عادل محمد العبدالمغني: كويتي يباع في سوق الرقيق
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
قصة كويتية حقيقية، رواها لي الصديق عبدالعزيز عبدالله بودي وهو من رجالات الكويت المشهود لهم بالثقة والصدق، يقول محدثي: منذ اكثر من ستين عاما وكعادة اهل الكويت كانوا يسافرون في رحلات "السفر" بعد انتهاء موسم الغوص الى الهند وشرق افريقيا لتصدير التمور وجلب المواد التجارية والغذائية وكل احتياجات الكويت المختلفة، وكانت احدى تلك السفرات الكثيرة لسفينة كويتية وفي اثناء رحلتها الى الهند اصابها خلل طارئ مما اضطرهم الى اللجوء الى اقرب "البنادر" في دول الخليج العربي، وهي بمثابة موانئ صغيرة لرسو السفن وكان اصلاحها يتطلب المكوث هناك عدة ايام، فنزل بحارتها للتجوال وشراء بعض الحاجات واللوازم، وكان بينهم مواطن كويتي، هو بطل قصتنا هذه، وقد اتجه صاحبنا في طريق مختلف عن طريق زملائه حتى ابتعد عنهم وهم لا يعلمون الى اين هو ذاهب، ظانين انه ذهب لقضاء حاجة مُلحة، وقد ابتعد شيئا فشيئا، وكان الوقت قبيل الغروب، مستمرا في السير حتى توارى تماما مع حلول الظلام وهبط الليل، وصاحبهم لم يعد اليهم فشكلوا فريقا للبحث عنه، ولكن دون جدوى واستنفروا مجددا عند بزوغ خيوط الفجر الاولى وعاودوا البحث عنه مرة اخرى وسؤال من يصادفونه في الطريق دون جدوى، فأصابهم اليأس والألم لغيابه، وتم اصلاح الخلل في السفينة ولم يعد زميلهم المفقود فأصابتهم الحيرة، وهل يرحلون من دون زميل عزيز عليهم..! أم يتريثوا حتى يتم العثور عليه! فرأوا ان يمكثوا بضعة ايام، ولكن زميلهم ايضا لم يأت مما اضطرهم للمغادرة من دونه، والضيق والألم يرسمان الملامح لفقدان الصوت الشجي الذي طالما أطربهم وخفف عنهم اهوال البحر ومخاطره، حيث كان زميلهم يعمل مطربا للسفينة (نهام)، وهي احدى تصنيفات المهن البحرية الكويتية القديمة، فقد كان الغناء ضرورة مُلحة للتخفيف من شعور البعد عن الوطن.
أبحروا، الى الهند وهناك باعوا ما لديهم من تمور واشتروا بثمنها اللوازم والاحتياجات والمواد الغذائية، ثم أبحروا مرة اخرى الى موانئ شرق افريقيا وباعوا قسماً مما لديهم واشتروا بثمنه الاخشاب والحبال، ثم بدأوا رحلة العودة الى الكويت، وكانت سفرتهم قد استغرقت وقتا طويلا جاوز الثمانية اشهر.
وصلوا الى الكويت وسألوا عن صاحبهم، فكانت الصدمة المؤلمة بانه لم يعد الى ارض الوطن، واحتاروا، إذ ماذا سيقولون لأهله ومعارفه واصدقائه! وكيف سيكون وقع هذا الخبر على زوجته وأولاده الذين توقعوا عودته اليهم سالماً ومحملاً بالرزق والهدايا! ولم يكن لهم سبيل سوى مصارحتهم بكل التفاصيل.
ومضت السنة الاولى وتلتها الثانية والثالثة، حينئذ ظهرت المفاجأة بعودة (البحار) الغائب بعد ثلاث سنوات الى ارض الوطن سالما معافى، وكان اعتقاد الجميع بان مكروها اصابه منذ ابتعاده عن زملائه بعد جنوح السفينة عندما تعطلت او قد يكون التهمة حيوان مفترس او لربما قتله قطاع الطرق لسرقة ما لديه من مال، اما ان يعود سالما، فلا بد ان يكون هناك سبب قسري جعله يغيب كل هذه المدة الطويلة.
الجميع يترقبون كل تفاصيل الحدث المثير، خصوصا زوجته وأولاده الذين عانوا الامرين لفراقه، وبعد ان التقط انفاسه بدأ بسرد قصته وسياق الاحداث ومجرياتها المثيرة لاختفائه طوال تلك المدة مستهلا حديثه كعادة اهل الديرة بالصلاة على الرسول الكريم، وقال: بعد ان جنحت سفينتنا الى البر لاصلاحها رسونا في احد "البنادر" في منطقة الخليج العربي ونزلت عن ظهر السفينة وسرت على شاطئ البحر مبتعدا عن زملائي (لقضاء الحاجة)، وفجأة انقض عليّ اربعة من الرجال الاشداء وشلوا حركتي وحاولت مقاومتهم لكن دون جدوى ثم ربطوا يدي من الخلف واثناء ذلك حاولت التفاهم معهم، وان اشرح لهم بأني مواطن كويتي واعمل بحارا عند (النوخذة) الفلاني وان جماعتي في انتظاري على ظهر المركب، ارتجلت اقوى عبارات البلاغة علها تلين قلوبهم وتثنيهم عن تصرفهم غير الانساني، حاولت ان استنجد، اصرخ، فلم استطع، ثم تم اقتيادي بطريقة وحشية، بعد ان شلوا حركتي تماما واركبوني على ظهر أحد الجمال واتجهوا بي الى منطقة تبعد كثيرا عن موقع زملائي ثم توقفوا في المساء لنصب مخيمهم حاولت مرة اخرى ان اعرفهم بنفسي واشرح لهم وضعي فلم يعيروني اي اهتمام، وكنت اعتقد ان المسألة مجرد اشتباه وفي الصباح سيتم التحقيق معي ثم الافراج عني، وكان ذلك اعتقادي رغم (البهدلة) والمعاملة غير الانسانية.
وعند بزوغ الخيوط الاولى للفجر رحلوا - طبعا انا معهم - ولم اذق النوم ليلتها علاوة على الاجهاد النفسي والفكري، لقد رحلوا الى قرية بعيدة وأنزلوني وانا مكبل اليدين ثم انذروني ان حاولت الهرب فسيكون مصيري القتل، وبعد ايام اقتادوني الى سوق بيع الرقيق رغم اني مواطن كويتي (حُر) ولدي زوجة وأولاد واعمل (بحارا) على ظهر سفينة تجارية كويتية، ولكن مشكلتي تكمن في لون بشرتي الاسمر، وتم بيعي بالفعل لتاجر في المنطقة، حاولت ان ابين للمشتري بأني انسان حُر قبل كل شيء ولي وطن وانتماء، ولدي اهل وأولاد ولدي جماعة وعلى رأسهم (النوخذة) الذي يترقب عودتي بفارغ الصبر!.. فلم يستمعوا الى توسلاتي وكان جزائي الركل والضرب بالخيزرانة، حاولت ان اصرخ، ابكي، استنجد، ولكن دون فائدة وتمنيت ان تبتلعني الارض ولا اكون في ذلك الموقف اللاانساني، المهم يضيف بطل القصة اخذني هذا التاجر وساقني امامه كالبهيمة وكان شديد القسوة عليّ، نعم لقد اصبحت عبدا وخادما بعد ان كنت حرا، طليقا اكسب قوتي من عملي ومكدتي وكفاحي ولقد اصبحت عبدا عند هذا السيد المبجل، وبعد فترة من الزمن بدأت معاملته تتحسن نوعا ما وانتهزت الفرصة لأشرح له وضعي بالتفصيل، ولكن صدمني انه لم يعرني انتباها ولم اصل الى نتيجة للخروج من المأزق الذي وقعت فيه قسرا وما جرح شعوري عندما سمعته يقول: "اني اشتريتك بثمن مرتفع، فهل تدفع لي تكلفة شرائك..؟" فخاطبته بعنف ومن حقي ان افعل ذلك وقلت: كيف ادفع، وانا اعمل ليلا نهارا دون ان اتقاضى اجرا مقابل عملي؟ ورأيت ان الهروب خير وسيلة وحاولت مرارا، فلم تفلح محاولاتي اليائسة، وكانت كل الابواب موصدة امامي، صبرت وفوضت امري للخالق، نعم سأصبر وان الصبر مفتاح الفرج، صبرت وجاءت التباشير تلوح في الافق وخفق قلبي خفقانا غير طبيعي، عندما جاءني الفرج على يد أحد تجار الكويت الذي زار ديوان الرجل الذي اشتراني، وما ان وقعت عيناه عليّ حتى عرفني حق المعرفة، فهو جاري بالسكن وبيته ملاصق لبيتي منذ سنين طويلة، وما ان هدأت حالي.. أخذ يستفسر عن سبب وجودي، حينئذ لم اتمالك نفسي وانهمرت الدموع من عيني مدرارا، تلك الدموع التي حبستها على مدى ثلاث سنوات وقصصت عليه ما جناه الزمن عليّ من ظلم وقهر وعبودية، ولم يهن على التاجر الكويتي الشهم وضعي السيئ وأبى العودة الى الكويت دون اصطحابي معه واشتراني من الرجل الذي كنت عنده، ووهب لي حريتي في الحال وما اعظم ثمن الحرية، وما اجمل مواقف اهل الكويت الكرماء، وها أنا الآن بينكم والحمدلله رب العالمين "وقل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا".
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف