جريدة الجرائد

سعيد بن علي الهنائي :الصين.. عملاق قادم

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
&
لا يعرف على وجه التحديد من هو الذي اطلق على الصين اسم العملاق النائم الا ان هذا الاسم لا يعبر عن واقع الحال فالصين عملاق فعلا بكل المقاييس لكنه ليس نائما بل يوهم الاخرين بانه قد غط في نوم عميق.
بينما هو يسرع حثيثا نحو تحقيق مكانة مرموقة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ورياضيا في العالم حتى اصبح الكثير من المحللين السياسيين يبشرون بقدوم العصر الصيني!!
نقطة التحول الكبير في الصين بدأت منذ عام 1976م حين توفي ماوتسي تونج مؤسس جمهورية الصين الشعبية عام 1949م وقائدها الثوري الكبير يومها تولى الحكم دينج شياو بنج المنظر والرجل العملي في ذات الوقت، وصاحب القول الشهير، ليس المهم ان يكون القط ابيض ام اسود بل المهم ان يفترس الفار!! وبفكر دينج الكبير وفهمه العميق للتاريخ الصيني ومعطيات ذلك العصر السياسي وما يلوح من تطورات قادمة قرر القادة الصينيون السير على طريق الاصلاح السياسي والاقتصادي وساعده في ذلك ما بدأه ماو نفسه وتلميذه عراب السياسة الصينية الخارجية شو ان لاي في تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة عام 1972م فيما عرف وقتها بسياسة البنج بونج، تلك اللعبة الرياضية الشهيرة التي ساهمت في التقارب بين واشنطن وبكين!!
اما على الصعيد الاقتصادي فقد شرعت الصين في هيكلة اقتصادها وإرساء رأسمالية بمسحة اشتراكية مفصلة بمقاس دقيق يناسب حجم الصين حيث يؤمن قادتها ان اية تغييرات جذرية تأتي دفعة واحدة ستأتي بنتائج وخيمة وكان التدرج في الاصلاحات السياسية والاقتصادية الصينية ناجحا وقللت من الآثار السيئة للتغييرات الى حد كبير مما يؤكد ان الاصلاح السياسي والاقتصادي في الصين كان بنية صادقة وبتدرج حقيقي خال من التدليس والدجل السياسي، وثبت ذلك عمليا عندما انهارت دول الكتلة الشرقية واحدة تلو الاخرى عام 1989م وتبعها سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991 بينما بقيت الصين التي كانت محسوبة على نفس المعسكر الاشتراكي تواصل اصلاحاتها السياسية والاقتصادية بعيدا عن صخب الشعارات من قبيل البروسترويكا والجلاسنوست!!! ومضت قافلة الاصلاحات الصينية بزخم اكبر رغم بعض المطبات التي واجهتها مثل بعض الخلافات داخل الحزب الشيوعي الصيني حول مسار الاصلاحات تلك واحداث مظاهرات الميدان السماوي او تيان آن ميان عام 1989 وبلغت الاصلاحات الذروة في ربيع عام 1998م عندما تم تعيين ذو رونججي رئيسا للحكومة الصينية في تمهيد لنقل مقاليد السلطة الى قيادات اكثر شبابا لضخ دماء جديدة في مسيرة البناء والاعداد لصين جديدة مع مطلع القرن الميلادي الجديد وادى رونججي وجيانج زيمين مهامهم في تلك الفترة الانتقالية بنجاح كبير والتي شهدت انتصارات سياسية عديدة للصين. فهونج كونج عادت للصين من بريطانيا منذ عام 1997م وكان على الصين الحفاظ على انجازاتها ودفعها للامام في ظل الحكم الصيني ومكاو عادت للسيادة الصينية عام 1999م من الحكم البرتغالي اما الحوار مع تايوان فلم توصد الابواب بعد وما زالت الصين ترفع شعار (صين واحدة ونظامين).
وفي عام 2001 وبعد احداث سبتمبر وقيام الولايات المتحدة بحربها على الارهاب تعاملت الصين مع هذا الملف بحذر وببراجماتية واضحة حيث سلطت الضوء على مشكلة الارهاب في اقليم تركستان الشرقية اقصى شمال غرب الصين والتي اندلعت فيها احداث عنف منذ عام 1991م لتسحب اي صيغة سياسية عن من يقفون وراء احداث العنف هناك وفضلت الصين التحرك الجماعي عبر منظمة شنغهاي الاقليمية على اية تحركات احادية ونأت بنفسها عن التورط في البؤر الساخنة المفضية للنزاعات والمشاكل. وفي عام 2003م أبرت الصين بوعدها السياسي الكبير والذي شكك في مصداقيته الكثيرون، فقد تم نقل السلطة في اعلى الهرم السياسي بطريقة سلسلة، حيث حل الثنائي الشاب هوجينتاو وين جيباو محل جيانج زيمين ورونججي في رئاسة الصين ورئاسة الوزراء الهندي على التوالي السياسة الصينية في كسب الاصدقاء وتحقيق النجاح فزيارة رئيس الوزراء الهندي فاجبايي الى الصين فتحت صفحة جديدة في العلاقات الصينية الهندية واظهرت تصميم الصين القوي على اغلاق نزاع الحدود بين البلدين الذي هو احد اطول النزاعات عمرا في القارة كما هو الاطول مساحة ايضا والتي تقدر بــ2200 ميل!!
وفي نفس سياق حلحلة المشاكل الحدودية ابدت الصين تعاونها ونواياها الطيبة في سبيل انهاء مشكلة جزر سبارتلي الغنية بالنفط في بحر الصين الجنوبي والتي يتنازع عليها كل من الفلبين وفيتنام وبروناي وماليزيا فضلا عن الصين وكانت تلك الخطوة محل تقدير دول جنوب شرق آسيا.
ان الدبلوماسية الصينية تهدف الى كسب ود جيرانها في منطقة تعد الفناء الخلفي للصين وقد تحقق فعلا للصين الكثير مما كانت تحلم به ويكفي الاهتمام الذي حظي به الوفد الصيني ومشاريعه التي طرحها في قمة أبك بتايلاند في اكتوبر الماضي.
اما من الناحية الاقتصادية، فان انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية في نهاية عام 2001 كان انتصارا كبيرا لبكين ومعدل النمو الذي وصل الى 8% يمثل انجازا لا مثيل له وخروج اكثر من 136 مليون صيني من خط الفقر انجاز آخر للصين لا يمكن اغفاله كما ان اعتراف الصين بمشكلة الفقر وتفاوت الدخل بين مواطنيها يؤكد عزم الصين الحقيقي لحل تلك المشلكة.
اما ميزان التبادل التجاري بين الصين والدول الاخرى فإنه يشير الى تحقيق الصين لفائض كبير في تبادلاتها التجارية ويكفي ان نعلم ان ميزان التبادل التجاري يميل لصالح الصين في تبادلاتها التجارية مع كل من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروربي وكندا ودول الآسيان.
اما تقنيا وعلميا، قد دخلت الصين يوم 15/10/2003م النادي الفضائي من بابه الواسع واصبحت ثالث بلد يطلق مركبة فضائية مأهولة بعد الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة وهو انجاز يضاف الى رصيد الصين العلمي حيث سبق للصين ان اطلقت أول اقمارها الصناعية عام 1970م والصين قوة نووية منذ عام 1964م وفجرت قنبلتها الهيدروجينية عام 1967م كما افصحت الصين عن نواياها وخططها الفضائية فهي تعد لاطلاق مركبة فضائية مأهولة وعلى متنها ثلاثة رواد فضاء في مدة لا تتعدى ثلاث سنوات، كما وقعت الصين اتفاقية مع دول الاتحاد الاوروبي بموجبه ستقوم الصين باستثمار 200 مليون يورو في برنامج جاليليو للملاحة العالمية بالاقمار الصناعية مما يظهر طموح الصين الفضائي الكبير وتقدمها الكبير في هذا المجال على اليابان والاتحاد الاوروبي.
وفي عام 2008 ستستضيف الصين العالم باستضافتها دورة الالعاب الاولمبية وستكون مناسبة عظيمة لاظهار مدى تقدم الصين وتبوئها مركزا مرموقا عالميا وكقوة جديدة في العالم.
كل المؤشرات تدل على ان العصر الصيني قادم وان تأخر مجيئه فلا مشكلة في ذلك فالصينيون ليسوا في عجلة من امرهم لكنهم بالطبع قادمون، واذا ما اردنا ايجاز وضع الصين الحالي في كلمة مختصرة فسنقول الصين عين على الارض وعين على الفضاء، وعلينا ايضا ان نتساءل هل الصين معجزة الارض ام الفضاء.؟!
* باحث عماني

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف