ثقافات

"عطش" للفلسطيني توفيق أبو وائل: يتوهج كعمل أول بسحر الفن وشفافية السينما الخالصة ويخطف جائزة "الفبريسي"

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
صلاح هاشم من باريس: تعرض مؤسسة السينماتيك الفرنسيي، دار الافلام الشهيرة في باريس، مترو "بون نوفيل"، تعرض مجموعة الافلام التابعة لتظاهرة "اسبوع النقاد" التي عرضت في مهرجان "كان " 57،، ومن ضمنها فيلم "عطش" للفلسطيني توفيق ابو وائل(من "أم الفحم" في فلسطين) وفيلم "الملائكة لا تطير في الدار البيضاء"& للمغربي محمد أصيلي..
ويعتبر فيلم "عطش" الذي اعجبنا به كثيرا في "كان"، من أحسن الافلام العربية التي عرضت في المهرجان، وتوهجت بالفن السينمائي الاصيل، والتعبير من خلال عنصر الصورة فقط ومن دون " تصريحات" و" هتافات" وحشو استعراضي فارغ، اذ يحكي ATASHعن اسرة فلسطينية تعيش منفردة تحت سيطرة الاب وجبروته، في عزلة عن المجتمع الفلسطيني، وتعمل بصناعة الفحم..
&وكان الاب بعد ان اغتصب احدهم ابنته الكبري، قرر الرحيل مع اسرته، درءا لعاره،وعلي الرغم من ان ابنته لم يكن لها ذنب في ماوقع لها، والاستقرار في تلك المنطقة المنعزلة او الارض المهملة المهجورة التي يستخدمها الجيش الاسرائيلي بين الحين والحين، كساحة لتدريبات اطلاق النار..
&ويسحبنا توفيق ابو وائل داخل فيلمه الرائع- البعيد جدا عن الصراعات والمواجهات والمشاحنات المكررة المعادة في الافلام الفلسطينية المعتادة التي تكشف عن عذابات الفلسطينيين ومحنتهم- يسحبنا الي داخل فيلمه، لنعيش مأساة الاسرة الفلسطينية من الداخل، في الباطن، التي يشمخ فيها الاب بسلطته، ( فتش عن الاب) وينجح في تحويل ذلك الخلاء في الهواء الطلق، الي مستعمرة كافكاوية من القسوة والحبس، اذ يدوس علي رقاب الصغار، و يمنع ابنته الكبري من الخروج حتي تضطر الي الهرب،من فرط الظلم الواقع عليها، وعلي افراد الاسرة جميعا، ويعنف ابنه البالغ 16 سنة علي تسلله وهروبه الي المدرسة علي ظهر حمار، ويضربه ضربا مبرحا، وكأنه يحفزه علي قتله، وتخليص الاسرة من استبداده..
&وتنحصر اعمال الاسرة في قطع اخشاب الشجروحرقها لصنع الفحم، وتبدو هذه النار المشتعلة في الشجر، امتدادا لنار الغضب والكراهية والحقد علي هذا الاب الظالم في الصدور، وكأنها ستلسع في النهاية مع تطوراحداث الفيلم، ستلسع افراد الاسرة، وتأتي عليهم جميعا وتلتهمهم..
فيلم "عطش" لتوفيق ابو وائل الذي يحكي ايضا عن تركيب ماسورة مياه لتزويد الاسرة بالماء، وتكون بمثابة صلتها الوحيدة بالعالم الخارجي في اسرائيل، وتجلب عليها المشاكل، هو اشبه مايكون بقصة قصيرة لتشيكوف الروسي العبقري، فهو عن اناس عاديين، لكنهم فجأة يتحولون عند النفاذ الي عوالمهم الداخلية،كما في قصص تشيكوف، يتحولون الي" ابطال تراجيديين "، يتجاوزون حدود عالمهم الخاص جدا والضيق، لكي يعانقوا فينا انسانيتنا، ويعبروا حدودهم الاقليمية الي العالمية..فيلم " عطش" الذي بدا لنا مثل "تراجيديا" يونانية لاسخيلوس او سوفوكل، بايقاعه البطيئ واجوائه، يتوهج سينمائيا في حكايته وتصويره وشخصياته، يتوهج بتركيزه ورموزه وبساطته وشفافيته، مثل قصيدة لليوناني كفافي، او الفرنسي جاك بريفير، ويتألق بتمثيل مجموعة من الممثلين الهواة من غير المحترفين، تضم حسين ياسين مهجان وأمل بويرات وروبا بلال وجميلة أبوحسين وأحمد عبد الغني، ويخلو من " نجوم" السينما العربية، من أنصاف المواهب،وتجدهم يامؤمن في كل فيلم، حتي خربوا السينما الفن في بلادنا،وجعلوها بسبب حضورهم وطلباتهم ونزواتهم في كل فيلم، تقف عند حدود تصوير اناس بلهاء يتكلمون ويثرثرون،كما في جل أفلامناومسلسلاتنا التلفزيونية العربية للاستهلاك المحلي، من أجل ارضاء "الذائقة" الفنية العربية التي انحدرت ووصلت في اطار التدهور الشامل العام الي الحضيض..
فيلم "عطش" لتوفيق ابو وائل- فيلمه الروائي الطويل الاول- حصل في "كان" 57 علي جائزة "الفبريسي"ا تحاد نقابات و جمعيات النقاد السينمائيين في العالم، وهي جائزة ذات قيمة ووزن كبيرين، اذ تمنحها مجموعة من النقاد المختصين في مهرجان "كان" كل سنة لأفضل فيلم من افلام تظاهرتي "نصف شهر المخرجين" و"اسبوع النقاد" في المهرجان، وهو يستحق المشاهدة عن جدارة، فترقبوه، وتحية الي توفيق ابو وائل علي فيلمه الجميل الذي يعكس موهبة سينمائية حقيقية، ويعلن عن ميلاد مخرج فلسطيني جديد ومتميز، من قلب نار الحطب في "أم الفحم" واحتلال فلسطين..
ويعرض "عطش" في اطار التظاهرة المذكورة يوم السبت 5 يونيو الساعة 7مساء، اما فيلم "الملائكة لا تطير في الدار البيضاء" للمغربي محمد أصيلي فيعرض يوم الاحد 6 يونيو الساعة 7 مساء.
والجدير بالذكر ان فيلم "ذهبي" OR الحاصل علي جائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان " كان " ويحكي عن الدعارة في المجتمع الاسرائيلي، وكانت مخرجته كيرين يدايا المناضلة الاسرائيلية اليهودية في حفل تسليم الجوائز، ذكرّت في كلمتها بمحنة الفلسطينيين وعذاباتهم، و طالبت العالم ان ينهض لمساعدتهم في نضالهم ضد الاحتلال والقهر والقمع في فلسطين المحتلة، ونقلت تصريحاتها عبر البث المباشر للحفل،شاشات التلفزيون في انحاء العالم،و بحضور اكثر من 4 الآف صحفي في المهرجان..سوف يعرض ايضا فيلم "OR " ضمن افلام التظاهرة يوم الخميس 3 يونيو في التاسعة والنصف مساء، وسنعود اليه في ( حصاد "كان" السينمائي) قريبا علي صفحات إيلاف.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف