أبو عمار وألاعيب نهاية العمر:المصري .. خيار عرفات ومعركته الأخيرة
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
هذه الحكاية على بساطتها تكشف بوضوح عن الطريقة التي يفكر ويتصرف بها عرفات، فالرجل يحقق ما لا يستطيع تحقيقه بالقوة أو المنطق أو الإقناع، بالحيلة، وهو بارع في هذا المضمار، وشأن كل الحواة لا يخلو "جرابه" من الجديد والمثير والمبتكر.
وميدانياً وفي الوقت الذي بدأ فيه اليوم عرفات سلسلة اجتماعات مع أطر حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية تحت لافتة تقويم المرحلة السابقة، وتسمية رئيس وزراء فلسطيني جديد لتكليفه بتشكيل الحكومة بعد استقالة حكومة محمود عباس أبو مازن، يبرز سؤال أكثر أهمية من الرضا الغربي والإسرائيلي على اسم الشخص الذي سيرشحه عرفات لمنصب رئيس الوزراء، وهو هل عرفات على استعداد للتنازل عن سلطاته المطلقة أو حتى بعض ما يتمتع به منها، في تسيير شؤون السلطة الفلسطينية لغيره خاصة بعد الإعلانات المتكررة من جانب إسرائيل والولايات المتحدة، بأنهما لن تتعاملا معه كممثل للشعب الفلسطيني.
المعركة الأخيرة
لا أحد بالطبع يمكنه الجواب بالإيجاب على هذا السؤال، فقد أثبتت تجربة "أبو مازن" أن عرفات لن يقبل بهذا الوضع، وهو على كامل الاستعداد ليخوض معركته الأخيرة بكل شراسة، وسوف يستعين بكل خبراته التاريخية المعروفة في ممارسة ما يمكن وصفه بـ "ألاعيب نهاية العمر"، حتى يجبر الطرف الآخر على الانسحاب من معركة "عرفات أولاً" الخاسرة مقدماً.
في كل الأحوال ستتضح الرؤية خلال الأيام القليلة المقبلة لتتكشف العناوين الرئيسية للوضع السياسي الذي ستشهده المنطقة خلال الفترة المقبلة خاصة بعد نعي كافة الأطراف لخطة "خارطة الطريق"، وتصاعد العنف على نحو عاد بالمشهد إلى المربع الأول.
وبينما أكدت مصادر فلسطينية ومصرية متطابقة أن أبو مازن لن يقبل إعادة تكليفه مجدداً بتشكيل الوزارة الجديدة في ظل الظروف الحالية، فقد أشارت توقعات عدد من المراقبين إلى أن منيب المصري، رجل الأعمال الفلسطيني ـ الأميركي الشهير، وأحمد قريع، رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني& هما أقوى المرشحين لتولي هذا المنصب.والمصري من مدينة نابلس وهو من كبار رجال الأعمال الفلسطينيين، وتربطه صلات وطيدة بمسؤولي الإدارة الأميركية، ولعب دورا معروفاًُ في الوساطة بين عرفات و بنيامين نتنياهو في أواسط التسعينيات، حين كان الأخير رئيساً لوزراء إسرائيل.
ولمع اسم المصري قبيل اختيار عرفات لأبي مازن رئيسا للوزراء، حيث كان مرشحا لتولي رئاسة الوزراء غير أنه جرى حسم& الأمر لصالح عباس بعد استحداث منصب رئيس الوزراء يوم 14 شباط (فبراير) الماضي بضغوط من إسرائيل والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
المصري والحريري
ورغم نفيه وإنكاره بلغة لا تخلو من استعلاء، أن يكون راغباً في شغل هذا المنصب، فقد أعلن منيب المصري مؤهلاته عبر عدة وسائل إعلام عربية وأميركية، قائلاً إن علاقاته جيدة مع الولايات المتحدة واسرائيل وان زوجته أميركية وانه سبق له القيام بدور الوسيط بين عرفات ونتانياهو، فضلاً عن مساهماته الخيرية العديدة في الداخل الفلسطيني، أما في الخارج فيتكئ على دفاعه المستميت عن القضايا الفلسطينية في العديد من المحافل الدولية.
لكن ما لم يدركه المصري أن "ظاهرة الحريري" قد لا تصلح في المشهد الفلسطيني لأن الدور العربي الذي كان حاضرا في الحالة اللبنانية، ليس قائما في الحالة الفلسطينية، وحل مكانة الوزن الاسرائيلي والأميركي، وتوافر خبرات وعلاقات سياسية ومواقف مفصلية مشهود لها خلال سنوات طويلة من عملية سلام اوسلو لم يكن للمصري فيها أي دور يذكر بالرغم من انه حاول ان يقطف ثمار ترتيباتها باستثمار امواله ولكنه لم يجد التسهيلات التي يريدها فتراجع إلى قواعده في السعودية.
واما استناده إلى صلاته الجيدة مع واشنطن وتل أبيب كمؤهلات لترشيحه لمنصب رئيس الوزراء فلن تضاهي مؤهلات ابو مازن الذي اعلن عن وقف الانتفاضة محملا اياها مسؤولية نسف مؤسسات السلطة الفلسطينية ومبرئا اسرائيل وأميركا من المسؤولية، فضلاً عن ان ابو مازن من قادة حركة فتح التاريخيين، وهو مهندس اتفاقية اوسلو، وقد رافق عرفات في أكثر المراحل الفلسطينية شدة وخطورة، في الوقت الذي كان المصري يستثمر فيه ثروته الهائلة في طول العالم وعرضه.
ظاهرة عرفات
ولأن الهدف من الضغوط الاسرائيلية والأميركية وراء استحداث منصب رئيس الوزراء كان تهميش دور عرفات في المفاوضات مع الاسرائيليين، ولأن عرفات ليس بالسذاجة التي يمكن ألا يفهم فيها هذا التوجه، ولأسباب أخرى يطول شرحها، فإنه ليس من المتصور، ولا المنطقي أن يختار "أبو عمار" مرشحا من خارج دائرة نفوذه الشخصي ولا يعقل ان تقبل حركة فتح ترشيح أي شخص لهكذا منصب هام من خارج صفوفها، لكن مع ذلك إذا حدث وتم تجاوز أحمد قريع واختير المصري لهذه المهمة كحل وسط بين رغبة عرفات العارمة في إقصاء "أبو مازن"، وإدراكه لخطورة تحدي الإدارة الأميركية على هذا النحو الفج، فإنه قد يختار منيب المصري مشترطاً عليه أن يلعب في البداية دوراً لدى واشنطن بالإبقاء عليه، وعدم منح إسرائيل الضوء الأخضر للتخلص منه نفياً أو إبعاداً أو "استشهاداً"، فضلاً عن ضرورة أن يقبل المصري بدور "نصف رئيس وزراء" لأن أبا عمار لن يكون كريماً معه في أكثر من تقاسم المهام مناصفة في أكثر الفروض تفاؤلاً.
ومع ذلك فإن اختيار المصري ـ تحديداً ـ هو أمر كفيل بإنهاء "ظاهرة عرفات"، في تقديرنا، ذلك أن المصري لن يقع تحت المؤثرات التي وقع أبو مازن ضحية لها، فالرجل لن يستنكف الدعم الأميركي ـ الإسرائيلي ـ الأوروبي الصريح له، فهو يفكر على نحو مختلف، ولا يضيره أن يتهم بهكذا اتهامات، لأنه ليس قادماً من دهاليز المنظمات الحركية، بل من أوساط رجال الأعمال الذين لا يتأثرون عادة بهكذا اتهامات، بل على العكس يفاخرون بها، ويجيدون استخدامها لصالحهم، وهنا مكمن الخطورة، إذ أن المصري لن يقبل منطق "رضيت من الغنيمة بالإياب"، بل سيقاتل وسيستعين بكل الضغوط على ألاعيب عرفات، هذا فضلاً عن أن رجال فتح ومنظمة التحرير سيشعرون بالمهانة في حال اختيار المصري رئيساً للوزراء، لهذا فليس من المحتمل هذه المرة أن يساندوا عرفات في معركته المتوقعة مع المصري، بل سيتركوه ليواجه تبعات اختياره، ولن يقبلوا بدور الهراوة التي يصر على استخدامها أبو عمار كلما استحكمت حلقاتها حول عنقه، وفي هذه الحالة ستتحق أمنيته بأن يكون شهيداً .. شهيداً .. شهيدا.
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف