سالم الدباغ: عندما يفقد الفنان حريته يقع في قعر الزجاجة
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ايلاف - بغداد من سعد هادي:& ليس في رسوم سالم الدباغ جاذبية كبيرة وتبدو لوحته لمن يراها للوهلة الاولى مساحة سوداء كبيرة فيها بعض الاشارات الملونة او مساحة بيضاء شاسعة فيها خطوط سوداء تتكرر مواضعها وصياغاتها باستمرار، ولعل الدباغ من اكثر الرسامين العراقيين اقتصادا باللون والعناصر الشكلية، ومع ذلك فلوحته تضج بالحركة دائما ، حركة في فراغ مبهم ، ثمة حياة خفية فيها خلف السطح المرائي، وخصوصية رسومه تتولد اساسا من سيطرته الدائمة على الوسط التصويري الذي يتعامل معه ومن بحثه المستمر عن مجاهيله،ان لوحته تنمو ببطء وهي تدعو المشاهد الى التساؤل باستمرار عن سرها، عن مناخها المربك ،المثير في صمته وسكونيته ، ترى هل ستستمر لوحته كما هي الآن، هل ستستجيب للمتغيرات، كيف يفكر الدباغ بمستقبله كرسام؟
سألته اولا:&
*هل ترسم في ظل ظروف كهذه؟
فقال:
- لم اتعود الجلوس امام اللوحة لأرسم ، يحدث احيانا ان ارسم خطا واحدا فقط ، الرسم شيء يأتي من الداخل ومن الصعب السيطرة عليه.
* هل تعتقد ان تغيرا ما سيطرأ على اسلوبك الآن او بعد حين قصير؟
- امام تغير شامل كالذي حدث لن يتغير اسلوب فنان ما لوحده ، لابد ان تتغير بنية الحركة الفنية كلها، لابد ان تظهر حركة فية جديدة على انقاض ما سبقها. اسلوبي لم يتولد بالصدفة بل جاء نتيجة فترة بحث طويلة. احداث كالتي نمر بها تخلق رؤى جديدة ، فلسفة فنية جديدة،اساليب مختلفة.
*كيف نحدد مواصفات اللوحة التي سيقدر لك ان ترسمها؟
- لوحتي ستستمر في نموها الشكلي اما الرؤية امامي كأنسان فهي مضببة، تسجيل الاحداث ليس مهمتي ، لم ارسم مقتل انسان ولم ارسم بناية تحترق، تغير الاسلوب لا يأتي من اشياء آنية.
* بماذا يختلف سالم الدباغ الآن عنه في الستينيات؟
- الستينيات هي القاعدة ، هي البداية الحقيقية لفننا المعاصر ومنها انطلقت الاتجاهات والاساليب ، كرسام اعتبر ان الرؤية توضحت الرؤية امامي جيدا في تلك المدة.ثم ازدادت وضوحا سنة بعد اخرى حتى وصلت الى ما انا عليه الآن.
* كيف تستطيع المقارنة بين فناني& الخمسينيات والستينيات في ضوء الادوار التأسيسية لفناني المرحلتين؟
- فن الخمسينيات هو فن البدايات بينما فن الستينيات هو فن المغامرة، تحول العمل الفني الى عمل ثقافي وخرج عن كونه عملا تقنيا واكتشف الفنانون آنذاك ان الرسم اعمق مما يتصوره اي منهم و لم يعد الرسام ناقلا او مصورا& للاحداث.
* هل ولدت الستينيات اتباعا ؟
- بعد مااحدثته من تغيرات ظهر فنانون ممتازون في رؤاهم واساليبهم اوصلوا نتائج تلك المرحلة الى اعلى مستوياتها، لكن تراجعا وخيبة امل حدثا في في بداية الثمانينيات.
* لماذا ؟
-& اي حركة فنية لا ترفد بعناصر جديدة تموت ،في تلك السنوات مثلا تحول معهد الفنون الجميلة الى مدرسة متوسطة وتخلى عن دوره الريادي ولم يحدث ذلك اعتباطا بل نتيجة تخطيط مدروس ومبرمج.كيف ترفد اي حركة بالجديد اذا لم هناك طاقات جديدة وبحوث جديدة وانفتاح على العالم وصلة حقيقية به .كان الطالب في الستينيات والسبعينيات يتخرج فيسافر الى الخارج ليدرس ويرى ويتعلم،اما في الثمانينيات فكان يؤخذ عنوة الى الحرب.
* هل يعني ذلك ان خرابا شاملا قد حدث؟
- بل ظهر جيل جديد ليشهد على المأساة وظهر فيه فنانون ممتازون.
* مثل من؟
- عبد الكريم خليل ، شداد عبد القهار ،كريم رسن وآخرون ، هؤلاء لم يصنعهم المعهد ولا الاكاديمية بل صنعوا انفسهم كفنانين بانفسهم.
* هل نستطيع ان نعيد للفن العراقي تقاليده الآن؟
- ليس فقط اعادتها وانما تطويرها بما يناسب العصر و ما يناسب المرحلة الراهنة بسلبياتها وايجابياتها.
* ما هو السبيل الى ذلك؟
- لقد استعاد الفنان حريته الآن ومعها القدرة على القول والعمل بحرية والقدرة على السفر وغير ذلك من حقوقه كأنسان واصبح بمقدوره الاطلاع على ما يحدث في الخارج واختيار ما يناسبه.
* ماذا تتوقع على صعيد التجمعات الفنية؟
- اتوقع ظهور جماعات جديدة.
* هل تعتبر الجماعات مهمة لتطوير رؤية الفنان؟
- لست انا من يقرر ان كانت مهمة ام لا ، اذا كانت الحاجة تدعو اليها فهي ضرورية.
* كيف تفسر استمرار الفنان العراقي رغم كل الصعوبات والعراقيل؟
- اعتمد الفنان العراقي على موروث تمتد جذوره الى عمق التاريخ وهو يعود اليه لتطوير رؤيته وافكاره.
* هل من الضروري الآن العودة الى الموروث؟
- شخصيا اعتبر كل الموروث الانساني ملك لي ولا اقصد به الموروث الوطني والقومي ،لقد اضطر البعض في العقدين الماضيين للرجوع الى الموروث واستعار منه بعض الرموز والاشكال لينقذ بها عمله الفني وكثير من الفنانين استعمل التراث كطوق نجاة...اعتقد ان الفنان الحر الآن سيتحرر من هيمنة الموروث لوحده ليصنع فنا عراقيا خالصا يعبر عن الحاضر ويتقدم بثقة نحو المستقبل.
* ما هي ابعاد المرحلة الراهنة ، هل هي ما يصح تسميته " بين مرحلتين"؟
- نعم، سبق لي ان قلت ذلك، واذا حدث تغير اقتصادي واجتماعي فلا بد من حدوث حركة فنية جديدة.
* هل الحرية شرط ضروري لاستمرار اي حركة فنية تصاعديا؟
- الحرية عماد لكل شيء وبدونها لايستطيع الفنان ان يعمل بل يتحول الى رجل اعلام للسلطة توجهه كما تريد ، الحرية اهم ما يمتلكه الفنان وعندما يفقدها يقع في قعر الزجاجة.
* هل يمكن القول انك فقدت حريتك في سنوات الحكم الديكتاتوري ،وهل استطعت التعويض عنها؟
- ربما جعلني اتجاهي الفني امتلك شيئا من الحرية والرفض المستمر لما لا اؤمن به، ساعدني على التمسك بحريتي، عدم الحاجة قد يؤدي بالفنان الى المحافظة على نفسه والنأي عن مكارم الديكتاتور.
* والآن بعد ان نلت جزءا من حريتك؟
- ادعو اي فنان الى الاعتماد على نفسه وعدم اللجوء الى المؤسسات ، اي ان يستقل عن اي تأثير على عمله من الخارج.
* هل تدعو الى الغاء المؤسسات الفنية؟
- المؤسسات الفنية هي التي تحتاج الى الرعاية اما رعاية الفنان فهي تحدده وتفقده حريته ،رعاية المؤسسات الفنية هي الاهم.
* معنى ذلك انك تريد من الفنان ان يكون مستقلا في ظل عدم وجود تقاليد فنية في الوقت الحاضر؟
- هذه المسألة جزء من معاناة الفنان وينبغي ان يكافح من اجل تحقيقها.فالفنان مجبر على بيع حريته اذا لم يبع اعماله وكثير من الفنانين كان بامكانهم ان يكونوا فنانين ممتازين لو نالوا حريتهم الاقتصادية، لقد اصبحوا رسامين فقط، يرسمون بتقنية جيدة لوحة خالية من اية رؤية.
* هل يمكن القول انك حققت ما يمكن تسميته برؤية فنية ؟
- الرؤية عندي تتجدد وتنمو وعندما اقول انني حققت رؤيتي فسأكون قد انتهيت، لوحة الرؤية الكاملة لم ارسمها بعد.
* ماذا عن التطور، هل رؤيتك في الستينيات مثلا تختلف عن رؤيتك الآن هل يرتبط ذلك بعوامل متعارضة ام متداخلة في فنك؟
-& ما تزال جذور الستينيات مستمرة حتى الآن في لوحتي وانا مخلص لها وما اقوم به عادة هو التنقل من مرحلة الى اخرى، من السوداء الى البيضاء او المزاوجة بينهما،ولكن الجذور واحدة.
* ماهي خلاصة المراحل لديك؟
- استخدام الفراغ ككتلة موازية للكتلة المشغولة في اللوحة، وانا الآن امر بمرحلة صعبة احاول ايجاد سبيل للخروج منها وكلما ازدادت لوحتي فراغا امتلأت بالفراغ.
* هل اتضح ذلك في اعمالك الكرافيكية؟
- عملت طويلا في الكرافيك ومازلت انتجه ولكني مقل فيه.
* كيف نستطيع الحديث عن تجربتك في الكرافيك؟
- لدي خبرة جيدة فيه وقد عملت رئيسا لقسم الكرافيك في معهد الفنون الجميلة حتى تقاعدي عام2000واستطعت ان احقق من خلاله ما لم احققه في اللوحة ولكن اللوحة اغنتني عن الكرافيك.
* ما هي مواصفات عملك الكرافيكي؟
- اعتمد على الخطوط القوية، المتداخلة والمتقاطعة التي تملأ مربع الورقة تماما وهذا التداخل يبدأ من الداخل وينتهي في حافة المربع مع الاعتماد على الابيض والاسود.
* ماذا تبقى لديك من فرع الكرافيك؟
- كان من اهم الفروع في معهد الفنون، وكان طلابه كرسامين افضل من طلاب فرع الرسم ولكن الفرع بدأ بالانهيار مع مطلع التسعينيات، لم تعد هناك مواد وتوقفت المكائن اما الطلاب فاكثرهم لم يعد& يأتي من اجل تعلم الفن واذا كان الطالب لايعرف شيئا عن الرسم و لاعن تاريخه فكيف تريد منه ان يعرف ما هو الكرافيك، حاولنا بجدية انقاذ القسم ولكن المحاولة لم تكن مجدية فوجدت نفسي فائضا ولم اجد امامي سوى التقاعد.
* لماذا حدث ذلك؟
- تحول المعهد بالتدريج الى منظمة حزبية وسيطر الجهلة عليه وساهموا في تدميره حتى لحظة السقوط.& (تنشر بالاتفاق مع "الصباح" البغدادية)
سعد هادي : رئيس القسم الثقافي في جريدة الصباح البغدادية
saadhadixm@ hotmail.com
&
ثقافة إيلاف&janabi@elaph.com
&
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف