ثقافات

وجوه أخرى للأدباء يوسف إدريس خاطب الرئيس مبارك كما نخاطب الإلهوتوفيق الحكيم كان يصطنع البخل وعداء المرأة ليجذب إليه الناس

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ياسر عبد الحافظ من القاهرة: قد يكون العرب أقل الشعوب ولعا بالقراءة، لكنهم وعلى نحو مفارق أكثر الشعوب "تقديسا" للكاتب. غير أن هذا "التقديس" للأسف ليس من النوع الإيجابي أو الخلاق، هو بالأحرى أقرب لطقس وثنى يستميت فيه القطيع بحثا عن آلهة جديدة تحميهم من مشقة التفكير أو اتخاذ القرارات السياسية الخطيرة.
من الممكن في هذه الحالة أن تتمثل تلك الآلهة في زعماء سياسيين من فصيلة القائد الأوحد و الرئيس الملهم أو كتاب و مفكرين من نوعية طه حسين و توفيق الحكيم و عباس محمود العقاد وغيرهم، و الأمر في الحالتين سيان. بعض العقليات تتعامل مع الكتاب السابقين وغيرهم باعتبارهم تابوهات لا يجوز الاقتراب منها أو حتى مناقشة ما استقر من أفكارها.
وعادة ما يضع أصحاب هذا التصور كتاب فترة النهضة _على وجه الخصوص_في موضع القديسين المعصومين من الخطأ، فمن وجهة نظرهم :من غير الوارد أن يشعر العقاد بالحقد تجاه أحد،و لا يجوز أن يتملق طه حسين أي شخص لأنه طه حسين!!، و هل من الممكن أن يكون الحكيم مدعيا؟!!!! و هكذا.
نسى هؤلاء_ ربما بسبب عدم إقبالهم علي القراءة_أن الطبيعة البشرية واحدة وأن الأخطاء بل والخطايا لا تقلل من قيمة الكاتب، شخصيته كإنسان أمر يخصه وحده، ليس مطلوبا مثلا من يوسف إدريس أو حنا مينا أو محفوظ أو...أو... أن يكونوا ملائكة علي مقاس تفكير"قارئ" ساذج.
في كتابه "ثلاثية التاريخ والأدب و السياسة..من بين سطور حياتنا الأدبية"الصادر مؤخرا عن دار جهاد للنشر والتوزيع، يتماس الدكتور محمد الجوادى مع الجوانب الأخرى فى حياة عدد من أشهر كتاب ومفكرى النصف الأول من القرن العشرين فى مصر.
و رغم أن الكاتب ينجح بالفعل فى الكشف عن بعض هفوات هؤلاء المفكرين إلا أننا نشعر أن الذهنية الكامنة وراء الكتاب تقترب من تلك الواقعة فى "شرك التقديس "، فالهفوات التى يلقى بضوئه عليها تبدو فى بعض الأحيان غاية فى العادية، بل قد لا تصل أساسا لدرجة"الهفوة"!
تحت عنوان"سر حكمة توفيق الحكيم"يفتتح الجوادى كتابه حيث يحاول فى هذا الفصل الكشف عن طبيعة شخصية الحكيم"الحقيقية بعيدا عما شاع عنها من صور كثيرة مبتدعة"، فالحكيم يتطبع على نحو متميز بمعنى أن معظم الخصال التى شاعت عنه لم تكن طبعا فيه حيث كان يحرص على أن يطبع نفسه بما يسعد الناس أن يعرفوه عنه!
ويكفى أن نعلم أن أهم صفتين شاعتا عن توفيق الحكيم كانتا جزءا من الشخصية التى رسمها لنفسه ونجح في تسويقها للآخرين وهما صفة البخل وعدائه للمرأة فهو من أكرم الأدباء حسب وصف الجوادى، كما أنه لم يكن عدوا للمرأة بل اتسم ب"عطف بالغ وحنان أبلغ،والذين أتيح لهم أن يعرفوه& فى حياته الاجتماعية أو فى حياته الخاصة عن بعد قريب نوعا ما،يستطيعون أن يؤكدوا للناس أنه لم يكن أبدا ذلك العدو".
أما عباس العقاد _الذى دفعه إيمانه بالوفد و بالديمقراطية لأن يهاجم الملك فؤاد فى البرلمان الأمر الذى عرضه للسجن لمدة تسعة أشهر بتهمة العيب فى الذات الملكية_فيتوقف المؤلف أمام مقال له فى مديح الملك فاروق نشر بمجلة الهلال عدد فبراير 1950 تحت عنوان "الملك يبلغ الثلاثين".
يبدأ العقاد مقاله بإثبات أن الأمة المصرية قد ولدت من جديد حين ولد الفاروق "بلغ الفاروق الثلاثين، وبلغت مصر الثلاثين بعد هذا الميلاد الجديد"، ورغم أن العقاد ربما يقصد ثورة 1919 حين يتحدث عن ميلاد جديد للأمة المصرية إلا أن المعنى الظاهر أنه يرجع هذا الميلاد لميلاد الملك.
ويبرر كاتب العبقريات مديحه للملك الشاب بالمقارنة بين حالي مصر سنتى 1920و1950:الأولى "أمة يبلغ تعدادها اثني عشر مليونا ويبلغ إيراد حكومتها 16مليونا، وعلى حكومتها دين يقدر بمائة مليون جنيه، وعلى آحادها ضعف هذا المبلغ من ديون المصارف الأجنبية،لا يزيد عدد القارئين فيها على 7%وليس فيها غير جامعة دينية واحدة."
أما الثانية:"فيبلغ تعداد ها 19 وإيراد حكومتها 200 مليون جنيه،ولها ديون على بريطانيا العظمى يتفاوت تقديرها بين 300 إلى 400 مليون جنيه،و ليس عليها ديون لأحد ،ويزيد عدد القارئين فيها على 25%".
و تحت عنوان"الوجه الآخر لطه حسين" يعترض الجوادى على الزعم القائل بأن طه حسين أكثر تفتحا وتنويرا من العقاد و أحمد أمين فهو على عكس الشائع أكثر منهما رجعية وتحفظا وتزمتا.
ويدلل على حكمه هذا برفض طه حسين طبع ما سمى بمعجم المرحوم محمد النجارى والقائم على تطوير لسان العرب على نحو ما طور الصحاح من قبل و ذلك بجعل المداخل مرتبة تبعا لترتيب الحروف فى جذور الأفعال.
ويرجع الجوادى إلى محضر& جلسة مجمع اللغة العربية حول هذا الموضوع والتى عقدت بتاريخ 24 فبراير 1947& وحضرها عدد من الأعلام من أعضاء المجمع منهم:عباس العقاد و د.منصور فهمى و د. إبراهيم مدكور و محمد فريد أبو حديد، ويتضح من خلال المناقشة التى ينقلها الكتاب كاملة تمسك طه حسين برأيه الصارم الهادف إلى تعطيل طبع المعجم على الرغم من أن المجمع قد قرر فيما سبق طبعه غير أن ظروف الحرب هى التى أجلت ذلك.
فى مواجهة محاولات العقاد الذى لايريد أن يكون المجمع هو العقبة فى طبعه يلجأ طه حسين إلى أكثر من طريقة لمنع نشره. تكشف المناقشة أن العميد الذى عرفناه رجل يرفض قدسية التراث هو عكس ذلك تماما يريد نشره كما هو دون التدخل فيه بما يلاءم الزمن الذى يعاد فيه قراءته.
ويورد المؤلف فى فصل آخر بعض من تناقضات يوسف إدريس دون أن يعلق عليها ربما لأن ذلك قد يعرضه للمسائلة القانونية!
انتقل يوسف إدريس أحيانا بين الموقف ونقيضه وبصورة من الصعب تبريرها، يبدو أنه كان شخصية عاطفية لا يحكم المنطق رؤيته للأمور، يقول الجوادى ونقلا عن أنيس منصور& إن حرجا بالغا أصاب إدريس على إثر تسريب الخطاب الذى بعث به إلى يوسف السباعى وذلك بعد خلاف حدث بينهما، فالخطاب لم يكن سوى اعتذار طويل وتمجيد للسباعى.
نفس الأمر حدث مع الرئيس مبارك فقد أرسل له إدريس خطابا وحين طلب أنيس منصور من الرئيس الإطلاع عليه رفض لأن" الكلام الذى احتواه لا يمكن أن يصدر عن إنسان إلا فى اعتذاره إلى خالقه جل فى علاه"!
تلك الهوائية والاندفاع ورطت يوسف إدريس فى أن يهاجم الرئيس السادات بعد فترة من اغتياله، الهجوم كان عنيفا ومثيرا للدهشة فالمعروف أن إدريس كان فى بداية حياته العامة من رجال السادات ومناصرا لمواقفه.
&والسؤال الذى يطرح نفسه هنا بالضرورة عن مسئولية الكاتب تجاه ما يكتبه أولا ثم أمام قرائه، من حق الجميع مراجعة مواقفهم بالطبع شرط ألا يرتبط ذلك بمصلحة شخصية وأن يكون هناك ما يبرر ذلك التحول، بمعنى توافر نقد موضوعى للأفكار السابقة. أما فى حالة يوسف إدريس فكيف يمكن أن نقتنع أن حرب أكتوبر لم تكن سوى تمثيلية!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف