لقاء إيلاف الأسبوعي الناقد والباحث المغربي الدكتور عبد الرحمن بن زيدان أزمة خطاب التجريب في المسرح العربي والتحولات العالمية
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
&
&
يعد المغربي الدكتورعبد الرحمن بن زيدان من النقاد والاساتذة القلائل المختصين في البحث والنقد المسرحي. فلا يقتصر الامر بالنسبة له على الكتابة عن النص او التنظير للمسرح وإنما يهتم عادة بتحليل العرض المسرحي وتفكيكه واعتباره منطلقا بصريا لفهم ظاهرة المسرح ونظرية العرض دون ان يتجاوز أهمية النص ودوره في تكاملية الفن المسرحي. فهو صاحب وجهة نظر
ان د. عبد الرحمن بن زيدان يحاول دائما التنظير والدعوة للتجريب المسرحي وذلك من خلال مجموعة الكتب التي الفها و طرح فيها الاسئلة الجوهرية لمعالجة الكثير من الاشكاليات في المسرح المغربي و العربي مثل كتاب من قضايا المسرح المغربي. والمقاومة في المسرح المغربي. كتابة التكريس والتغيير في المسرح المغربي، أسئلة المسرح العربي . قضايا التنظير في المسرح العربي من البداية الى الامتداد، خطاب التجريب في المسرح العربي، التجريب في النقد والدراما وغيرها. لذلك فان محاورتنا له لم تقتصر على الحديث عن سكونية المسرح العربي بل عن آفاق تطوره أيضا.
&
سكونية المسرح العربي
* تكمن إشكالية المسرح العربي في ثبوتيته و سكونية أسئلته.و يشكل هذا بالتأكيد خطورة كبيرة على المسرح لأنها خطوة تدخل ضمن منطق جاهزية الفكر عموما. أسألك من هذا الطرح: أين تكمن ديناميكية المسرح العربي؟
- لا أريد تقديم أحكام جاهزة في إجاباتي، ولا أريد أن أعرض قراءة سريعة تحكمها الانتقائية في اختيار الرؤى واختيار التأويلات التي تفصل ـ أثناء تحليل الظاهرة المسرحية العربية ـ بين مكونات المجتمع العربي، لوضع حدود وهمية بين الأنساق والعناصر والمنظومات التي تحكم مسار ما هو عربي فكريا وفلسفيا وسياسيا واقتصاديا وأدبيا وفنيا ضمن السياق العام والكلي الذي هو العالم.
إن الفصل، أو الانتقاء الذي يبعد التقاطعات والتفاعلات والتكامل والصراع العربي، والصراع العربي مع الآخر المحدد جغرافيا والمجرد فكريا لا يمكن أن يغني القراءة والفهم، لأن هذه التقاطعات والتفاعلات في المسار العربي تقدم عمق الواقع وعمق الرؤى وعمق المخاضات التي تبصم سيرورة هذه العناصر وتجعلها ناطقة بعمقها وبدلالاتها السطحية والعميقة في تجلياتها وفي تمظهراتها، سواء تعلق الأمر بتجليات هذه التقاطعات في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية وما تنتجه من إيديولوجيات، أو تعلق الأمر بالانزياحات التي تحققها الإبداعات العربية عن الثابت كاستجابة موضوعية لكل متطلبات المرحلة التي تحمل الثقافة على إبداع كل أشكال المغايرة بعيدا عن التطابق مع الأحكام الجاهزة التي يكرسها هذا الانتقاء أو هذا الفصل القسري بين مكونات المجتمع العربي وبين علاقاته الداخلية أو الخارجية.
إن القراءة المتأنية لشكل الوجود الذي يوجد عليه العالم العربي، يعطينا موضوعه الذي هو موضوع القراءة، ويحدد لنا التيمات التي بها تتحدد إشكالية الوجود العربي في صراع يبدأ بما هو محدد ومحدود، ضمن الخارطة العربية، في حدودها في حدود تراثها وتاريخها وثقافتها وحضارتها وماضيها وحاضرها و مستقبلها لينتقل إلى ما هو أشمل وأعقد وأوضح، هو الصراع الحضاري أو الصراع بين الحضارات، هذا الصراع الذي يفرز دوما أشكالا متعددة من المواجهات تبدأ بإشكالية الموقع العربي ضمن هذا الصراع، وتبدأ ـ أيضا ـ بموضوع الهوية وموضوع الثقافة وأشكال الحوار مع العالم وطرق الدخول في زمن الحداثة أو ما بعد الحداثة بشكل يضمن لهذا الموقع خطابه المثقف ضمن وجود خطابات أخرى تحكم العالم وتسيره.
وضمن إشكالية الوجود العربي كما تنطرح في صراع الثقافات، وضمن التطلع إلى مستقبل عربي مشرق تندرج المسألة الثقافية العربية والفكر العربي والفلسفة العربية كوعي بالوجود يستجيب لكل متطلبات العصر في أسئلة مقلقة ووجودية حول النظم التي تضبط العلاقات في العالم وتحكمها وتوجهها وتقسم مواقع النفوذ والسيطرة حسب أهداف توسعية لا تقتصر على ما هو اقتصادي أو عسكري بل تصل سلطة هذا النفوذ إلى الثقافي والفكري برموزه الرائجة في العالم بهدف تمجيد النمط الغربي كنموذج وحيد وأوحد في العالم.
من هذه النظرة الشمولية للوقائع التي قدمناها نضع إشكالية المسرح العربي ضمن الخصوصيات التي يولدها السؤال في رحم هذه التناقضات وهذه الصراعات التي تختص بها المغايرة والتميز الذي يعبئ هذا المسرح بدينامية القراءة والكتابة والإبداع والإجابة عن كل الأسئلة العصية في الزمن العربي.
&
&أسئلة تأصيل المسرح العربي
* لكن المسرح نشأ في الثقافة الغربية، اذاً ما هي أسئلة المسرح العربي المعاصر؟
- تكمن في ديناميته، لأن الدينامية هي نقيض السكونية، ونقيض تكرار الأنساق السابقة والمغلقة.إن الدينامية حيوية متدفقة تسير نحو المستقبل لتجاوز اهتراء البنيات المكونة للمادة الأدبية في النص المسرحي العربي، وهذا التدفق لا يعني في بعده الإبداعي، سوى خلخلة الوصف المنظم والقراءة المنظمة والرقابة العقلية المنظمة التي تجعل النتاج مرآة تعكس عالما واضحا سهل القراءة، واضح السمات والعلاقات والعلامات، منظم البنيات في سكونية قاتلة تصادر كل حيوية يمكن أن يتميز بها الإبداع.
الدينامية حيوية تمتلك رؤيتها المتحركة حين تتمثل في إبداعها الدهشة المتخيلة، وتتمثل غرابة المتخيل المسرحي الذي يصير بالضرورة الضفة الأخرى للواقعي حين يقدم واقعا يمسرح به أشكال الصراع والتناقض بين الذات والآخر / الغرب.
هذه هي إشكالية المسرح العربي وهو يختبر وجوده بإيقاع هذه الدينامية , ويقيس أنفاس إبداعه إما بأجوبته الجاهزة، وإما بأسئلته اللافحة التي تعيش حرقتها بلذة ومتعة أدبية تنبع من المغاير الذي تؤسسه، وتولده من المختلف الذي تكونه حين تنفتح على العام لتبدع الخاص، تحاور الشامل لتخاطب موضوعها وذاتها والعالم في هذه الدينامية.
ومن التوزع بين الثابت والمتحول، وبين الأجوبة الجاهزة والأسئلة المطروحة، وبين الصدى والصوت، تنفتح باستمرار، مسارب جديدة لتفعيل وجود المسرح في الثقافة العربية والواقع العربي، ويبدأ فعل تجديد الأسئلة في تقديم محتمل وممكن لهذا المسرح ضمن رؤيته المستقبلية، وهذه أهم خاصية لدينامية المسرح العربي، وهي ارتباطه المتين بالأسئلة الصعبة التي تسيره، الأسئلة التي بها يعطي الكاتب المسرحي العربي لخطاباته ولتقنيات إنتاجه حساسية جديدة هي حساسية الدينامية التي تهب للنص المسرحي العربي مواضيع لا تعرف الوضوح أو السكون أو المباشرة، بل إن هذه المواضيع تصبح ناطقة بتعدد الخطابات فيها لأنها عمق في الأعماق، وسؤال في الأسئلة، وحيوية في الحيوية، ورؤية في الرؤية للعالم التي يقدمها المسرح العربي المختلف في تعدده بحيوية تؤكد دوما وجود المسرح العربي الذي يبحث دوما عن حريته منذ ان أعلن عن تاريخ ميلاده.
ضمن هذا الكل المتغير كان المسرح العربي يعيش بداياته التابعة للمسرح الأوربي، وكان وما يزال يحيا إمتداداته المتغيرة في تجريب الكتابة النصية بعيدا عن الاقتباس أو النقل الحرفي للتجارب، وهو ما يعطينا إمكانات الحديث عن وجود دينامية حقيقية لهذا المسرح وهو يوسع من دائرة متخيله، ويضع في كل الآفاق الممكنة خطابات غير جاهزة، وغير ثابتة، وغير معلبة، وهذا النوع من المسرح هو الذي يخاطب المعرفة، يحاورها بفكر وبفلسفة تبني حوارات درامية تضع المتلقي العربي في أفق انتظار محمل بالدهشة وبالجديد وبالغريب بفعالية أدبية ودرامية وفنية تبحث دائما عن المختلف في شكل المسرح وقالبه ودلالاته، وهذا لا يعني أن المسرح العربي يعيش كماله وتمامه في الواقع في الإنجاز، ولا يعني ـ أيضا ـ أن هذا المسرح المثقف لا يعيش صراعه الدائم مع المسرح الذي لا يملك مشروعا ولا ضفافا، إن المسرح العربي المثقف يبحث عن الفكر وعن الفلسفة وعن الرؤية التي يكتب بها مسرحه ووجوده.
* وبالتأكيد مثل هذا المسرح لابد ان يتصادم مع السذاجة الفكرية والفنية التي تميز حياتنا الثقافية.
- الدكتور عبد الرحمن بن زيدان: من الممكن جدا... لان المقاربة النقدية لواقع المسرح العربي تؤكد على أن إشكالية هذا المسرح تكمن في كونه يعيش موزعا بين سلطتين متناقضتين، الأولى مهمتها إقصاء الإبداع من الإبداع ومحاصرته وتطويقه وحذف "أصالة" التحديث في تجريبه.أما السلطة الثانية فهي نقيض السلطة الأولى، إنها المد الجديد نقيض كل ثبوتية قاتلة، ونقيض النفي والإقصاء الذي يتعرض له الفكر العربي، ونقيض الأجوبة الجاهزة والفكر الإظلامي المتحجر، إنه الفعل الحضاري المثقف الذي تقدم مشاريعه الكتابة المسرحية العربية كتابة وتنظيرا ونقدا بوعي حضاري وبسؤال وجودي متعدد بعمقه الفلسفي بحثا عن تقنيات جديدة للتعبير عن مأزق المسرح العربي ضمن المأزق العام والشامل للوجود العربي في العالم.وفي هذا البحث تكمن الدينامية المتجددة لخطاب المسرح العربي بكل تنوعه وغناه ضمن هذا المأزق الذي يعيشه حضاريا وثقافيا وفنيا ضمن التجريب النصي المسرحي العربي الذي يتوسل عن طرائق الحلم والترميز والأسطورة والتخييل إلى إدماج المتلقي وإدخاله في لعبة الكتابة المسرحية الحيوية لا خارجها.
* أنت كباحث وناقد تابعت مسار المسرح العربي نصا وإخراجا ونقدا من خلال مجموعة من المقاربات النقدية جعلتك تؤكد في خطابك النقدي أن المسرح العربي مسارح، والكتابة المسرحية العربية كتابات، أما أسلوب الإخراج فأساليب.هل هذا يعني أن التجريب المسرحي الحالي (إن وجد) يتفرد بلغته الخاصة؟وأين يكمن التجريب حتى يتفرد بلغته المسرحية؟
- المتابعة النقدية لهذا المسرح في ممارستي النقدية و في كل قراءاتي تعني المقاربة المتفحصة، وتعني ـ أيضا ـ القراءة المتأنية للظاهرة المسرحية العربية ولظاهرة النص المسرحي العربي ككتابة درامية وركحية وكتابة نقدية، وهذا يعني قراءة مسكونها والتعرف على ما تختزنه بنياتها العميقة من رؤى ودلالات تقرب مبدعها من رمزية التعبير، ومن الوعي التاريخي الذي يخلق زمانه في بنية درامية تختصر المسافات بين أنساقها للانخراط في سيرورة الوطن العربي والتعرف على مخاضا ته وما يحبل به من أسئلة ورهانات وانتكاسات هي مكون أساس من مكونات وجوده.
هذه المتابعة سواء تعلق الأمر بقراءة شعرية النصوص الدرامية العربية وبلاغتها ومتخيلها وخطابها الواقعي، وخطاباتها المجازية، أو تعلق الآمر بتلقي جماليات العروض العربية المتميزة بحفرها في الذاكرة البصرية واللغوية العربية لبناء جمالية تميز العرض المسرحي في حيويته ودينا ميته، جعلني أقول إن مكونات المسرح العربي وأشكال الوعي بالعلاقات المتصالحة مع الذات أو المضادة للغرب كلها عوامل كانت تسهم في بلورة تعدد المسرح العربي في اختلاف لا يهدف إلى إقصاء هذه المكونات أو تذويبها في متاهة اللامعنى، أو جعل الخطاب المسرحي العربي رهين قول واحد وحبيس مستوى واحد وسجين خطية واحدة في الكتابة وفي الرؤية.
إن التعدد الذي يحكم مسار المسرح العربي المثقف هو التعدد الذي يتأسس على المعرفة الفكرية والفلسفية والتاريخية، وينهض على العلوم الانسانية لبلورة هذه المكونات بشكل أرقى يغير ذاته ليغير بنياته، كما يغير تحدياته لذاته ولموضوعه لتقديم أشكال تعبيرية درامية راقية، وهو ما يستجيب للدعوة إلى إخراج المسرح العربي من المحاكاة المنغلقة للمواضيع والحالات المنغلقة، لأن إنقاذ المسرح لا يبدأ إلا من حيث تبدأ عملية هدم الساكن والثابت والمغلق لزرع روح الدينامية في الإنتاجية المسرحية العربية، وهي العمليات الصعبة التي نراها تتحقق في الزمن الصعب في وطن عربي يعيش الأصعب والأعسر والملتبس في لحظاته وفي تاريخية وفي علاقاته، ويأتي المسرح ليكون بكل المعايير والمقاييس الضفة الأخرى للإبداع العربي التراجيدي الذي يرى ما لا تراه باقي الكتابات التي تعيش خارج حيوية الإبداع الأدبي العربي شعرا ورواية.
إن المسرح مغامرة تراجيدية تشمل البناء والأسلوب واللغة والشكل وكل مكونات العالم الدرامي في النص، وإدراك المسرح العربي الحديث لهذه العلاقات وغيرها من العلاقات هو إدراك للعلاقة الموجودة بين الواقع وبين الخيال، بين الكاتب المسرحي وعصره.إنها المغامرة التي لا يمكن أبدا أن تعرف الاستقرار والاكتمال دون محاورة الأساليب التراثية الأدبية منها وغير الأدبية لجعل التجريب المسرحي والنص الدرامي يتفردان بنظامهما السردي في إعطاء المجال الفسيح للطابع الرمزي رحابته، والاحتفاء بجانب اللغة والشكل والتغريب في هذا التجريب ونقل الشخصية الدرامية من شخصية محددة في الواقع لإبداع الشخصية التي لا تماثل الكائن الحي في الواقع المعيش وإنما تصير كائنا خياليا في عملية التجريب.
هذه العناصر، وهذه الأسس هي التي تجعل التجريب المسرحي متفردا بلغته الدرامية الخاصة، وتعطيه كل الإمكانات في التحويل والصنعة التخييلية كي تحد أثناء عملية التجريب من الملامح المرجعية في الكتابة النصية، وتقلص من سلطة وظائفها الأصلية لتكتسب أثناء وبعد التحويل والإبداع في التحويل دلالات وإيحاءات جديدة تكون نابعة من عملية التركيب لمجمل العناصر والمستويات المكونة للمحكي الدرامي.
هذا المحكي الدرامي هو الذي يكتسب تعدده من كثافة الدلالات فيه ويتفوق على هذه التقنيات من انفتاحه على روافد التاريخ والأسطورة والمجتمع والدين لفتح أبواب التخييل على اللغة ومكوناتها، وهو ما يمكن ربطه بنتاج المسرح الشعري العربي والمسرح النثري المشعرن من البداية إلى الامتداد من خلال أهم المحطات التي وسمت تجريبية هذا المسرح سواء تلك التي ارتبطت بتجريب جواب أو أجوبة المسرح الغربي لتأصيل الظاهرة المسرحية في الثقافة العربية، أو تعلق الأمر بتجريب أسئلة السؤال حول معنى وأسس هذا التأصيل، هل هو مقبول بصيغته الوافدة، أم أن هذا التأصيل يعني إعطاء التعدد والفرادة للغة المسرح العربي في النص الأدبي الدرامي وفي الإخراج حتى يعيش بآنزياحاته التركيبية بعيدا عن التركيب السائد في مفاهيم التجريب الغربي؟
عندما أؤكد على القول إن المسرح العربي مسارح وأن التجريب فيه تجارب، فهذا يعني أن مستويات اشتغال هذه الانزياحات التركيبية في النص المسرحي العربي يجب أن تقاس بما يتفتق به المتخيل الدرامي العربي من مستويات في الكتابة من خلال الطاقات الإيحائية المعتمدة، وأحيانا أخرى على الإحساس اللغوي كآلية ومعايير تضبط هذه الانزياحات داخل مغامرات دلالية تعطي لهذا المسرح أصواته المتعددة في إبداع بوليفوني تتعدد ملفوظا ته لممارسة أشكال مختلفة من التخيل السردي في الكتابة.
بهذه القراءة يمكن تتبع حضور أوغياب المسرح في الوطن العربي كإبداع أو كاتباع، ويمكن أيضا التعرف على المناخات التي يتنفس فيها هذا المسرح في علاقته بالحيوية الثقافية وبالحريات العامة وبرواجه داخل قطره وخارجه.
&
دلالات الواقعية المتخيلة في النص المسرحي العربي لا تأتي من فراغ
مغامرة التجريب في المسرح العربي
* هل معنى هذا أن خطاب التجريب في المسرح العربي يشكل مغامرة أدبية وفنية؟
- بكل تأكيد أن المسرح العربي المثقف، المجرب المغير الذي يتغير، يعيش تجدده في المناخات المتجددة، لأنه يعيش لحظات الولادة في إبداعه الذي يهدم المسرح كي يبني المسرح، يتحدى القوالب المغلقة ليتحدى سكونية الرؤية وسكونية الوقوف وسط دائرة مسدودة تسد عليه زوايا النظر إلى كل الآفاق التي يعرف فيها العالم كيف يفهم هذا العالم.
إن المسرح العربي في تجريبيته وفي إلحاح كتابه ومنظريه على الاهتمام بشكله وببنياته لإبداع وابتكار ملفوظه اللغوي وطقوسيته الخاصة، إنما يرسم مشروع العرض الذي يتخيل فضاءاته وألوانه وأشكاله بشكل يجعل المخرج يجرب اشتغاله على تجريب الفضاء والفراغات لتوليد معاني وصور متخيلة تعمق الإيحاء برمزية شاعرة لا يمكن تكرارها أو إعادتها في سياقات غير سياقاتها لأن النص اللغوي الدرامي جديد، ولأن مفهوم الممثل والفضاء والموسيقى والصوت والصورة والصمت والإلقاء كلها حقول للتجريب تصنع شعرية النص المرئي كأرخبيل من العلامات التي تشتغل كلها في زمن واحد هو زمن العرض وزمن تلقي العرض.
طبعا لا يمكن بهذا المعنى نفي ما يقوم به المسرح العربي من مغامرات جمالية وفنية وتخييلية تخطو بإمكانات النص وتسير بها نحو الدخول في كل الحكايات والحوارات والشخوص واللغات التي تجعل من هذه المغامرة دهشة، ومن الدهشة لذة، ومن اللذة متعة تتغذى من هارمونية الانسجام الذي يضع الكتابة في مغامرتها الحقيقية بجديدها وبآفاقها المنتظرة وغير المنتظرة.
بهذا المعنى يكون خطاب التجريب متعدد الوظائف والمهام والأدوات، فهو من ناحية نتاج على غير هيأة سابقة، وهو من ناحية أخرى بناء يبني متخيله بثقافة المبدع المسرحي العربي الذي يزيل الحدود والفواصل التي تفصل بين المعاني الموروثة والأساطير والرموز والخرافات والتاريخ لأسطرة كتابته بعد أن تكونت وتشكلت بكل المفارقات التي تحضر في الدراما العربية لفك رموز ولبس العالم والإنسان والوجود، وفي الأخير فإن وظيفة التعبير الملفوظ أو الصامت أو المتحرك في فضاءات العرض تؤدي هي الأخرى هذه الجمالية لتساير معنى التجريب في تجارب المسرح العربي الذي سيبقى في تجريبيته يفصح بالقول التالي: "ليس المهم أن نبدع.المهم أن نوجد فلسفة للإبداع وعلما للإبداع في هذا التجريب ".
&
* من المؤكد ان الكثير من المبدعين العرب ينحون هذا المنحى.
- نعم فهذا القول تردده أسماء وازنة في التجريب المسرحي العربي، أسماء شكلت خطاب التجريب، ودخلت به في مغامرة الغريب والمدهش والغير المتوقع، بفضل كتاب حرروا المسرح من المسرح، وأخرجوا الدراما من الدراما، وكتبوا مواضيعهم بواقعية ليست هي واقعية الواقع، وليست صورة مطابقة لصورة التراث، إنها الواقعية المتخيلة في النص التي قدم أشكالها توفيق الحكيم ومحمود دياب و نعمان عاشور في واقعيته و ألفريد فرج في تعامله مع التراث و قاسم محمد وفاضل خليل وعز الدين المدني وعبد الكريم برشيد ونجيب سرور وروجيه عساف وعصام محفوظ ويعقوب شدراوي في اشتغالهم على المخزون العربي تراثا وموروثا شعبيا، وفي مجال الإخراج التجريبي نجد مخرجين أرادوا تأسيس علاقات جديدة مع الفضاء المسرحي والممثل كعلامة مع باقي العلامات التي تقدم تغريبا جميلا للعرض المسرحي، وهو ما نجده عند فاضل الجعايبي ورجاء بن عمار ومحمد إدريس وانتصار عبد الفتاح ونضال الأشقر وجواد الأسدي، وعند كل المبدعين الذين أبدعوا في مخاض هذا التجريب مسرحا عربيا بدأ يعرف كيف يوظف كل التقنيات المسرحية في السينوغرافيا والدراماتورجيا لتوليد جمالية المسرح في هذا التجريب.
هذا يعني أن التجريب لم يأت من فراغ معرفي أو من ترف فني وفكري لا يهمه تأسيس خطاب للمسرح العربي.إن التجريب المسرحي بهذا التجريب يسعى إلى تحقيق هوية وأصالة لهذا المسرح وهو يتعامل مع ملحمة كلكاكش وقصص القرآن، وألف ليلة وليلة، والتاريخ، والأساطير اليونانية، والحكايات الشعبية العربية كمناجم تعطي لخصوصية المسرح العربي قوته وإصراره على تجويد تجريبه وإتقانه دون تقليد أعمى للمدارس والتجارب الغربية التي يريد بها بعض المسرحيين أن أخذ شهادة الاعتراف بوجوده والاعتراف بتجريبه.
إن البحث عن الخصوصية في التجريب يعد دليل صحة وعافية يتميز بها الحوار بين المكونات المسرحية العربية والتجارب المسرحية العالمية، ثم أن هذه العلاقة هي علامة على أن تجريب المسرح العربي ورغم نخبو يته هو دليل صحة وحيوية وحياة و اختلاف، أما غياب هذا التجريب، وفي غياب التمثل الحقيقي لأبعاد ووظائف التجريب فإن تكرار الخطابات والأشكال المسرحية لا يخدم المسرح العربي ولا يطور قيمه ورؤيته لتسير سيرا حثيثا نحو حساسية جديدة تجعله يسير إلى الأمام ولا يرجع إلى الخلف.
يتبع
&
الحلقة الثانية
الحلقة الثالثة
&
fasoudani@maktoob.com
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف