الأزياء الشعبية في اليمنتنوع وثراء في ظل منافسة غير شريفة من الدخيل المستورد
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
&
&
ايلاف&من صنعاء: برع اليمنيون منذ آلاف السنين في كثير من الصناعات التقليدية بدرجة جعلت المنتجات اليمنية من المنتجات النفيسة في العالمين القديم والحديث، وساعد على ذيوع صيتها الكثير من العوامل.. ابتداء بجودة صناعتها، ودقة إتقانها، إلى التفنن في أساليب تصميمها وأشكالها، وصولا إلى المهارة المتناهية في اختيار ألوانها وخاماتها.
ومن أهم المنتجات التي برع اليمنيون في
تتنامي القيمة الجمالية والسياحية للملابس التقليدية والحلي اليمنية مقابل القيمة المادية وضرورة الحاجة لارتدائها، بما يعنى أن الحرص على اقتنائها أصبح لمجرد أغراض الزينة والتجميل والإهداء والذكرى، لا لضرورة الحاجة لاستخدامها.
وبقدر ما قلل ذلك من كميات إنتاجها، وفقدان الكثير من الخبرات المتفننة في صناعتها، وجعل عملية الإقبال عليها تنحصر على عشاق التراث وهواة الطابع القديم، من السياح العرب والأجانب، بقدر ما رفع من قيمتها المادية والجمالية والتراثية، وأضحت من أنفس واثمن المقتنيات في وقتنا الحاضر.
وتلعب العادات والتقاليد الاجتماعية السائدة في اليمن دورا كبيرا في تحديد إيقاعات مظهر الفرد، وما عليه ارتداؤه من عدمه، وكذا في تحديد مدى الحاجة لاقتناء هذا النوع أو الصنف أو الشكل أو اللون.
تنوع نابع من البيئة البدائية
تتنوع الأزياء التقليدية في كل منطقة من مناطق اليمن تبعا للمناسبات الاجتماعية المختلفة، الأمر الذي يعده المهتمون ثراء حقيقيا تتمتع به البيئة اليمنية دون غيرها.
وتشير الدراسة التي أعدتها امة الرزاق جحاف رئيسة مركز صناعة الملبوسات التقليدية: أن تنوعها تبعا للأقاليم الجغرافية أدى إلى تنوع المواد الخام الطبيعية المستخدمة، وتنوع المعرفة والخبرة بطرق الحياكة والغزل، بالإضافة إلى استخدام مجموعة متنوعة من المواد الأولية لصناعة المنسوجات وتلوينها.
وتستوحى الأشكال والزخارف والرسومات المستخدمة في تطريز الملابس والحلي من البيئة المحلية باستخدام طرق بدائية في حالة التطريز اليدوي والمكائن في حالة التطريز الآلي، وعادة ما تقتصر صناعة الملابس على إبداع المرأة، فيما تعتمد صناعة الحلي على تفنن ومهارة الرجل، وفي كلا الحالتين يحاول الصانع الحصول على زخارف وأشكال هندسية وألوان منظمة تتميز بدقة هندسية وإبداع فني متكامل.
تقول الباحثة أمة الرزاق جحاف في دراسة خاصة بأن الاهتمام الذي توليه المرأة في صنعاء القديمة بالأزياء دليل على تميزها ودقة اختيارها للألوان والزخارف التي تزين الملابس خاصة الموضوعة على الرأس، ففي الأيام العادية تستخدم البروشات المرانية وفي المناسبات تستخدم العصبة الذهب الشبيك التي اصبحت صنعانية عندما اضيف إليها ما يزيد روعتها وشكلها الذي يشبه القمرية بنصف الاستدارة وتستخدم الورود "والشذاب" عندما تكون عروساً واحياناً نجد أن هناك خلطاً بين العصبة الذهب والعصبة الفضة والعصبة الصنعانية المكونة من صفين أو ثلاثة من الجنيهات الذهبية المثبتة على قشيطة بطريقة غاية في الدقة والصعوبة.. وحياكتها تتم بآلة بسيطة إلا أنها غنية بزخارفها وتفوح منها رائحة صنعاء القديمة بكل ما تحويه من تنوع وثراء.
دقة في التفصيل وذوق في العمل
قد يستغرق صناعة فستان واحد من الفساتين التقليدية لطفلة في السادسة من العمر أكثر من ثلاثة أيام، حيث يأخذ التطريز المساحة الأكبر من الثوب ذي الأكمام الواسعة..
يبدأ التطريز عند الكتفين وينتهي بانتهاء الثوب وبألوان ثلاثة تلتقي في أماكن لتمتزج ببعضها وتظهر لوناً جديداً، أخذت ذلك الثوب في يدي فوجدت أنه اكثر ثقلاً مما تبدو عليه هيئته ولا أعتقد أن ثوباً بذلك الثقل يمكن لطفلة أو امرأة في الزمن الحاضر أن ترتديه.
تفسر إحدى الدراسات التي قام بها مركز تنمية التراث الشعبي أن السبب الرئيسي في كون الأزياء القديمة أكثر ثقلاً يتمثل في التطريزات المختلفة بخيوط معدنية وقطنية وأسلاك فضية وذهبية خاصة في ثياب الزينة التي يركز عند تطريزها على مناطق الرقبة وأطراف الأكمام وواجهة الثوب " الفستان" وتضيف الدراسة بأن الخيوط القطنية استخدمت في تطريز الملابس اليومية وملابس الأفراد من ذوي الدخل المحدود ويتم الحصول عليها من أقمشة مخالفة للون الثوب المراد تطريزه وبظهور الآلة تراجع التطريز اليدوي الذي كان يعتمد على الخيط والإبرة المعدنية وبرز التطريز الآلي باستخدام المكينة.
تداخلات الألوان بالترتر والخرز
عند التدقيق في الالوان التي تجعل الازياء القديمة اكثر بهاءً وجمالاً تجدها متداخلة ومرتبة بشكل تدريجي من الأعلى إلى الأسفل وأهم تلك الألوان هي الأحمر والاخضر والازرق والاصفر مع تداخلات بسيطة للابيض وهو ما منحها توشية خاصة مضيئة كما يلاحظ الخرز الاحمر والترتر والقطع المعدنية وكذا الاحجار الكريمة وشبه الكريمة مثل المرجان وقشر اللؤلؤ الاصلي في زخرفة المطرزات التي تحمل اشكالاً هندسية ونباتية وموروثاً إسلاميا.
أصحاب المحلات التي تعمل في هذه الحرفة ( المميزة ) يشيرون في حديثهم إلى الاهتمام الذي بدأ يظهر من قبل اليمنيين انفسهم والذين كان يلاحظ عليهم في فترة سابقة إهمال شديد لكل ما هو قديم نظراً لارتفاع تكاليفها عند صناعتها محلياً إلى جانب الجهد الذي يبذل والزمن الطويل الذي تحتاجه صناعة وإعداد مثل ذلك الجمال، وتضاعف الاهتمام بعد إدراك الجمال الذي يضفيه ارتداء مثل تلك الملابس مقترنة مع الفضة والحلي القديمة لدرجة صارت هناك قناعة بأن أفكار الموضة الحديثة بصرعاتها المختلفة ما هي إلا تكرار مستقى من الأزياء القديمة الأصيلة.
موضة الكريستال تطال العصبة الصنعانية
ومن التجاوزات المغايرة للنمط القديم تقول الخياطة عائشة ( متفننة في تزيين العرائس وتتويجهن بالزي التقليدي القديم ) استغرب لذوق بعض الفتيات فمثلا العصبة الصنعانية القديمة بكافة أنواعها ( وهي عبارة عن مجموعة حلي من المرجان والفضة التي توضع على جبين وعنق المرأة، ويتدلى جزء منها على خدودها ) تجدها تتمرد على نسق العصبة القديمة، وتميل لموضة استبدال المرجان والفضة بالحبات المصنوعة من ( الكريستال الزجاجي ) وهو ( في نظرها ) قمة الذوق الخطأ لكنها الموضة ويا ويل من يقف أمام الموضة وفي وجهها (!!)..
كما تقول أمة الرزاق جحاف رئيس مركز صناعة الملبوسات التقليدية: إنه تم استبدال هذه الحلي بحبات الكريستال أما القديم منها فلم يعد موجود إلا القليل وتستخدم للايجار، وفي مناسبة العزاء تلبس المرأة عصبة الذهب أو العصبة الحرازية وهذه ايضاً اندثرت واصبحت العصبة مصنوعة من الكريستال وللقديم منها جاذبية تعرضت الآن للمسخ والتشويه بسبب التقليد.
تضيف عائشة ان الذوق القديم في الملبوسات والحلي يراعي الذوق في عدم إهمال التناسق بين لون الفستان الذي ترتديه المرأة مع لون العصبة التي توضع على رأسها لكن الكريستال الزجاجي لا يراعي شيئا من ذلك ولكنها الموضة كما قلنا.
منافسة غير شريفة من الصين
نظرا لتعدد المواد الخام التي تستخدم في تطريز الملابس الثمينة وحياكة الأقمشة وأبرزها أسلاك الذهب والفضة وارتفاع أثمانها فقد برزت في الآونة الأخيرة ملبوسات تقليدية ( مقلدة ) مستورة من الصين وتايلندي والهند وغيرها، إلا أن الأصل باق ولا يزال في انتعاش مستمر، ومع تلك المنافسة ( غير الشريفة ) بين الأصل والتقليد فقد كانت الغلبة للتقليد ( الرخيص في ثمنه ) بسبب الأوضاع الاقتصادية التي وصل إليها المجتمع اليمني، ولذلك فقد وجدت محلات خاصة لتأجير مثل هذه الملابس والحلي الفضية القديمة التي لازالت تستخدم في بعض المناسبات كالأفراح وغيرها..
أزياء باقية رغم ( التغريب )
لا تزال أهم الأزياء الشعبية والتقليدية في اليمن تستخدم في المناسبات بعد دخول عصر الموضة والكريستال وصرعات الفساتين ( السواريه ) والكريستال وغيرها.. ومن أهم الأزياء التقليدية التي لا تزال تحافظ على رونقها وتدافع عن وجودها المصر ( غطاء الرأس ) والقاوق واليلق والستارة والقميص الصنعاني.. ولمعرفة أسباب بقاء هذه الأزياء دون غيرها لابد من معرفة تفاصيلها وماهي ولماذا تستخدم:
المصر ( غطاء الرأس )
وهو مصنوع من القطن وترتديه المرأة عندما تكون داخل المنزل أما اذا كانت تريد الخروج فإنها تضع عليه منديلاً كبيراً ذا لون ابيض يسمى " فرادي" يصل طوله إلى ذراعين وعند أطرافه حواش حمراء أو سوداء تتدلى منه العذبات المصنوعة من القطن وفوق ذلك تضع قطعة قماش مزخرفة بالخيوط الذهبية تسمى " سماطة" ثم تربط هذه المناديل بحزام من الحرير مزخرف بخيوط ذهبية تسمى " تزجه" يصل طوله إلى ذراعين أو ثلاثة ويصل العرض إلى الكتف وكانت صناعته سائدة في صنعاء حينها.
عمامة القاضي ( القاوق )
عند الحديث عن الازياء والملابس التقليدية التي تشتهر بها اليمن فانك لاتستطيع تجاوز أهم الازياء الشعبية القديمة التي من بينها العمامة التي يتفنن الأهالي في صنعاء في ارتدائها بأشكال مختلفة، وحديثا اشتهر بها ( القضاه) في اليمن وتسمى ( القاوق ) ولا يعرف سبب تسميتها إلا أن هناك من يقول أنها تسمية تركية من عهد الاحتلال العثماني لليمن، واقرب ما تعرف به هي انها قطعة ملفوفة من القماش الابيض أو الاسود أو الملون تلف حول الكوفية وتتدلى من خلف الرأس "عذبة" تنسدل على الكتف وقد تنسدل عذبتان من أعلى و من أسفل، والعمائم تعود في تاريخها إلى زمن بعيد وكانت شائعة أيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحسب العديد من الروايات فان التجار اليمنيين هم الذين نقلوا هذا النوع من العمائم إلى الجزيرة العربية لأن العمامة على هذه الهيئة كانت شائعة في الدويلات اليمنية التي ظهرت قبل الإسلام كالسبئية والمعينية والحميرية ونظرا للتطور تغيرت أشكال العمامة حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم من عدة اشكال لكن هدفها لا يزال واحداً.
فهناك عمامة تتكون من قطعة قماش ابيض تلف حول آلية مصنوعة من الورق المقوى بطريقة تشبه القدر يغطيها القماش من جوانبها المتعددة باستثناء سطحها الذي يبقى مكشوفاً ليظهر ما على حواشيها من نقوش زخرفية رائعة.
اليلق الصوف والستارة
ومن الأزياء الشعبية التي لايمكن تجاوزها ( اليلق ) وهو عبارة عن كوت بدون أكمام مصنوع من الصوف وهو ما يمكن من حماية الجسم من البرودة وهذه اليلقات تلقى قبولاً ورواجاً كبيراً بين الأهالي خاصة عند الأطفال الذين تجعلهم أثناء ارتدائها أكثر جمالاً.
وقد ارتبط زي مشهور بالمرأة الصنعانية منذ القدم هذا الزي هو " الستارة " الطرحة المعروفة والتي لها طابعها الخاص بها عند ارتدائها حيث تضعها المرأة فوق المناديل الموضوعة على رأسها لتغطي الرأس مع كامل البدن حتى الأقدام.
وفي الماضي كانت المرأة تضع هذه الطرحة من القماش الملون بألوان قد تبدو للرائي قمة في الفوضى والعشوائية إلا أنها في حقيقة الأمر تعبر عن فن جميل يستطيع المتأمل إدراكه بحس فني فائق ليتأكد أن الفكرة في مزج الألوان بتلك الهيئة ليست مجرد عبث وإنما لها أسبابها الفنية المقبولة وأسبابها البيئية أيضا وحالياً وللأسف الشديد لم تعد صنعاء هي التي تنتج هذا اللباس واقتصر الأمر على استيراده من دول شرق آسيا والملاحظ أن المستورد يمثل نفس الطابع القديم المتوافق مع النسق القديم المرتبط بصنعاء القديمة.
القميص الصنعاني
ومن الأزياء التي تميزت بها المرأة في صنعاء الثوب "القميص" وهو ما ينسدل على الجسم وتؤكد أمة الرزاق جحاف أن هذا القميص يختلف عن القميص في أي منطقة أخرى باعتبار أن لكل منطقة زيها الخاص بها التي تحدده طبيعة المنطقة من حيث الجغرافيا والمناخ ولصنعاء القديمة ثوب يمتاز بكونه واسعاً من أعلى ومفتوحاً عند الصدر فتحة طويلة تسهل عملية لبسه والاكمام واسعة من البداية وحتى نهاية الكم بما يسمى الآن " قصة " كلاسيكية.
وتضيف أمة الرزاق أن هذا الثوب ترتديه المرأة عندما تنوي الخروج لقضاء اية مصلحة ويكون بلون اسود عادي للحشمة.. بينما هو مختلف تماماً حيث يكون القماش "جرز" يتميز بجماليته ومما شددت التأكيد عليه أن الأزياء الصنعانية هي انعكاس للبيئة الصنعانية وللطراز المعماري الذي تمتاز به المباني في صنعاء القديمة..
أخيرا فان علاقة الإنسان اليمني بالملابس والحلي التقليدية تتجاوز كونها رواية شيقة تفصح عن حضارة من أقدم الحضارات الإنسانية عراقة في العالم..
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف