الدَّهــلَــزَة والكَهْرَزة!
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
&
&
&
الدّهليز:الدّليج، فارسي معرّب. والدِّهليز بالكسر: ما بين الباب والدار، فارسيٌّ مُعّرب، والجمع الدّهاليز. و الدّهلزة أن تُدخل الآخر في الدهاليز، لتَطلب منه في الخفاء، ما لا تستطيع أن تطلبه منه في العلن، ذلك أن الدهّليز هو المرحلة التاريخية بين إغلاق الباب الخارجي و الدخول إلى متاهات النظام العالمي الجديد!
الدهّلزة هي الترجمة اللغوية لسياسة الخطوة خطوة، وتبدأ الدهلزة بنظرة فابتسامة فسلام فكلام فدهليز، و عندما يدخل العربي الدهاليز، يبدأ الهمس و الوعود. أول الوهن هو الموافقة على اجتياز عتبة الباب، فالدهلزة لا تكون إلا في الظلام، بعيداً عن الأنظار، و كان أهل الشام أئمة في فن الدهلزة، فالتاجر الدمشقي يُدخلك في متاهات و دهاليز أين منها متاهات الربع الخالي! وتخرج من دكانه تظنّ أنك حققت صفقة العمر، وتكتشف أنك كنت ضحية في دهاليز التجارة والمقاولات، ترى تحت ضوء الشمس ما لم تكن تراه و أنت في الدهليز.
العزيز هنري كيسنجر أتقن فنَّ الدهلزة، وجاء إلينا في السبعينيات، فدَهلزَ حكامنا، و قاد أنور السادات إلى القدس من أنفه.
في تلك الأيام، كان هناك حكام يرغبون في دخول الدهاليز لارتكاب الفاحشة، لكنهم كانوا يخشون الفضيحة، يستعينون على قضاء حوائجهم بالكتمان، وجاء النظام العالمي الجديد، فأطار ورقة التين عن عوراتهم، عندها طقّ عرقُ الحياء، أصبحت المهمة سهلة، فرحلة الاستغراب تستلزم التحرّر الجنسي، ولم يعد هناك منهم من يخجل من الوقوف أمام كاميرا الفيديو ليكون بطلا ًلأفلام البورنو، و قيل أنهم يقفون في الطــوابير إنتظاراً لدور، ولو كان ثانوياً، في أفلام المُضاجَعَة العلنيّة!
&كان الشاذون يدهلزون الغلمان، يجري كل ذلك بعيداً عن الأعين، كان المُدهلِز و المُدهلَز يخشون نظرات الاحتقار من أهل الحي. لكن هذا النفاق الاجتماعي إنتهى منذ بضع سنوات، صارت عمليات الدهلزة تجري علناً على مسمع و مرأى من ملايين الناس، يتأبّط المدهلِز ذراع المدهلَز به و يتبادلان العناق و القبل، بدأوا بذلك في الشوارع و انتهوا به في المسجد الأقصى و الحرمين، وما من منكر لهذا المنكر، والناس تقول الله أكبر...
البيت الأبيض لم يعد يجد مشقة في الدهلزة، وما عاد من مبرّر لها، إستعاض عنها بالكهرزة، والكهريز هو مجرى المياة المالحة، تسمى مجاري المدن كهاريز، أنفاق مغطاة تصب فيها مياه البواليع والمراحيض، كانت كهاريز المدن ملجأ الخارجين على القانون و الهاربين من وجه العدالة، ورأينا في رواية البؤساء لفيكتور هيغو كيف لجأ جان فلجان بطل الرواية إلى كهاريز باريس هرباً من الشرطة.
كانت الدهلزة في السبعينيات ضرورية لتسهيل ارتكاب كبريات الكبائر، لكنها أضحت اليوم نافلة، حيث يتسابق الذين تمت دهلزتهم إلى السفاح العلني، وفتح البنتاغون كهاريز واشنطن للمتهافتين على أكل السحت والمال الحرام، آواهم كلاجئين ريثما يبت المعلم الأكبر في طلباتهم. صارت الكهاريز منتجعات سياحية يؤمهّا علية القوم، منتجعات فيها جميع وسائل الراحة، فيها مطاعم و كباريهات و أندية للقمار، و ظنوا أنهم يعيشون في قصور، لكنهم لم يعلموا أنها قصور تصب فيها نفايات النظام العالمي الجديد الذي أصبح في وضع يستطيع فيه إقناعهم بأن روائح هذا العفن الذي يحيط بهم هي أحدث منتجات كريستيان ديور!
نحن الذين رفضنا الدخول في هذه اللعبة القذرة و في هذه الدهاليز الأكثر قذارة، نرفض لهؤلاء الذين أوصلونا إلى ما نحن فيه من بؤس، هذا المصير المحزن، ذلك أننا نعلم أنهم غلبوا على أمرهم يوم وافقوا على التنازل الأول، يوم قبلوا دخول الدهليز و أغلقوا الباب وراءهم، حتى لا ترى شعوبهم حجم العهر الذي يمارسونه و يمارَسُ فيهم. نقول لهم بإخلاص أن الدهاليز و الكهاريز ما هي إلا طرق و أنفاق مسدودة، وأن باستطاعتهم الخروج منها مرة واحدة و إلى الأبد، إذا فهموا هذا الوضع المزري الذي فيه يعيشون، يستطيعون تغيير مصائرهم إذا كسروا الأبواب المغلقة بينهم و بيننا نحن الشعوب، فالطوفان آت لا ريب فيه، و لا عاصم يومئذ من أمر الله.
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف