أخبار

رغم الدم والخراب .. العراق إلى خير ذابت التناقضات.. فصلى الشيعة والسنة خلف إمام واحد

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
د. صالح بن سبعان
&
&
&
&كتبت من قبل بأن مكر الله ـ وهو خير الماكرين ـ قد يوظف الشيطان نفسه من أجل إنفاذ مشيئته الخيِّرة. وخير مثال معاصر على ذلك، أنه وظف الولايات المتحدة، ومن أراد أن يكون ذيلاً لها لتخليص الشعب العراقي من بطش وديكتاتورية صدام حسين. ونظامه الوحشي.
&لا أحد من السذاجة والبلاهة بحيث يعتقد أن العصابة الأصولية الشارونية في البيت الأبيض إنما فعلت ذلك بسبب امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، فقد كانت تلك ذريعة رخيصة وتافهة من أجل احتلال العراق.
&ولم يكن أحداً من الغباء ليصدق بأن ترسيخ نموذج ديمقراطي في المنطقة هو الدافع النبيل لتلكم العصابة الصهيونية التي تحيط "ببوش".
&
مكر الله في التاريخ
&
نعم. لا هذى ولا تلكم كانت هي الأسباب.
الأسباب واضحة حتى لمن لا يرى أبعد من أرنبة أنفه.
&* فسياسياً : كان الهدف تدمير العراق وتمزيقه، باعتباره، قوة لا يستهان بها، وتشكل خطراً محتملاً على أمن "إسرائيل" تحت مظلة "صدام حسين " الذي باعه "رامسفيلد " التاجر المتجول حينها تلكم السموم التي قتل بها أكراد العراق.
&&تدمير العراق وتمزيقه شيعاً وطوائف كان هو الهدف.واقتصادياً، كان الهدف هو السيطرة على نقط العراق الذي يشكل بعد السعودية ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم.ومعلوم أن الفريق الحاكم في البيت الأبيض ينتمي اقتصادياً إلى هذا القطاع النفطي، بدءً من بوش ونائبه إلى مستشارته التي كانت على رأس شركة شيفرون إلى أصغر موظف في إدارته .
&كانت تلك هي الدوافع الحقيقية للحرب على العراق، ولازالت تحقيقات الكونغرس تكشف كل يوم المزيد من أسرار هذه الحرب.
&ولكنه مكر الله الخيرِّ.
&أن تتآمر هذه العصابة على حليفها الذي بدأت تنكشف للعالم سوآته.. ثم أن تتكشف للعالم سوآت هذه العصابة من بعد.
&
إلى أين يتجه العالم
&يمكنك أن تسأل : طالما أن الأمور على هذا النحو المشرق، بطريقة أو اخرى، فلماذا القلق، إذن؟.
&المشكلة تكمن في أنك حين تشاهد كل هذا الدم الذي يهرق في الوطن العراق العزيز، وحين تشاهد على القنوات سير هذه المذابح، الأمريكية بين أفراد هذا الشعب الشقيق، وهذه الصواريخ التي تطلقها طائرات (أف 16،18 ) على أحياء مدنه ولا تفرِّق ـ في عمائها ـ بين طفل وامرأة وشيخ، ثم لا تسمع كلمة إدانة واحدة من هذه الوفود، سواءً في مجلس الأمن أو مجلس الشيوخ أو البرلمانات أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي التفت أمينها العام حين بلغت مذابح "الفالوجا" قمتها إلى "دار فور" السودانية مطالباً المجتمع الدولي للتدخل عسكرياً لحماية المدنيين فيها، من صراع صغير وتافه بين الحكومة وبضع مليشيات متمردة تطالب بحقوقها السياسية.
&حين تشاهد كل ذلك، فإنك تصاب بالصدمة، والخزي وبالعار، لأن إرادة الله أو الصدفة الجغرافية والسياسية جعلتك تنتمي إلى العروبة والإسلام.
&ويكاد الشعور بالعجز يقتلك.
&وحين تُعمل فكرك وعقلك تكاد تصاب بالجنون.
&إلى أين يتجه العالم ؟. تسأل نفسك. فتراه إلى الهلاك والخراب يسير.
&وهذا الشعور بالعجز هو الذي يشكل إرادة الشعوب العربية فلا ترى أو تلمس لها ردة فعل واضحة على ما يحدث.

رهانات الصليبية الصهيونية
&ولكلنا، وبحثاً عن مخرج من هذا النفق المظلم دعنا نعمل فكرنا لنرى أن كان ثمة بصيص ضوء.
&&ونسأل : على ماذا تراهن هذه العصابة وهي تضع خططها لاجتياح العراق؟
-&كانت أولاً : تراهن على تعاطف الشعب العراقي الذي يعاني من تسلط نظام صدام حسين وعسفه.
-&وكانت ثانياً : تراهن على استثمار مشاعر ما يسمى بالأقليات العراقية مثل الأكراد والآشوريين المقموعة في ظل نظام الرئيس الذي اعتقل مثل فأر في حفرة .
-&وكانت ثالثاً : تراهن على شيعة العراق الذي ورغم، أنهم يشكلون حوالي (75%) من أهل العراق، إلا أنهم كانوا يعيشون تحت ظلال سلطة احتلال " سنية يمثلها بالطبع صدام حسين، الذي لم يكن في الحقيقية لا سنياً ولا دينياً بحكم الأيدلوجية البعثية التي وضع أسسها "مشيل عفلق" المسيحي، وهي أيدلوجية علمانية بحتة. وعلى خلفيته البعثية التي تم اختزالها قبلياً، من أجل ترسيخ سلطته الشخصية، استحالت إلى ولاء تكريتي بحت، ثم ولاء عائلي أضيق.
-&وكانت رابعاً : تراهن على اللعب على حبل هذه التناقضات العراقية.
فالمجتمع العراقي كما هو معروف ومتنوع الأعراق : من عرب وأكراد، وآشوريين، وهو متنوع الثقافات، وهو متنوع الأديان، ففيه مسلمون ومسيحيون، ثم هو متنوع الطوائف ما بين سنة وشيعة وعلمانية.
وتاريخياً وإلى اليوم لا يزال السنة والشيعة على اختلاف رغم أنهما معاً يدينون بالإسلام وقبلتهما واحدة، ويلتزمون بالصلوات الخمس، لم يضف أو ينقص أيا منهم شيئاً.
وأعتقد جازماً بأن لا شيء أضر بالمسلمين قبل هذه الاختلافات فيما بينهما، مما كان يتيح للقوى المعادية للإسلام حرق أسافين الفتنة بينهم.
إلا أن هذا ما حدث، وظل يحدث دائماً.
وقد راهنت عليه إدارة "بوش" الصليبية الصهيونية وهي تخطط لاجتياح العراق.
&
عجز قوى الباطل
لقد راهنت قوى الشر الظلامية على استثمار وتوظيف هذه التناقضات لترسيخ سلطتها وتنفيذ مخططاتها السياسية والاقتصادية، إلا أن مشيئة الله ، أبت إلا أن تجهض هذا المخطط.
لقد حاولت، وعن طريق بعض السياسات التي يمكن أن تغذي الفتنة بين أبناء العراق.
ومن ذلك أنها أعطت أكراد العراق أكثر من غيرهم رغم أنهم لا يشكلون حجماً بقدر ما اعطاهم الدستور المؤقت،وحاولت أن تثير الفتنة بين الشيعة والسنة عن طريق توزيع حصص السلطة السياسية، وسيكشف التاريخ أن كثيراً من العمليات الدموية والاغتيالات سواء تلك التي طالت القيادات الدينية أوالمدنيين إنما كانت بفعل سلطة الاحتلال وعملائها.
إلا أن كل ذلك لم يفلح في أن تثمر بذور الفتنة في أرض العراق.
بل حدث ما هو عكس ذلك تماماً، حين توحدت إرادة العراقيين في مواجهة الاحتلال، وقوته المتغطرسة، والآن نجد الآلة العسكرية الأمريكية رغم تطورها وتقنيتها العالية نفسها عاجزة، وتجد القوى السياسية المشاركة في الجريمة نفسها في مأزق ، إذا أطاح " أثنار" بالأمس فإنه سيطيح "ببوش وبلير " عداً، ليلقي بهما في مزبلة التاريخ غير مأسوف عليهما، لأن الله حق وخير وعدل، وقد أقام هذا الوجود على هذه الأسس.
صحيح أن الباطل والشر والظلم قد يستشري في بعض المفاصل من تاريخ العالم، إلا أن ذلك يكون إلى حين، ليعود ويستقيم قانون الأرض " وتلك الأيام نداولها بين الناس " كما قال الخالق عز وجلَّ.
&
الاتجاه الوحيد أمامنا
وإذا جاز لي أن أدلى بشهادة شخصية، فهي أنني كتبت من قبل ـ مثلماً ذكرت ـ مقالاً تحت عنوان " الشيطان حين يكون مخلصاً، بأني أري بأن مكر الله،والذي يسميه الفيلسوف " هيجل " مكر التاريخ ؛ قد جعل من أمريكا مخلصاً للشعب العراقي من تسلط صدام حسين الاستبدادي، إلا أن أمريكا ودوافعها الشريرة هي أيضاً وأنها لا تريد خيراً لهذا الشعب المغلوب على أمره.
&إلا أن الطريق الوحيد لخلاص الشعب العراقي هو أن يتجاوز تناقضاته الثانوية، اعني تناقضاته العرقية والدينية والثقافية، وأن يقفز عليها نحو توحيد إرادته الوطنية في مواجة المحتل،وحينها لن يتمكن من طرد المستعمر فقط ، ولكنه سيكون قد أرسى أسس نظام جديد يقوم على احترام كل شرائحه بحب واعتزاز.
&وهذا هو الأساس القوي لدولة قوية بالفعل دولة تحترم حقوق جميع مواطنيها
وحين رأيت يوم الجمعة الماضي السنة والشيعة في مسجد أم القرى يصلون جميعاً خلف إمام واحد قرت عيني لأول مرة منذ احتلال العراق ونمت مطمئناً على مصير هذا البلد.
وهذا هو الطريق الوحيد أمام المسلمين، والعرب.

أكاديمي وكاتب سعودي
Email:dr_binsabaan@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف