القاعدة بنسختها الافتراضية حول العالم المقال الثاني من ثلاثة مقالات..
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
&
&
كانت القاعدة قبل الزحف الجوي لامريكا على افغانستان تمارس موقفا دفاعيا لا يتجاوز مقاومة الضغط الأمريكي من خلال فضاء اعلامي متاح يتمثل في قناة الجزيرة، وبعد الزحف الأمريكي هاجرت القاعدة، بعد أن دفنت آثارها في التراب، وهكذا صارت مثل الفينق الذي يخرج من ركام الحريق، أو ربما مثل العقريت الذي يخرج متى اراد من القمقم لكي ينال من بقايا الزحف الامريكي.
فالقاعدة موجودة حاليا في صيغة بقايا الطالبان داخل افغانستان. أنني اسمع حاليا وقت كتابة هذا المقال مثلا أنهم أعلنوا مسؤوليتهم عن ضرب فندق انتركونتينتال في العاصمة كابول. ومن قبل ذلك ومن بعد فمواقع جهادية عبر دهاليز الأنترنت تنقل أخبار غزوات متفرقة ومتكررة لتعميق القلق في ظاهرة الوجود الأمريكي.
وفي العراق فقد باتت القاعدة، منذ تثبيت الاحتلال الأمريكي، تتخذ من صيغة الجهاد (ضد الكفرة الغزاة)، وفق الطرح السائد غطاءا تسدد من خلاله، مع بقية طوائف المقاومة أيضا ضربات منهكة& لما يطلق عليه دعاة الديمقراطية (العدالة الأمريكية). أنهم يصطرخون داخل خلاياهم ليل نهار لكي يشعلوا تفجيرات وحرائق وقتل غيلة على مدار الساعة، وفي النهاية لا توجد مؤسسة استخباراتيه أمريكية تعرف على وجه التحديد جهة مسؤولة عن هذه الأعمال برغم ان كل شيئ مكشوف ومعروف تماما، فقد صرحت عناصر من القاعدة في نداءات مكشوفة وعلنية عبر بعض القنوات الفضائية أنهم يطالبون ذوي الجنود الأمريكيين بالضغط على الحكومة الأمريكية لاستدعاء ابنائهم الذين خرجوا في الزحف الأمريكي الى العراق بالعودة، على أمل الا يزحفون مرة أخرى الى اراضي الاعداء.
على أنه من قبل ذلك وربما من بعد، فقد كانت القاعدة الجهادية تهدد بضرب مصالح امريكية، وكان بامكان الحكمة الأمريكية فيما لو عمل صناع القرار بالمقتضى الاستراتيجي لوصية (القاعدة الامريكية) احتواء قاعدة الجهاد، لأنهم كانوا اصدقاء في الماضي، وربما كان الأمريكيون يعرفون جيدا مدى تقدير القاعدة الجهادية للخبز والملح والسهر ليال طويلة لمكافحة (الكفرة السوفيات).
ولكن الذي حدث شيئا آخر، فقد كسر الامريكيون القاعدة بزحفهم الجوي، وبدلا من أن يكون لاصدقاء الأمس& الذين هم أعداء المرحلة الحالية جغرافيا مسؤولة، صارت لهم أوطان افتراضية كثيرة واتصالات وشبكات وخلايا واستخبارات ضالعة في قراءة الاحداث واختيار الاهداف وتوقيت أزمنة للتفخيخ ولتسديد ضربات لا تزعج الامريكيين وحدهم وانما ايضا تستفز الدول وتحرج اجهزة الأمن التي تقع في اراضيها هذه الضربات.
كان للقاعدة الجهادية حكومة مسؤولة عن أعمال القاعدة، وكان يمكن للحكمة الأمريكية ترويض الموقف السياسي على مدى طويل نسبي فيما لو ارادت، ولكن بسبب أن بعد النظر لم يعد من بين ادوات صناعة القرار الأمريكي، فقد كسر الامريكيون قاعدة ذهبية مكتوبة بأقل عدد من الكلمات، وهكذا فقد صار للقاعدة الأخرى حكومة افتراضية تتجول في عموم جغرافيا العالم. وطبعا لا يوجد في الجعبة الأمريكية مشروع حصار اقتصادي بامكان أمريكا استخدامه لترويض وجود معادي يحتل جغرافيا معلومة، فقد كانت امريكا هي سبب مباشر في انتشار البعد الجغرافي للقاعدة، عندما خرجت غاضبة لتنفيذ العدالة زحفا عبر الجو لتنقض فوق اراضي الاعداء..
أمريكا الآن تدفع ثمنين. الثمن الأول هو قيمة كسرها القاعدة الأمريكية، والثمن الثاني هو قيمة مادية تصل الى حوالي عشرين مليون دولار، ومع ذلك فهي الى الان لا تستطيع في هذه المرحلة دفع الثمن الأول، لأنه يتأتي عليها العودة وترميم قاعدة (لا تزحف الى اراضي الاعداء مطلقا)، وهذا طبعا وغير وارد وغير ممكن الآن. لأنها لو فعلت ذلك فقطعا سوف يترتب على عودتها خسائر أكبر، وهي عموما لا تحب مبدأ الخسارة، لأنها تعودت على مبدأ خوف الآخر من أمريكا، أيا كان هذا الآخر.
ذات مرة في الثمنانينات أستمعنا الى ريجان وهو يعبر عن الموقف الأمريكي اذ يقول نحن لا نبحث عن احترام العالم، يجب على العالم ان يخاف من أمريكا.
لكن ميزة ريجان تظل في كون الحكومة الأمريكية وقتئذ لم تفكر بجدية في كسر وصية القاعدة الأمريكية. لقد سدد ضربات غبر مبرحة من بعد لبعض خصومه بتلويح القبضة، فيما بقي الجنود الأمريكيون يتجولون في معسكرات التدريب بالداخل.
ومن هنا فالثمن الثاني الذي يود الأمريكيون تسديده الى الآن غير وارد أيضا، لأنه الى الآن لم يتقدم أحد من الناس لكي يدل الامريكين على اسامة بن لادن فيقبض ثمن رأسه خمسة ملايين دولار، ولم يتقدم أحد أيضا لكي يأخذهم الى وكر صدام حسين فيقبض ثمنا مساويا لهذا المبلغ، وأما عزت ابراهيم الدوري فيما يبدو فهو أكثر حظا، اذ رسى عليه المزاد الأمريكي في حربهم على الارهاب، وهكذا فهم يدفعون ثمنا لرأسه أو الوشاية به مبلغ عشرة مليون دولار.
هنا يمكننا اسداء نصح جميل الى جميع العاطلين في العالم ممن لا يحملون جنسية أمريكية بالتفرغ للسفر الى العراق من اجل البحث عن عشرة مليون دولار!!
أننا نفهم من هذه الحكايات الأمريكية أن هناك مؤشرات خطيرة جدا، ففي الببداية أعلنت امريكا الحرب على الارهاب بعزم متناه في الثقة، والآن فالمؤشرات الجديدة لا يوجد لها معنى سوى أن الامريكيين صاروا يواجهون قضاياهم بمزيد من الاستنجاد والذعر. وانني هنا اتساءل ككاتب لا يتمتع بالولاء السياسي لأي جهة متطرفة أو مؤسسة تتاجر بمبدأ الحرية عن المغزى من الاشارة الأمريكية؟.
اذا كان الأمريكيون يعتقدون أن كسرهم للقاعدة الامريكية بخروجهم في زحف عسكري هو من أجل العدالة وقيم الديمقراطية النبيلة، فلماذا لا تكون العدالة وحدها هي الحافز الذي يدفع ببعض العصاة ممن يتوقون متابة الى العدالة الى ارشاد الأمريكيين عن مخابئ وأماكن وجود اعداء العدالة، وبذلك يقتص العدل من خصوم الحرية ومثيري الفتن وقتلة الابرياء؟؟
أنني أفهم أن هذه الاشارات هي ايماءات لتسديد خطأ الخروج الامريكي الفادح الذي هو في كراريس الوعظ السياسي الأمريكي، لمرحلة ما بعد فيتنام فيه بعض الهلاك، ومن هنا فقاعدة ابن لادن صارت تواجه الأمريكيين ليس بما لديها من قوة، وانما باستغلال بمخالفة الامريكيين لقاعدتهم الذهبية اذ هم كسروها سريعا لمرتين باستغلال ذرائع ظرفية ليست صحيحة.
هنا يمكنك القول أن الامريكيين يواجهون أخطاءهم أكثر من اي شيئ آخر، فالاخطاء الامريكية هي التي سوف تهزم في النهاية أمريكا. ولأن عناصر القاعدة تعرف هذه الحقائق جيدا، فهم يستغلون الموقف لاطباق حصار استراتيجي جديد من نوعه على أمريكا.
أنها نظرية غريبة وغير واردة من اساسها، ولكن تطورات الأحداث هي التي باتت تنبئ الأمريكيين أنهم يواجهون ورطة تاريخية سابقة ولكن بنسخة عراقية حديثة.
lastcorner@hotmail.com
&
المقال الأول
&
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف