أخبار

متى يلد التاريخ عراقا جديدا؟ بلاد بسبعة ارواح بحاجة الى كاريزما قيادية وحياة دستورية!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
د. سيّار الجميل
&
&
الحلقة الاولى
&

مقدمة: بلاد خطيرة
&من يتأمل قليلا في تاريخ العراق الحديث سيجده مثقلا بالتناقضات التي لا حدود لها ابدا وخصوصا تلك العلاقات الصعبة التي جمعت الدولة ايا كان نوعها بالمجتمع.. وطالما وصف المجتمع العراقي بصعوبته وتعقيداته وثقل الامه واحزانه نتيجة قوة احداثه وصعقات وقائعه المريرة.. وكم تمنى المرء على العراقيين ان يخرجوا من القرن العشرين وقد تعلموا اشياء لا حدود لها من الدروس والعبر وخصوصا في موقعهم هذا الذي ينحصر بين اربع قوى اقليمية مؤثرة في ايران شرقا وتركيا شمالا وبلاد الشام غربا والخليج جنوبا! وكم يود المرء ان يبرز من بين هذه الجماعة العراقية القديمة والمتنوعة من تتوفر لديه القدرة على تحقيق الحد الادنى من جمع ولاء العراقيين له من دون اية ضغوطات داخلية او خارجية! ويكاد يكون جمع ولاء العراقيين على قيادة تاريخية وكاريزما سحرية وافكار معينة او اجندة عمل مشتركة او تسمية عناوين موحدة هي من اصعب المهام التاريخية التي تواجههم اذا ما تعاملوا واحدهم ازاء الاخر.. ويتعجب العديد من الدارسين والمؤرخين والعلماء الباحثين في شؤون العراق الحديث في اصداراتهم الاخيرة متسائلين عن اسرار هذه البلاد الصعبة وبقائها متماسكة في دواخلها الاجتماعية بعد كل ما جرى في اوضاعها السياسية من التفكك والانهيارات.. ولقد وصفتها في واحد من المؤتمرات مجيبا على مثل هذه التساؤلات: انها بلاد بسبعة ارواح تمتد الى سبعة الاف سنة جابهت تحديات وبدائل ومتغيرات لم تصادفها اي بلاد اخرى في هذا الوجود! ومن نقائض تاريخها المثقل بالاحداث ان اهلها سرعان ما يسحرون بريادة او قيادة يخلقونها من العدم ولكن سرعان ما يفتكون بها بعد انقلاب السحر على الساحر.. فيصبح الملك الصالح او الزعيم الاوحد او القائد الضرورة في خبر كان وكأنهم لم يقدسونه يوما!

مشكلة العراق بحاجة الى حلول تاريخية
&اعود بعد هذه المقدمة التي لها موحياتها العديدة لاعالج ابرز مشكلة يعاني العراق منها اليوم وهو يخضع للهيمنة والارادة الامريكية بشكل مباشر وانه يمر بمرحلة انتقالية لولادة تاريخية جديدة لنرى متغيرات صعبة داخلية واقليمية ودولية تبلورت بعد سقوط النظام السياسي السابق الذي يتحمل كل اوزار ما حدث ويحدث في العراق منذ اكثر من ثلاثة عقود من الزمن الصعب. ويدرك العراقيون بأن الثمن الذي يدفعونه من اجل التغيير سيكون باهضا جدا. وعليه، فان الرأي السائد اليوم في العراق وعند الاغلبية وخصوصا في مدن ودواخل معينة لها حساسيتها السياسية او الطائفية او حتى الاجتماعية يقول انه في الساعة التي ستترك فيها قوى التحالف الدولي العراق من دون ترتيب اوراق العراق المبعثرة، فستبدأ حالة من التمزق والفوضى العارمة لا سمح الله! وان هذا الذي يستشري في الاوساط العربية وبعض الدواخل العراقية انما يريد ارجاع القديم الى قدمه بعيدا عن اي تغيير يمكن ان يحّول المنطقة بالكامل من احوالها اليوم الى احوال من نوع آخر. وهذا ما كان ينتظره الملايين من الناس وخصوصا في هذا الشرق الاوسط، ولكن يبدو ان القناعة راسخة عند النخب العربية بأن التغيير لابد ان يحدث من الداخل لا من الخارج من دون ان يعلموا ان تغيير الاوضاع العربية على امتداد قرنين من الزمن كانت على ايدي الاوربيين والامريكيين سواء من خلال حملاتهم العسكرية ام برامجهم السياسية التغريبية او من خلال ضباط احرار انقلاباتهم العسكرية واجندتهم الفكرية والايديولوجية واحزابهم الفاشية. وعليه، فان اول ما يحتاجه العراق اليوم انما يكمن في كيفية ولادته من جديد وعلى اسس تاريخية من نوع جديد تكون لها من القوة ما يجعلها تقاوم العواصف والاعاصير العاتية وما اكثرها في منطقة بالغة الاهمية كالتي يقع فيها العراق اليوم.. فهل يستوعب ابناء العراق واقعهم من اجل تحديد اهدافهم ومصيرهم؟

حاجة العراق الى الكاريزما
&القيادة ليست فنا منعزلا عن واقع الحياة في البلاد او عن تاريخها الممتدة جذوره الى مسافة قرن كامل او اكثر! ومثلما هو صعب جدا ان تبني دستورا عراقيا دائما يمكنه ان يمثل حقا القانون الاساسي في البلاد، فان الحاجة ماسة اليوم من اكثر وقت مضى الى من يقود العراق ويخرجه من عنق الزجاجة الضيق الى حياة العالم اليوم. لم تنشأ على امتداد عهد البعثيين ومنذ العام 1963 وحتى اليوم اي نخبة عراقية داخلية تتمتع بمزايا قيادية باهرة في ممارسة السياسة الداخلية والخارجية.. كما ولم يحظ العراق حتى اليوم برجالات مؤثرين في الاوساط الجماهيرية تأثيرا سياسيا سحريا اي بمعنى ان ليس هناك من يمتلك اي نوع من الريادة والكاريزما تؤهله لشغل موقع ريادي معين لاجل معين يجمع فيها ولاء الناس!
&وعلينا هنا ان نفّرق بين السحر السياسي والسحر الديني، فربما كان في العراق من يؤثر دينيا في الاوساط المحلية الاهلية ولكن لا يمكنه ابدا ان يجمع ولاء كل العراقيين في كل اصقاع البلاد اليه.. وهذه محنة يعانيها العراق اليوم ولابد من التفكير فيها، وعادة ما توكل مهمة القيادة لعسكري محترف معروف عندما يغيب اي مشروع للقيادة السياسية من بلد معين! واستطيع القول بأن مثل هذا الغياب لا يخص العراق وحده، اذ تشهد عدة بلدان في الساحة العربية في الثلاثين سنة الاخيرة عموما غيبوبة اي قيادة ريادية عربية تتمتع بمزايا الكاريزما الجاذبة، واقصد كتلك التي تمتع بها زعماء رياديين غيروا تاريخ بلدانهم تغييرا جذريا، امثال: غاندي في الهند وونستون جرجل في بريطانيا واتاتورك في تركيا ومحمد علي جناح في الباكستان وبورقيبة في تونس وتيتو في جيكوسلوفاكيا وديغول في فرنسا وزايد في الامارات وغيرهم. ان مجرد مقارنة تاريخية وتحليلية في المفاضلة بين زعماء ساسوا العراق منذ تأسيس كيانه الوطني في العام 1921 وحتى اليوم ترينا حجم المفارقات بين القوة والضعف وبين الحكمة والجنون وبين الواقعية والشعارات وبين التحرر والاستبداد وبين الدستورية والدكتاتورية.. الخ فهل يمكن للعراقيين الذين يمتلكون طموحات عليا في قيادة العراق ان يتفهموا الدروس والعبر التي يمكنها ان تكون مدرسة معرفية يتدارسها من يتداول السلطة والقيادة في عراق الغد ومن اجل بلاد غير قابلة لأن تموت ابدا..

مجلس الحكم الانتقالي: التجربة والتعّلم منها
&ان مجلس الحكم الانتقالي ( او: المؤقت ) الذي يضم 25 عضوا يختلفون اختلافا كبيرا في امكاناتهم السياسية وقدراتهم القيادية.. ولما كان المجلس بمثابة سلطة تشريعية للبلاد وان القيادة الحالية للعراق بيد الحاكم السيد بول بريمر، فان مصادقة الاخير على ما يتخذه مجلس الحكم من قرارات قد يمر بنفق مظلم لا يعرف ما الذي يحدث في دواخله.. كما وان الاحوال العراقية الصعبة التي مرت منذ تأسيس المجلس حتى اليوم لم تفرز ولادة او ظهور اي اسم من الاسماء يمكن تنجذب الجماهير اليه خصوصا وان المرحلة تتطلب ان تكون قيادة العراق مرتبطة عضويا بالشعب في آماله والامه وطموحاته وفي الوقت نفسه تكون مطالبة لما يريده العراقيون من المستر بريمر.. ومن المثالب ان يدخل الاخير كي يجتمع باعضاء مجلس الحكم ولم يجد سوى خمسة او ستة منهم يقوم باداء واجبه للتحدث اليهم ولا يعرف اين هم بقية الاعضاء كما اوردت الصحافة الامريكية، وعندما يسأل: اين بقية الاعضاء؟ يجيبونه بأن فلان مسافر والاخر متغّيب والاخرى متعبة. وعليه، فاذا كان البعض من الاعضاء ليس باستطاعته الايفاء بالتزاماته فلماذا قبل ان يكون عضوا في اعلى سلطة تشريعية بالبلاد وفي احرج مرحلة من تاريخ بلاد صعبة جدا، ولماذا قبل العمل في ظل بول بريمر اذا بدأ اليوم ينتقد قوى التحالف التي نصبته عضوا في مجلس للحكم من دون ان يقّدم ما هو مطلوب منه!
&ان السياسة الامريكية تتبع اسلوب العمل الاداري في تسييرها للامور ولا يمكن لاعضاء المجلس ان يعمل كل منهم على هواه وهم بانشغالاتهم الخاصة او اسفارهم او مصالحهم او تصريحاتهم الصحفية التي يعشقونها بشكل كبير، فضلا عن تنازلاتهم لدول وجهات ومنظمات وقفت ضد أماني شعب العراق! ان من افضل الصيغ التي اعتادت عليها دول العالم المعروفة تكليف من له قدرات سياسية ودبلوماسية بارعة كي يكون ناطقا باسم اي هيئة حكم او مجلس وزاري او قصر رئاسي.. ولا يمكن لكل الاعضاء ان يصّرحوا، وكل يصّرح على هواه.. لقد راقبت احد الاخوة من اعضاء المجلس لأكثر من مرة في تصريحاته السياسية ومنها خطير للغاية يشرك نفسه وكأنه يتحدث بنفسه عن قرارات اتخذها بنفسه وهذا لا يجوز ابدا! ليس بسبب انتقالية المجلس المعّين لا المنتخب، بل بسبب عدم جواز حدوث ذلك تحت اي ظرف من الظروف.. ان هكذا حالة تعّرض صاحبها في اجواء ليبرالية حقيقية للمسائلة والعقاب، ويعود السبب لأن ساستنا لم يتعودوا اساليب العمل الجماعي ابدا.
مؤرخ واكاديمي مقيم بين كندا والامارات

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف