العروبيون بين التأدلج والوطنية
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
&
&
&
بعد قرون من التخلف المعرفي والتبلد الفكري والأنغلاق الذهني والأنعزال عن العالم وثورات تقدمه العلمية والنهضوية، سقطت الدولة العثمانية. ولقد كان نصيب العرب السهم الأوفر من تكبد الخسارة الناتجة عن سقوط تلك الدولة التي لم تحترم في أوائل صعودها دور العرب في حضارتها ولا قيمتهم في اواخر عهدها الذي أحتل فيه الغرب قبل سقوطها بعقود بلدان المغرب العربي ومصر وجزء من الخليج، وعومل العرب فيها معاملة تسلطية أستغلالية وعنصرية. ومن بين الأنعتاق& من السيطرة العثمانية، الى الدخول في سيطرة أوربية أخرى أعطتهم أوطان متفرقة وحدود مصطنعة ودساتير كانت نصف حلول للمشاكل والمصاعب التي خلفهما الجهل والفقر اللذان عايشهما العرب كمواطنين من الدرجة الثانية في الدولة الطورانية. ولدى حصول الدول العربية الأستقلال واحدة تلو الأخرى، كانت آمال شباب الأمة ان يرى دولة موحدة واحدة قوية تعطيه المجد الذي خبا والنور الذي أنطفأ بسقوط بغداد وضياع قرطبة.& لقد كان أغلب الأنظمة التي نشأت بمساعدة غربية أو بدونها غير قادرأن يلبي الطلبات التي كانت الجماهير تريدها& في الحرية والعدالة والتوحد. ومن بين الأحتجاجات والتململ، حدث التحدي المرير في ضياع جزء من فلسطين.
ومع مشاعر الألم لما حدث في فلسطين تحركت أحباطات الجيوش وتنظيمات الأحزاب وأفكار العقائدين وحماس الشباب لتخلق قاسم مشترك يتمحور حول قضية وحدة العرب من أجل القوة والرفعة، وقضية الحرية من أجل أسترداد كرامة الأنسان وحقه المشروع في الحياة، وقضية العدل في مجتمعات تشظت أنظمتها التكافلية القديمة. وانقسم العروبيون المؤدلجون (حاملي عقائد التوحد والتحرر والعدل) الذين جمعتهم هموم& تلك القضايا وفرقتهم أولياتها ووسائلها الى قوميون يمينيون ويساريين وناصريون وبعثيون وارثين أفكار وأعمال جمعيات العروة الوثقى والعربية الفتاة. ووعدت الشعوب بالآتي الجميل القريب. ومرورا مع ما حدث في خمسون سنة مضت وصولا الى أنكشاف المستور وسقوط المدن المريع الذي لم يحدث مثله في التأريخ، نتساءل عن ما قدمه العروبيون المؤدلجون لهذه الأمة التي أبتلت بأعداء من خارجها وأبناء في داخلها. أنها دعوة للتأمل ومقارنة بين العروبيون المؤدلجون والعروبيون الوطنيون الذين آمنوا ان خدمة الأمة في بناء أوطان للخير والأنسان تتنافس للرفعة والتقدم من أجل خدمة الأمة، وهم نماذج من رجال قادوا ثورات حقيقية (لا أنقلابات عسكرية) من أجل التحرر والأستقلال والبناء لبلدان عربية أخرى دون ضجيج شعارات أو أدلجة نظريات.&
وعند التطلع الى مسيرة العروبيون المؤدلجون& في& الأفكار والنظريات والشعارات من زاوية الأفعال والانجازات، نجد انهم& وفي خضم اجتماعهم في الأهداف وأختلافهم في الأسالياب والوسائل يشتركون بأشياء شبه متماثلة.
سنوات الزهو والصعود:
&
1-بناء قاعدة صناعية حسب القدرات الوطنية.
2-عند غياب الفؤية قدمت هذه الأنظمة ديمقراطية أجتماعية في التوظيف والتعليم والعمل والخدمات الأساسية.
3-حقبة من الرخاء والشفافية، وتقديم وعود وأحلام وعطايا.
4-مناكفة لأعداء الأمة ودعم لحركات التحرر الوطني.
5-أضعاف التشرذم الطائفي والعرقي والطبقي في المجتمع وأنفتاح على المحيط العربي.
6-تحفيز الأنظمة العروبية الوطنية& لخطوات أجتماعية وتنموية أوسع.
سنوات الأنكسار والهبوط:
1-حرص على السلطة وجعل ذلك فوق المباديء والأهداف المؤدلجة (عند الأمتحان). فقد قصفت صنعاء بالصواريخ في تمرد ضد الوحدة التي كانت شعارا لفكر قومي الجنوب، وقتل عدد كبيرمن الرفاق في بغداد في صراع على السلطة ولأفشال الوحدة مع سوريا عام 1979، وحديثا قال "أمين القومية" انه كفر بها.
2-التركيز على واجبات الوطنية دون حقوق المواطنة والقسوة على المواطن وجعل وجوده وعيشه مكرمة ومنة من النظام، مع الأستهانة بحقوقه الأنسانية في أختيار الحياة وممارسة حق الرأي والضمير. والتوسع في بناء المعتقلات والسجون والمقابرالجماعية لأبناء الوطن، ومحاربة الفكر الأسلامي عند القوة والأستنجاد به عند الضعف (أعدمت أو قتلت جميع الأنظمة العروبية مفكرين أسلامين ومراجع فقهية).
3-تقديم هاجس الأمن على التنمية وتقديم مفهوم الولاء الفؤي على الكفاءة الوطنية، مع ترويج نظرية المؤامرة وجعلها نظرية عمل في تبرير الأنتكاسات والهزائم. وتهجير الكفاءات والطاقات وطرد الرأسمال الوطني، وتحويل البلاد الخصبة المنتجة الى بلاد جدب وعوز بعد تولي الجهلة والأميون الأمور.
4-ألغاء الدستور والميزانية والرقابة الشعبية وتجيير ما يتبقى منها في خدمة النظام. والتمسك بالقوانين الأستثنائية لأستمرار حالة اللا قانون واللا حرب واللا سلم واللا عدل واللا محاسبة... ألخ.
5-تفصيل الوطنية فؤيا وأختزال الوطن في الحزب أو المنظمة الحاكمة التي تختزل بعد ذلك في شخصية رأس النظام وعائلته. والنظر الى السلطة والمال العام بمفهوم رعوي كونهما غنيمة للعشيرة والطائفة والعائلة، وأبتكار الأنظمة الجمهوملكية.
6-تفشي المحسوبية والمنسوبية في دولة رعوية تهمشت فيها العلاقات المتحضرة بين الأنسان والدولة. والتعامل بأسلوب الرشوة والحربة وانحسار قيم الطهارة. وألغاء العدل المستوحى من مؤسسات دولة القانون بأنكارها وأستنكارها. والتجاوز على المحرمات والأعراض.
7-أبتكار محكمة (الثورة) التي تقدم التهمة وتختار المحامي وتصدرالحكم الذي لا أستئناف أو تمييز بعده. وألغاء الحريات العامة وتزييف التعددية والممارسات الديمقراطية ورفض أقامة مؤسسات الحكم المدني. ثم تطبيق مبدأ "الثورة تأكل رجالها" في أقتتال داخلي.
8-التلاعب الفج في الألفاظ وليّ المفاهيم من أجل تجنب المحاسبة والمسؤولية كجعل الهزيمة الكبرى مجرد نكسة والهزيمة المرة أنتصار وأنتفاضة الشعب غدر وخيانة. وأتباع المكافيلية كنظرية عمل تبرر الوسيلة من أجل الغاية. ثم انفصام بين الشعارات والأفعال. وبدل جعل الشعارات في خدمة الأنسان جعل الأنسان في خدمة الشعارات (المحرفة ضمنا).& مع محاربة الثقافة& والفكر والمعلوماتية وتشويه المناهج الدراسية.
9-أقرار مفهوم التدخل حسب الحاجة بالأقطار العربية الأخرى، وبلبلة معايير الحكم، وما يلعب المرتشين في ذلك من أدوار. والدخول في حروب بعيدة عن الشأن القومي وغير مبررة أو مسوغة تفتت الجهد العربي، وتشرذم الأمة. خذ مثلا الحرب مع تشاد وأيران وغزو الكويت.
10-أستخدام وسائل الأعلام الوطني للمهاترات والشتائم والمزايدات.& وتكريس الصنمية وتقديم قرابين القصائد والمديح والأناشيد. ففي واحد من تلك الأنظمة مثلا كان هناك مئات التماثيل وعشرات القصور وآلاف المرتشين المداحين، في زمن كان الشعب محاصرا ومجوعا ومقهور.
في سنوات الزهو والصعود زاد عدد الأنظمة العروبية المؤدلجة ورفعت شعارات الحرية والأشتراكية والوحدة أو الوحدة والحرية والأشتراكية. وبغض النظر عن التقديم والتأخير في هذه الشعارات، هل أصبح الأنسان العربي أكثر حرية وكرامة في ظل تلك الأنظمة؟ وهل أنبسط العدل الأجتماعي (الأشتراكي) على أهل الوطن الواحد؟ وهل تحققت الوحدة بين تلك الأنظمة (على الأقل)؟ وهل تحررت فلسطين أو جزء منها؟ وهل كان الثمن الذي دفعته الشعوب في سنوات الأنكسار والهبوط الطويلة، تستحقه سنوات الزهو والصعود القصيرة؟ وهل يأسف من أنعتق جائعا هاربا ومهجرا ليعود؟& وهل كانت الرسالة الخالدة رسالة جميلة حقا؟ وهل قلة تقدمنا يمكن مقارنته ببلدان المنطقة المحيطة والمشابهة لنا؟ وغير ذلك من الأسئلة المريرة. فأذا كان الجواب بالنفي، فيحق أذن للذين آمنوا بحق أوطان هذه الأمة وشعوبها في الوجود والكرامة والتحرر أن يلتفتوا قليلا ليقولوا كفى عبثا وكوارث يا أيها الأخوة المؤدلجون. فقد ضاعت كل فلسطين وتوسعت الأحتلالات وأزددنا فرقة وضعف وتشرذم، بسبب أراجيفكم وكثرة غثاؤكم. ومن يشك في ذلك ليعد قراءة سنوات الأنكسار والهبوط ليسأل بعد ذلك، هل يستطيع هؤلاء ان يبعثوا أمة تكالبوا على أبنائها وتفننوا في& صناعة مصائبها وكوارثها؟& أفلا يجوز أو يجب ان نقول ان من يطلب خير هذه الأمة عليه ان يطلب أولا خير أوطانها وأبنائها ليصنع النموذج الجاذب لا الطوطم الطارد.
alfize@ieee.org
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف