أخبار

الشيخ الشيعي حسن الصفار في حوار لـ"إيلاف":متفائل بتغلب الأمة على مشكلة الخلاف المذهبي لهذه الحقائقإمام المسجد وخطيب الحسينية لم يعودا المصدر الوحيد للمعلومات

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
بشير البحراني وحسن آل حمادة من القطيف: تشكل قضية الوحدة بين المذاهب الإسلامية شيعة وسنة واحدة من أهم القضايا التي تشغل بال المسلمين منذ الأمس وإلى اليوم، ففي الوقت الذي ترفع فيه الأصوات وتدفع الجهود باتجاه الوحدة والائتلاف، تتحرك عناصر لتثير هذا الطرف ضد ذاك، أو تسعى لتشويه صورة هذا الرمز أو ذاك القائد.
هنا حوار لـ "إيلاف" مع الشيخ حسن الصفار أحد أبرز رموز الشيعة في السعودية:
في البدء حبذا لو حدثتمونا عن الفرق بين الطائفية والتدين، بمعنى ما الفرق بين أن يكون الإنسان طائفياً في تفكيره، وبين أن يكون متديناً ملتزماً بمذهبه؟
التدين هو التزام الإنسان بقيم الدين واتباعه لأحكامه.
والطائفية تعني انحياز الإنسان غير الموضوعي لطائفته، والحيف على حقوق الطوائف الأخرى.
إن من مبادئ الدين الأساسية التي لا خلاف عليها بين المذاهب التزام العدل، وهو يعني إعطاء كل ذي حق حقه، مسلماً كان أو كافراً، فضلاً عن اختلافه المذهبي، يقول تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}، ويقول تعالى: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}.
وليس هناك مذهب من المذاهب الإسلامية يشرّع للظلم والاعتداء على حقوق الآخرين، لتغاير الدين أو المذهب، وما يطرحه بعض المتمذهبين من آراء تحريضية ضد المخالفين لهم، هي سوء فهم، أو تعبير عن نزعات عدوانية تعصبية، أو لخدمة أغراض مصلحية لا علاقة لها بالدين والمذهب.
إلى جانب المبادرات الطيبة التي تدفع باتجاه التقارب بين المذاهب الإسلامية من السنة والشيعة هناك مؤشرات سلبية لإدامة مسلسل هذا الخلاف والنزاع في الأمة فهل أنتم متفائلون أم متشائمون على هذا الصعيد؟
إني متفائل بأن تتغلب الأمة على مشكلة الخلاف المذهبي في هذا العصر وأنطلق في تفاؤلي من الحقائق التالية:
أولاً: تنامي مستوى الإيمان والوعي بحقوق الإنسان وفي طليعتها حريته الفكرية والدينية، ذلك أن الصراعات المذهبية إنما تنبثق من وجود تصور بحق الوصاية والفرض على عقول الآخرين وأفكارهم، وأن عليهم أن يؤمنوا بهذه الفكرة، وأن يرفضوا ذلك الرأي، وأن يسلكوا هذا النهج، وأن يتخلوا عن تلك الطريقة.
إن وجود هذه التصورات عند أتباع المذاهب تجعلهم يقفون من بعضهم البعض موقف المحاكمة والمحاسبة والتفتيش العقائدي.
بينما حين يسود الإيمان باحترام حقوق الإنسان وحريته في اختياراته الدينية والفكرية، فسوف لن يسمح أحد لنفسه بمحاولة الهيمنة والفرض على أفكار الآخرين، وذلك هو منطق العقل والشرع، يقول تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}، ويقول تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}.
نعم هناك مجال للدعوة لما يعتقده الإنسان حقاً، وللحوار والنقد والتقويم للآراء والمذاهب في حدود الاحترام المتبادل كما يقول تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.
ثانياً: توفر فرص المعرفة والانفتاح بين أتباع المذاهب من السنة والشيعة، عبر الكتب والمجلات، والقنوات الفضائية ومواقع الإنترنت، والتواصل المباشر، وبإمكان كل طرف أن يتعرف على الآخر على حقيقته بعيداَ عن التضليل والتهريج، والتعميمات النمطية.
فلم يعد إمام المسجد أو خطيب الحسينية هو المصدر الوحيد للمعلومات لكل من الطرفين عن الآخر. الأمر الذي كان يجعل الجمهور معرضاً للتعبئة والشحن الطائفي في كثير من الأحيان.
ثالثاً: خطورة التحديات التي تواجهها الأمة، والتي فرضت نفسها على الاهتمامات والمشاعر، مما يخلق وحدة في الاهتمامات لدى أبناء الأمة.
لهذه الحقائق وأمثالها أشعر بالتفاؤل وأنه قد بدأ العد التنازلي لإشكاليات الخلافات المذهبية.
لعل من أعقد مسائل الخلاف بين السنة والشيعة موقف الشيعة تجاه الخلفاء والصحابة فكيف يمكن حلّ هذه العقدة؟
ليس شرطاً لحسن العلاقة بين السنة والشيعة أن يتنازل أي طرف عن رأيه وقناعته.
فالشيعة لهم رؤية عن موضوع الخلافة والإمامة وأنها تكون بالنص من الرسول 2، ولديهم أدلتهم التي يرونها ملزمة لهم بالإيمان بذلك، ولا يجدون أنه يمكنهم التنازل عما ثبت لديهم بالأدلة العقلية والشرعية.
لكن موضوع الخلافة والخلفاء أصبح قضية تاريخية، فلماذا يكون عقبة في طريق الأمة في عصرها الحاضر، بحيث ينشغل الشيعة بإثبات رأيهم، أو يحرص السنة على تغيير رأي الشيعة فيه.
إننا لسنا مخيرين الآن بين خلافة أبي بكر وخلافة علي حتى نهتم بإقناع بعضنا بعضاً بأحد الخيارين.
لكننا على مفترق طرق فيما يرتبط بوجودنا وكرامتنا في هذا العالم، فهل نكون أو لا نكون؟
وما هو موقعنا بين الأمم في هذا العصر؟
وهذا ما يجب أن ننشغل به جميعاً لارتباطه بحياتنا ومستقبلنا.
لكن هذه الرؤية الشيعية تجاه الخلافة نتج عنها ما يزعج أهل السنة من صدور إساءات كالسب واللعن من بعض الشيعة للخلفاء وكبار الصحابة؟
إذا كان من حق الشيعة أن تكون لهم رؤيتهم وقناعتهم فليس من حقهم الإساءة إلى رموز ومقدسات الطرف الآخر، إن ذلك يشكل انحرافاً عن تعاليم الدين وآدابه، ويؤدي إلى الفتن وتخريب وحدة الأمة، من هنا نعتبر الإساءة بالسب والشتم للخلفاء الراشدين عملاً محرماً خاطئاً، لا يصدر إلا من جاهل أو مغرض. وقد تحدث ضد هذه الظاهرة السيئة كثير من أئمة الشيعة وعلمائهم المصلحين.
المشكلة أن في كتب الشيعة ومصادرهم كلاماً كثيراً فيه إساءة للخلفاء وسائر قيادات أهل السنة؟
كتب التراث السني والشيعي فيها انعكاس لحالات الخلاف والتشنج المذهبي، وهي تعبّر عن أراء أصحابها، كما أنها نتاج لبيئاتهم وعصورهم.
فلماذا نكون أسارى لكتب التراث؟ ولماذا يحاكم بعضنا بعضاً على ما ورد في كتب أسلافه؟
إن علينا أن نقرر تجاوز هذا الجانب المظلم السلبي من تراثنا سنة وشيعة، ونركز على الجانب المضيء الإيجابي منه الذي يساعدنا على إصلاح أمورنا ومعالجة مشاكلنا وتدعيم وحدتنا وألفتنا.
مقولات التجريح والطعن والسب والشتم لا تقتصر على بعض كتب التراث الشيعي، بل تراها موجودة في بعض كتب التراث السني.
فمثلاً كتاب (السنة) لعبدالله بن الإمام أحمد بن حنبل (213-290هـ) وقد طبع طبعات عديدة فيه فصل كامل يبلغ خمسين صفحة في ذم الإمام أبي حنيفة واستحباب بغضه ووصفه بالكفر والزندقة واتهامه بأبشع التهم، فهل يعني ذلك أن يحصل النزاع والخلاف الآن بين الأحناف والحنابلة؟ وكذلك لو راجعت كتاب طبقات الشافعية لوجدت فيه نقلاً كثيراً لتجريح وخصومات بين علماء الحنابلة والشافعية، وفي كتب الشيخ ابن تيمية كلام عنيف ضد الشيعة وضد علمائهم وزعمائهم.
فهل نعيش آثار هذه المعارك الموجودة في كتب التراث الشيعي والسني؟
ونتخذ المواقف من بعضنا البعض على أساسها؟
بعض مواقع في الإنترنت تنسب لكم شخصياً كلمات فيها إساءة لبعض الخلفاء مما يخالف نهجكم في الدعوة إلى الوحدة والتقريب بين المذاهب وتجاوز سلبيات التراث؟
يبدو أن هذه الجهات تزعجها مبادرات الوحدة والتآلف وجهود التقريب بين المسلمين، وتسيطر عليها حالة من التشنج الطائفي، لذلك تسعى إلى افتعال ما يشكك في صدقية هذه المبادرات والجهود، وليس صعباً دبلجة بعض الأشرطة والتسجيلات وإقحام شيء من العبارات فيها.
ويهمني أن أشير هنا إلى ما هو معروف من أني كنت أعيش ضمن وضع معارضة سياسية في الثمانينيات، وكانت المنطقة آنذاك تعيش تشنجاً سياسياً طائفياً بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران وأثناء الحرب العراقية الإيرانية، وقد تكون بعض خطاباتي في تلك المرحلة، ذات طابع تعبوي في الاتجاه السياسي والمذهبي. ثم أدركنا مبكراً ضرورة تجاوز مثل هذه التوجهات، واعتماد منطق الاعتدال والتسامح والحوار والعمل البناء لمعالجة مشكلة الخلاف والتمييز الطائفي.
وقد أعلنا عن هذه التحولات الفكرية والسياسية في وقتها وكنا خارج الوطن، وتغيرّت لغة خطابنا السياسي والديني، تبعاً لتغير قناعاتنا، وأعقب ذلك حوارنا مع الحكومة وعودتنا إلى الوطن بحمد الله، وقد صدر لي في هذا السياق سنة 1410هـ ـ 1989م كتاب بعنوان (التعددية والحرية في الإسلام: بحث حول حرية المعتقد وتعدد المذاهب)، أعقبته كتب أخرى في سنوات لاحقة: ككتاب (التنوع والتعايش)، وكتاب (التسامح وثقافة الاختلاف)، وكتاب (رؤية حول السجال المذهبي)، (وكتاب السلم الاجتماعي مقوماته وحمايته).
كما ألقيت خطابات كثيرة في جمهور المواطنين الشيعة في المملكة موجودة على موقعي في شبكة الإنترنت تبشّر بتوجهات الاعتدال والتسامح والتقريب، وهي تعبّر عن قناعات نؤمن بها ونعمل من أجلها.
لكن بعض المغرضين قد يبحثون عن كلمات في التعبئة السياسية والمذهبية من مرحلة سابقة، وضمن توجهات تجاوزناها فكرياً وعملياً، من أجل تشويه الصورة وتعويق مسيرة الوحدة والانفتاح.
قد لا يرى البعض هذا الخطاب الجديد بأنه نوع من التطور الإيجابي والنضج الفكري بل يفسرونه على أنه نوع من التكتيك السياسي؟
عندما يكون الحديث عن النوايا وخبايا النفوس وأعماق القلوب يتعذر الإثبات والنفي، لأنها منطقة لا يطلع عليها إلا الله سبحانه وتعالى. وكما قال رسول الله 2: ((هلاّ شققت عن قلبه)).
وأساساً لا يحق لجهة أن تطلب من أحد إثبات صدقيته لديها، ولا نشعر بأننا مطالبون بذلك أمام أي جهة من الجهات.
لكن ومن باب تفويت الفرصة على المغرضين نقول بأن الخطاب السياسي والإعلامي يمكن تفسيره بالموقف التكتيكي المرحلي، أما الخطاب الديني الجماهيري الذي يوجهه الإنسان لجمهوره ويربي على أساسه أتباعه، ويتحمل الاعتراضات والانتقادات الداخلية عليه من قبل الأطراف المتشددة في مجتمعه، فهذا ما لا يتحمله إطار التكتيك عادة.
ما الآثار السلبية للطائفية على الوطن والمواطن؟
الطائفية خطر على كل وطن أو شعب يبتلى بها، لأنها:
&أولاً: تضعف الوحدة الوطنية، وتجعل الناس يفكرون ككيانات قلقة من بعضها البعض، بدل أن ينظروا لأنفسهم كياناً واحداً.
ثانياً: تخلق أرضية النزاع والاحتراب الداخلي.
ثالثاً: يحرم الوطن من الاستفادة من الكفاءات الحقيقية لبعض أبنائه حينما يهمش دورهم ضمن المعادلة الطائفية.
رابعاً: تعطي الفرصة للأعداء للعب بهذه الورقة ضد مصلحة الوطن.
ما هي الآليات السليمة للحوار المذهبي الذي من شأنه أن يؤدي إلى الوحدة ويقضي على الطائفية؟
الآليات السليمة للحوار المذهبي أهمها ما يلي:
أولاً: الاتفاق على مبادئ للتعايش والتعاون ضمن مصلحة الأمة والوطن.
ثانياً: البحث في القواسم المشتركة ومناطق الاتفاق والتأكيد عليها والانطلاق منها.
ثالثاً: الحوار حول القضايا المختلف فيها لمعرفة أدلة كل طرف ومستندات آرائه، بعيداً عن التقولات والتفسيرات الخاطئة.
رابعاً: دراسة التحديات المعاصرة التي تواجه الإسلام والأمة وتقديم الحلول الفكرية والتشريعية لها بالاستفادة من اجتهادات مختلف المذاهب.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف