"بلا بوش" سيميولوجيا التنكيتوالتبكيت في العراق الراهن
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
&
&
يتداولها أهل العراق والجنوبيون تحديدا( ( بلا بوش)) ولكن حين تسألهم عن معناها، يعمدون الى هز الكتف دلالة على عدم المعرفة الثابتة والواضحة بها.مفردة يلعب النبر والجرس الدور الكبير فيها، فهي حينما تُنطق قصيرة تفيد الزجر والنهي، فيما تعني المبالغة الشديدة عندما يعمد ناطقها الى المد والتطويل.وهكذا ظل العراقيون ينطقون ويعيشون ويحلمون بالوظيفة والزواج والعقاري والبيت والسيارة، والتتويج النهائي المتمثل بالتقاعد وصولا الى ارتداء (( الدشداشة البيضاء)) وسقي الحديقة المنزلية عصرا.
&
اليسير والصعب
الشريحة الأوسع من العراقيين ما فكر أحدهم بالمناصب والسياسة والشد والجذب، تلك مساحة يدعونها ب (( الطلايب والبلاوي)) ومن هذا كانوا يحلمون بالبساطة والتيسير والسهل، فهم يفسرون الأمور بمباشرة وأريحية في أشد الموضوعات تعقيدا، حتى لتراهم يجتهدون ويوضحون ويختلفون الى الحد الذي يصل الحوار الى اللكم والهتاف، لكن هذا كله سرعان ماتبدده الروح العراقية السمحة.فيما تعدد الأصوت الفكرية والإجتهادات السياسية داخل المنزل الواحد، حتى لتجد بين أعضاء الأسرة الواحدة البعثي والشيوعي والإخواني والدعوي، في تناغم يعبر عن هذا الخليط العجيب والمحتدم الذي يكون العقل العراقي.لكن هذا كله سرعان ماتعرض الى الهدم بمعول الأيديولوجيا الصارمة التي ثبتتها تفاصيل الحزب الواحد والقائد الواحد ومن ثم العشيرة والأسرة والفرد الذي تم إختصار العراق الجميل والخالد فيه، في هشاشة ملفتة، كانت نتائجها أن انعكست في ترسيم معالم هذا المزاج الآني الذي تلوح تفاصيله، في الخراب الراهن المقيم على الصدور والأرواح والأفئدة.
دعونا نتساءل عن أي مثقف عراقي لم يعمد الى انتقاء زاوية في حديقة منزلهم، من أجل إخفاء مؤلفات كارل ماركس أو كتب الشهيد الصدر،أو هادي العلوي أو حتى الكتب الدينية العادية والتي لا تشي بأي ملمح تنظيمي، خشية من عيون الوشاة والرقباء والذين إجتهدت السلطة الشمولية في غرسهم كنبات شيطاني في عمق البنية الإجتماعية العراقية، بل أن الأشرطة الصوتية للشاعر النواب وخطب الشيخ الوائلي وحتى أغاني فؤاد سالم، صارت تكلف مقتنيها السجن لسنوات طويلة في غياهب السجون، لمن أوتي حظا عظيما، فيما القتل والإعدام يكون العقاب الأشد حضورا تحت دعوى الخيانة والترويج للفكر الهدام.
في اللقاء الأول(( للبلابوش)) بعد عاصفة الصحراء عام 1991، تفطن البعض من الظرفاء الى حث الجهاز التأويلي، مستفيدين من لسانيات دوسي سير وجينالوجية ميشيل فوكو ووظيفية بارسونز وعلامات شتراوس وبنية اللاشعور لدى لاكان، ليتم الربط بين هذه الهجمة التي جاءت نحو الطاغية في أعقاب غزوه للكويت، والإفراط في استخدام القوة من قبل القوات الأمريكية التي نالت من العراقيين في الوقت الذي كان من المفروض أن تتوجه نحو الطاغية، لكنها المعادلات والمصالح التي يجيد العراقيون قراءتها، ليتم الوصول الى المعنى الذي ظل غائبا في طيات التداول والشيوع، ليقولوا متخابثين ؛ (( هذا بلاء بوش الذي طالما حدثنا عنه أجدادنا)).
&
الغالي والرخيص
ومابين(( البلا والبلاء)) يبقى العراقيون يعيشون الأوضاع المضطربة والمقيتة، حيث اللاجدوى واللاأمل والخيبة وانعدام الرجاء، ينشر بتفاصليه على المجمل من الوقائع والتفاصيل، لتكون النتيجة واقعة في إسار اللاأبالية وعدم الإهتمام، باعتبار أن الأهم صار مرتهنا في الرغبة التي تعن على العراقي، حيث التطلع نحو التمسك بالحياة بالأقل القليل والبسيط والمتوافر والممكن، من دون التجرؤ على الاقتراب من الأحلام البسيطة والمتواضعة، التي داعبت ذات يوم مخيلتهم، باعتبارهم ينتمون الى بلد يمتلك من الثروات الطبيعية مايزيد ويفيض، لكن هذا كله لم يعد من نفع عليهم سوى بالسخام الذي غلف أجواءهم ولوث هواءهم وقتل الرغبات والتقمصات والخيالات والرغبات، حتى كان البلاء عظيما والمصاب أشد فتكا، لاسيما عندما تتعرض إرادة البقاء والرغبة بالعيش الى مجرد تهويم وطراد من أجل الحصول على لقمة العيش.
يتزاحم العراقيون اليوم حول الوقوف على المعنى، أي معنى في سبيل الوصول الى الفهم، هذا الأخير الذي غدا بعيدا وعسيرا بعد أن اختلطت الأوراق، وراح الجميع يتقنع بالوطنية والمباديء والإحساس بالمسؤولية.فيما تبقى ((البلابوش)) قائمة من دون أن تتزحزح قيد أنملة من فؤاد رجل غاضب لا يفتأ يرددها في لحظة حنق أوغضب جامح، بعد أن صار الوجع هو المتسيد لكل شيء، أما المزاج الرائق والصفاء وطولة البال فقد صارت نسيا منسيا، في ظل الاحترابات والبحث الدائب والمستنكر عن الزعامة والقيادة، بعد أن غاب الزعيم الأوحد والهارب الأكبر على مدى التاريخ العراقي الطويل والعريق.
تورنتو
imseer@hotmail.com
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف