تقاطع المشروعين التركي و الأمريكي في العراق
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
&
&
&&&&&&&&&
يصعب تصديق تصريحات كبار المسؤولين الأتراك بشأن الدوافع الأنسانية و الأسلامية لأرسال قواتهم الى العراق. فرغم أعلان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان و وزير خارجيته عبدالله كيول و كبار المسؤولين السياسيين و العسكريين،من أن الهدف هو تقديم المساعدة لتأمين الأمن و الأستقرار في العراق و تقديم الخدمات الأنسانية و المساعدة في إستعادة العراقيين لسيادتهم الوطنية و إستقلالهم، إلا أن أحدا لا يصدق بأن هناك دولة في العالم تجند إمكانياتها العسكرية و السياسية للقيام بأعمال خيرية خارج حدودها الوطنية. ويزداد الأمر غرابة عندما تتصدى دولة مثل تركيا تنوء تحت عبئ كم هائل من المشاكل الأقتصادية و السياسية و الأجتماعية للقيام بمثل هذه المهمة الأنسانية.
يدرك المسؤولون الأتراك بطبيعة الحال صعوبة إقتناع الناس في تركيا قبل غيرها بمصداقية تلك الأهداف، لذلك فهم مجبرون أن يكشفوا عن أهداف أخرى يرنون الى تحقيقها من خلال عملهم هذا. فقد أعلنوا، وهم محقون في ذلك، بأن إستمرار حالة عدم الأستقرار في العراق يمكن أن يؤثر بصورة سلبية على أمن و أستقرار دول الجوار و من بينها تركيا. وكان تحديهم للرأي العام التركي المعارض لأرسال القوات و فرض القرار من خلال الضغط على أعضاء البرلمان مؤشرا آخر على شكلية الديموقراطية التركية التي إتخذت ستارا و تبريرا مقبولا للموقف التركي المعارض لمرور القوات الأمريكية عشية حرب العراق. كما أظهرت عملية إمرار القرار من خلال البرلمان من خلال جلسة مغلقة واحدة لم تستغرق أكثر من ساعتين حقيقة القوى المتحكمة بالسياستين الداخلية و الخارجية التركية و هشاشة النظام السياسي الديموقراطي التركي الذي يتحكم الجنرلات بخناقه. أدرك الجنرالات الترك بأن ترميم الأضرار الكبيرة التي لحقت بالعلاقات الأستراتيجية التركية - الأمريكية نتيجة الموقف الذي سبق الحرب لا يمكن إصلاحه الا بالموافقة على قرار إرسال الجنود الى العراق حتى قبل صدور قرار جديد من مجلس الأمن. وقد أكدوا منذ تسلم الطلب الأمريكي بأن الأمر يخص الدولة التركية و ليس الحكومة أو الحزب الحاكم. لذلك لم يكن هناك سوى خيار واحد أمام أردوغان و كيول و أعضاء حزب العدالة و التنمية في البرلمان. وكان إتخاذ القرار بهذه الصورة السريعة محاولة للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب المالية و السياسية خاصة و إستباق صدور قرار جديد و إمكانية موافقة دول أخرى كثيرة على إلاسال قواتها الى العراق الأمر الذي كان من شأنه التقليل من أهمية الموقف التركي.
وتوطئة لأتخاذ القرار جرى خدع جزء مهم من الرأي العام التركي من خلال حملة صحفية واسعة كرست لها إمكانيات واسعة صورت أمر مقدم القوات التركية الى العراق للرأي العام التركي على أنها حفلة عرس حقيقية. وقد إستغلت وسائل الأعلام التركية سذاجة و سفاهة بعض العناصر المتضررة من الوضع الجديد في العراق من بين رجالات البعث و المخابرات و ( شيوخ!!) العشائر و (رجال!!) الدين العراقيين بصورة كبيرة في حملتها هذه. فقد نشرت وسائل الأعلام التركية المختلفة عشية إتخاذ القرار و بمانشيتات عريضة ترحيب هؤلاء (العراقيين) بمقدم القوات التركية الى مناطقهم.
الغريب في الأمر أن مجلس الحكم العراقي لم يتحرك لتنوير الرأي العام التركي و العالمي بموقفه من مثل هذا التطور للأحداث الا بعد موافقة البرلمان التركي على قرار إرسال القوات التركية الى العراق رغم المئات من المقالات و التحليلات التي نشر حول الموضوع في الصحافة العالمية. ويشكل تصريح وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد و الذي ذكر فيه بأنه ليس على إطلاع على معارضة العراقيين لمقدم القوات التركية شاهدا على تقاعس مجلس الحكم. هل يعقل أن يجهل رامسفيلد الحقائق على الأرض في ساحة قتال جيشه الى هذه الدرجة؟. وحتى بعد قرار البرلمان التركي تراوح موقف مجلس الحكم بين رد فعل غير مدروس و متردد الى أن إنتهى الى لاشئ، الأمر الذي أوقع المجلس في مأزق. فقد ترتب عليه إما الدخول في مواجهة مع بول بريمر أو فقدان أية مصداقية له في نظر فئات واسعة من المجتمع العراقي و الرأي العام العالمي.
كما أن محاولة تصوير معارضة العراقيين للقوات التركية و أية قوات من دول الجوار امرا خاصا بكرد العراق وعليهم هم لوحدهم التصدي له هو موقف يتصف بعدم الحكمة و الواقعية. فالقوات التركية لن تأتي الى كوردستان العراق و لن تستطيع تحقيق أهدافها بعد الآن في كوردستان بسبب مقاومة الكرد لها فيما إذا فكرت بدخول أراضيهم. كما أن سقوط النظام الذي تحالفت معه تركيا ضد الحركة الكردية على مدى السبعينات و الثمانينات و عملت على تحقيق سياساته في كوردستان العراق في عقد التسعينات رغم غياب التحالف المعلن بين الطرفين، أفقد الأتراك عنصرا مهما من عناصر قوتهم على الأرض في العراق. و وجود قيادة أمريكية - بريطانية على رأس التحالف في العراق يجعل من الصعب على تركيا تحقيق أجندتها السياسية الخاصة بها في العراق دون أن تصطدم بالمشروع الأمريكي. ويبذل الأتراك جهودا حثيثة لأظهار الكرد و كأنهم الوحيدون في معارضة مجئ قواتهم الى العراق لتحقيق أهداف لعل في مقدمتها محاولة نسف علاقات التحالف التي بدأت بين الحركة القومية الكردية و قوات التحالف خلال الحرب و بعدها. يبدو لي أن هذا الإصرار التركي يهدف أساسا الى إثارة الكرد و إستفزازهم ودفعهم الى إتخاذ مواقف متشنجة إزاء التحالف لكي تتمكن من فك الأرتباط بينهم و بين الحلفاء. أستطيع أن أجزم بهذه المناسبة بأنه إذا ما تمكنت تركيا من تحقيق هذا الأمر، فإنني لا أستبعد أن تتخلى عن فكرة إرسال قواتها الى العراق بنفسها. وستجد المبررات الكافية لأقناع الرأي العام التركي و العالمي بذلك. لذلك فإن القيادات الكردية مدعوة للتعامل مع الموضوع بالمسؤولية و بعيدا عن التشنج و ردود الفعل المدروسة.
يتعجب المرء من ذلك القليل الذي يقف ضد الأحتلال الأمريكي للعراق و لا يجد غضاضة في قدوم القوات التركية إليه. ويمكن للمرء أن يحزر الدوافع المحركة لمثل هذه المواقف اللاوطنية.أعتقد أن نفس الطروحات و الأهداف حركت في حينه صدام حسين ليوقع مع شاه إيران إتفاقية الجزائر و يتنازل عن أراض ومياه وطنية عراقية لصالح دولة أجنبية، لكي يعود و يدخل معها في حرب مجنونة أحلت الكوارث بالبلاد. وكان بإمكانه أن يقوم بالخطوة الصحيحة أي الأعتراف بالحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في إطار الدولة العراقية و التي إعتبرها (تنازلا) لا يتناسب و همينته المطلقة على شؤون البلاد و العباد. صداميو اليوم تحركهم نفس المشاعر للترحيب بالقوات الغازية التركية لأحتلال ربع أراضي العراق بأمل إفشال مشروع بناء عراق جديد قائم على الأتحاد الأختياري لجميع المكونات العراقية. يبدو لي أن هؤلاء و بسبب الأفكار المتطرفة التي يعتنقونها يفتقرون الى القدرة على قراءة الأحداث و التطورات السياسية بصورة صحيحة و لا يدركون حجم التغييرات التي حصلت في العراق و العالم و الحركة الكردية نفسها وهي أمور تجعل من تكرار تلك التجربة شيئا قريبا من المستحيل. لذلك كله و لعوامل أخرى كثيرة لا مجال للتفصيل فيها هنا فإن مخاطر الأستعانة بالقوات التركية في العراق تشمل بآثارها الكارثية جميع العراقيين دون تفريق.
لا يتردد المسؤولون الأتراك من الأعلان بأنهم يهدفون من وراء إرسال قواتهم الى العراق فضلا عن ترميم علاقاتهم مع الولايات المتحدة الأمريكية و الحصول على الدعم المالي الأمريكي، تأمين فرص تفضيلية لمساهمة شركاتهم في عمليات إعادة بناء و إعمار العراق و إقتناص الفرص الأقتصادية الكبرى في السوق العراقية، و هي أهداف يمكن لأية دولة أو شركة أن تفكر بها و تعمل من أجلها و على الآخرين تفهمها. ولكن حتى في هذا المجال فأن الشركات التركية لا تمتلك خبرة الشركات الغربية و لا تتميز خدماتها و منتوجاتها بجودة كبيرة، كما أنها ستقوم بسبب قربها من العراق بجلب أعداد كبيرة من العمال الأتراك و سيكون ذلك على حساب قوة العمل و الشركات الوطنية العراقية. إلا أن الأخطر من هذا و ذاك هو تأكيدها على ضرورة المشاركة التركية الفعالة في تشكيل العراق السياسي المستقبلي. هنا بالذات تكمن خطورة الأستعانة بالقوات التركية في العراق. وهنا أيضا سوف يتقاطع المشروع التركي مع المشروعين الوطني العراقي و الأمريكي.
الحلم العراقي يتلخص في بناء عراق جديد يعيد الى العراقيين إنسانيتهم المهدورة و تزيل عنهم آثار الكوارث التي حلت بهم على مدى أربعة عقود من حكم الجنرالات و البعث. و لايمكن أن يتحقق ذلك الا بإقامة عراق ديموقراطي تعددي فدرالي يؤطر الدستور عمل و صلاحيات مؤسساته الشرعية المنتخبة و تسوده الرفاهية و مبادئ حقوق الأنسان و القانون و يتمتع مواطنوه بغض النظر
عن أنتمائهم الديني و القومي و المذهبي و السياسي و الأجتماعي بحقوق متساوية.
كما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية و لازالت عن نيتها في إقامة عراق ديموقراطي آمن و متعايش مع شعبه و محيطه و العالم، ونظام سياسي لا مركزي يقطع الطريق على أية دكتاتورية جديدة تقفز الى السلطة و يعبر عن إرادة العراقيين جميعا دون إقصاء لأية فئة من مكوناته الأساسية، و بلد تسوده الرفاهية الأقتصادية و الشفافية المالية و الأدارية و حرية الصحافة و خضوع العسكر للحكومة الدستورية المنتخبة و غيرها من الأهداف الكبرى.
لا أعتقد بأن المرء يحتاج الى بذل جهود كبيرة لأقناع الجميع بأن أية أجندة تركية لا يمكن لها أن تتضمن شيئا من هذه الأهداف الكبيرة، ففاقد الشئ لا يعطيه كما يقال. لابد للمرء أن يعترف بأن هناك بعض أشكال الممارسة الديموقراطية المقننة في تركيا. ولكن هذا التقنين جعلها ديموقراطية عرجاء تعاني من تشوهات كبيرة لا يمكن أن تستقيم معها الحياة الديموقراطية. فالديموقراطية التركية خاصة بالعنصر التركي و تستثني الكرد و العرب و الشركس و اللاظ و الأرمن و السريان و اليونانيين و غيرهم من المكونات الأثنية التي يصل عددها في تركيا الى ثمان و عشرين قومية و أقلية إستثناء كليا. وجرى شطب هذه القوميات التي تشكل أكثر من ثلث سكان البلاد دستوريا منذ عام 1924. فالدستور التركي لا يقر بأية حقوق سياسية أو ثقافية أو إجتماعية لمواطني تركيا من غير الأتراك. حتى أن تبني إسم البلاد ( تركيا ) جرى وفق أسس عرقية لا تعبر عن التنوع للقومي و الثقافي في البلاد. يصعب على المرء أن يتصور بأن هناك دولة في بداية الألفية الثالثة تمنع ثلث مواطنيها من إستخدام لغاتهم القومية و لم تتخلى عن هذه السياسة إلا بعد سنين من الثورات و آلاف من الضحايا و ضغوطات من دول الأتحاد الأوربي وأملا بالحصول على موعد لبدء مفاوضات العضوية لهذا الأتحاد. كما يصعب التصديق بأنها تريد أن تساهم في بناء نظام ديموقراطي في دولة أخرى ولم ترضخ هي إلا أخيرا و نتيجة للضغوط الأوربية لتلغي منع تسمية المواليد من أبناء مواطنيها بأسماء غير تركية. ولم تكتفي بهذا الأمر داخل حدودها الوطنية بل لاحقت المهاجرين منهم الى المنافي بقوائم من الأسماء التركية المسموح بها بموجب القوانين التركية. لا توجد دولة ديموقراطية وحتى غير ديموقراطية تسعى في ظل الثورة المعلوماتية و ثورة الأتصالات على منع إدخال شريط غنائي أو كتيب الى أراضيها. ولكن يحدث هذا يوميا و على جميع المنافذ الحدودية التركية. و الدولة التركية دولة شديدة المركزية و تحارب فكرة توزيع السلطات بين المركز و الأقاليم و تعتبرها خطرا على وحدة البلاد. هناك قائمة لا نهاية لها من القوانين و الأجراءات الرسمية التركية المنافية لحقوق الأنسان و المواطن و الأقليات و التي تشكل لوحدها عقبة كبيرة
أمام تركيا للأنسجام مع معايير دول الأتحاد الأوربي.
كانت تركيا و على مدى سنين طويلة في خصام مع محيطها. دعك عن الحديث عن علاقات تركيا بالعراق الذي كان كمن يعيش خارج الزمان و المكان،فإن علاقاتها تميزت بالتشنج أيضا مع كل من سوريا، أرمينيا، اليونان، بلغاريا، قبرص و أيران. و قامت تركيا بإحتلال جزء من جزيرة قبرص و هي دولة عضوة في الأمم المتحدة و أقامت عليها كيانا لم تعترف به سواها في العالم و لازالت هذه المشكلة معلقة بسبب المواقف التركية المتعنتة. كما أعلنت تركيا و لأكثر من مرة على لسان كبار مسؤوليها عن أطماعها المكشوفة في الأراضي العراقية و بخاصة مناطق النفط في الموصل و كركوك. ورغم التحسن الملحوظ في علاقات تركيا بالدول الأخرى في السنوات الأخيرة إلا أن حالة التشنج التي تميز سياساتها أثناء الأزمات و لغة التهديد و الوعيد التي يلجأ اليها عادة مسؤولوها لدوافع تتعلق في اكثر الأحوال بحسابات التوازنات السياسة الداخلية و الأستهلاك المحلي، الأمر الذي لا تجعل منها أنموذجا جيدا لعنصر الأمن و الإستقرار في المنطقة.
تعاني تركيا من أزمة إقتصادية مزمنة و معدلات عالية للبطالة و التضخم وفقدان الليرة التركية لقيمتها بصورة مستمرة، فهي إذن أبعد ما تكون عن دولة الرفاه. و بسبب سوء التخطيط و الفساد الأداري و المالي الذي يسود المؤسسات التركية لم تتمكن تركيا من الأستفادة من القروض الكبيرة التي حصلت عليها من البنك الدولي و صندوق النقد الدولي و الولايات المتحدة الأمريكية للخروج من أزمتها الأقتصادية. لن تسطيع تركيا إذن في هذا المجال أيضا أن تقدم مايفيد العراق لا لأنها لاتصلح نموذجا يمكن الأقتداء بها في عمليات التنمية و التطوير الأقتصادي، كما لن تستطيع تقديم المساعدات الأقتصادية للعراق للخروج من أزمته المستفحلة. بالعكس من ذلك تماما تبغي تركيا من وراء أرسال قواتها الى العراق من الحصول على منافع إقتصادية تعينها على حل مشاكلها هي. وستحصل على مساعدات و قروض أمريكية على حساب مآسي العراق و العراقيين كما حصل عشية إقرار البرلمان التركي لقرار إرسال القوات الى العراق، حين حصلت على ثمانية مليارات ونصف المليار دولار أمريكي كقرض. لو صرف نصف هذا المبلغ على تشكيل قوات شرطة عراقية لحصل العراق على عدد كاف من رجال الشرطة خلال أشهر.
يلعب العسكر دورا محوريا في الحياة السياسية التركية بعكس الأنظمة الديموقراطية التي تخضع قواتها العسكرية للمؤسسات الدستورية في البلاد. وكما هو معروف فإن ظروفا تاريخية محددة لعبت دورها في تبوء العسكر هذه المكانة المتميزة في تركيا في العهد العثماني و الجمهوري.وشهدت بلدان أخرى ظروف مشابهة لتلك التي مرت بها تركيا ولكنها تمكنت مع الزمن و عبر الآليات الدستورية و الديموقراطية من إزاحة العسكر عن مواقعهم لتخضعهم للمؤسسات الشرعية في البلاد. أما في تركيا فقد بقيت المؤسسة العسكرية تمارس دورها الريادي في الحياة السياسية التركية. وتربع الجنرالات على قمة الهرم السياسي في الجمهورية التركية بدءا بمصطفى كمال و مرورا بعصمت أينونو و جلال بايار و جمال كيورسل و إنتهاء بكنعان أيفرين لمدة تقارب ثلثي عمر الجمهورية التركية. كما حكموا البلاد خلال الثلث الآخر من عمر الجمهورية بصورة غير مباشرة من خلال مؤسسات خاضعة لهم مباشرة مثل لجنة الوحدة الوطنية و مجلس الأمن القومي و غيرها. و قام الجنرالات بثلاث إنقلابات عسكرية في الأعوام 1960 و 1971 و 1980. و بعد إنتهاء الزعامة المكشوفة جرى تأسيس مجلس الأمن القومي الذي يضم قيادات الجيش الرئيسية. ويعرف الجميع في تركيا و خارجها بأن هذا المجلس هو الذي يقرر السياسات الداخلية و الخارجية للبلاد. وتشكل هيمنة المؤسسة العسكرية في تركيا إحدى المعضلات الحقيقية أمام تركيا للحصول على فرص الألتحاق بالأتحاد الأوربي. و أظهرت مجريات عملية التصويت الأخير في البرلمان التركي خطل التحليلات و التوقعات لتي بشرت بتحرر النظام السياسي التركي من هيمنة المؤسسة العسكرية بعد الأصلاحات الأخيرة التي أقرها البرلمان في الصيف الماضي. لقد اثبت الجيش بأنه لايزال القوة الممسكة بتلابيب الدولة التركية و لن يتجرأ أحد على ( التطاول على هيبته ) على المدى النظور. فهو بإستطاعته منع رئيس الوزراء و وزير خارجيته و عصبة من وزرائه و أعضاء حزبه في البرلمان من الحضور مع زوجاتهم المحجبات من حضور أية مناسبة رسمية. مع ذلك لا يتردد المسؤولين الأتراك من الحديث عن الأسلام و الأخوة الأسلامية عندما يتعلق الأمر بأرسال جنودهم الى العراق. العلمانية بمفهومها الكمالي المعادي للدين الأسلامي تحولت الى دين جديد في تركيا و الجيش الذي يرحب البعض بمقدمه الى العراق هو حامي حمى العلمانية و المبادئ الكمالية في تركيا. وهكذا يمكن القول بأن الجيش في تركيا تشكل دولة داخل الدولة التركية.
من الصعب أن يعتقد المرء بأن هناك فئة مهمة من فئات الشعب العراقي و بعد كل المآسي التي ألحقتها بهم نزعة العسكريتاريا العدوانية لصدام حسين و زمرته من خلال حروبه المجنونة على مختلف الجبهات، ترغب في أن تلعب المؤسسة العسكرية دورا يتجاوز حماية الوطن من العداون الخارجي و لا تخضع كليا لأشراف المؤسسات الدستورية في البلاد. لذلك فإن النموذج التركي يتقاطع هنا أيضا تقاطعا كليا مع المشروع الوطني العراقي و مع ما تعلنه الولايات المتحدة الأمريكية عن عراق ما بعد صدام.
و هناك عناصر أخرى كثيرة مثل التهديدات التركية المكشوفة لبعض القوى السياسية في العراق و محاولات إضفاء صفة الحامية على نفسها لبعض القوى السياسية الأخرى، الأمر الذي جعل منها قوة غير محايدة و لا تصلح للقيام بمهام تأمين الأمن و الأستقرار، وتجعل من الصعب التفكير في أية موائمة بين المشروع التركي الذي تحمله الدبابات و العساكر التركية الى العراق و المشروعين الوطني العراقي و الأمريكي. ومن هنا كان إدراك الأغلبية الساحقة من العراقيين للنوايا التركية ووقوفهم ضدها.
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف