ثقافات

"عودة الملك" لبيتر جاكسون: "وسترن" هوليوودي، يكرس لاساطير" تولكين" ويضع نهاية لعصر سينمائي بأكمله

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
صلاح هاشم من باريس: من اجمل الافلام التي خرجت حديثا للعرض في باريس فيلم " عودة الملك "LE RETOUR DU ROI للنيوزيلندي بيتر جاكسون، الذي يضع نهاية لـ"ثلاثية" سيد الخواتم، المأخوذة عن رائعة الاديب الروائي البريطاني ج.تولكين، التي سحرت القلوب والعقول بمغامراتها وعوالمها الجديدة ومخلوقاتها واجوائها، ثم اذا بها تحط وتتجسد في " ثلاثية " جاكسون، وتنبسط عبر المنظر الطبيعي الساحر في نيوزيلندا، لتصنع نسيجا سينمائيا عبقريا جديدا، وتصل بابداعات السينما الهوليوودية في تجسيد الخيال علي الشاشة الي قمم سامقة..
&قمم قل ان تجد لها مثيلا في افلام قديمة سطت علي قلوبنا ونحن صغار، بسحرها وطزاجتها، مثل فيلم "اوليس" بطولة كيرك دوجلاس وفيلم " غزاة الشمال الفايكنجز" بطولة توني كيرتس، وافلام "لص بغداد" و"رحلة السندباد السابعة" و"وحش البحيرة السوداء" و"سجين زندا" و"روبين هود" و"اكسكاليبور" و"فيرا كروز" وغيرها، ويقينا سوف تجد في "عودة الملك" الذي تصل مدة عرضه الي اكثر من 3ساعات، بعضا من سحر تلك الافلام الهوليوودية التي شكلت وجداننا وذاكرتنا، بحكاياتها ومغامراتها ومطارداتها ووحوشها، وكرم سينمائي هوليوودي نادر بالهبل(لاتسل ان كان فيه " ضرب"، ففيه ضرب ومعارك طاحنة وحروب)، ويمكن ان يفطسك ويجعلك تغرق فيه، لأنه ببساطة يمسح ويشطب علي كل افلام المغامرات ورعاة القر " الوسترن" التي ذكرناها، وصنعت مجد هوليوود في ما مضي، وسطعت في حياتنا في الصغر، ويستحق المشاهدة عن جدارة..

&"وليمة" تصعد بـ"هوليوود " الي القمر&
يحكي الفيلم، الذي يتوزع خيطه الدرامي علي عدة محاور، بما يشكل ثلاثة افلام في فيلم واحد، ولايمكن تلخيص احداثها هنا، يحكي عن رحلة"فرودو" وصاحبه " سام " من الهوبيز الي جبل الساحر الشرير مثل" دراكيولا" مصاص الدماء، الذي يريد ان يدمر الكون ويقضي علي البشر، حيث يستطيع " فرودو" هناك عند حافة بركان داخل الجبل، ان يلقي في نهاية رحلته بذلك الخاتم السحري الملعون في بحيرة النار، نار المصير THE FIRE OF DOOMوالحمم التي خرج منها، ويخلص الكون من شروره، وعليه قبل ذلك ان يتخلص من شرور"الغلوم" هذا المخلوق المسخوط الشرير الذي يريد الاستيلاء علي الخاتم السحري باي شكل، ويحفر لفرودو الحفر في سكته ويلقيه في جب مع عنكبوت هائل(يذكرنا بذلك العنكبوت في فيلم " لص بغداد" ) لكي يلتهمه ويعود الي الغلوم خاتمه الذي فقده وقتل صديقه في محاولة الاستيلاء عليه، ويفتتح الفيلم بتلك الحادثة، ليعرفنا علي تلك القوة الشريرة لذلك الخاتم المسحور،، كما الفيلم يحكي عن رحلة المحارب اراجورن(الذي سوف يصير ملكا علي مملكة " جوندور " في المستقبل) في صحبة القزم جيملي والقواس ليجولاس لانقاذ ملك تيودون، ويسرد علينا ثالثا ماوقع لبيبن ومري من الهوبيتز، بعد ان ضلا طريقهما في مملكة الاشجار الناطقة، ويحكي عن صداقتهما مع تلك الاشجار العتيقة، التي تتكلم ومحاولاتهما اشراكها في الحرب علي دراكيولا، وهذا كما تري كثير علي فيلم، ويصعب من امر المتابعة بعض الشييء، الا ان الفيلم من خلال التنقل بين هذه الحكايات او الرحلات الثلاث، يسير علي خط لايحيد عنه، اذ يبين لنا كيف تتركز وتتكاتف الجهود في كل الممالك، لجمع الشمل وتوحيد القوي، من اجل خوض الحرب، ضد قوي الشر والطغيان والارهاب، وفي " عودة الملك " قضاء علي الفوضي التي تتحكم في الكون، فالعدل اساس الملك، وهي عودة بعد الانتصار في هذه " الحرب " الضرورية عودة الي" النظام الطبيعي " الذي يتحكم في الاشياء، بالقضاء علي الظلم وسيادة العدل في الكون واستقرار السلام، وهي جميعها كما يكشف الفيلم عمليات تحتاج الي " تضحيات"، وتحتاج اكثر الي قهر ذلك " الوحش " الذي يسكن داخلنا جميعا، والرغبة في الامتلاك والسيطرة، والصراع علي السلطة، ويتيح الفيلم باحداثه واكاد اقول افلامه الي عدة تأويلات وتفسيرات واسقاطات علي الحاضر..
وسوف تجد في تلك "الوليمة" السينمائية التي ينصبها الفيلم، من خلال حفاظه علي تسلسل الحكاية في العمل الادبي الاصلي، وامانة النقل والاقتباس، وتكريسه لتجسيد شخصيات واساطير تولكين من صنع الخيال علي الشاشة، بعد ان نفخ فيها الحياة وجعلها تركض فوق وتحت وفي منتصف الارض، واستفادته من اعمال الرسامين الذين دبجوا لوحات العمل المنشور وتوظيفهم في الفيلم، مما كان له اكبر الاثر في نجاحه، سوف تجد كل ماتشتهي نفسك من جعبة " هوليوود" العامرة باحدث التقنيات الديجالية الرقمية المبهرة المعجزة -من التعجيز-، والحيل والخدع البصرية المذهلة، حيث نعتبرالفيلم علي مستوي "الصنعة" CRAFTSMANSHIP أي الاخراج، وتوظيف تلك الكفاءات الفنية في طاقم الفيلم (اكثر من 2000 صانع ورسام ومصور ومصمم ازياء وعامل اضاءة وفنان) بالاضافة الي طاقم التمثيل والكوادر التي اشرفت علي تنظيم حياتهم اثناء التصوير والسهر علي راحتهم، نعتبره بمثابة " ضربة معلم" سينمائية، يمكن ان تقارن بضربة اخري امريكية وانجاز في مجال غزو الفضاء الا وهي ضربة الهبوط والمشي علي القمر..
&
"انجاز" يضع نهاية لعصر"الثلاثيات"
فيلم "عودة الملك" ببساطة، صعد بـ"هوليوود" الي القمر، ووضع بهذه " الثلاثية" السينمائية الناجحة، بقدرة " حكواتي " سينمائي باهر من نيوزيلندا يدعي بيتر جاكسون، وضع نهاية لعصر سينمائي بأكمله، عصر الثلاثيات الهوليوودية(البلوكبستر)المحطمة للارقام القياسية في ايرادات شباك التذاكر في العالم مثل "حرب النجوم" STAR WARS للامريكي جورج لوكاش وثلاثية " ماتريكس" MATRIX، ويتميز الفيلم عنهما في نجاحه في انهاء الثلاثية، بعمل جزء ثاني وثالث يزيد من بهائها وجمالها، ولايخسف بها الارض، وينحط بها، كما في الثلاثيات المذكورة، التي اتت اجزاؤها بعد الجزء الاول مفبركة واصطناعية،وغير عضوية، أي غير ضرورية، ومحبطة، ولم تكن تضع عيونها الا علي جيوبنا لتسرقنا وتضحك علينا ولايهم ان تنفق ثلث ميزانية الفيلم في الدعاية له والاحتيال علينا بشتي الطرق..
في حين برز الجزء الثالث من ملحمة "سيد الخواتم" في "عودة الملك" ووضع نهاية منطقية وضرورية لاسطورة او بالاحري لاساطير تولكين، بانتصار الخير علي الشرفي الثلاثية، وشمخ بفن هوليوود الحديث، ابن قرننا وزمننا، بحيث يصعب التفكير في قدرة "هوليوود" علي ان تتجاوز ذاتها وفكرها وفنها مستقبلا في " ثلاثية" مماثلة، وبات علي القائمين علي شؤؤن وامر هذه الصناعة "صناعة الاحلام " في هوليوود، ان يفكروا في نهج سينمائي جديد، بعد ان بلغت " ثلاثية" جاكسون مابلغته من سمو وشموخ "هوليوودي" فني كاسح، ووصلت الي القمر، وبات السؤال مطروحا: كيف يمكن تجاوز " انجاز " سينمائي باهر وممتع حقا كهذا مستقبلا؟ كيف؟.هذا هو السؤال الذي يضع نهاية لعصر سينمائي كامل في هوليوود في القرن العشرين، ويفتح صفحة جديدة لسينما " هوليوودية " جديدة في القرن الحادي والعشرين، ويقول وداعا لافلام جورج ميلييس الفرنسي البدائية(اول من ابتدع بطرق يدوية الحيل والخدع السينمائية للافلام) و"لص بغداد"، وعصر البراءة السينمائي الذي انقضي، من اول "اوليس" و"كوفاديس" وحتي "حرب النجوم" و"ماتريكس" والتهمناه بافلامه..
&
بانوراما لاساليب في الاخراج
وعلي الرغم من ان احداث الفيلم" عودة الملك " تنساب بسهولة ويسر بين هذه الحكايات، وتجعلنا نتابع بقلق وشغف مغامرات فردودو وسام في رحلتهما للتخلص من الخاتم، الا ان الفيلم يجعلك تتبرم احيانا، بسبب كثرة الاحداث والمعارك والحروب والشخصيات والمناظر المذهلة بجمالها ولاتترك لك فرصة يامؤمن للنظر والتأمل واعمال الفكر، فلحظة استمتاع في الفيلم تقطع عليها لحظات استمتاع متعاقبة وتجعلنا نلهث، كما نعيب علي " عودة الملك" كونه ينتهي باكثر من 3 نهايات وتردد مخرجه في وضع نهاية حاسمة، وكأنه كان يشعر بفداحة الوداع، ونحن نهيب به ان خلاص كفاية ياجاكسون ووالله شبعنا في فيلمك ووليمتك حتي التخمة.تحية الي بيتر جاكسون الذي امتعنا بفيلمه ونجاحه الباهرفي تجسيد " تحفة" تولكين الادبية التي جمع فيها الكثير من حكايات واساطير الشعوب اليونانية والايسلندية والانجلوساكسونية، ونهل من كريستوفر مارلو وشكسبير وواجنر، لكي يصنع لشعب الانجليز في القرن العشرين براويته اسطورة وملحمة ادبية انسانية رائعة، تتسامق بمخلوقاتها وقيم الشجاعة والفروسية والتعاطف والحب ضد الشر، وهي تهيب بكل تلك الفضائل التي يفاخر بها الانسان ان ساعدينا.وكما برز تولكين بملحمته وجمع فيها من فضائل الاعمال الادبية الكثير، كذلك برز جاكسون باسلوبه السينمائي الذي سوف تجد فيه الكثير من الاشارات التي تذكرك بالعديد من عمالقة الاخراج في تاريخ السينما العالمية من امثال الالماني فريتز لانج والروسي ايزنشتين والياباني اكيرا كيروساوا واضافاتهم واضافات غيرهم، ولذلك فان اسلوب جاكسون السينمائي في " ودة الملك" هو اسلوب اقرب مايكون الي " مزيج" بين اساليب اخراجية متعددة، و"بانوراما" تعكس رحلة السينما وتستعرض عضلاتها وقوتها في الامساك بخيال المجانين والكتاب والشعراء صناع الاساطير، كما مزج تولكين في رائعته ونهل من اساطير الشعوب وروائع الادب الكثير." عودة الملك" انجاز سينمائي ملهم ومؤثر، لانه يعيد الي السينما سحر الحكاية ومجد الاسطورة، ويراهن علي قيم الحب والشجاعة والفروسية، من اجل بقاء الجنس البشري، ضد الفناء والزوال والعدم، حتي تصبح السينما بحكاياتها قطعة منا، تجري في دمنا، وتستولي علي ارواحنا، والي نهاية الزمن.
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف