان المسلمين) حتى عام1948- مرحلة انعطاف وتراجع كبير بحياة أقباط مصر حيث كانت بداية مرحلة الانكفاء على الذات. فلم تضم (الحركة الناصرية)أية شخصية قبطية، وقد شعر الكثير من الأقباط بمرارة الحقبة الناصرية ومن (السياسية الازدواجية) التي انتهجها عبد الناصر في مصر، هذه السياسة أوقعت الأقباط بين مطرقة التطرف الإسلامي وسندان التعصب القومي للنظام.......، فقد أقر الدستور المؤقت الجديد في 16 كانون الثاني 1956 بأن الإسلام دين الدولة، الأمر الذي يعني إلغاء مبدأ المساواة القانونية في حقوق المواطنة بين المسلمين والمسيحيين. وقد شعر المسيحيين من فرض تدريس (القرآن) في المدارس بهدف مكافحة الأمية والجهل باللغة العربية بأنها الخطوة الأولى نحو نشر (الإسلام) بين (المسيحيين). وبإلغاء المحاكم الطائفية الخاصة عام 1955 بحجة علمنة المجتمع أضرت كثيراً بالأقباط حيث أخضعهم لمحاكم مدنية تطبق قانوناً مدنياً مستلهم بمعظمه من الشريعة الإسلامية، وهو إجراء ما تزال السلطات الدينية القبطية متمسكة بألا يمس الأحوال الشخصية للأقباط تكافحه إلى اليوم، وقد شكل هذا القانون أحد الخلافات الأساسية بين البابا شنودة وأنور السادات.
&و بالرغم من الكتلة البشرية الكبيرة نسبياً للأقباط، يكاد اليوم ينعدم وزنهم السياسي في مصر، ذلك بسبب الإقصاء والاستبعاد المتعمد للشخصيات السياسية والفكرية والعلمية القبطية وحرمانها من تبوء مواقع سياسية قيادية وإدارية أو عسكرية هامة في الدولة. وكذلك لوجود الكثير من القوانين التي تقلل من شأن ودور الأقباط وتنتقص من حقوقهم وحرياتهم كمواطنين، مثل الحريات السياسية والدينة والاجتماعية والثقافية، حتى التعليمية. هذه القوانين تلغي المبادئ الأساسية للديمقراطية والمساواة في المجتمع، وهي تلغي الشروط الضرورية للعيش المشترك بين أبناء المجتمع المصري الواحد. أن عدم فوز أحد من مرشحي الأقباط في انتخابات(مجلس الشعب) حتى من قوائم (الحزب الوطني) الحاكم له دلالات سياسية و سوسيولوجية خطيرة، فهي تنطوي على رفض (الغالبية المسلمة) لاندماج الأقباط في (الحالة الوطنية)، وبالنسبة للذين يقوم الرئيس بتعيينهم من الأقباط بشكل رمزي داخل مجلس الشعب، هم أشبه برهائن وليس كنواب أو ممثلين حقيقيين للأقباط، ووجودهم لا يعكس تعبيراً عن المشاركة الحقيقة للأقباط في الحياة السياسية.
&
تفاقم المشكلة القبطية:
وقد زادت مرارة الأقباط واشتدت في عهد أنور السادات، فمنذ بداية حكمه، تصاعد النشاط الديني للقوى السلفية المسلمة في مصر، في مقدمتهم(الإخوان المسلمين) واشتد مسلسل الاعتداءات على الأقباط ووقوف السلطات المصرية وانحيازها التام إلى جانب المعتدين المتطرفين من الإسلاميين. وقد بلغ نشاط هذه القوى السلفية بإعلان السادات في آب 1977، عزم السلطة على إصدار قانون الردة، الذي يعاقب كل مرتد عن الإسلام بالإعدام. وهنا شعر الأقباط أنهم مهددون بالرجوع إلى وضع أهل الذمة فتحركوا. وفي 5-9-1977، بناء على نداء من البابا شنودة الثالث، بدأ الأقباط صياماً (وهو تقليد ديني قديم عند الأقباط والمسيحيين عامة، يلجئون إليه عندما يواجهون محنة شديدة)، استمر الصوم خمسة أيام، ( وهو شكل من أشكال الإضراب عن الطعام) احتجاجاً على القوانين الإسلامية التي تدرس الحكومة المصرية تطبيقها والتي، كما صرح مصدر مسئول في المقر البابوي في القاهرة، ((تهدد المسيحيين في مجال المحافظة على دينهم))، واستمر مجمع الأساقفة الأقباط في حالة انعقاد دائم خلال فترة الصيام. وأعلن البابا شنودة(( إن مشروع قانون الردة يتنافى مع الدستور وينتهك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان)) لأنه يستبعد أي عقيدة أخرى غير الإسلام، وبعد الضغوط والمفاوضات تتراجع السلطة المصرية،وفي 12-9-1977 زار ممدوح سالم، رئيس مجلس الوزراء المصري، البابا شنودة في مقره البابوي ويقدم له ضمانات رسمية بعدم تطبيق الشريعة الإسلامية.
&وفي بداية السبعينات تفاقمت مشكلة(الأقباط) وتأزمت كثيراً وهددت بإشعال حرب طائفية بين الأقباط والمسلمين في عام 1972 ثم 1977م حيث وقعت اشتباكات مسلحة بين المسلمين والأقباط وتم حرق كنيسة قبطية في إحدى قرى الفيوم دفعت السادات للاعتراف بأن مصر تعاني من أزمة طائفية متفجرة في خطابه بتاريخ 28-9- 1977وكانت هذه أول مرة يعترف بها رئيس مصري بوقوع أحداث طائفية في مصر.وفي أيار عام 1980 وبضغط من الإخوان المسلمين المدعومين من منظمات ودول إسلامية،أعلن رسمياً بأن الشريعة الإسلامية هي مصدر القانون والتشريع المصري، مما يعني أسلمة المجتمع المصري. ولم يحدث أن تعرض بابا الأقباط للضغط والابتزاز في تاريخ الكنيسة القبطية إلا مرتين، الأولى على يد قوات الاحتلال البريطاني والثانية في عهد الرئيس( أنور السادات)، الذي تهم قداسته بتحريض أقباط أميركا على التظاهر والاحتجاج على سياسة مصر اتجاه الأقباط، أثناء زيارته إلى واشنطن وعلى أثرها قرر السادات خلع البابا (شنودة) في أيلول 1981 ونفيه إلى دير في الصحراء المصرية، وهنا تساوى الحاكم الوطني مع جيش الاحتلال في موقفهم من الأقباط. هذا ومازال الأقباط في مصر، كأقلية قومية ودينية، تعاني من اضطهاد مزدوج بسبب سياسية التمييز الديني والقومي التي تمارس بحقهم، من قبل الدولة والمجتمع معاً. ويتعرض الأقباط من حين لآخر لممارسات عدائية وأعمال عنف وإرهاب وخطف الفتيات القبطيات، من قبل المتطرفين الإسلاميين وغالباً تغض الدول النظر عن هذه الاعتداءات ويقع الأقباط ضحية المساومات السياسية بين النظام و المتشددين الإسلاميين، لهذا يسيطر اليوم على الأقباط في مصر حالة من الشعور بالاستلاب والاغتراب الوطني داخل وطنهم (مصر)، وما أصعب أن يشعر الإنسان بالغبن والدونية وبالغربة داخل وطنه.
&
المشكلة القبطية وآفاق الحل:
أمام هذا الوضع السياسي والاجتماعي الصعب الذي يعيشه أقباط مصر والذي تتحمل فيه (الدولة المصرية) القسط الأكبر من المسئولية، يتحمل الأقباط أيضاً قسطاَ من المسؤولية عن وضعهم المتردي هذا، تتحدد هذه المسئولية في عزوف الغالبية العظمى من الأقباط عن (العمل السياسي) المعارض والنشاط في المنظمات والهيئات الخاصة بحقوق الإنسان. لا شك أن هذا العزوف يعود بشكل أساسي إلى (عقدة الخوف) من السياسية في دولة لا تتوفر فيها الحريات السياسية والديمقراطية، لكن علينا أن لا ننتظر من أي نظام سياسي أن يقدم الحرية والديمقراطية ويمنح الحقوق على طبق من ذهب، أن الحرية والحقوق دوماً تنتزع و لا تعطى. حدث أن عقد أقباط مصر أول مؤتمر خاص بهم، وربما كان الأخير، باسيوط عام 1911 وقد حضرته شخصيات مدنية ودينية و فيه صاغوا لأول مرة جملة من المطالب السياسية منها: زيادة التمثيل القبطي في المجالس المنتخبة والمساواة في إسناد الوظائف الإدارية وتخصيص الموارد المالية، الخ. وقد قبل هذا البيان السياسي برفض تام وبحركة مضادة من مؤتمر إسلامي عقد بالإسكندرية.
ونظراً لطبيعة المجتمع القبطي المتعلق جداً بالكنيسة، والمبالغة الزائدة في الحرص على (الوحدة الوطنية) من قبل الأقباط، وخاصة من قبل، رجال الكنيسة القبطية، في مقدمتهم قداسة البابا(شنودة) ورفضهم النظر إلى الأقباط والتعامل معهم كأقلية أثنية ودينية متميزة في مصر، خشية من أن يتهم الأقباط بـ(اللاوطنية)، إلى درجة بات يشعر المراقب بأن (الوحدة الوطنية) هي مسئولية الأقباط وحدهم دون غيرهم، هذه المبالغة والإفراط في (جلد الذات) كانت سبباً أساسياً في ترك فراغ سياسي في الساحة القبطية وإبعاد، ولا أدري ربما محاربة، فكرة إنشاء (أحزاب سياسية) و(حركات قومية) خاصة بالأقباط تتولى مسؤولية المطالبة بالحقوق السياسية والثقافية والاجتماعية للأقباط والدفاع عن حرياتهم المدنية والدينية في مصر، كما هو حال جميع الأقليات في المنطقة.إذ تعتبر إحدى أهم نقاط الضعف الأساسية عند أقباط مصر، هي عدم تشكلهم لوحدة سياسية قوية ومتماسكة خاصة بهم،بالرغم من وزنهم البشري وثقلهم الاقتصادي الجيد. فبغياب التنظيمات والقوى السياسية الخاصة بالأقباط يسهل بشكل كبير عملية تهميشهم وجعلهم خارج المعادلات السياسية الداخلية. وبغياب (الزعامة السياسية) المدنية وارتباط الأقباط الشديد بالكنيسة وتبعيتهم لها يحاول البابا (شنودة) تأكيد دوره كزعيم سياسي إلى جانب زعامته الدينية لأقباط مصر في تصديه للضغوطات المستمرة على الأقباط، مع تقديرنا لجهود قداسة البابا(شنودة) والكنيسة القبطية في هذا الاتجاه، لكن لا يمكن للكنيسة أن تقوم بمهام / أو تؤدي دور الأحزاب السياسية في الدفاع عن حقوق الأقباط وقضاياهم السياسية.
ما تم الإعلان عنه مؤخراً بتشكيل (حزب مصري) جديد على أساس القومية أو(الهوية المصرية) بكل تكويناتها وأطيافها الثقافية والاجتماعية واللغوية، بعيداً عن هيمنة العروبة والإسلام وعن كل فكر ديني، لا بد من أنه سيشكل هذا الحزب الخطوة الأولى والضرورية باتجاه حل إشكالية العلاقة بين الأغلبية العربية المسلمة والأقباط المسيحيين وبقية الأقليات المصرية، والتحرر من المفهوم العربي الإسلامي التقليدي القديم للوطنية هذا المفهوم القائم على الوحدانية في كل شيء،الوحدانية التي تنفي التعددية والتنوع في المجتمع، وقد حاولت الأصولية الإسلامية والقوميين العرب فرض مثل هذه الوحدانية على مصر والمنطقة منذ بداية الغزو العربي الإسلامي. لا شك أن بروز هكذا حزب يعتبر تطور نوعي كبير ومتقدم في الفكر السياسي المصري، وولاته تعكس رغبة الكثير من المثقفين والكتاب والسياسيين المصريين الذين يناضلون من أجل إبراز الهوية والثقافة المصرية المتميزة، ومن أجل أن تكون مصر لكل المصريين.
&
&أخيراً:
أرجو أن لا يساء فهمنا من خلال طرحنا لـ(مشكلة الأقباط) في مصر، ما أريده فقط التحذير من مخاطر وتداعيات هذه المشكلة، ومن أجل الإحاطة بها وبكل أبعادها الاجتماعية والسياسية، لأن زيادة الضغط عن قدرة التحمل لا بد من أنه سيولد الانفجار، وهذه قاعدة علمية. حقيقة وإن تبدو اليوم الأوضاع هادئة في مصر هذا لا يعني أبداً أن المشكلة قد حلت، لأنها قابلة لأن تنفجر في أية لحظة بسبب النشاط الكثيف والمحموم للحركات الإسلامية المتطرفة والقوى الأصولية التي تسعى لتحويل مصر إلى دولة إسلامية(تيوقراطية)، وفي ظل تهاون الدولة وتغاضيها عن أعمال العنف و الإرهاب التي يتعرض لها الأقباط على أيدي الإسلاميين المتشددين.
وبغياب الحلول الصحيحة لـ (المشكلة الأقليات) كظاهرة إيديولوجية / سياسية /اجتماعية تعاني منها جميع الدول العربية وليست مصر وحدها، وإن بنسب متفاوتة، تحولت هذه الظاهرة إلى فيروس (سوسيولوجي) خطير تسبب في تلوث شامل للحياة السياسية، وبدأ هذا الفيروس ينخر في الجسد الوطني لهذه الدول ويهدد وحدتها الوطنية. لقد أثبتت التجارب فشل خيار (الاندماج القسري) للأقليات في أي مجتمع، وليأخذ الجميع من (الحالة العراقية) الراهنة درساً في علم الاجتماع السياسي ويتعلم منه. أن الحل الصحيح ليس عبر قمع الأقليات والتنكر لوجودها وإرغامها على القبول بما تقدمه لها الأغلبية، وإنما الحل يكمن بتطمينها على مستقبلها وبالحفاظ على خصوصياتها وتحصينها وطنياً من خلال الاعتراف بها وبحقوقها دستورياً في دولة علمانية تحترم حقوق الإنسان، وتقوم على مبدأ العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمييز، وفي ظل نظام سياسي يقوم على الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.
الكاتب من سوريا / مهتم بمسألة الأقليات
shosin@scs-net.org
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف