الانسحاب من ارض اللاميعاد
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
&
&
أعطهم يا رب ماذا تعطيهم أعطهم أثداء جافة وأرحاما بلا بنين في الجلجال ارتكبوا جميع شرورهم فكرهتهم هناك لسوء أعمالهم اطردهم من بيتي ولا أعود احبهم فكل رؤسائهم متمردون قد جفت أصولهم فلن يثمروا وان انجبوا فاني اهلك أبناءهم ينبذهم الهي لانهم أبوا الاستماع أليه لهذا يتشردون بين الأمم.
كلمات ليست من عندياتي بل هي لنبي من أنبياء بني إسرائيل وهو هوشع النبي في سفره الإصحاح التاسع من العدد الخامس عشر حتى السابع عشر وتضعها الكنيسة القبطية في آخر قراءتها في الأيام التي تسبق عيد الفصح فيما يسمى بأسبوع الآلام.
والتدليل بأقوال نبي من أنبياء بني إسرائيل يرفع عنا الاتهام بالعداء العنصري ضد السامية لان القائل هنا من بني جلدتهم وكذلك لان العرب ساميون ولانهم في الوقت الذي كان اليهود فيه يتعرضون للاضطهاد في أوربا فتح العرب بلادهم وأسواقهم لهم وعاشوا بينهم في سلام وبحبوحة آمنين وهو ما يرفع عنهم الاتهام من اصله.
ولعل الأحداث الجارية قد أثارت عندنا التفكير بين التنبؤات وتحقيقها وبين الواقع على الأرض التي أطلق عليها ارض الميعاد فيما مضى... لكن ماذا عن هذه الأحداث؟
في نهاية السبعينيات انسحبت إسرائيل من ارض سيناء ولاحقا كانت رحلة الهروب الليلي والانسحاب من جنوب لبنان وها هي اليوم تستعد للرحيل من قطاع غزة والحديث دائر عن الضفة الغربية.
ما الذي يجري بحق السماء وكيف عن لهم ترك ارض الميعاد بهذه الصورة؟
ولماذا كان الكفاح طوال آلفي سنة من الدياسبورا للعودة إلى فلسطين إذن؟
اطردهم من بيتي ويتشردون بين الأمم هكذا يقول هوشع وها هي النبؤة تتحقق هم بأنفسهم يطردون ذواتهم من الأرض التي أطلق عليها ارض الميعاد.
لكن ما هي ارض الميعاد وعن أي وعد يتحدثون؟
نقرا في سفر التكوين الفصل الخامس عشر في العدد الثامن عشر "" في ذلك اليوم بت الرب مع إبراهيم عهدا قائلا لنسلك أعطى هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات.."".
هذا هو الوعد الذي استندت أليه الصهيونية والصهيونيون لتبرير احتلال فلسطين والحال أن هذا الوعد قد تحقق منذ أربعة آلاف سنة وقد بته الله لذرية إبراهيم كلها أي على الأقل لابنيه أي لليهود بواسطة إسرائيل ( يعقوب) وأيضا للعرب بواسطة إسماعيل وحسب تأكيد مفسري الكتاب المقدس في عهديه القديم والجديد الشهيرين فان الآيات التي تشير إلى إسرائيل لا تعني إسرائيل كدولة معينة قائمة في مكان معين لها كيانها السياسي والاقتصادي ولكنها تشير إلى جميع الشعب المؤمن إسرائيل الله أي شعب الله المؤمن.
والوعد الإلهي بإعطاء إبراهيم ونسله من بعده ارض كنعان ملكا أبديا كان في أيام إسماعيل لان الذي اختتن كان إسماعيل من منطلق أن اسحق لم يكن قد ولد بعد بل أن الموعد بالامتداد من النيل إلى الفرات حدث قبل أن يولد إسماعيل ولهذا فان تفسيره بأنه يختص بالإسرائيليين دون غيرهم مغالطة دينية وتاريخية معا خاصة وان هذه المنطقة كان على الدوام يحكمها العرب الذين هم من نسل إسماعيل.
انهم ينسحبون من ارض آلا موعد إذن.... لماذا؟
لان زعمهم بأنها ارض الميعاد في اصله ليس صحيحا وهو من قبيل ادعاء الابن المطرود من بيت أبيه وقد فقد شرعيا كل حقوقه بعد أن جرده أبوه نهائيا ثم أن الوعد بأرض الميعاد ارض كنعان بفلسطين قد تم قديما في أيام يشوع بن نون تلميذ موسى النبي الذي دخل ببني إسرائيل إلى هذه الأرض
لكن ما علاقة بني إسرائيل بيهود اليوم؟
الإجابة تجيء هذه المرة على لسان الدكتور أبرا هام هيشيل أستاذ التصوف اليهودي في كلية اللاهوت اليهودية في نيويورك في عدد صحيفة النيويورك تايمز الصادر في الثامن عشر من نوفمبر من سنة 1959 حينما أعلن أن نبؤة العهد القديم عن ارض الموعد وبناء الهيكل قد تمت وان الصهيونية التي تدعو إلى قيام إسرائيل هي جهاز سياسي ومنظمة عالمية لا صلة لها باليهودية بل أنها حقرت المعنى النبيل والوحي القديم للفظ إسرائيل والذي كان يدل على فكرة دينية روحية لها قدسيتها والتي نشأت من تقليد مقدس قديم لا يجدونه في كيان دولة مدنية حديثة.
لكن يقوا قائل منهم نحن أولاد إبراهيم والوعد ممتد فينا عبر الزمان والمكان إلا أن السيد المسيح قد رتب لهم الرد الوافي الشافي منذ نحو آلفي سنة عندما قال لهم " لو كنتم أبناء إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم إنكم انتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تبتغون أن تتموا. يوحنا 8: 39-44.
أما بولس الرسول فيلسوف المسيحية الأشهر فيضيف" لانه ليس جميع الذين من إسرائيل هم إسرائيليون ولا لانهم من نسل إبراهيم هم جميعا أبناء إبراهيم رومية 9: 6-7.
والحاصل انهم صاغوا أدلتهم في قالب يقبله الغافل عن الحقيقة ويمجه الباحث المتيقظ إذ ليس الله هو الذي أقام دولة إسرائيل لكن اليهود هم الذين أقاموها دفاعا عن كيانهم وإثباتا لوجودهم ومفلتا من الاضطهاد الذي وقع عليهم عدلا في كل البلاد التي تشتوا أليها منذ هزيمتهم وهزيمة ثورتهم في سنة 70 ميلادية عندما قهرهم تيطس القائد الروماني.
انهم يتركون ارض اللاميعاد أذن لأنها لم تكن لهم من الأصل ذلك لانهم طبقا للحسابات اللاهوتية لأنبيائهم واقعون تحت غضب الله فليس لهم أذن أمام الله كيان معترف به وليس كل جهدهم إلا محاولة بشرية مصيرها الفشل المحقق وها هي الأيام تؤكد ما ننحى أليه من سيناء إلى جنوب لبنان وصولا إلى بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة.
لقد قبل العرب بقرار التقسيم الصادر عام 1947 ومدوا أياديهم طويلة للسلام وقبلوا العيش مع الدولة الجديدة على الأرض المغتصبة لكن ما لا تعلمه العرب أن الوعود الإلهية لا علاقة لها بقرارات هيئة الأمم ولا باتفاقيات الحياة المشتركة كما أن التنبؤات الإلهية في حق هذا الشعب تتفق فيها الروايات الاسكاتولوجية الإسلامية والمسيحية على حد سواء والاسكاتولوجية هنا بمعنى روايات نهاية الزمان وقيم الساعة.
أمر آخر أجد انه من الضروري الإشارة أليه ففي التلمود تأتى الوصية لليهودي على هذا النحو" اعتزل باقي الأمم.. أو ابق على شخصيتك بينها.. واعلم انك أنت الوحيد عند الله.. آمن بالنصر على العالم اجمع... آمن بان كل شيء سيخضع لك" واليوم ها هي تعزل ذاتها من جديد بجدار عازل لكن هل يدرك جلكم ماذا عن هذا الجدار؟ انه البداية المماثلة للجدار الآخر الذي أشار أليه السيد المسيح في غابر الأزمان إذ يقول إنجيل القديس لوقا وهو يروي دخول المسيح إلى أورشليم في يوم الأحد المعروف بأحد الشعانين" ولما اقترب المسيح نظر إلى أورشليم وبكى عليها قائلا لو انك أنت أيضا كنت تدرين على الأقل في هذا اليوم الذي هو لك ما هو لاجل سلامك؟ ولكنه ألان محجوب عن عينيك لكن ستأتي عليك أيام يحيط بك فيها أعداؤك بالمتاريس ويطوقونك ويحاصرونك من كل جهة ويدكونك وبنيك فيك ولا يتركون فيك حجر على حجر لانك لم تعرفي زمان افتقادك.
فهل جاء الجدار العازل هذه المرة من جديد لا ليبشر بل لينذر بتكرار ما كان على يد تيطس الروماني ثانية؟
انهم محاصرون في ارض اللاميعاد ذلك لان علماء المسيحية الحقيقيين يجمعون على أن تجمع إسرائيل الآن ليس من إرادة الله في شيء لانهم في سعيهم لذلك لا يطلبون وجه الله ولا يعتمدون على زراع الرب انهم مغمورون في جو قاتم من السياسة يتذللون للأمم الكبيرة في ضعة وفي مهانة يطلبون معونة يتطلعون من وراءها إلى السطوة والى الانتقام لقد ضلت إسرائيل وانخدع كثيرون من الكتاب العالميين والمسيحيين معتقدين أن في تجمع إسرائيل نصرة للرب وفي عودة الصهيونية تكميلا للنبؤة
لكن الحقيقة هي أن إسرائيل فارقها روح الرب لذلك تطلب وطنا في فلسطين وان كان على أشلاء العرب إنها تسعى إلى عزلتها الأولي وتنظر إلى يهوه كأنه منحصر في تخوم اليهودية تحيط به حدود بلاد يعقوب وفي نظرتها لنفسها على أنها الشعب المختار صاحب الوعد بالأرض تعيش عنصرية هادمة لمعنى الألوهية ولروح البشرية في آن واحد حيث أن في كل أمة الذي يتقى الله ويصنع البر مقبول عنده كما يقول بولس الرسول ولان ليس عند الله محاباة من اجل هذا سيظل فرع إسرائيل يابسا غريبا عن شجرة الناس إلى أن تعلم انه لا عنصرية بين الناس ولا تشيع في الله وان لله الأرض إلى أن يرثها سبحانه ومن عليها.
كاتب مصري
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف