أخبار

في ذكرى مذابح الأرمن والسريان في تركيا

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سليمان يوسف يوسف
&
&

في بداية القرن السادس عشر الميلادي نجح العثمانيون في ضم بلاد مابين النهرين وأرمينيا ومعظم المناطق العربية في آسيا وأفريقيا إلى إمبراطوريتهم. معظم الشعوب التي أستعمرها العثمانيون عانت من مظالم العصبية والسياسية الشوفينية للعثمانيين حتى وصل الأمر بهذه الشعوب إلى مستوى الانحطاط الثقافي والاجتماعي بسبب عقلية الرعاع الأتراك المستعمرين وما زالت بصمات التخلف وآثار الانحطاط ظاهرة على هذه الشعوب.وقد شخص كل من شكسبير وفيكتور هوغو مخاطر السياسة العثمانية الغاشمة بالقول: (( من هنا مرَ الأتراك )). وتعتبر الفترة المحصورة بين 1841-1848 مرحلة عاصفة في تاريخ وحياة المسيحيين من رعايا الدولة العثمانية من أرمن وآشوريين(سريان/كلدان) في بلاد مابين النهرين، حيث فرض عليهم خوض صراعاً مريراً من قبل أطراف مختلفة في مقدمتها الأتراك وكذلك المبشرون الأوربيون والأمريكان ومن معهم من حلفائهم من العشائر والقبائل الكردية، في مقدمتهم زعيم أكراد بوتان (( بدر خان بك)).
في نهاية القرن التاسع عشر بدأ ينمو الوعي القومي و الفكر السياسي الوطني للشعوب المظلومة وبدأ المثقفين والمفكرين من هذه الشعوب بإنشاء حركات التحرر وتأسيس الأحزاب الوطنية التي طالبت وناضلت من أجل التخلص من وطأة حكم الأتراك العثمانيين وبدأ يتصاعد النضال التحرري والكفاح المسلح لهذه الشعوب المظلومة من (العرب والأرمن والآشوريين...وغيرهم...وغيرهم....).مما دفع تركيا-وهي تشعر بالهزيمة - للقيام بحملة اعتقالات وإعدامات لرواد الفكر القومي ورموز النضال التحرري الذين دعوا إلى تحرير الشعوب المظلومة من حكم الأتراك. وكانت هذه الحملات تمهيداً لحملات الإبادة الجماعية و(المذبحة الكبرى)عام1915م بحق الأرمن والآشوريين. والتاريخ الآشوري حافل بأمثال هؤلاء المناضلين أمثال الصحفي أشور يوسف الذي أعدمته السلطات التركية عام/1915 والمفكر نعوم فائق الذي ترك وطنه بسبب ملاحقة السلطات التركية له.يقول(أرنولد توينبي) المؤرخ الإنكليزي في مذكراته)):لم يكن المخطط يهدف إلا إلى إبادة السكان المسيحيين الذين يعيشون داخل الحدود العثمانية.)). ويقول(هنري مورغنتاو) السفير الأمريكي لدى القسطنطينية))في ربيع عام 1914وضع الأتراك خطتهم لإبادة الشعب الأرمني.وانتقدوا أسلافهم لعدم تخلصهم من الشعوب المسيحية أو هدايتهم للإسلام منذ البدء.ويضيف:لقد أتاحت ظروف الحرب للحكومة التركية الفرصة، التي طالما تاقت إليها، لإحكام قبضتها على الأرمن)). فبدلاً من أن تنفذ تركيا الالتزامات.التي تعهدت بها في الهيئات والمحافل الدولية اتجاه القوميات الغير تركية ورعاياها من المسيحيين، قامت بارتكاب المجازر الجماعية بحق هذه الشعوب.وجندت لها الآلاف من جنود الجيش وبعض القبائل والعشائر الكردية المسلمة باسم الدين.هذا وقد أدانت القوى العالمية الكبرى تلك المذابح واستنكرتها وحملت الحكومة التركية مسؤولية كل ما جرى من ويلات ومآسي للأرمن والآشوريين.ونالت قضايا شعوب المنطقة الواقعة تحت الحكم العثماني المزيد من التعاطف والتأييد الدوليين. ففي كانون الثاني عام 1919م وضعت الدول الكبرى الأربع- إنكلترا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا-مسودة صيغة تحدد أهداف الحلفاء من الحرب وقد تضمنت الفقرة التالية التي تتناول القوميات من رعايا الإمبراطورية العثمانية ما يلي)) نظراً لسوء إدارة الأتراك لرعياهم من الشعوب الأخرى والمجازر الرهيبة التي ارتكبوها ضد الأرمن وضد شعوب أخرى كالسريان خلال السنوات الأخيرة، فإن الحلفاء والقوى المرتبطة بها وافقت على وجوب اقتطاع أرمينية وسورية وبلاد مابين النهرين وشبه الجزيرة العربية بصورة نهائية عن الإمبراطورية التركية)).وإذا قارنا الخريطة الديمغرافية للمناطق المسيحية في كلٍ من أرمينيا و بلاد مابين النهرين الوقعة تحت الحكم العثماني كما كانت عليها قبل المذبحة الكبرى عام 1915م مع ما أصبحت عليه بعد المذابح نكتشف ببساطة هول الكارثة وحجم المأساة التي حلت بالشعبين الأرمني والآشوري.يقول (هنري مورغنطاو السفير الأمريكي في تركيا ما بين -11913 - 1916) في كتابه قتل أمة:(( لم يكن الأرمن الشعب الوحيد بين الأمم التابعة لتركيا عانت من نتائج سياسة (جعل تركيا بلداً للأتراك حصراً).فهناك اليونان والآشوريين من( السريان والنساطرة والكلدان) أيضاً فالقصة ذاتها تطبق عليهم مع بعض التعديل.أن تركيا ستبقى مسئولة عن كل تلك الجرائم أمام الحضارة الإنسانية))..ويعتبر القنصل البريطاني في الموصل من أكثر المراجع الدبلوماسية الغربية قرباً من مسرح ساحات المجازر المرعبة ففي تقرير له إلى سفير بلاده في القسطنطينية كتب واصفاً تلك المذابح بالقول: ((بأنه عار في جبين الإنسانية)). يقول الفيلسوف الإنكليزي (كانت): ((إذا كان قتل طفلٍ بريْ يسعد البشرية جمعاء فقتله جريمة)). ماذا كان سيقول كانت لو علم أن العثمانيين لم يقتلوا طفلاً بريئاً فحسب، وإنما أبادوا أمم وقتلوا شعوباً بريئة.
لقد ظلت مأساة الشعبين الأرمني و الآشوري على فظاعتها وأحداثها المروعة لعقود طويلة طي النسيان والكتمان من قبل المجتمع الدولي. لكن مع ازدياد الاهتمام الدولي في قضايا الشعوب المظلومة والجرائم الإنسانية التي اقترفت بحقها،و تأسيس العديد من المحاكم الدولية من أجل هذا الغرض، منها (محكمة الجزاء الدولية) في كانون الثاني من عام 2001المختصة بجريمة الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب.بدأ منذ سنوات الأرمن و الآشوريين بمختلف فعالياتهم السياسية والثقافية والاجتماعية والدينية تحريك قضية مذابح عام م1915 في تركيا على الساحة الدولية وعرض ملف هذه القضية على المنظمات والهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والشعوب والبرلمانات الأوربية، فقد ناقش الكونكرس الأمريكي عام2000 قضية مذابح الأرمن عام1915 في تركيا، وبعدها أقرت الجمعية الوطنية الفرنسية بمسؤولية تركيا عن المذابح. وفي السويد تم مناقشة قضية مذابح (السريان)الآشوريين في تركيا في أكثر من جلسة، كانت أخرها في آذار 2002م ونسبة المؤيدين هي في ازدياد مستمر.لقد مضى أكثر من سبعة وثمانون عاماً على ((المذبحة الكبرى)) أكبر مذبحة في التاريخ البشري الحديث. وقد اعترفت مؤخراً الحكومة الكندية بمسؤولية الدولة التركية عن المذبحة التي تعرض لها الأرمن في تركيا في ربيع عام 1915م ومازالت تركيا تتشبث بعنجهيتها وعقليتها الشوفينية التي خططت ونفذت المذابح الجماعية بحق المسيحيين،وتعاقب كل من يحاول فتح هذا الملف، فقد أحالت القس (يوسف أكبو لوت)إلى محكمة أمن الدولة التركية في ديار بكر بتهمة(الخيانة العظمى)عام 2000 لمجرد تصريح مقتضب أدلى به إلى صحيفة(حرييت) التركية عن حقيقة هذه المذابح التي ارتكبتها تركيا.
عندما يستعيد كل من الأرمن والآشوريين في الرابع والعشرون من نيسان من كل عام ذاكرتهم التاريخية بكل عناصرها ومكوناتها.ليس من أجل استعادة الماضي بكل مآسيه ونكباته والبكاء على ضحايا المجازر، وإنما لتذكير تركيا بهذه الجرائم الإنسانية التي اقترفتها ومطالبتها الاعتراف بمسؤوليتها اتجاهها والاعتذار لكلا الشعبين عنها، وتحمل ما يترتب على ذالك من نتائج. كذلك لإيقاظ الضمير العالمي اتجاه ما يجري من جرائم إنسانية بحق العديد من شعوب العالم.
المراجع:
-القضية الأرمنية والقانون الدولي. شاو ارش طوريكيان.
- الآشوريون بعد سقوط نينوى- المجلد السادس- مذابح بدر خان بك. للباحث: هرمز أبونا.
- قتل أمة:هنري مورغنطاو السفير الأمريكي في تركيا مابين(1913-1916).

&
كاتب آشوري سوري مهتم بمسالة الأقليات

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف