لا تمروا على مهرجان المربد عابرين..!!
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
&
قيل في بعض أخبار الصحف العراقية قبل حوالي الشهر أن أدباء البصرة يعدون عدتهم لعقد "مهرجان المربد" في العهد الجديد لتنوير امتيازات شعراء وأدباء عراقيين، نالهم سابقاً ظلم أو تهميش أو كانوا هم مبتعدين عن سموم حاملي السيوف الثقافية الملمعة بخطايا وزارة الإعلام .
قالت الأخبار أن المهرجان يُعقد تحت نفس أسم "المربد" في منتصف الشهر القادم. وقد دعوتُ شخصياً إلى مباركة فكرة مهرجان شعري جديد.. لكن من دون أسم "المربد" المربوط طوال ثلاثين عاماً بتزييف القيم الأدبية والثقافية في العراق بغرارةِ هذا الاسم وبكراسيه وأرائكه وسجاجيده وقاعاته الفخمة التي تنطلق منها نفخات الأبواق المدوية لتعظيم اسم الإمبراطور العراقي الجديد.
هل من الضروري التذكير بعدم المرور عابرين على مهرجان ٍ ملكَ حق استعمال أسم المربد لأنه ملكَ القوة والسلطة ولم يملك الإبداع. هل نظل بزورق متعدد الألوان والحمولات كانت تسوقه سابقاً رياح المنايا.. هل نظل مكتئبين متبرمين بشدة على من أفسد حياتنا الأدبية والثقافية لأربعة عقود قاسية في زمن قاس ٍ من دون أن نتخلص من اسم تواشيح خداع الأدباء لعقود..!ّ
مع احترام هموم وأحزان وأفراح ومطاولات مربد الشعر " الأول " قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنه كانت مهمته أن يشد خيوطاً طويلة بين نور الكلام العربي المقفى والمنغم وربطها بهواءٍ يتنفسه سكان البادية . لكن المربد " الثاني " تأسس لستر بربرية مؤسسيه وحجب قياس الجماجم المدفونة مع رصاصها بمقابر جماعية لوضع مسوح الكهنوت وأكاليله على رأس صانعها...
إذا كانت بعض مقالات واعية وجريئة كتبها (الشاعر علي الحلي ــ بغداد ) قد رفعت بعض الستر عن ممارسات قيادات المشروع الثقافي الفاشي حافراً في عروق المشروع ومقطعاً جذوره، فأن العرقية الفاشية ينبغي أن تنتهي هي و أسماؤها بجرأة أيضاً بمقص تحمله يد الأدباء والمثقفين العراقيين لتقص، مع ضبط النفس، أسماء مثل ( مهرجان المربد..مهرجان موسيقى بابل.. مجلة ألف باء.. دار ثقافة الأطفال.. دار الشئون الثقافية وغيرها ) فمهرجان المربد يجب أن لا يعيش بعد اليوم لأنه أخذ نصيبه في تسخير الشعر العراقي لمالك القوة والإرهاب.. وكانت طبول مهرجان بابل تقرع بأسم الإمبراطور.. واسم مجلة ألف باء كان مسخراً لتلميع صورة صدام حسين بوجهه الكريه.. وكان هدف دار ثقافة الأطفال تربية أجيال بعثية جديدة.. ولم تكن دار الشئون الثقافية غير وسيلة لنشر سموم الفكر والعقل في غالب مطبوعاتها ..
أظن أن من مهمات الأديب العراقي، داخل الوطن وخارجه، في هذه المرحلة أن يمضي قدماً باتجاهين:
الأول : فضح المشروع الثقافي للنظام البائد وتعريته وكشف ظلمه كله وعقمه كله ومسمياته كلها ومستوياته كلها وأدواته كلها .
الثاني: لا يمكن تحقيق هدف الاتجاه الأول من دون كشف "وسائل" تنفيذ المشروع الثقافي الفاشي الذي تنوع بأشكال "التخطيط والتنظيم" المعتمدة خلال 35 عاماً لإنجاز أوسع وأخطر برامج غسيل الدماغ وخلق رأي عام تابع ٍ ومنفذ ٍ لسخافات الثقافة المعادية للإبداع والمكرسة لعبادة شخصية صدام حسين وتبرير روح عدوانيته.
ما يخص الأشكال التخطيطية والتنفيذية ذات النفع الحقيقي لصدام حسين وتأليهه يمكن الإشارة إلى تكتيكين :
&أولهما واقعة مهرجان المربد الشعري..
&وثانيهما واقعة مهرجان بابل الموسيقي الغنائي.
كان المستهلكون الرئيسيون لهذين التكتيكين هم الشعراء العرب والموسيقيين من عدد من البلدان الصديقة لصدام حسين تتكفلهم، جميعاً، ميزانية سنوية ضخمة مخصصة للتبذير في هذين المهرجانين تمكن "المستهلكين" العرب والأجانب من الحصول على عوائد مالية بالعملة الصعبة لها قيمة كبيرة في بلدانهم.
من ضمن جماعة تنفيذ هاتين الواقعتين أوجد النظام الفاشي تنظيماً مركباً نشيطاً بلغ مرحلة متقدمة من نموه ونشاطه عبر ما يسمى بالملحقيات الدبلوماسية أو المراكز الثقافية في بيروت والقاهرة ولندن وبعض بلدان المغرب العربي تتألف منها وفيها أجسام خلايا مخابراتية نشيطة تعتمد بالدرجة الأولى على منبهات مالية سخية بغشاء شفاف قادر على الإيقاع بمثقفين وفنانين عرب بتوافق تام يتجلى بتأسيس عدد من المطبوعات العراقية بمظاهر تبدو لعيون العرب أنها مختصة بالثقافة الحرة المستقلة مثل (مجلة كل العرب ـ سمير خيري في فرنسا، ومجلة التضامن ــ فؤاد مطر في لندن، ومجلة فنون عربية ـ جبرا إبراهيم جبرا في بريطانيا، ومجلة المنار ـ أمير أسكندر في فرنسا، ومجلة أور ــ ناجي الحديثي في لندن، وغيرها). كانت جميعا تمول وتصدر تحت الإشراف المباشر لمؤسسة مخابراتية تسمى (دار واسط للنشر والتوزيع مقرها في لندن )..
في هذه المقالة أتناول ببعض الأفكار العامة عن مهرجان المربد حسب، من دون مهرجان بابل الذي أترك أمره لمقالة قادمة أو ربما لكتاب آخرين.. خاصة وأن المهرجانين كانا يقادان مخابراتياً من مخبئ القسم الثقافي في المخابرات العراقية بحي دراغ الذي أسسه فاضل البراك وظل لزمن طويل تحت رعايته المباشرة.
مذ خطط البعثيون لأول مهرجان من مهرجانات المربد ولغاية عام 1995 تصلني بطاقة دعوة الحضور للمهرجان لكنني لم استجب لهذه الدعوة ولا مرة. غير أنني كنتُ من متابعي المهرجان متابعة تحليلية دقيقة عن بُعد، وهو يحاول توظيف أكبر عدد من الوجوه غير البعثية بقصد إضفاء طابع المشاركة الوطنية والقومية الشاملة على المهرجان.
كانت الملكية الخاصة للمهرجان خالصة لوزارة الإعلام ولما يسمى بــ(مجلس الإعلام القومي) بينما كان المحرك الأساسي لسمعة المهرجان عربياً يتركز على مشاركة الشعراء العراقيين الوطنيين من ذوي النتاج المتقدم فنياً المعروف في الميادين الشعرية العربية كلها كرأسمال دعائي داخلي يغطي فقر المشروع الثقافي والشعري الذي يقوده أميون من أمثال الوزير لطيف نصيف جاسم يعاونه نوري المرسومي وحميد سعيد وسامي مهدي وكمال الحديثي وعبد الرزاق عبد الواحد القائل بالحرف الواحد (أنا شاعر سلطوي) في بيت من شعر قصائده وغيرهم من أشباه الشعراء ممن كانوا يتناوبون على المناصب الثقافية الإدارية بالتعاقب فيضعونهم في المرتبة القيادية للمهرجان.
أخبرني ذات يوم عام 1980 أحد البعثيين الشرفاء (فلسطيني) أنه سمع من صدام حسين شخصياً متباهياً بأنه حقق عبر مهرجان المربد جسراً سياسياً إلى المواقع القيادية، عراقياً وعربياً، ما لم يستطع تحقيقة بالوسائل السياسية الأخرى. وقد قال له بالحرف الواحد: كما يعرف الناس في كل مكان أن الموز اصله في أمريكا الوسطى وإن السكر في كوبا وان الكرملين في روسيا سأجعل العالم كله يعرف أن الشعر من نتاج العراق، وقال نصاً: "إن عراق صدام حسين هو عراق الشعر والفن وليس عراق النفط حسب".
إن إقامة المهرجانات ومنها المهرجان الشعري لا خلاف عليه. غير أن المهمة الحقيقية نريدها أن تنصرف لـ" الثقافة " وللإبداع وتجديدهما في كل عام وليس تحويل المهرجانات، كما هو حال المربد طوال 19 دورة من تسخيره لــ"الدعاية والإعلام" للعرقية الفاشية ورثها بالتالي صدام حسين لتمجيد عرق لون جلده ولون عينيه وقامته وخلايا جمجمته كي يكون متفوقاً على جميع أبناء الشعب العراقي المكبل بالحديد والنار وبشعر ومقالات المديح والتمجيد شاغلا الدنيا والناس باختباراته السياسية الفاشية بوساطة ومشاركة عدد من شعراء وفناني النجومية العراقية والعربية. لم يفت القائمين على أمر مهرجان المربد أن يستغلوا مقاماً جميلاً ونظيفاً يحتله أسطول الشعر الوطني فاستغلوا عددا من مشكاة شعراء وطنيين عراقيين كبار ممن فاتتهم رؤية وقائع الحال العراقي، آنذاك، تحت الضوء الخافت وبرهبة قرع الطبول المربدية الغليظة .
لم يذهب المربد في كل مهرجاناته لمهمات خلق الإبداع الأصيل والجاد. لم يُثرى بقيمة فنية أو ثقافية أو فكرية، بل غابت عنه الأسس الصحيحة و تخلف عن نزاهة التعبير والتقنية العالية ــ مع وجود بعض الاستثناءات حتماً ــ فتحّول بالنتيجة إلى تظاهرة سنوية لتقديم البراهين الشعرية والفنية على امتياز العرق القيادي لصدام حسين.
لا شك أن ميزة اسم وعنوان المربد ظل قائماً في أذهان الناس باعتباره عاملاً من عوامل العداء السياسي للشعب العراقي وعاملا من عوامل تمييز شخصية صدام حسين وتفوقها العرقي على سائر البشر.
من هذا المنطلق أدعو لقفل اسم وعنوان مهرجان المربد إلى الأبد دون الحاجة إلى احتمالات وتفسيرات ومسوغات قد يقدمها البعض للتفسير والتعليل كي لا نبارح فردوس وغرائز وميول وإكراه وميول المربد السيئ الصيت ..!!
المهمة القديمة لأرائك مهرجان المربد انتهت وإلى الأبد كالتمثيلية لها بداية ونهاية.
آملا، في المهرجان الأول الجديد، أن يجلس الشعراء العراقيون ومحبو الشعر على أرائك جديدة الشكل كي يشاركوا ويشاهدوا ويستمعوا شعراً جديداً ليس تحت الضوء الخفي أو الخافت، كما في مهرجان المربد يقابلهم صدام حسين بصوره المعلقة في توال ٍ بممرات المهرجان وقاعاته كافة ، بل تحت ضوء الحرية والديمقراطية في مهرجان شعري جديد أسمه(مهرجان البرجسية) إذا عقد في مدينة الزبير، وأسمه (مهرجان جيكور) إذا عقد في بساتين أبي الخصيب، واسمه (مهرجان شط العرب) إذا عقد عند ملتقى دجلة والفرات في مدينة القرنة.
وللفن في خلقه شجون..!
بصرة لاهاي
&
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف