أخبار

قاعدة في مواجهة القاعدة وفكر يكرز لقداسة القوة (1/3)

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عبدالله الحكيم&&

&&&&&&&&&&&&&&&&&&

&
المقال الأول
&
تتناول احدى وصايا الحكمة الأمريكية قاعدة (لا تزحف الى اراضي الاعداء مطلقا). لقد كانت تلك الحكمة لوقت طويل هي افضل نظرية يمكن أن يسديها سدنة الوعظ السياسي، على نحو استشساري، لمن تؤول اليهم، شيوخا ورؤوساء، رعاية المصير الأمريكي. ولكن من الواضح أن عصر الرشاد السياسي يتراجع قليلا الى الوراء، فيما لم يعد طاقم الأجندة الامريكية يثمن، منذ اطلالة ريجان أو ربما من قبله، درهم وقاية يشتقونه من القاعدة الأمريكية نفسها، كما أن وفرة ممن يدعون خبرات استراتيجية بتوفير الاستشارة الصحيحة لخدمة الأمن القومي لا يؤمنون على نحو واقعي ولا تطبيقي كثيرا بحكمة التاريخ.
لقد بات واضحا منذ أيام ريجان أنهم يتدرجون قليلا.. قليلا في ايمانهم بقداسة القوة عوضا عن الحكمة، وبسرعة الانجاز عوضا عن التروي وبالحسم بدلا من دراسة خيارات بديلة، وبالانتقام بدلا من الاحتواء، ولبعض من ذلك فنحن في وقت نلمس فيه الذاكرة الأمريكية تفقد الكثير من عناصر الحكمة، فيما لا تتوافر في الأجندة الأمريكية أية احالات معقولة للتعامل مع شواهد التاريخ القريب على أسس غير ماضوية وثيقة الصلة بقراءة الممكن وغير الممكن، من باب فحص الاطلال على احتمالات المستقبل.
ولهذه الأسباب وغيرها، يعرف الأمريكيون تاريخهم، وهم يقدرونه أيضا، ولكنهم الى جانب هذه الحقيقة فقد دأبوا بقصد وغير قصد، في المستوى النخبوي للقيادة، على كسر قواعد يضعونها بأنفسهم، ولكن ربما على نحو غير دستوري في مقدمة الخطاب السياسي، فمن الواضح مثلا من خلال تطور التجربة الأمريكية منذ الحادي عشر من سبتمبر انهم لم يترددوا كثيرا في كسر الحكمة الأمريكية عندما خرجوا في أول زحف جوي لترويض القاعدة وتفكيك حكومة طالبان.
لقد تناسوا التجربة الروسية مقابل انتصارات سريعة أسقطوا فيها طالبان، ولاحقا ايضا كسروا القاعدة الأمريكية للمرة الثانية عندما ابحرو بأساطليهم، ناحية الخليج العربي واسقطوا حكومة البعث برئاسة صدام حسين.
لقد حققوا الى الآن انتصارات يمكن وصفها بالمؤقته، ليس الا، مقابل فكرة ( الزحف الى اراضي الاعداء).
ولكنهم بالطرف المقابل لم يقضوا على طالبان، وأما القاعدة الأخرى، فقد انشطرت بسبب الزحف الأمريكي، في صيغة دويلات ومنظومات يتنامى نشاطها العسكري يوما وراء آخر، كما لو كانت أخطبوطا يتصل بعدة اذرعة وآليات تنتمي الى فضاء خرافي موزع في ذاكرة العالم.
وحتى بالنسبة للبعث، صحيح أنهم أسقطوا الاعتراف به كمؤسسة حزبية، ولكن أمريكا بكسرها لقاعدة عدم الزحف الى أراضي الاعداء خلقت من روح البعث عناصر وخلايا ومؤسسات سرية لا يمكن النيل منها برسم الزحف الامريكي ما بين عشية وضحاها كما فعلوا هكذا ذات مرة بالتخلص من رئيس بنما عقب اتهامه، بضربة سريعة في ليلة واحدة.
ذات مرة كتب صحافي أمريكي، وأعتقد أنه فريدمان مقالا يؤكد فيه بخبرة الصحافي الضالع أن العراق ليست فيتنام، فمن الواضح أن فريدمان لا يبدي كثير اهتمام بأحد قواعد التراث السياسي لأمريكا، أو ربما يكون فريدمان ينظر الى النموذج العراقي أرضا وشعبا وتاريخا أنه صديق حميم للزحف الأمريكي، ولذلك من الطبيعي ألا يتواءم ذكره لهذه الحكمة في سياق لا تحتاجه لياقة الموقف الامريكي في العراق. وعلى هذا الأساس تصبح فكرة أن العراق ليس فيتنام.. معناها أن الأمريكيين يحرزون في كل يوم تقدما فوق الأرض، لأنهم ذاهبون لنجدة اصدقائهم في العراق بعد ثلاثة عقود من الصبر على ممارسات الديكتاتور.
نحن هنا أمام نكته لا تعني الكثير بالنسبة لكوميديا السياسة، لأن مغزى النكتة يريد تعزيز الاعتقاد، كما هو سائد في الخطاب الأمريكي بنسخته اليمينية المحافظة، بأن قاعدة الشعب العراقي تعيش حالة غرام مع الوجود الأمريكي، وهو أعتقاد غير وارد في ذاكرة الشارع العربي من اساسه.
هكذا صارت الصحافة الامريكية تكرز لقداسة المجئ الأمريكي لانقاذ شعب الرافدين، وبالتالي سوف تشتعل المنطقة لاحقا بديمقراطية ذات نكهة عربية محافظة.
ولكن ماذا عن انتشار عناصر من القاعدة داخل العراق، ناهيك عن خطابات الانذار بنكهة الوعيد التي تلاها الظواهري أو من هو في حالة انابة عن أسامة بن لادن؟
هنا لا يستطيع فريدمان اذا كان هو الذي يكتب روائع لتجليات الموقف الأمريكي في العراق أو أي صحافي أمريكي نخبوي آخر أن يكتب الى الرأي العام الأمريكي أن الزحف الأمريكي بكسره قاعدة اللياقة السياسية الى اراضي الاعداء هو الذي تسبب في ايجاد نسخة مكافئة من هوتشي منه داخل الذاكرة الأمريكية، وعلى هذا الأساس فالتاريخ يستدعي عناصر الصراع الايديولوجي رغم اختلاف الزمن والأماكن، اذا ما برزت الأفكار بتساوي الدوافع وتبرير الأفعال، وبالتالي أكتب هنا بوصفي قارئ تاريخ ليس الا أنه يمكن للنتائج أن تتناسخ أيضا بارتباطات الشرط. وعلى هذا الأساس لا يمكنك عزل الجغرافيا العراقية عن الحالة الفيتنامية، لأن كليهما نموذج تتوافر فيه حالة زحف وجغرافيا مصادرة وعناصر مقاومة.
أمريكا صنعت هوتشي منه، لأنها كسرت القاعدة الأمريكية بزحفها الى اراضي الاعداء الفيتناميين، وبنفس الأسلوب نفسه فأمريكا صنعت بن لادن عبر نسختين، وليس في نسخة واحدة. لقد كسرت أمريكا الحكمة السياسية عندما زحفت جوا الى افغانستان. هناك برزت النسخة بمواصفات طالبان الاسلامية، واليوم اثناء الزحف الأمريكي في حربه على العراق، فهم يصنعون منه نسخة مكافئة بنكهة عربية. ليكن هذا هو العفريت الأزرق.
لكن الحال لم يتوقف هنا، بلى العكس فقد تسببت أمريكا بكسرها قاعدة عدم الزحف الى اراضي الاعداء مزيدا من التهديد ضد حلفائها، وضد مصالحها الحيوية في مناطق حول العالم، وذلك بتحريكها دافع البقاء في ذاكرة القاعدة الجهادية. وهو الأمر الذي يزيد الطين بلة في العراق والحرج مزيدا من القلق داخل افغانستان. أنها حالة تحيل موقف الأمن الى شكوك ومساءلات كثيرة في تركيا، وهكذا أيضا يواكب التأهب ترقبا في دولة تستغرقها هموم الازدهار الاقتصادي، ولا تحتاج الى هزة عنف مثل اليابان.
lastcorner@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف