ثقافات

لقاء إيلاف الأسبوعي (3/3) الناقد والباحث المغربي الدكتور عبد الرحمن بن زيدان توظيف التراث كمحفز للإبداع المسرحي العربي

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
حاوره د. فاضل سوداني

&
&
* هل يمكن الحديث عن موت المسرح التراثي؟ وأين وصلت الدعوات لتحقيق واستمرارية التنظير لهذا المسرح؟
- كان دأب المسرحيين العرب، من خلال الدعوة إلى توظيف التراث دراميا في النص المسرحي العربي هو الدعوة إلى امتلاك هذا التراث، وامتلاك لحظاته القوية، واتخاذ إطاره الزماني والدلالي منطلقا لحركية الكتابة المسرحية، ومنطلقا لتحقيق جمالية الكتابة في النص المسرحي عبر الانفتاح عليه وعلى التراث العالمي.
وأعتبر أن المسرح العربي من أكثر الأجناس الأدبية العربية توظيفا للمادة التراثية بمستويات فنية يحضر فيها التزامن بين الأزمنة: الماضي والحاضر، والماضي والمستقبل، والحاضر والمستقبل وذلك حين يتم التصرف في المادة التراثية التي انتقى منها الكاتب المسرحي العربي إما التاريخ العربي، أو السير، أو القصص الشعبية، أو المقامات، والنوادر وحكايات الشطار والعيارين، أو الخرافات والأساطير والتصوف لكتابة النص الجديد.
لقد كان تعامل المسرحي العربي مع هذا التراث يسعى إلى إعادة آستلهام الماضي، ويسعى إلى توظيف هذا التراث ليس بآعتباره شيئا جامدا، ولكن بآعتباره علامات محفزة على طرح السؤال التالي:كيف يغدو التراث دالا بدلالات جديدة علىالآن في سياق غير سياق الماضي الذي ولى؟وكيف يمكن زرع حيوية جديدة في هذا الانتقاء للتعبير بهذه الحيوية عن الحقيقي والمتخيل، أولا لأن هذا الحقيقي أزلي ودائم كتجربة إنسانية، ثم أن هذا المتخيل يأتي نتيجة تراكم الخبرات والتجارب الحياتية في التاريخ وفي الواقع وفي الوعي بالعالم مما يمهد للكتابة أجواءها وطقوسيتها الخاصة التي تولد التنوع في التعامل مع هذا التراث.
* في هذا الصدد لماذا يعمد الكثير من التراثيين لإستخدام التراث كما هو في المسرح؟
- عندما كان بعض المسرحيين الكلاسيكيين العرب يعودون إلى التراث ينقلونه كما هو، كانوا ينطلقون من قناعتهم الراسخة بأن "الأمة العربية" لا تستقيم إلا بما استقام به الماضي، وهي النظرة التي حافظت على تعاقبية الأحداث، وحافظت على سكونية السرد، وعلى الإطار الزمني لبهاء اللغة ورونقها وتركيبها وإيحاءاتها وصورها كما سطرها الأولون، فنقلها هؤلاء اللاحقون في مسرحهم كما هي دون تغيير في الغالب.
وهذه النوستالجية إلى الماضي، وهذا الحنين الرومانسي إلى الفائت المشرق والمزدهر والراقي في الماضي جعل العلاقة بين كتابة النص بالتراث تراثا ينطق بما في التراث بأمانة يتكلم فيها الماضي دون أن تفتح الكتابة عيونها على العصر لأن التراث هنا يعد قناعا للحديث عن الوطنية و الحديث عن القومية وعن النخوة العربية.
وهناك بعد هذه التجربة في التعامل مع التراث، كتابات مسرحية خلخلت الرؤِية الكامنة في هذا التراث، وعملت على تخطي الانفعال الآني والاندفاع المتحمس لهذا التراث، وعملت على الاستفادة من دورة الحياة ومن الحالات المشتركة بين الأزمنة لإبداع الزمن الجديد بفنية التركيب الجديد بين الأزمنة والأحداث والقضايا لامتلاك اللحظة التي يحيا فيها المبدع في زمانه، فكانت أحسن ملامح المسرح العربي مع هذه التجربة، هي تلك التي وهبها النص المسرحي العربي لعوالمه حين قلب موازين التعامل مع هذا التراث، وقلب شكل العلاقات والقراءة والفهم لهذا التراث، سيما بعد أن صار الوعي بالفكر القومي، والوعي التاريخي مستشريا في فعل الكتابة، بسبب انتشار الوعي القومي في هذا الوعي، وبسبب حرب فلسطين والنكسة، والانقلابات العسكرية الفاشلة، وانتشار المد اليساري والمد التحرري في الوطن العربي مما ولد خطابا سياسيا اتخذ من قناع التراث ـ هذه المرة ـ قناة لتمرير الخطاب السياسي الساخن والكتابة عما آل إليه الوضع العربي.
لقد تأسس إبداع التراث في المسرح العربي على هذا الوعي، وتأسست قراءته على القناعة القوية بأن التاريخ العربي ليس تاريخ السلاطين والملوك والمحظوظين والأثرياء والجلادين، إن التاريخ هو تاريخ الشعوب، والمستغلين والمستضعفين والمثقفين الذين يعتبرون ضمير الوطن والأمة والتاريخ، من هنا كتب عز الدين المدني بجمالية الكتابة العربية سؤاله في إبداعه متسائلا لماذا تفشل الثورات؟ فأجاب تراجيديا عن سؤاله في مسرحية:"ثورة الزنج" و"ثورة صاحب الحمار"، وكتب معين بسيسو عن "ثورة الزنج" وكتب نور الدين فارس"جدار الغضب"عن ثورة الزنج" وهناك من كتب عن "القرامطة" وهناك من كتب عن الهزيمة كما فعل عبد الكريم برشيد في مسرحية"عنترة في المرايا المكسرة" و كتب عن الانقلاب الذي أطاح بملك أب آمرئ القيس في مسرحية "امرؤ القيس في باريس" وكتب يسري الجندي مسرحية "اليهودي التائه"، فكانت كل هذه الكتابات وغيره اشتغالا عن الكيفية التي يصبح فيها العبيد أسيادا والأسياد عبيدا والمثقف منفيا أو مغربا عن ذاته وعن وطنه بسبب المحاكمات التي يتعرض لها وهو ما قدم نموذجه صلاح عبد الصبورفي مسرحية"مأساة احلاج" ومحي الدين اللاذقاني في مسرحية:"الغرباء لا يشربون الفودكا " أوفي مسرحية" حصار القلعة"لمحمد إبراهيم بوسنة أو في مسرحية "الحصار " وةل فلسطين لزيناتي قدسية وحاتم علي أو مسرحيات "السجين 95"والشيخ والطريق"وفلسطينيات "و"عراضة الخصوم" لعلي عقلة عرسان وهي تراجيديات سياسية تتأسس على الواقعي وعلى التاريخي وعلى المتخيل وعلى التراثي.
إن أهم سمات الإبداع المسرحي العربي، في علاقته بالتراث، سواء تعامل مع التراث تعاملا أمينا كان ينقله كما هو إلى أجواء النص المسرحي، أو حاول في هذا التعامل قلب المفاهيم في هذا التراث، كلها سمات تؤكد أن هذا التراث لم يمت، وأن حياته الجديدة تتحقق في النص المسرحي العربي الحديث، وأنه تراث لا ينمحي ولا يموت لأنه جزء من الذاكرة الشعبية العربية، وأنه مكون أساس للتاريخ العربي المشترك.

&
&الذاكرة الشعبية العربية والتراث خزان للإبداع المسرحي العربي
* ما ذا تعني هذه الذاكرة المشتركة في التنظير و الإبداع المسرحي العربي؟
- الشراكة تعني الملكية الجماعية لهذه الذاكرة ولهذا التراث الذي هو في تراكمه تراثات وأشكال وظواهر متعددة به يفكر ويؤدرم ويبدع الكاتب المسرحي العربي الدراما والسخرية والكوميديا السوداء يسيس الحالات التي تشع في الكتابة المسرحية ويؤنسنها كحالات إنسانية دافعت عنها كل النظريات التي نظرت للمسرح العربي لتوظيف مفردات هذا التراث وتقنياته وأشكاله وعمقه وقالبه المسرحي في احتفالات تنكتب بخصوصياتها في التنظير وفي الممارسة.
هذه الممارسة تنقل الظواهر الشعبية من تلقائيتها الشعبية لتضعها في تلقائية جديدة تبدعها لغة الحوار الجديد مع الحكواتي والسامر والمداح والحلايقي والمحبظاتية والقوال والراوي كأشكال تبني التواصل مع المتلقي العربي بتلقائية شاعرة منفتحة على جماليات السرد العربي، ومنفتحة على الذاكرة الشعبية والوعي الجمعي للكشف عن البعد الانساني في هذا التراث.لقد عملت كل النظريات المسرحية العربية على الدعوة إلى إعادة إبداع التراث إبداعا يعطيه كينونة جديدة. وجدنا ذلك متحققا مع فرقة مسرح الحكواتي في لبنان التي عادت إلى هذه الذاكرة في مسرحية"أيام الخيام" و"من أحداث 1936 "وكتب سعد الله ونوس بعد بياناته في التنظير المسرحي نصوصا تعود إلى التاريخ والتصوف في " طقوس الاشارات والتحولات"و "ومنمنمات تاريخية"و"الأيام المخمورة" ووجدنا جماعة المسرح الاحتفالي تصدر سبعة بيانات تدعو فيها إلى إرساء قواعد مسرح عربي بمادته وتراثه عمل عبد الكريم برشيد على ترجمة هذه الدعوة إبداعيا في مسرحياته التي استلهمت التراث فآستحضرت عنترة، وآمرؤ القيس، والمتنبي، وشهرزاد، وشهريار وجحا وعطيل وفاوست ونرسيس وابن الرومي لكتابة التراث كتابة تحبل بالرؤية الجديدة للواقع بالتراث، وتحبل بالتراث الذي يحبل بالواقع، ومثل هذه الدعوة وجدناها عند كل من الدكتور علي الراعي وفي "الكوميديا المرتجلة"، وعند توفيق الحكيم في "قالبنا المسرحي" وعند الدكتور يوسف إدريس وعز الدين المدني وجلال خوري وبيان مسرح المدينة في بيروت مع نضال الأشقر، وما كتبه يعقوب شدراوي وعصام محفوظ..
بكل تأكيد أن المسرحيين العرب يدافعون بقوة عن الدعوة لإيجاد مسرح عربي، أحيانا يجدون في الدعوة إلى التراث والتمسك به قوة دافعة لرسم ملامح وهوية هذا المسرح المبحوث عنه للوصول إلى هذا الشكل، وأحيانا أخرى يجدون في التراث الانساني مصدرا لإبداعهم للوصول إلى مضمون حي لهذا الشكل الذي يبقى دائما شكلا يحتاج بهذا التراث إلى موضوع، ولكنه شكل يحتاج بالضرورة إلى فكر وإلى فلسفة تمنحه رحابة السؤال الوجودي في الكتابة الدرامية العربية.
&
&النص المسرحي العربي بين النص المكتوب للقراءة والعرض
* أنت تؤكد كثيرا على بناء النص لإنتاج الخطاب المسرحي البصري، وتؤكد على أن أزمة المسرح العربي تكمن في النص، بمعنى أن دينامية النص وعدمها مرتبط بإشكالية اللغة الأدبية بدل اللغة البصرية.هل تعتقد أن النص يجب أن يكتب للمشاهدة وليس للقراءة؟
- إلغاء النص الدرامي المكتوب، وإقصاء اللغة المنطوقة، وتقليص حضور الحوار أو إزالته نهائيا من العرض، كلها خصوصيات لمسرح الصورة في الغرب الذي صار هو الدال على مدلول العرض، والدال على ما وصل إليه هذا المسرح من مستويات في التجريب، وصار أساس التواصل القائم على الكتابة في الفضاء بالجسد كعلامة، والكتابة بالتشكيل الضوئي كعلامات، والتشكيل بالرقص والإيماء والحركة كعلامات تبني المشاهد ببرنامج سردي صامت لا تتكلم فيه إلا الحركة القائمة على سيناريو العرض، والقائمة على التقطيع، وعلى تشكيل الوحدات الأساسية للقطات التي تستطيع إطالة الزمن أو تقصيره في الصورة أو في الصور المتلاحقة في العرض.
إنها العملية التي تعتمد على التقنيات السينمائية وعلىالتقدم التكنولوجي الذي يجعل الصورة أساس العرض، وأساس التجريب وأساس إنتاج وإرسال جميع المعاني إلى المتلقي في نفس اللحظة.
وهي العمليات التي تجعل من هذا النوع من المسرح وهذا الشكل من التجريب محكوما بآنيته وموته بعد حياته في العرض مما يجعل الذاكرة البصرية هي التي تتكلم عن بقايا العرض كملامح وكجماليات لا يمكن إعادة بعثها وإحيائها، وهذا ما يجعل من هذه العروض موضوعا للمنهج السيميولوجي أثناء دراسته للعلامات، وهو أيضا ما يجعل هذه العروض منفلتة من كل تحديد داخل سياق إلا سياقها الذي صار ينتمي إلى الماضي وإلى زمن الفرجة الذي ولى.
إن هذا المسرح البصري في الغرب الذي يعتمد ـ فقط ـ على الصورة هو امتداد حتمي للتأثير السينمائي والتلفزيوني على عملية الإنتاج المسرحي في الغرب، إنه يعد مولودا شرعيا لما طرأ على عملية التواصل في العالم حيث صارت الصورة ـ بامتياز ـ إبداعا يختصر المسافات التي تمتلكها اللغة المنطوقة أو ما كانت تقوله هذه اللغة بمستوياتها الصوتية والتركيبية والدلالية والبلاغية.
* وفي المسرح كيف ترى العراقة بين اللغة الادبية ولغة الصورة؟
- في عالمنا العربي، الذي يقال عنه إنه ظاهرة لغوية، لا يمكن أن نتحدث عن هذه الظاهرة فيه إلا في بعدها واشتغالها المتداول في الإبداعية المسرحية العربية، أي نتحدث عن اللغة كظاهرة إبداعية تركب دلالاتها وأصواتها وبلاغتها في النص الإبداعي المتخيل الذي ينغرس بخصوصياته في الخصوصية العربية اللغوية، وهو ما يؤكد وجود نصوص تمتلك قدرتها على الإبداع و على التحكم في كينونة وجودها مما يبعد عنها كل نعت أو صفة تصفها بالقصور أو التكرارية أو الهشاشة في إنتاج المسرح اللغوي الناطق.إنها النصوص التي تفك دوما أسرها من المؤسسات الإعلامية، وتبني لغتها في الدراما لتصير ديوان العرب المسرحي.كما تحقق ذلك في التجريب المسرحي السوري والمصري واللبناني والعراقي والمغربي.
والجدل الدائر حول بناء النص الدرامي العربي لإخراجه من أزمته التي هي أزمة وجود بالأساس كان وراء التنظير إلى الكيفية التي بها يمكن جعل هذا النص يراهن على إشكالية اللغة العربية التي نعتها بعض الباحثين بأنها قاصرة لا تستطيع الدخول إلى تراجيديا الوجود العربي والإنساني لأنها لغة قدرية استسلامية لا تعرف صوغ السؤال الوجودي، ثم أن هذا النص يراهن على التميز بلغته ليخاطب المتلقي العربي الذي يتذوق الشعر والحكمة والحوار والتطريب سماعا وقراءة وتمثلا وفهما، فكيف بهذا المتلقي لا يرتبط بالنص المكتوب والمسموع كجزء من ثقافته وموروثه الحضاري؟
من هذا المنطلق أرى أن وجود المسرح يتكون من شقين:الأول النص المكتوب للقراءة والذي هو مشروع العرض المسرحي الذي يضم الحوار والإرشادات المسرحية والشخوص، النص الذي بدأ التجريب في الغرب يرفضه كعائق يعوق التطور والإبداع المسرحي، لكن هذا النص سيظل الأقدر على أن يبقى نتاجا أدبيا ينضاف إلى باقي الأجناس الأدبية الآخرى، أما الشق الثاني فهو هذا النص الذي يتحول إلى عرض يتسم ـ كما قلت ـ بآنيته، ومحكوم عليه بالزوال بعد الانتهاء من عملية المشاهدة والتلقي.
من هذه القناعات، يجئ تشبثي بالنص المسرحي العربي المكتوب لأنه نص يكرس الحوار المفقود في الواقع العربي، نص بإمكانه أن ينشر القول الراقي وقيم الاستماع إلى الذات وإلى العالم، ويبني ثقافة الاختلاف والبناء الذي يوحد بين ما هو أدبي في النص المكتوب باللغة وبين ما هو فني في العرض.
لهذا يمكن الجمع بين التجربتين، الأولى الإبداع في النص الدرامي كنص للقراءة، ثم الإبداع في نص العرض كنص للمشاهدة، وهذه هي التجربة الحقيقية ـ في نظري ـ التي تستجيب لخصوصيات الوطن العربي الكبير.حتى يظل النص الدرامي المكتوب موضوعا لدراسة أشكال الوعي والتحول في الوطن العربي، يقول قوله، ويبوح بما لا تستطيع الخطابات المتداولة الإفصاح عنه.

&
التفاعل والحوار في المسرح العربي نقيض السكونية
* تكمن إشكالية المسرح العربي في ثبوتيته و سكونية أسئلته.ويعتبر هذا بالتأكيد خطورة كبيرة على المسرح لأنها خطوة تدخل ضمن منطق جا هزية الفكر عموما.أسألك من هذا الطرح:أين تكمن ديناميكية المسرح العربي؟
-& لا أريد تقديم أحكام جاهزة في إجاباتي، لكن الديناميكية هي نقيض السكونية، ونقيض تكرار الأنساق السابقة والمغلقة.إن الديناميكية حيوية متدفقة تسير نحو المستقبل لتجاوز اهتراء البنيات المكونة للمادة الأدبية في النص المسرحي العربي، وهي حيوية تمتلك رؤيتها المتحركة حين تتمثل في إبداعها دهشة المتخيلة، وتتمثل غرابة المتخيل المسرحي الذي يصير بالضرورة الضفة الأخرى للواقعي حين يقدم واقعا يمسرح به أشكال الصراع والتناقض بين الذات والآخر / الغرب.
إن المقاربة النقدية لواقع المسرح العربي تؤكد على أن إشكالية هذا المسرح تكمن في كونه يعيش موزعا بين سلطتين متناقضتين، الأولى مهمتها إقصاء الإبداع من الإبداع ومحاصرته وتطويقه وحذف "أصالة" التحديث في تجريبه.أما السلطة الثانية فهي نقيض السلطة الأولى، إنها المد الجديد نقيض كل ثبوتية قاتلة، ونقيض النفي والإقصاء الذي يتعرض له الفكر العربي، ونقيض الأجوبة الجاهزة والفكر الإظلامي المتحجر، إنه الفعل الحضاري المثقف الذي تقدم مشاريعه الكتابة المسرحية العربية كتابة وتنظيرا ونقدا بوعي حضاري.وفي هذا البحث تكمن الدينامية المتجددة لخطاب المسرح العربي بكل تنوعه وغناه.
* أنت كباحث وناقد تابعت مسار المسرح العربي نصا وإخراجا ونقدا من خلال مجموعة من المقاربات النقدية جعلتك تؤكد في خطابك النقدي أن المسرح العربي مسارح، والكتابة المسرحية العربية كتابات، أما أسلوب الإخراج فأساليب.هل هذا يعني أن التجريب المسرحي يتفرد بلغته الخاصة؟وأين يكمن التجريب في المسرح حتى يتفرد بلغته المسرحية؟
-& المتابعة النقدية لهذا المسرح في ممارستي النقدية هدفها التعرف على أسئلته المعاصرة والملحة ورهاناته وانتكاساته وهي في الحقيقة مكون أساس من مكونات وجوده. هذه المتابعة للضاهرة المسرحية بهذا الشكل دفعتني الى القول إن مكونات المسرح العربي وأشكال الوعي بالعلاقات المتصالحة مع الذات أو المضادة للغرب كلها عوامل كانت تسهم في بلورة تعدد المسرح العربي في اختلاف لا يهدف إلى إقصاء هذه المكونات أو تذويبها في متاهة اللامعنى، أو جعل الخطاب المسرحي العربي رهين قول واحد وحبيس مستوى واحد وسجين خطية واحدة في الكتابة وفي الرؤية. إن المسرح مغامرة تراجيدية تشمل البناء والأسلوب واللغة والشكل وكل مكونات العالم الدرامي في النص، وإدراك المسرح العربي الحديث لهذه العلاقات وغيرها من العلاقات هو إدراك للعلاقة الموجودة بين الواقع وبين الخيال، بين الكاتب المسرحي وعصره. وعندما أؤكد ايضا على القول إن المسرح العربي مسارح وأن التجريب فيه تجارب، فهذا يعني أن مستويات اشتغال الانزياحات التركيبية في النص المسرحي العربي يجب أن تقاس بما يتفتق به المتخيل الدرامي العربي من مستويات في الكتابة من خلال الطاقات الإيحائية المعتمدة، تعطي لهذا المسرح أصواته المتعددة في إبداع بوليفوني تتعدد ملفوظا ته لممارسة أشكال مختلفة من التخيل السردي في الكتابة.
* اذا كان خطاب التجريب في المسرح العربي يشكل مغامرة أدبية وفنية ، ماهي اذن آفاقه النصية والفكرية؟
- بكل تأكيد أن المسرح العربي المثقف، المجرب المغير الذي يتغير، يعيش تجدده المتجدد في المناخات التي يعيش فيها لأنه يعيش لحظات الولادة في إبداعه الذي يهدم المسرح كي يبني المسرح.
فخطاب التجريب لم يأت من فراغ معرفي أو من ترف فني وفكري لا يهمه تأسيس خطاب للمسرح العربي.إن التجريب المسرحي بهذا التجريب يسعى إلى تحقيق هوية وأصالة لهذا المسرح وهو يتعامل مع ملحمة جلجامش وقصص القرآن، وألف ليلة وليلة، والتاريخ، والأساطير اليونانية، والحكايات الشعبية العربية كمناجم تعطي لخصوصية المسرح العربي قوته وإصراره على تجويد تجريبه وإتقانه دون تقليد أعمى للمدارس.

الحلقة الأولى
الحلقة الثانية

fasoudani@maktoob.com
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف