أخبار

العراق.. ومجلس التعاون الخليجي.. والمستقبل؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
داود البصري

&

&
ستظل إشكالية الجغرافيا، وعقدة التاريخ من العوامل المؤثرة في صياغة التوجهات الإستراتيجية لأي دولة من الدول خصوصا إذا كانت تلك الدولة أسيرة لعقود طويلة من حالات عدم الإستقرار السياسي، وغياب المؤسسات الديمقراطية، وقصور التحرك السياسي على مناهج مؤطرة سلفا ولاتعبر عن حالة من الحيوية والتجديد في الفكر والممارسة؟ وحالة العراق مع دول الجوار الخليجية تظل واحدة من أعقد حالات التداخل السياسي في السياسة العربية عموما، فالعراق من حيث الواقع الإستراتيجي يمثل عمقا إستراتيجيا حساسا للإقليم الخليجي رغم قلة مساحة الإطلالة الجغرافية نسبيا إلا أن الواقع الشعبي والحياتي لأقاليم العراق الجنوبية متداخلة وبشكل لايقبل المساومة مع واقع المجتمعات الخليجية المجاورة وحيث تتداخل الأنساب العشائرية والعائلية وحتى اللهجة لتشكل واقعا بؤكد خليجية العراق وإرتباطاته التاريخية التي لاتقبل أي تشكيك، وتتكرر الحالة الإستراتيجية بالنسبة للعراق في جواره بالنسبة لأقليم الشام والهلال الخصيب عموما وحيث تشكل حدود العراق الغربية مساحة تماس وتواصل واسعة وفعالة مع بلاد الشام تجعل من العراق عمقا إستراتيجيا لاغنى عنه لبلاد الشام أيضا!! من هنا تتبين الأهمية الإستراتيجية للعراق وحيث تتحدد على مفاصلها الرؤية المستقبلية للعمل السياسي والإقتصادي في المنطقة بشكل عام.
وقد تعددت الدعوات الرسمية العراقية مؤخرا حول ضرورة إنضمام العراق الجديد بعد حسم وتثبيت أوضاعه نهائيا لمجلس التعاون الخليجي لتؤكد واقع العراق الإقتصادي والسياسي الجديد المرتبط بحالة البناء الإنفتاحي الجديدة المختلفة بالكامل عن الصورة البعثية الإشتراكية البائسة في الماضي والتي جعلت من العراق وشعبه بمثابة ( البعبع ) المخيف لدول الخليج وشعوبها وكما تبينت الصورة من خلال الغزو الصدامي لدولة الكويت في الثاني من آب/أغسطس عام 1990 والذي كان هاجسا مرعبا يتحسس الخليجيون منه منذ زمن طويل دون أن يملكون الوسائل الناجعة لإيقافه، أما وقد حصل فقد تكفلت القوى الدولية بحسم الموقف دون أن يستطيع مجلس التعاون الخليجي بقواه الذاتية من فعل أي شيء حاسم لا على صعيد الردع ولاعلى صعيد الفعل المباشر لتحرير الكويت، وكما نعلم جميعا فإن مجلس التعاون الخليجي كان قد أنشأ في 25 مايو/أيار 1981 وبعد شهور قليلة من إندلاع أشرس مأزق عسكري في المنطقة تمثل بالحرب العراقية/ الإيرانية التي خاضها النظام العراقي البائد مدفوعا بإتجاهات وعوامل عديدة دولية وإقليمية وبهدف إستراتيجي محوري هدفه السيطرة الكاملة على المنطقة الخليجية مستغلا كل وسائل الدعاية السياسية المتاحة من أجل إحتواء الإقليم الخليجي عبر إثارة المخاوف من الأطماع الإيرانية خصوصا بعد موجة تصدير الثورة الإسلامية وإندفاع التيارات الثورية المتطرفة في إيران لتنفيذ وإعلان سياسات غير مسؤولة لاتعبر في النهاية عن حقيقة الإستراتيجية الإيرانية التي كانت تعيش حالات كبيرة من الإنفلات وعدم الوضوح والحسم وهي الثغرة التي إستغلها نظام صدام البائد لتمرير طروحاته المشبوهة والهادفة لإبتلاع الأنظمة الخليجية وعبر وسائل عديدة مارسها طيلة عقدين من عمر التوتر في الخليج، ومجلس التعاون في إنطلاقته الأولى كان يعي أنه يعيش ضمن وضع إستراتيجي حساس لايتيح هوامش وإمكانيات واسعة للتحرك دون الإنحياز لطرف من الأطراف ودون أن يعني ذلك الإنحياز إعجابا أو إلتزاما فكريا وعقائديا بالطرف المنحاز إليه؟ لذلك كانت العلاقة الخليجية الرسمية مع النظام العراقي محفوفة بكل عوامل الشك والريبة والتحفز والتوتر وكان العراقيون يعون هذه الحالة ويعلمون أن أي تبدل في صورة الصراع ستتبدل معه المواقف وهو ماحصل فعلا بعد إيقاف الحرب العراقية الإيرانية حيث تسابق الخليجيون لإقامة علاقات متوازنة مع الجارة الكبيرة والمهمة إيران الأمر الذي أثار النظام العراقي البائد وكان أحد عوامل غزو وإستباحة الكويت! ولكن إلى أي مدى إستطاع مجلس التعاون الخليجي أن يحقق النجاحات في ميادين العمل المختلفة ؟ وماهو التقويم الخليجي العام لأدائه والذي يبدو اليوم أنه أداء خافت وهامس ويفتقر لأي حيوية سياسية من شأنها أن تبرر إستمراريته؟ فهل إستطاع المجلس أن يحقق الوحدة الخليجية أو حتى الإتفاق العام؟ وهل إستطاع المجلس إحتواء الخلافات الخطيرة بين أقطابه وكما هي الحالة بين السعودية وقطر والتي تتسم بالتوتر الصامت والمفضوح أحيانا؟ وأي خصائص إيجابية في هذا المجلس يمكن أن تغري دولة بحجم العراق في الإنضمام إليه لتكون الصورة غير متوازنة بالمرة ولربما غير مقبولة للعديد من صناع القرار السياسي في دول الخليج العربية ؟ فالعراق الحر الجديد سيكون كيانا ديمقراطيا وليبراليا حرا من الناحية الإقتصادية ولكن وللحقيقة هنالك عوامل تضاد كثيرة مع الواقع الخليجي لربما يكون أبرزها التشكيلة المذهبية والإثنية في العراق والتي ستصبح عبئا إستراتيجيا على بقية الدول الخليجية ذات الظروف المذهبية والدينية الخاصة أو التي تقاتل بشراسة لإبعاد شبح الديمقراطية البرلمانية عن تخومها؟
والسؤال هل سيستمر مجلس التعاون الخليجي بصيغته التي قام على أساسها قبل عقدين ونيف من السنين ؟ أم أن تطويره وتغيير هياكله هي المحطة الأولى التي ينبغي أن تكون لها الأولوية قبل التفكير بتوسيعه وإضافة اليمن أو العراق إليه؟ فهل ستكون قمة الكويت القادمة بابا للتغيير والتطوير وتجاوز مرحلة الشعارات بعد تلاشي الخطر الأكبر ممثلا في أطماع ومؤامرات نظام البعث البائد في العراق ؟ أم أن صورته القديمة التي وصلت لحالة العجز ستتكرر لتستمر صورة الجمود الإستراتيجية في المنطقة رغم كل المتغيرات الكونية الكبرى ؟
ملفات عديدة وأمور كبيرة يجب تسويتها قبل التفكير بتوسيع المجلس الذي يعيش اليوم إرهاصات التغيير الشامل لامحالة... بعدها يكون إنضمام أو عدم إنضمام العراق أمر غير ذي أهمية في ظل منظمة إقليمية متجانسة وليست كما هي حاليا حيث كل الأوساخ مخفية تحت السجادة الخليجية!!!.

dawoodalbasri@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف