أبناء الريح والشمس عشاق الحرية والترحال الدائمالاردن يستوعب رعاياه من الغجر
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ومن ذلك ترانيم الغجري في اغانيه مرددا "انا ابن الريح والشمس، قدري هو الرحيل الدائم والحزن الابدي مكتوب على جبيني .. امي الريح لا تستقر في أي مكان وتحملني معها، وامي الشمس تشرق على بقعة ارض في اقصى العالم لتغيب عنها وتطلع على غيرها ثم تعود اليها في رحلة لا تنتهي".
ويعيش الغجر في الاردن منذ اكثر من 200 سنة وتجاوز عددهم الان 25 الفا ينتمون الى نحو 30 عشيرة من الغجر الذين يسميهم البعض "النور" ويسميهم اخرون (الزط) بضم الزين وتشديد الطاء وتعود هذه التسمية الى انتعال الغجرية حذاء ذا كعب طويل ومدبب يسميه البدو في الاردن (زط).
وتقول الدراسات العربية القديمة كما اوردها المؤرخ حمزة الاصفهاني ان اصل الغجر يعود الى الهند وتحديدا ولاية (بيهار) التي ارسل ملكها في القرن الخامس الميلادي الى صهره ملك الفرس (بهرام بور) عشرة الاف مطرب وعازف مع نسائهم وابنائهم بناء على طلب الاخير لذي اراد اسعاد شعبه باقامة حفلات الرقص والغناء.
ويروي الاصفهاني ان القوم التزموا للملك باقامة الافراح والليالي الملاح واضفاء البهجة على احتفالات الشعب والاعياد والمناسبات الوطنية وبالمقابل اعطاهم الملك بعض الاراضي ومنح لكل منهم حمارا او ثورا ومؤونة عام وبذورا كافية لزراعة الاراضي ولكن القوم انشغلوا بعزف الموسيقى والغناء والرقص واستهلكوا مؤونتهم ومعها المواشي والبذور التي قدمها الملك وجاءوا اليه في العام التالي يطلبون المزيد فغضب منهم وطردهم من بلاده.
وارتحل الغجر عن بلاد فارس يضربون في الارض سعيا لكسب الرزق وانقسموا في نزوحهم الى ثلاثة اقسام توجه احدها صوب الجنوب الغربي نحو بلاد الشام ومنها الى مصر وشمال افريقيا فيما اتجه القسم الثاني شمالا الى المناطق التي تشكل الان ارمينيا وجورجيا وواصل بعضهم رحلة النزوح ليحطوا رحالهم فى اليونان حيث ينتهي تاريخهم القديم.
اما القسم الثالث من الغجر فقد ارتحل الى اسيا الصغرى ومنها الى وسط وغرب اوروبا وصولا الى البرتغال واسبانيا التي يعيش فيها اشهر الغجر منذ نهايات العهد العربي في الاندلس ليشكلوا فيما بعد ابرز ملامح اسبانيا المعروفة من رقصة الفلامنكو الى الغناء والرقص الغجري ومصارعة الثيران.
لكن الغجر في الاردن ينفون صحة هذه الرواية وينكرون ان يكون اصلهم من الهند بل يصرون على انهم عرب اقحاح من (بني مرة) مستندين الى الرواية التاريخية عن (حرب البسوس) وعن (سيرة الزير سالم) الذي انتقم من بني مرة وامر بتشتيتهم في الارض والا يركبوا الخيل والا يذوقوا طعم الراحة والامن ولا الاستقرار فهربوا مع اهلهم ناجين بارواحهم وهاموا في صحاري الجزيرة العربية والبلاد المجاورة ولاقوا من الاذلال صنوفا عديدة كما تقول الرواية.
ورغم قسوة الحياة التي يعيشها الغجر في معظم انحاء العالم الا انهم يرفضون بشدة التوطين والاندماج في المجتمعات التي تؤويهم كما يرفضون باستثناءات قليلة العيش في المنازل المبنية ويفضلون عليها الخيام او البيوت ذات السقوف المنخفضة والجدران غير المبنية قائلين انهم يرفضون "سجون الاسمنت
- كما يمتنع هؤلاء القوم عن ارسال ابنائهم الى المدارس لتلقي العلم ويعتقدون ان حروف الهجاء من اختراع الشيطان ويكتفون من العلم والمعرفة بما يلقنه الاجداد وكبار السن للابناء والاحفاد من "دروس الحياة وتجاربها" ولذلك فلا حاجة الى المدارس والجامعات في رأيهم.
ولكن وضع الغجر في الاردن يختلف عن هذا الواقع الى حد بعيد فقد هجروا خيامهم (الخرابيش) منذ سنوات طويلة ويتلقى ابناؤهم العلم الان في المدارس والجامعات كما يعملون بوظائف مختلفة في القطاعين العام والخاص خلافا للغجر في العديد من الدول الاخرى والذين لا يزالون يرفضون التوطين والتعليم والعمل في الوظائف.
ورغم ان يد التطور تناولت جوانب مهمة من حياة الغجر هنا ومعها عاداتهم وتقاليدهم وازيائهم ولغتهم التي لم يبق منها الا اقل القليل فان التطورات لم تاخذ شيئا من جمال نسائهم واطفالهم ولم تمس عشقهم للحرية وبساطة العيش ولا جمال روحهم وصفائها وكذلك شغفهم بالغناء والعزف والرقص باسلوب فريد يمزج العنف بالرقة والحزن مع الفرح ليشكل ما يسمى "الروح الغجرية".
وقد صور شاعر الاردن الكبير مصطفى وهبي التل الشهير باسم (عرار) مختلف جوانب حياة الغجر في الاردن من العيش فى الخيام (الخرابيش) وعاداتهم وتقاليدهم ومهارتهم في الرقص والغناء باسلوب بديع ودقيق كما تغنى بجمال نسائهم باسهاب في قصائد ودافع عن حقهم في المساواة واعتبرهم اردنيين متساوين مع بقية ابناء الشعب فى الحقوق والواجبات.
ونجح الاردن نتيجة ما بذله من جهود طيلة العقود الماضية في توطين الغجر واسكانهم في بيوت عادية لكنهم لا يزالون يرون فيها حتى الان مجرد "سجن" قائلين انهم يعشقون الحرية والارض الخلاء دون بيوت ولا عمارات ويستمتعون بمناجاة القمر ونجوم الليل
- ورغم تمسك الغجر باصولهم وانسابهم ورفضهم بقوة ان تختلط بانساب غيرهم من بني آدم بل واستعداد الغجري للموت وسفك الدماء منعا للاندماج مع الاخرين الا انه سجلت حالات قليلة جدا عن زواج الغجريات من اخرين خارج نطاق عشائرهن.
ويتحدث الغجر الاردنيون لغة محكية ليست لها قواعد ولا حروف هجائية او تراث ادبي وقوامها اللغة السنسكريتية مع خليط من المفردات العربية والفارسية والارية والكردية والمغولية ويلاحظ ان ابناء الجيل الجديد منهم لا يتحدث بهذه اللغة.
ويتزعم عشائر الغجر في الاردن شيخهم فتحي عبده موسى ابن الفنان الاردني الراحل عبده موسى الذي اشتهر باغانيه الوطنية والشعبية بمصاحبة (الربابة) وشارك في مهرجانات الغناء العربي.
وقد خاض شيخ الغجر الانتخابات النيابية الاخيرة التي شهدها الاردن في شهر يونيو الماضي لكن الحظ لم يحالفه فيها وهو يطالب الان بتخصيص (كوتا) أي حصة مكونة من مقعد واحد للغجر في مجلس النواب ليكون ممثلين فيه اسوة بغيرهم من المواطنين من البدو والشركس والمسيحيين والشيشان للاندماج تماما في المجتمع الاردني الذي يحملون هويته وجنسيته.
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف