خالد الحروب :الاتحاد الأوروبي وحركة حماس
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
التوجهات الأوروبية الأخيرة، المقادة بريطانياً، التي تنزلق إلى إعتبار حركة حماس منظمة إرهابية، تعكس إنحداراً وهزيمة بالغة للمثال الأوروبي، أكثر مما هي ذات تأثير تدميري على حماس. أوروبا تحاول أن تفصل نفسها وسياستها عن السياسة الأمريكية المتغطرسة التي يعكسها مثال الكاوبوي الأمريكي في تعامله مع العالم والشؤون الدولية بشكل عام. لكن مع ذلك يشدها التردد والرهبة التي لا تليق بقارة مثلها، ولا تتناسب مع فكرة الإتحاد الذي ينتظم كبرى دولها. من ناحية أولية ستتأثر حركة حماس بالتأكيد، وإن معنوياً، من توجهات كهذه تصورها في العالم كمنظمة إرهابية وليس حركة تحرر وطني، وستؤلب عليها جهات جديدة. رغم ذلك فإن التأثير العملي والمباشر عليها قليل، إذ ليس لدى حماس مكاتب أو سفارات في الدول الأوروبية تخشى عليها الإغلاق. وقصة تجميد أرصدة حماس في البنوك الأمريكية والأوروبية التي يتم تكرارها بين الحين والآخر، ترداداً لما تقوم به واشنطن، هي أقرب إلى المزاح السمج منه إلى أرض الواقع. ففي السنوات الأخيرة يتردد رجال أعمال عرب وشركات لا علاقة لها بالسياسة من قريب أو بعيد عن وضع أرصدتهم المالية في تلك البنوك، فضلاً عن إفتراض قيام حركة مثل حماس بذلك، وهي التي تتنافس أجهزة أمن عالمية وإقليمية على مراقبة كل ما تقوم به على كل الصعد. التأثير الوحيد وغير المباشر يكمن في تجميد عمل بعض الجمعيات الخيرية الفلسطينية تعمل في الغرب على جمع تبرعات لمشروعات أهلية تستهدف الفقراء ويُقال بأنها إما قريبة من حماس أو تخدمها بشكل أو بآخر عن طريق دعم عائلات الشهداء.
ومن هنا، من نقطة إغلاق هذه الجمعيات، يبدأ، لكن لا ينتهي، التدهور الأخلاقي السياسي الأوروبي في تبعيته للتوجهات الأمريكية إزاء كل ما له علاقة بفلسطين. فالأوروبيون هم خير من يعلم أن عمل المنظمات غير الحكومية في الأراضي المحتلة، إسلامية أم غير إسلامية، هو عمل مركزي وأساسي في تخفيف الضغوط الإقتصادية عن الشرائح الفقيرة في المخيمات والمدن الفلسطينية. وأن أرصدة وحسابات هذه المنظمات وكل ما له علاقة بعملها يقع تحت ثلاثة أنواع من الرقابة الأمنية، إن لم يكن أكثر: رقابة الدولة الغربية المعنية التي تعمل فيها أي جمعية على جمع التبرعات، ورقابة أمنية إسرائيلية لكل التحويلات المالية القادمة من الخارج، ورقابة أمنية من قبل السلطة الفلسطينية. ليس هناك قرش في العالم يتعرض لرقابة في حركته مثل القرش الفلسطيني. وللمقارنة المؤلمة يكفي التأمل هنا في حركة عشرات ومئات الملايين من التبرعات التي تفيض شهرياً على متطرفي اليمين الإستيطاني الصهيوني الذين يسعرون النشاط الإستيطاني في كل مكان، وهو نشاط إحتلالي إرهابي وعنصري فاشي بكل المعايير. أوروبا التي تكرر الزعم بإحتكامها للقانون الدولي وأخلاقياته وتناكف الولايات المتحدة أحياناً على قاعدته لم تطرح ولو على سبيل التحرش فكرة فتح ملف التبرعات المليونية التي تنهال لدعم الإرهاب الإسرائيلي اليومي، سواء أكان إستيطانياً أم غيره.
أهم من مسألة الجمعيات الخيرية، وهي الأمر الوحيد العملي المرتبط بالتوجه الجديد في إعتبار حركة حماس إرهابية، يبرز المبدأ نفسه - مبدأ إعتبار حركة تحرر وطني حركة إرهابية. فأوروبا التي عانت من البطش النازي في النصف الأول من القرن العشرين، وقاومته في أكثر من دولة، وأعلت من مثال "المقاومة" في الحالة الفرنسية على وجه التحديد يجب أن تكون أفضل من يدرك الفرق بين حركة التحرر والإرهاب. وأن نسبة الإرهاب إلى حركات التحرر هي عملية تشويهية رخيصة يلجأ إليها المحتل في كل مكان وفي كل حالة. وكثيرا من الساسة الاوروبيين، إن لم يكن غالبهم، ممن تلعثموا في إجتماعاتهم الأخيرة يدركون في قرارة أنفسهم هذا الأمر، لكنهم لا يجدون مناصاً عن الخضوع للضغوط الأمريكية والإسرائيلية المتواصلة عليهم - والتي للأسف لم تقابلها ضغوط عربية وإسلامية في الإتجاه المعاكس. فإسرائيل وأمريكا حاولتا وما تزالان تحاولان حشر كل حركات المقاومة الفلسطينية في مربع "الإرهاب الدولي الإسلامي" جنباً إلى جنب مع تنظيمات الجنون التي أضرت بكل القضايا الإسلامية وعلى رأسها القاعدة.
أوروبا التي يأمل كثيرون في العالم أن تبقى في منأى عن الخضوع الأعمى للتوجهات الأمريكية وتنحاز ولو نسبياً للمبادئ الإنسانية وتحقق قدراً ولو ضئيلاً من التوازن بين وحشية السياسة ومبادئ القانون الدولي تساهم الآن في إنجرار عالمنا نحو شرائع الغاب بإنسياقها وراء السياسة الراهنة. ولا يحتاج المرء لأن يكون معادياً لأمريكا ليرى كيف أن هذه السياسة الراهنة قد أعادت البشرية عقوداً إلى الوراء حيث أعلت "قيمة الحرب" على كل قيمة أخرى بشكل غير مسبوق، وفرخت حروباً ومناخات لها لم يكن من المتصور أن توجد.
كما لا يحتاج المرء لأن يكون خبيراً في السياسة الدولية ليرى أن بريطانيا تتحمل المسؤولية الأكبر في تدمير بقايا الأخلاقية الأوروبية من خلال لعب دور المساند لأمريكا داخل البيت الأوروبي والضغط بكل إتجاه تريده واشنطن، بما في ذلك المسألة التي تتناولها هذه السطور. وبريطانيا، البراجماتية، تتغاضى عن خبرتها الإستعمارية الطويلة في مجال التعامل مع الشعوب المستعمرة وحركات تحررها، وهي تعلم أنها بذلك لا تخدم حتى المسألة التي تتصدى بالوكالة للدفاع عنها. تعلم لندن، بحكم الخبرة، أن سياسة حشر حماس في الزاوية ستزيد من تطرف الحركة، إذا وافقنا جدلاً على هذا التوصيف رغم تضميناته المسبقة وتناقضه مع مبدأ مباشر وأساسي وهو حتمية مقاومة أي إحتلال عسكري، وأن هذه المقاومة ليست هي المتطرفة بل نتيجة طبيعية للإحتلال المتطرف بكونه حالة غير طبيعية. ويعلم الأوروبيون أيضاً، وفي مقدمتهم البريطانيون، أن إنسياقهم وراء فكرة تجريم حماس معناه دفع العناصر والتوجهات المعتدلة داخل الحركة إلى ترك إعتدالها وتسيسها. ويعلمون أيضاً بحكم الخبرة التاريخية أنه في كل حركة على شاكلة حركة حماس إحتمالات لغلبة الجناح العسكري على السياسي، وأن هذه الإحتمالات تزيد أو تقل تبعاً للإنجاز أو الفشل على الصعيد السياسي، وأن غلبة الجناح العسكري في أي حركة على جناحها السياسي معناه سيادة العنف على العقل، وأن نتيجة ذلك هي إنفلات قوة بلا عقل سياسي. ولن يحتاج الأوروبيون إلى من يؤشر لهم على المثال الجزائري الدامي على الضفة الجنوبية لحدودهم، الذي قضى على الجزائر وأرق وما زال يؤرق قارتهم.
الإمعان الأوروبي في مسايرة واشنطن فيما خص المسألة الفلسطينية يضر بأوروبا راهناً ومستقبلاً. صحيح أن ليس ثمة أكلاف ظاهرة حالياً تدفعها أوروبا، أو أي طرف دولي، جراء أتخاذ أي موقف عدائي ضد أي قضية عربية بسبب العجز العربي الفاضح. لكن تأزيم الإحتقان الشعبي المعادي للغرب في طول وعرض البلدان العربية والإسلامية عبر توجهات بالغة الإنحياز، حيث لا حديث عن أي حظر على إسرائيل بسبب إرهابيتها، لن يؤدي إلا توليد أعداء تاريخيين لأوروبا يولدون منظمات وحركات تعيد إنتاج خطاب الحروب الصليبية وصدام الحضارات شاءت أوروبا أم لم تشأ.
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف